Skip to main content

العبادات

الفصل الثاني عشر
العبادات

إن المحور الرئيسي في أي ديانة من ديانات العالم مهما كانت هذه الديانة هو العبادة وما يرتبط بهذه العبادة من معتقدات وطقوس ومراسيم وفرائض. إن طبيعة العبادة في أية ديانة تبين للباحث مدى سمو ونُبل تلك الديانة أو ضحالتها وزيفها. لذلك لا بد لنا تبعا لما نهجنا عليه في هذا الكتاب من فحص العبادة في كل من الإسلام والمسيحية ومن مواصلة المقارنة بين كل من الرسالتين، رسالة محمد والإسلام ورسالة المسيح والمسيحية. والهدف من وراء ذلك هو إظهار أي من الرسالتين أرفع وأسمى وأجل وأعلى.
العبادة في الإسلام:
كما هو معروف بين المسلمين وغير المسلمين تقوم العقيدة الإسلامية على خمسة أركان أو فرائض هي محور العبادة في الإسلام، ولا يكتمل إسلام المسلم بدون ممارسة هذه الفرائض، وقد جاء في الحديث في هذا الشأن: "حدثنا عبيد الله بن مُعاذ حدثنا عاصم وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عُمر عن أبيه قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول عبده ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ بيت الله الحرام، وصوم رمضان." (مسلم ج 1 ص 177). سوف نتأمل في هذه الأركان كل واحدة على حدة.


الإيمان (الشهاداتان):
الشهاداتان هما مفتاح الإسلام. لا يمكن لأي شخص أي يكون مسلما إلإ إذا نطق بالشهادتين: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله". من الملاحظ هنا أن جميع الأنبياء من آدم وحتى المسيح لم يقرن أحد منهم الإيمان بشخصه كنبي أو كرسول مع الإيمان بالله. كان جميع الأنبياء يوجهون أنظار الناس إلى الله وليس إلى أشخاصهم، إذ كانوا هم ليس إلا مجرد واسطة مؤقتة. لم نجد مثلا أن إبراهيم أو موسى قد قرن نفسه مع الله بحيث جعل الشهادة به فرضا على بني إسرائيل. إن الشخص الوحيد الذي اقترن إسمه بالله هو المسيح، ويرجع ذلك إلى ميزات خاصة امتاز بها المسيح عن كل الخلائق بما فيهم الأنبياء. وعلى الرغم من أن المسيح "تمثل بشرا سويا" فإنه حسب تعليم الإنجيل وما نطق به كان في ذات الوقت إلها قادرا مقتدرا. حيث تمثلت في المسيح كلتا الطبيعتين البشرية و الإلهية تمثلا كاملا، الأمر الذي ينقص جميع الأنبياء وينقص محمدا بن عبد الله.
لذلك فإن باستطاعة المسيح وحده أن يقول: "أنا هو الطريق والحقوق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 16:14).
وهناك شواهد وأدلة كثيرة لا نريد التعرض لها حتى لا نخرج عن منهج هذا الكتاب كما ذكرنا في البداية. لذلك فإن إسم المسيح يقترن دوما بإسم الله. ونحن نتساءل هل كان غرض محمد تقليد المسيح حين جعل النطق بالشهادتين فرضا على المسلمين وهو بذلك قد ضمن رغما عن الادعاء بأنه عبد ورسول ونذير وبشير... إلخ أن إسمه سيبقى إلى الأبد مصاحبا لإسم الله؟ إن إسم محمد يُنطق كل يوم مقرونا بإسم الله ملايين المرات من على المآذن وفي صلوات المسلمين وأحاديثهم اليومية. ففي الإسلام الإيمان بالله مرهون بالإيمان بمحمد.


الصلاة:
عادة تحتل الصلاة مكانة الصدارة في العبادة. وقد يختلف مفهوم الصلاة من دين لآخر. أما مفهوم الصلاة في الإسلام يتمثل في أن الصلاة هي عبارة عن فريضة لها طقوس محددة قولا وزمانا ومكانا وقبلة. وهي تعبير عن خضوع المسلم وتسليمه وطاعته لله. حتى يفهم القارئ الصلاة في الإسلام لا بد من توضيح بعض المسائل المتعلقة بها. فالأمر ليس بالبساطة التي قد يتخيلها البعض.
أولا: قبل أن يقوم المسلم بالصلاة يجب أن يكون طاهرا. وهذه الطهارة ليست بالضرورة طهارة من الأوساخ والأقدار الجسدية وإنما هي طهارة طقسية لها مراسيم خاصة. فمثلا إذا تنجس شخص بلمس نجاسة ما حتى بالمصافحة، فإن غسل اليد بالماء والصابون فكل العالم لا يكفي لتطهير الإنسان من نجاسته. والطهارة في الإسلام تتم عن طريق الوضوء وذلك عند توفر الماء، ويجب أن يتم الوضوء حسب وصفة محددة لا يخرج عنها وإذا لم يتم تطبيق هذه الوصفة فلا الوضوء ولا الصلاة بصالحين. يذكر القرآن في شأن هذا التطهير الطقسي "يا أيها الذين آمنوا إذا أقمتم الصلاة فاغسلوا وجوههكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنت مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا (ترابا نظيفا) فامسحوا بوجوههكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعلن عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون." (المائدة 6). وجاء في الحديث: "حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن سرج وحرملة بن يحي التُحيي قالا: أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى (عبد) عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ثم مضمض وأستنثر (بصق) ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى ثلاث ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو (مثل) وضوئي ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غُفر له ما تقدم من ذنبه. قال إبن شهاب: وكان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ (أكمل) ما يتوضأ به أحد للصلاة." (مسلم ج 3 ص 105).
هناك بعض الأشياء الموجبة للوضوء ذُكر منها ملامسة النساء سواء كان ذلك بالمضاجعة أم المصافحة إذا كانت المرأة غريبة أو الرجل غريب غير ذي محرم، وكذلك الغائط والفساء والضراط توجب الوضوء. كذلك لحم الإبل يوجب الوضوء كما جاء في الحديث: "حدثنا أبو كامل فُضيل بن حُسين الجحدري، حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله عن إبن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سَموه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فلا تتوضأ" قال أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم فتوضأ من لحوم الإبل". قال (الرجل): أأصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم". قال: أأصلي في مبار مبارك الإبل؟ قال: "لا"." (مسلم ج 4 ص 48). ومما يوجب الوضوء إو إلاغتسال الاستحلام إذ ما ما قذف الرجل في نومه أو إذا تهيجت المرأة جنسيا في الحلم وأفرز مهبلها السائل اللزج كما في الحديث: "حدثنا محمد بن المُثنى، حدثنا يحيى بن هشام قال أخبرني أبي عن زينب بنتُ أم سَلمة، عن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء." (البخاري ج 7 ص 123 مكرر).
من الآية التي ورد ذكرها سابقا نجد أن التطهير الطقسي إذا انعدم الماء يمكن أن يتم بالتراب ويسمى عندها بالتيمم. أما كيف أباح رب محمد التيمم فله قصة طريفة: "حدثنا يحي بن يحي قال: قرأت على مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد فلي قأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى إبي بكر (والد عائشة) فقالوا: ألا تدري ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس عندهم ماء. فجاء أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله وسلم والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. فقالت عائشة: فبعثنا (أنهضنا) البعير الذي كُنت عليه فوجدنا العقد تحته." (مسلم ج 4 ص 258، رواه البخاري أيضا).
قد نسلم بأن الإنسان يجب أن يكون نظيفا جسديا عندما يناجي ربه. لكن السؤال الذي لا بد أن نسأله هنا هو ألا يكفي أن يغسل الإنسان المكان الملوث من النجاسة سواء كان اليد أو الدبر أم غيره؟ لماذا كل هذ الحركات والطقوس ، وما فائدتها في غسل الأوساخ الجسدية، ناهيك عن أقذار النفس؟ هل يمكن لكل وضوء المسلمين أن يطهر نفسا واحدة من أقذارها والتي قد تكون حسدا وحقدا وشهوة وطمعا وخبثا وكبرياءا وبغضا...إلخ؟ ثم كيف يتطهر الإنسان بالتراب؟ كيف يمسح الإنسان على يديه ورأسه ورجليه بالتراب ويتطهر؟ أليس هذا شاذا وغريبا في الإسلام؟ ألا يشبه هذا التطهير بالتراب التطهير عند الهندوس عندما يطهرون أنفسهم في نهر الغانج الذي هو من أقذر أنهار العالم؟ أفلا يستطيع الإنسان عبادة ربه والصلاة إليه دون أن يُعفر يديه و رأسه ورجليه بالتراب؟
ثانيا: بعد أن يكون المسلم قد طهر نفسه بالماء أو التراب يستعد للصلاة. الصلاة في الإسلام هي فعل روتيني طقسي يقوم به المسلم على مدار أربعة وعشرين ساعة. الصلاة كما رأينا في عملية الوضوء ليست عبادة حرة وصلة حرة وشخصية بين العابد والمعبود، إنما هي وصفة طقسية لها مواصفات ومقاييس ثابتة من البداية وإلى النهاية ، يرددها المصلي غيبا عن ظهر قلب. تبدأ الوصفة بذكر عدد الصلوات في اليوم. على كل مسلم أن يصلي خمس مرات في اليوم. وقد يسأل سائل لماذا خمس صلوات؟ الجواب على ذلك نجده في رواية الإسراء والمعراج حيث ساوم محمد ربه على عدد الصلوات بعد أن أمره ربه أن يصلي خمسين مرة في اليوم. ولكن بفضل موسى خفف رب محمد العبء على أمة محمد بأن جعل عدد الصلوات خمسا بدل خمسين بعد عدة مساومات مع الله بإعاز من موسى ، كما في الرواية: "حدثنا يحيى بن بكر قال: حدثنا الليث عن يونس عن إبن شهاب عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "… ففرض الله على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال: ما فرض الله على أمتك؟ قال: فرض خمسين صلاة. قال: فارجع إلى ربك. فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعنى (أجاب طلبي) فوضع (أنقص) شطرها. (في أحاديث أخرى جعلها أربعين). فرجعت إلى موسى قلت: وضع شطرها فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعت، فوضع شطرها. فرجعت إليه (أي إلى موسى) فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون (أي خمس أو خمسون) لا يُبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك. فقلت استحييت من ربي." (البخاري ج 1 ص 116 رواه مسلم وإبن هشام أيضا). من الغريب كيف يغير رب محمد فكره بتلك السهولة. فهو يفرض خمسين صلاة في البداية ثم يبقى يساوم مع نبيه حتى يحفظها إلى خمس. هل كان رب محمد يخلو من الحكمة والمنطق والفهم عندما فرض على المسلمين خمسين صلاة؟ إن يوما بكامله ، ليله ونهاره، لا يكفي لإتمام هذه الصلوات بكل ما فيها من طقوس وحركات. وكيف لم يدرك محمد فداحة وفظاعة ما فرض ربه على أمته حتى يشفق موسى على أمة محمد، ويطلب منه الرجوع إلى ربه و المساومة معه حتى يخفف عن أمته؟ بحسب هذه القصة ، ظهر بأن موسى كان أعقل من محمد ومن إلهه. أكان إله محمد لا يعلم أنه إن صلى المسلمون خمسين مرة في النهار ، لا يبقى لديهم أي وقت للعمل او للنوم او للنكاح؟ لا شك أن كل مسلم مديون بالجميل والعرفان لموسى، ويجب عليه أن يقدم الشكر لموسى كلما وقف للصلاة، لأنه لولا موسى لبقيت أمة محمد ترزح تحت حمل الصلاة الرهيب الذي فرضه رب محمد عليهم في البداية إلى يوم يبعثون.
ثالثا: يجب أن تقام كل واحدة من الصلوات الخمس في أوقات محددة يجب أن لا تتجاوزها وإلا بطلت الصلاة. وترتبط هذه الأوقات بدوران الأرض حول محورها، وبالتالي موقع الشمس على الأرض سواء كان في شروق الشمس أو زوال أو غروب، وقد جاء في الحديث نسبة لأوقات الصلاة: "حدثنا أبو غسان المسمعي ومحمد بن المُثنى قالا: حدثنا معاذ وهو إبن هشان، حدثني أبي عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع الشمس الأول، ثم إذا صليتم الظهر فإنه قت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل." (مسلم ج 5 ص 109).
لا بد لنا من التعليق هنا حيث يدعي دعاة الإسلام أن الإسلام دين عالمي ويصلح لكل زمان ومكان. وهل يا ترى يصمد هذا الادعاء أمام الحقيقة والواقع؟ يبدو لنا هنا جهل محمد والقرآن وعلماء المسلمين الأوائل بالبديهيات الكونية وحركة الكواكب وخاصة فيما يتعلق بالشمس والأرض والقمر. كان محمد والإسلام والمسلمون ينظرون إلى العالم من خلال منظار الجزيرة العربية وما جاورها. لقد كان محمد والقرآن والمسلمون يجهلون أن الوقت الذي تشرق فيه الشمس على الجزيرة العربية يعم فيه الظلام التام في مناطق أخرى من العالم. كذلك كان محمد والقرآن والمسلمون يجهلون أنه عندما يكون الوقت صباحا في جزيرة العرب فإنه يكون ظهرا أو عصرا أو عشاء في مناطق أخرى من العالم.
لذلك فإن الوقت الذي يصلي فيه مسلم في جزيرة العرب صلاة الفجر قد يصلي فيه مسلم آخر صلاة الظهر أو صلاة العصر أو صلاة المغرب أو صلاة العشاء. لذلك يستحيل على المسلمين في يومنا هذا أن يصلوا نفس الصلاة في ذات الوقت، الأمر الذي كان ممكنا ويسيرا أيام محمد ، في جزيرة العرب وما حولها. لقد كان القصد من تحديد الصلوات بالأوقات هو توحيد المسلمين في عبادة رب محمد، ولكن يبدو أن رب محمد لم يكن يدرك الفروق في الأوقات في مناطق العالم المختلفة.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإنه لا شك أن محمدا وربه وأصحابه كانوا يجهلون جهلا تاما وجود مناطق في العالم قريبة من القطب بالكاد يمكن تمييز الفروقات فيها بين شروق وظهر وغروب. حيث لا يفصل أحيانا بين الشروق والغروب إلا سويعات قليلة أو أقل حيث أن الوقت بين الشروق والغروب لا يكفي أحيانا لتتميم فريضة واحدة وخاصة إذا كان على المصلي أن يتوضأ قبل صلاته. هناك يوم في بعض المناطق لا تغيب فيه الشمس إطلاقا ويوم لا تشرق الشمس فيه إطلاقا. هناك بلاد نهارها ستة أشهر وليلها ستة أشهر. كيف يمكن للمسلمين في شمال السويد وفنلندا وأيسلاندا وألأسكا وسيبيريا أن يصلوا الفجر والظهر والعصر والمغرب و العشاء؟ ألم يكن لإله محمد علم بأوقات هذه البلاد؟ إذا كان الإسلام هو دين الله وكان القرآن هو كتاب الله المنزل، ألم يكن بمقدوره إظهار هذا الواقع الكوني الواضح للعالم وحل مشكلة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء في سيبيريا وألاسكا وغيرها؟
رابعا: القبلة. يجب على المسلم إذا صلى أن يوجه وجهه نحو الكعبة، ولا يمكن أن تُقبل صلاة المسلم إذا لم يستقبل القبلة، أي الكعبة. ويدعي القرآن أنه جعل لكل أمة قبلتها وبذلك جعل للمسلمين قبلتهم: "ولكن وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت الله بكم جميعا إن الله على كل شيء قدير" (البقرة: 148). إن هذا الإدعاء لا أساس له من الصحة إطلاقا، فالمسيحي ليس له قبلة يستقبلها، وهو لا يحمل بوصلة في جيبه أينما ذهب لتدله على قبلته، لأنه يستطيع أن يصلي نحو الشرق والغرب والشمال والجنوب وما بينها.
لا بد أن نذكر هنا أن محمدا في البداية حاول التودد لليهود والنصارى كي يكسبهم إلى صفه فاتخذ من القدس قبلة للإسلام. ويبدو أن التودد لليهود والنصارى لم يُجدِ محمدا نفعا ولم يساعد على جذبهم لجانبه والإيمان برسالته. لذلك لم يطل الوقت بمحمد حتى نسخ ربه القبلة الأولى أي القدس ووجه محمدا لقبلة ثانية هي الكعبة بعد أن رأى تقلب وجه نبيه وحيرته كما جاء في الآية: "سيقول السفهاء من الناس ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم وإن الله بالناس لرؤوف رحيم. قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنوليك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ( الكعبة) وحيث كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون." (البقرة: 142-144).
من الغريب جدا والمثير للدهشة كيف حوّل رب محمد قبلته من القدس المدينة المقدسة والمشهود لها من جميع الأنبياء ، إلى مكة التي لم يعرفها أحد من الأنبياء ، وبالتحديد، إلى كعبتها التي كانت بيتا للأصنام الوثنية وتضُم بين جدرانها أكثر من ثلثمائة صنم، تتعبد قريش لها وباقي العرب. بما في ذلك خديجة وورقة بن نوفل اللذان بشرا محمدا بأنه نبي هذه الأمة. كيف يجعل رب محمد بيتا مليئا بالأصنام قبلةً لخاتم الأنبياء والمرسلين؟ هل كان رب محمد يقيم بين الأصنام حتى يطلب من المسلمين أن يصلوا إليه متجهين نحو الكعبة؟ هل صحيح أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة؟ إن إبراهيم براء من مكة و من كعبة أصنامها. فإبراهيم ساكن الخيام لم يبنِ ولا حتى بيتا لنفسه. حتى ولو فرضنا أ.ن إبراهيم قد بنى الكعبة كيف يكرم رب محمد بيت الأصنام مثل هذا التكريم الذي يناقض قداسته وطهارته ؟ و نحن نعرف أن الله في غضبه على شعب إسرائيل بسبب ابتعادهم عنه وعدم حفظهم لوصاياه سمح بخراب هيكل القدس خرابا كاملا، مع العلم أن هذا الهيكل كان طاهرا من الأصنام على خلاف كعبة مكة.
خامسا: إن مكان الصلاة المفضل هو المسجد وأفضل صلاة هي صلاة الجماعة. حسب سنّة محمد إن صلاة الجماعة هي أكثر ثوابا من صلاة الفرد كما جاء في الحديث: "حدثنا قُتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعا وعشرين درجة." (البخاري ج 3 ص 28). على أي حال، إن واجب المسلم يحتم عليه إذا حان موعد الصلاة أن يقيم الصلاة في أي مكان تواجد فيه سواء كان ذلك بيتا أو قاعة فندق أو ناصية شارع عام. لقد ادعى محمد أن الله قد جعل الأرض كلها مسجدا له ولمن تبعه. جاء في الحديث: "وحدثني سعيد بن النضر قال: أخبرنا هُشيم قال: أخبرنا سيار قال: حدثنا يزيد هو إبن صهيب الفقير قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهم أحد من قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلي..." (البخاري ج 1 ص 109). عملا بهذا الحديث لا يتورع المسلم عن الصلاة في أي مكان وُجد فيه معتقدا أن له كل الحق في ذلك حتى لو كان على أرض غيره.
سادسا: كما قلنا سابقا، إن الصلاة في الإسلام ليست مجرد مناجاة أو صلة حرة بين الإنسان والله وإنما يجب أن تتم حسب طقوس ومراسم مُعينة طبقا لمواصفات معينة، وإن لم تكن صلاة المسلم غير مطابقة لهذه المواصفات فهي صلاة باطلة وغير مقبولة. كل مسلم بشكل عام يصلي بنفس الطريقة من البداية وإلى النهاية دونما حرية فردية في الصلاة والعبادة.
كل صلاة من الصلوات الخمس تشتمل على عدد معين من الوقفات والركعات والسجدات والعبارات التعبدية والقراءات القرآنية.
سابعا: هناك ما يسمى بصلاة النّفل في الإسلام، وهذه صلاة طوعية ليست فريضة يقوم بها المسلم المتعبد زيادة على الصلوات الخمس المفروضة. على أي حال، حتى هذه الصلوات الطوعية يجب أن تتبع المواصفات السابقة من وضوء واستقبال القبلة والحركات والعبارات التي تتسم بها الصلوات المفروضة. على الرغم من أن هذه صلاة طوعية فإنها تبقى روتينية خالية من الصلة الحرة والشخصية بين المصلي وربه.
ثامنا: إن أجر الصلاة في الإسلام عند الله يختلف حسب قدرة المسلم على القيام بالطقوس المفروضة بما فيها من قيام وركوع وسجود...إلخ. فالذي يستطيع أن يقف له أجر أعظم من الذي لا يستطيع الوقوف. وأجر الذي يستطيع أن يقعد أعظم من أجر النائم حسب ما ورد في الحديث: "أخبرنا عبد الصمد قال: سمعت أبي قال: حدثنا الحسين عن إبن بُريدة قال: حدثني عمران بن حصين وكان مبسورا (به باسور) قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال: "إن صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر قائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد." (البخاري ج 2 ص 338، رواه مسلم أيضا). لا يسع المرء هنا إلا أن يتساءل أين منطق رب محمد وعدالته ورحمته؟ هل إله محمد يهتم بالتقاليد والطقوس التي فرضها على المصلي أكثر من حالة قلب المصلي ؟ هل صلاة المنافق الذي يستطيع أن يقف أفضل من صلاة رجل مخلص لا يستطيع أن يصلي واقفاً؟ إذا سمح الله أن يُصاب إنسان بمرض يفقده القدرة على أداء الحركات الروتينية الطقسية في الصلاة وبذل جهده أن يصلي قاعدا أو نائما فهل يعاقبه بإنقاص أجره في الصلاة؟ هل بلغ رب محمد إلى هذه الدرجة من الجمود والتحجر والرسمية والبيروقراطية؟ أليس بالأولى مكافأة مثل هذا الإنسان أضعافا على عبادته رغما عن ضعفه الجسدي؟
تاسعا: إذا أخذ المسلم في الصلاة فإن هناك عوارض تقطع صلاته وتبطلها. من هذه العوارض التي تبطل الصلاة إخراج الغاز كما جاء في الحديث: "حدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن هُمام بن مُنبة أن سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ". قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط." (البخاري ج 1 ص 53 مكرر، رواه مسلم أيضا).
ومن مبطلات الصلاة الأخرى المرأة والحمار والكلب الأسود إذا مرت من أمام المصلي ولم يضع أمامه عصا أو حربة ليتقي الشر بها كما جاء في الحديث: "حدثنا أبو بكر عن إبن شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية. قال: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه (أمامه) مثل آخرة الرحل (عصا). فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود". قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا إبن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: "الكلب الأسود شيطان." (مسلم ج 4 ص 226، رواه البخاري أيضا).
لقد اعترضت عائشة على هذا الحديث دفاعا عن المرأة وقالت: "عدلتمونا بالكلاب والحمير" (ص 229). هذا وإنه من المشهود في الأحاديث أن محمدا كان يصلي ويضع العنزة (عصا) أو حربة أمامه كما جاء في الحديث التالي: "حدثنا إسحق قال: حدثنا عبد الله بن نُمير قال: حدثنا عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه (أمامه) فيصلي إليها والناس وراءه، و كان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء." (البخاري ج 1 ص 157، رواه مسلم أيضا). أعزاؤنا القراء كيف بحق السماء يمكن لحربة أو عصى أن تحمي محمدا والمسلمين من أذى المرأة والحمار والكلب؟ هل يمكن للعصى أو الحربة أن تحمي المسلم من النظر إلى امرأة واشتهائها؟ أليس هذا من باب الخرافة و الشعوذة؟ إن تصريح مثل هذا يتضمن أمرا خطيرا ، إن كانت المرأة تبطل صلاة الرجل وتفسدها ، فكيف يحق لها أن تدخل الجنة؟ وإن دخلت المرأة الجنة، هل ستفسد الجنة بخضورها؟
عاشرا: الصلاة في الإسلام كما سبق وقلنا، هي فريضة إلزامية، لذلك فإن الشرع الإسلامي يبيح عقاب تارك الصلاة حيث أن ترك الصلاة يعادل الكفر كما جاء في الحديث: "حدثنا يحي بن يحي التميمي وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير، قال يحي: أخبرنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان قال: سمعت جابر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة." (مسلم ج 2 ص 70).
يختلف علماء الشريعة الإسلامية في مدى عقاب تارك الصلاة. فمنهم كالشافعي ومالك يقولان ينهي ينهى تارك الصلاة، فإن لم ينتهِ ويتوب يُقتل كالزاني والقاتل. والبعض مثل أبو حنيفة وغيره يقولون أن تارك الصلاة يُغرّم ويحبس حتى يصلي." (مسلم ج 2 ص 70). من حسن حظ المسلمين أن هذه الشريعة لا تطبق، لأنها لو طُبقت لصار معظم المسلمين قتلى أو في السجون حتى أن سجون العالم لن تسعهم. والسؤال هنا ، كيف يمكن لشخص تُفرض عليه الصلاة فرضا أن يشعر بقرب الله له ؟ بالنسبة لشخص تفرض عليه الصلاة يشعر بأن الله بعيدا جدا عنه وهو بعيد عن الله. وهذا أمر لا يريده الله ولا يقصده لأنه يخبرنا في الكتاب المقدس بأن مسرته هي مع بني البشر (مز 18: 3) .
في ختام حديثنا عن الصلاة لا بد وأن نذكر كيف جاء محمد بطريقة الصلاة المتعارف عليها بين المسلمين. يدعي محمد أن جبريل قد علمه كيف يتوضأ وكيف يصلي وبعد ذلك علّم محمد خديجة كما في السيرة. قال إبن إسحاق: "وحدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي. فانفجرت منه عين، فتوضأ جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ، ثم قام جبريل فصلى به وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل عليه السلام." (إبن هشام ج 1 ص 227). وجاء في الجديث: "حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن إبن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر العص (صلاة العصر) شيئا، فقال له عروة: أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: اعلم ما تقول يا عروة، قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نزل جبريل فأمني فصليت ثم صليت معه ثم صليت معه"، يحسب بأصابعه خمس صلوات." (البخاري ج 4 ص 418 مكرر، رواه مسلم أيضا).
على الرغم من أن جبريل علم محمدا كيف يصلي ومحمد علم خديجة وأصحابه إلا أنه كان أحيانا ينسى بعض صلاته ودعا أصحابه أن يذكروه بما نسي كما في الحديث: "حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله: صلى النبي صلى الله عليه وسلم – قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص – فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذالك؟ " فقالوا: صليتَ كذا وكذا. فثنى رجله واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلّم. فلما أقبل علينا بوجهه قال: "أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون. فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم يُسلم ثم يسجد سجدتين." (البخاري ج 1 ص 131 مكرر، رواه مسلم أيضا).
نحتار في محمد وهو ذلك "النبي" العظيم ، كيف ينسى ما عمله جبريل وما علمه بدوره لخديجة وأصحابه؟ أحقا كان محمد بحاجة لأن يذكره قومه بما نسي في صلاته التي علمها لهم؟ إن مثل هذا السلوك لم يعرف قط بين الأنبياء. لقد كان الأنبياء هم الذين يذكرون أقوامهم إذا ما نسوا، ولم يحتاجوا للتذكير من قومهم. إن مَثَلَ محمد هنا كمثل المعلم الذي ينسى ما علمه لتلاميذه ويطلب من التلاميذ أن يذكروه بما علمهم. إنه لأمر مضحك.


الصوم: ولا شك أن الصوم يعتبر أهم فريضة بعد الصلاة. يدعي المسلمون أن الله قد فرض عليهم الصيام كما فرضه على الذين من قبلهم كما في الآية "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 183).
هذه الآية تناقض الحقيقة والتاريخ. صحيح أن الله قد أمر اليهود بالصوم في مناسبات معينة، أما في المسيحية الكتابية (أي التي تعيش بحسب الكتاب المقدس) فإن الصيام ليس فريضة وإنما هو عبادة تطوّعية كما سنذكر لاحقا.
لقد مر الصيام في الإسلام في أطوار وتبدل وتغير كما حدث للصلاة من قبل. لقد كان الصيام في البداية أياما معدودات وقد تُرك أمر تحديدها للمسلمين. يقول إبن كثير في هذا الصدد (ج 1 ص 158). كان الصيام في بداية الإسلام أياما معدودات كما في الآية: "أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون." (البقرة: 184). حسب إبن كثير كان محمد وأصحابه يصومون ثلاثة أيام في كل شهر. بالإضافة إلى ذلك يبدو أن المسلم كان بإمكانه أن يفدي صيامه بإطعام مسكين.
لكن فيما بعد تغير الحال وتغيرت فريضة الصيام وأصبحت أكثر إلزاما واقتصر الصيام على شهر رمضان كله بدلا من أيام معدودات حيث نسخت الآية التالية الآية التي قبلها "شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر (أي شهد هلال شهر رمضان) فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله لكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتُكبّروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون." (البقرة: 175). وهكذا هيمن رمضان على أيام معدودات.
يتميز الصيام في الإسلام بالإنقطاع عن الأكل والشرب ومضاجعة النساء خلال ساعات النهار، وبالتالي ممارسة هذه الأمور خلال ساعات الظلام كما جاء في الآية "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (جماع نسائكم) هن لباس لكم وأنتم لباس لهن على الله إنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض (ضوء الصباح) من الخيط الأسود (ظلام الليل) من الفجر ثم أثموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون." (البقرة: 187).
وجاء في الحديث في أمر الصيام: "حدثنا يحي بن يحي قال: قرأت على مالك عن نافع عن إبن عُمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن أغمي عليكم (لم يتضح الأمر لكم) فاقدروا له (أي قدروا)." (مسلم ج 7 ص 188، مكرر).
يبدو أن بعض المسلمين اختلط عليهم الأمر فيما يتعلق بشأن الخيط الأبيض والخيط الأسود حتى وضح محمد الأمر لهم كما في الحديث: "حدثنا أبو بكر بن شيبة، حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" قال له عدي بن حاتم يا رسول الله إني جعلت تحت وسادتي عقالين عقال أبيض وعقال أسود أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد وبياض النهار." (مسلم ج 7 ص 200).
الصوم فريضة على كل مسلم. لذلك فإنه من أحكام الصيام أنه إذا مات مسلم وعليه صيام وجب الصيام نيابة عنه كما جاء في الحديث: "حدثني هرون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قال: حدثنا إن وهيب أخبرنا عُمر بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات و عليه صيام صام عنه وليّه (أقرب الناس إليه)." (مسلم ج 8 ص 23، رواه البخاري أيضا).
بما أن الصوم فريضة كالصلاة فإن تارك الصوم كتارك الصلاة يعاقب كما جاء في الحديث التالي حيث يجد القارئ بعض الجزاءات المفروضة على تارك الصيام: "حدثنا موسى حدثنا إبراهيم أخبرنا بن شهاب عن حميد عن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت. وقعتُ على أهلي (جامعت امرأتي) في رمضان. قال (محمد): "اعتق رقبة (حرر عبدا)". قال: ليس لي. قال: "فصم شهرين متتابعين". قال: لا أستطيع. قال: "فاطعم ستين مسكينا". قال لا أجد. فأتي بعرق (وعاء) فيه تمر فقال: "أين السائل؟ تصدق بها". قال: على أفقر مني؟ والله ما بين لابتيها (طرفيها) أفقر منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواذجه (أسنانه). قال: "فأنتم إذا." (البخاري ج 7 ص 123، مكرر رواه مسلم أيضا). على أي حال إذا أكل المسلم أو شرب نسيانا فإن ذلك لا يقطع صيامه كما جاء في الحديث: "حدثني يوسف بن موسى حدثنا أسامة حدثني عوف عن خلاس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكل ناسيا وهو صائم فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه." (البخاري ج 7 ص 160). بهذا نكون قد ذكرنا ما فيه الكفاية عن فريضة الصوم. ومن ثم لا بد لنا من درج بعض الملاحظات الهامة.
مرة أخرى نجد أن في صيام المسلم عبادة روتينية طقسية كما هو الحال في الصلاة. فالمسلم الذي يصوم تطوعا ومحبة لربه وإنما يصوم في الدرجة الأولى لأن الصيام مفروض عليه وإن لم يصم فهو عرضة للعقاب والهلاك.
وكما هو الحال في الصلاة كذلك الشأن في الصيام. يعتمد الصيام على حركة الأفلاك والأجرام السماوية، حيث يتحكم القمر في الشهر وتتحكم الشمس في فترة الصوم اليومية حيث نورها يقرر وقت الصيام وغيابها يقرر وقت الإفطار.
كما ذكرنا في حديثنا عن الصلاة فإنه من السهل تطبيق فريضة الصيام في جزيرة العرب وما حولها. ولكن كيف يمكن تطبيق هذه الشريعة في مثل البلاد التي ذكرناها سابقا والتي يكاد أن يستحيل تمييز الخيط الأبيط من الخيط الأسود فيها. هل يستطيع المسلم أن يصوم ستة أشهر في مثل هذه الحالة؟ في حوار مع بعض المسلمين طرحت هذا السؤال فقال أحدهم: يجب اتباع توقيت أقرب بلد يتميز فيها الليل من النهار، وقالت أخرى: يجب اتباع توقيت مكة. وأجابت ثالثة: هذا يحتاج إلى فتوى خاصة. بينما لم يتطرق علماء المسلمين الأقدمون إلى هذه الحالة لجهلهم بها، فإن علماء المسلمين في العصر الحديث يكثرون فتاويهم في هذه المسألة. ألم يعرف رب محمد بهذه المسألة عندما أوحى بالصلاة والصوم إلى نبيه في قرآنه؟ كيف يستمر المسلمون بالادعاء أن الإسلام جاء للناس عامة؟ إن فريضتين من أهم فرائض الإسلام لا يمكن تطبيقهما في أنحاء كثيرة من العالم لارتباط هاتين الفريضتين، الصلاة والصوم، اتباطا وثيقا بالأرض والشمس والقمر.
إضافة إلى ما سبق يُعتبر الشرك في الإسلام أشد من الكفر. هذا حسن. إنما الأمر المحير للعقل هو كيف يسمح الإسلام لأهم فريضتين فيه أن ترتبطا ارتباطا عضويا بالشمس والقمر؟ ألا تتحكم الشمس والقمر في العبادة الإسلامية بمجملها؟
إن مثل هذا التحكم من الشمس والقمر في العبادة الإسلامية لا نجد له مثيلا إلا في الأديان الوثنية الصرفة.


الحج:
يدعي الإسلام أن إبراهيم قد دعي إلى الحج إلى الكعبة قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام ثبّت ما قد دُعي إليه إبراهيم كما جاء في الآية "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك به شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والرُكع والسجود وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى ضامر يأتينّ من كل فج عميق." (الحج: 27). إن أعظم لغز من ألغاز الإسلام هو الادعاء بوجود إبراهيم وإقامته في مكة وبنائه لكعبتها. وليس هناك من ذرة برهان، تاريخيا أو توراتيا، تشير إلى ارتباط إبراهيم بمكة من قريب أو بعيد. طبعا إذ استثنينا الدوائر الإسلامية. ثم من هم الناس الذين كانوا يسمعون نداء إبراهيم للحج ويأتون من كل فج عميق على الأقدام وعلى ظهور الخيل كي يطوفوا بالكعبة ويسجدوا بها؟ هل كان هؤلاء من فراعنة مصر أو سكان ما بين النهرين أو من بلاد جوج وماجوج؟ وكان الحج قبل الإسلام مقصورا على مكة الوثنية وما حولها. فهل هذا هو كل فج عميق؟ وكيف يدعو إبراهيم ، وهو خليل الله وعبده ، الأمم لكي يقوموا بمراسيم وثنية التي هي مكرهة أمام إله إبراهيم؟
يُجيبنا على هذه التساؤلات إبن كثير حيثُ يقدم لنا هذا التفسير الغريب العجيب "… أي نادِ في الناس داعيا بالحج داعيا لهم لحج هذا البيت الذي أمرناك ببنائه. فذُكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم (يصل إليهم)؟ فقال (الله) ناد وعلينا البلاغ. فقام إبراهيم على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفى وقيل على أبي قبيس وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه. فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب. وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كُتب له أن يحج إلى يوم القيامة لبيك الله لبيك. هذا مضمون ما ورد عن إبن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جُبير وغير واحد من السلف والله أعلم." (إبن كثير ج 2 ص 539). ردنا على إبن كثير ومن نقلَ عنه من علماء المسلمين أن ما هذا إلا من شطحات الخيال السخيف الذي لا أساس له من الصحة والواقع. إن كان بناء الكعبة محج خصصه الله لعباده ، متى إذاً وكيف تحول ذلك البناء من بناء عبادة لإله إبراهيم الحي إلى مركز عام لعبادة 360 تمثال وصنم ؟
وبعد نداء إبراهيم ووصوله إلى ما في الأرحام والأصلاب إلى يوم القيامة جاء محمد و القرآن وجُعل الحج فريضة على المسلمين كما جاء في الآية "إن أول بيت وُضع للناس الذي ببكة (مكة) مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين." (آل عمران: 97). هذا وقد جاء في الحديث أن الجنة هي جزاء الحج: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن صالح السمّان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة." (البخاري ج 2 ص 554).
هناك مناسك وشعائر (طقوس) كثيرة في الحج كما يتضح من الآيات التالية: "ليشهدوا منافع لهم و يذكروا إسم الله في أيام معلومات على ما رزقناهم من بهيمة الأنعام. فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم(الإحرام من حلق الرأس وليس ثياب الإحرام قص الأظافر) وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيث" (الحج: 28 و29) هناك مناسك وشعائر كثيرة في الحج ، من الطواف حول الكعبة وذبح الأضاحي ورمي الشيطان بالحجارة وصفا ومروة وعرفات وترديد التكبير ونداءات التلبية وغيرها ، ولا يتسع المجال هنا لذكرها جميعا بالتفصيل والتعليق عليها، ولكن لنا بعض الملاحظات على الحج بوجه عام.
مرة أخرى كما هو الحال في موضوع الصلاة والصوم، فإن الحج ما هو إلا ممارسة وعبادة روتينية طقسية ذات صفات محددة، لا تحيد عنها كالوصفة الطبية التي لا مجال فيها للتعبير الشخصي الحر في العبادة.
إن الدارس للتاريخ الإسلامي يجد أن محمدا كان يحج البيت وهو في مكة، وبعد أن هاجر إلى المدينة كاد أن يدخل في حرب مع قريش بسبب الحج وذلك على الرغم من أن الكعبة كانت ما تزال مليئة بالأصنام. ومناسك الحج كانت تتصف بالوثنية إلى درجة أن الناس كانوا يطوفون بالكعبة وهم عراة، وكانت بعض النساء تطفن عاريات مكشوفات العورة وهن يقلن:
اليوم يبدو منه بعضه أو كله (فرجها) فما بـدا مـنه ما أحـلـه
والغريب أن هذا الحال لم يتغير وبقي محمد ومن تبعه من المسلمين يحجون ويطوفون بالكعبة حتى "نزلت" الآية "خذوا زينتكم عند كل مسجد." (مسلم ج 18 ص 162). لا بد لنا أن نسأل هنا كيف كان محمد والمسلمون يشاركون في هذه الشعائر الوثنية البحتة على الرغم من إدانة محمد والقرآن الشديدة للشرك وعبادة الأصنام.
كانت هناك مناسك أخرى وثنية تُمارس في الحج قبل الإسلام ولما جاء محمد والإسلام تم إقرارها وصارت من المناسك الإسلامية وذلك على الرغم من تَحفظ بعض المسلمين وشك البعض الآخر. إحدى هذه المناسك الوثنية كانت الطواف بين الصفا والمروة. لقد كان العرب قبل الإسلام يطوفون بين الصفا والمروة لارتباط هذين المكانين بصنمين من أصنامهم. لذلك عندما جاء الإسلام أبدى بعض المسلمين تحفظهم من الاستمرار بهذا المنسك. فسارع رب محمد وأوحى إليه وأقر هذه الممارسة كما ورد في القرآن: "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم." (البقرة: 158). وجاء في الحديث تفسير للآية السابقة: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن مُروة عن أبيه أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطوف بهما" فما أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: كلا، لو كانت كما تقول كانت" فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما؟. إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يُهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله "إن الصفا والمروة... إلى آخر الآية." (البخاري ج 5 ص 185، رواه مسلم أيضا).
من شعائر حج الجاهلية الأخرى والتي حافظ عليها الإسلام ومارسها محمد وأصحابه رغم شك البعض، كان استلام الركن، أي بدء الطواف حول الكعبة من الحجر الأسود وتقبيله. غالبا ما يكون هذا الحجر الذي قدّسه عرب الجاهلية ويقدسه المسلمون اليوم لهو من بقايا النيازك الصخرية المتساقطة من الفضاء الخارجي في مناطق مختلفة من العالم.
إننا نأمل لو تسمح السلطة الإسلامية في السعودية بإجراء الفحص العلمي على هذا الحجر حتى من قبل علماء مسلمين محايدين. على أي حال، يدّعي رواة الإسلام أن هذا الحجر هو المدعو بمقام إبراهيم أو الحجر الذي وقف عليه إبراهيم وهو يبني الكعبة وإسماعيل ينقل إليه الحجارة، أو ما شابه ذلك.
لقد رُويت الأحاديث الكثيرة عن استلام محمد الركن وتقبيله للحجر الأسود. يقول الراوي: "وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحي، قال حرملة: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن إبن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره عن عبد الله بن عُمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن أول ما يطوف حين يُقدم يَخب (الجري البطئ) ثلاثة أطواف من السبع." (مسلم ج 9 ص 8). وجاء أيضا في الحديث عن تقبيل الحجر الأسود: "وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا سليمان بن داوود حدثنا معروف بن خروب قال: سمعتُ أبا الطفيل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه (أي يلمس الحجر الأسود بعصاه المعقوفة) ويُقبل المحجن." (مسلم ج 9 ص 20، رواه البخاري أيضا). ومرة أخرى، قد شك عمر بن الخطاب في هذه العادة الجاهلية وأبدى شكه في الحديث التالي: "وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا وهب أخبرني يونس وعمرو وحدثني هرون بن سعيد الأيلي حدثني اين وهب أخبرني عمرو بن شهاب عن سالم أن أباه حدّثه قال: قبّل عمر بن الخطاب الحجر الأسود ثم قال: أمّ والله إنك حجر (في حديث آخر، لا تضُر ولا تنفع) ولولا أني رأيت رسول الله يُقبلك ما قبّلتك." (مسلم ج 9 ص 16، رواه البخاري أيضا). وهكذا صار محمد مثالا لغيره من المسلمين وحافظ على أسطورة الحجر الأسود إلى يوم الدين.
على الرغم من القول بأن الإسلام قد قضى على العبادة الوثنية وعبادة الأصنام في جزيرة العرب، وعلى الرغم من أن المسلمين يعيبون على المسيحيين لتعبدهم للصور والمنحوتات، فإنه لا يوجد صنم أو تمثال أو صورة في العالم يلقى من الإكرام والإجلال إن لم نقل العبادة ما يلقاه الحجر الأسود في مكة. فكل عام يلمسه ويقبله ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم للتبرك به، ولا يكتمل الحج ولا يُقبل إن لم يتبرك الحاج بالحجر الأسود ويقدم له الإكرام . أليست هذه المراسيم هي مراسيم في عيادة الأوثان تنافي عبادة الله الحي؟.
ثم شيء آخر، على الرغم من أن محمدا قد طهر الكعبة من الأصنام، فقد صارت الكعبة نفسها الصنم الأعظم، حيث أنها أصبحت مركز العبادة في الإسلام ومرتكزها، فلا يمكن للمسلم أن يصلي لربه دون أن يتجه بوجهه نحو الكعبة. فهل قوة إله محمد السماعية قوة اتجاهية فقط ، وإن كان الله قادرا على أن يسمع من أية ناحية ، لماذا المسلمون لا يثقون بأن الله القادر على كل شيء لن يسمع صلاتهم إلا إذا اتجهوا نحو الكعبة؟ وهكذا صارت الكعبة شريكة الله في الصلاة. ثم يقولون بأن المسيحيين هم المشركون! ناهيك عن الحج إلى الكعبة وتقبيل الحجر الأسود والطواف ما بين الصفا والمروة ورمي الجمرات الذي يُدخل المسلم إلى الجنة.
بقي أن نقول في الحج أنه كما في الصيام فإنه يمكن للمسلمين أن يتمموا الحج بالنيابة. إذا لم يستطع أحد تأدية فريضة الحج لكبر سنّه أو لمرض أو لأنه مات دون أن يتم فريضة الحج ، فإن الشريعة تبيح الحج نيابة عن ذلك الشخص كما جاء في الحديث: "حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن إبن عياس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال (محمد) "نعم، حجي عنها. أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟ اقضوا لله، فالله أحق بالوفاء." (البخاري ج 2 ص 572، مكرر، ورواه مسلم أيضا).
لا بد لنا أن نتساءل، ما هي الفائدة الروحية للحج والصوم؟ ألا يرتجي المسلم من القيام بهذه الفرائض الحصول على رضوان الله وبالتالي مغفرة الذنوب؟ إذا كان هذا هو القصد فكيف يمكن إرضاء الله ومغفرة الذنوب بالنيابة؟ كيف يمكن لشخص خاطئ أن يقضي الفريضة عن شخص خاطئ آخر ويُكفر عن ذنوبه؟ إن هذه العبادة بالنيابة تنافي المنطق وتنافي طبيعة الله وقداسته لأن أمام الله ، كل إنسان مسؤول عن نفسه.


الزكاة: ننتقل من الحج إلى الزكاة. لقد فرض القرآن الزكاة على المسلمين. كما جاء في الآية "وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير." (البقرة: 110).
من المعروف أن الزكاة هي نسبة تُقدر بإثنين ونصف في المائة من مدخول المسلم، تُقدم إلى ما يعرف ببيت مال المسلمين. على أي حال، هناك اختلاف على مقدار الزكاة والكمية التي يجب الزكاة عليها، حيث أن القرآن لم يُحدد هذه الأمور. وهناك اجتهادات كثيرة في أمور الزكاة لا داعي لذكرها هنا. لكن يجدر بالذكر أن محمدا كان يقيم عمالا في المناطق التي تحب سيطرته، وظيفتهم جمع أموال الزكاة وإحضارها إلى مقر محمد في المدينة، وقد تبع خلفاء محمد ما نهج عليه.
يبدو أن أول من وضع تنظيما لجمع الزكاة كان أبو بكر كما يظهر من الحديث التالي: "حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري قال: حدثني أبي قال: حدثني ثُمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسا حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجّهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها ورسوله, فم سُئلها من المسلمين على وجهها (بقدرها) فليعطها ومن سُئل فوقها فلا يعط. في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من كل خمس شاة، إذا بلغت خمسة وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت لبون (مخاض) أنثى ، (ناقة صغيرة)، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستة وأربعون إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل (بالغة للقاح من فحل الجمال)، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمسة وسبعين ففيها جذعة (ناضجة) فإذا بلغت يعني ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل. فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقّة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة. وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة. فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها. وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين و مائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها." (البخاري ج 2 ص 447-448). إضافة إلى ذلك هناك أحاديث أخرى كثيرة واجتهادات في أمر الزكاة والصدقة وما يجب وما لا يجب ومقدار ما يعطى في ممتلكات مختلفة من فضة وذهب وحيوانات وغيرها.
كون الزكاة فريضة واجبة على كل مسلم فإن الامتناع عنها يوجب العقاب حتى القتل. لقد كان امتناع بعض القبائل العربية عن أداء الزكاة بعد موت محمد السبب الذي أدى إلى ما يُعرف بحروب الردة في عهد أبي بكر. لم تكن هذه القبائل قد رجعت عن الإسلام، ولكنها امتنعت عن أداء الزكاة فحاربهم أبو بكر على ذلك، وقال قولته المأثورة كما في الحديث: "حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شُعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: حدثنا عُبيد الله بن عبد الله بن عُقبة بن مسعود أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كَفرَ من العرب، فقال عُمر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصَم (حمي) مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" فقال (أبو بكر): والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لومنعوني عناقا (الأنثى من الماعز) – في حديث آخر: لو منعوني عقال بعير – كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عُمر رضي الله عنه: فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق." (البخاري ج 2 ص 428، مكرر، رواه مسلم أيضا). يبدو أن أداء الزكاة قد توقف عند غالبية المسلمين منذ زمن بعيد. وتارك الزكاة كتارك الصلاة وتارك الصوم لا يجد من يعاقبه. هناك اجتهادات وفتاوي كثيرة لعلماء المسلمين في عدم معاقبة تارك الزكاة اليوم كما فعل أبو بكر، ولا داعي للخوض فيها هنا. ونحن نقول أنه لو تم عقاب تارك الصلاة وتارك الصيام وتارك الزكاة اليوم لكان العالم الإسلامي في وبل عظيم.
بقي لنا أن نذكر الكيفية التي تستخدم بها صدقات المسلمين. لا تُصرف أموال الزكاة إلا على الإسلام والمسلمين، حيث أنها تُصرف على إعداد الجيوش وعلى المحتاجين من اليتامى والأرامل وأهل السبيل. إن أعمال الخير والرحمة الإسلامية لا تشمل غير المسلمين. إنني لم أسمع أو أقرأ مثلا أن جمعية خيرية إسلامية أو دولة إسلامية تبرعت بتحمل مصاريف علاج طفل مسيحي أو غير مسيحي يعاني من مرض مستعص يحتاج إلى علاج خاص في إحدى المراكز الطبية المتقدمة. إننا لم نسمع أن دعاة الإسلام يذهبون إلى بلاد متوحشة مثل غينيا الجديدة ويقدمون المعونة الحضارية لأهلها، ويبنون لهم المستشفيات والعيادات الصحية والمدارس معرضين حياتهم للخطر والموت. إننا لم نسمع أنه عندما تتعرض بلاد غير إسلامية للكوارث الطبيعية مثل المجاعة في الحبشة أو زلزال عنيف في المكسيك تسرع الدولة الإسلامية أو الجمعيات الخيرية الإسلامية مثل الهلال الأحمر وغيرها بإرسال المواد الغذائية والطبية لإغاثة المنكوبين. وهذا كله على العكس من الصدقات وأعمال الخير المسيحية كالصليب الأحمر وآلاف الجمعيات الخيرية غيرها والتي لا تُميز بين مسيحي أو غير مسيحي. بهذا نكون قد أتينا إلى نهاية العبادة في الإسلام و منها ننتقل إلى المسيحية.


العبادة المسيحية:
قبل أن نتحدث عما يعلمه الإنجيل والمسيح عن العبادة يجب علينا توضيح نقطة هامة. كثيرا ما نسمع ونقرأ انتقادات من دعاة الإسلام للعبادة المسيحية، ونحن بدورنا نوافق على هذه الانتقادات. عند ذكر العبادة المسيحية غالبا ما يتبادر للذهن الصور والتماثيل والأيقونات وغيرها من طرق العبادة في الكنائس المسيحية التقليدية. مع الأسف الشديد أن الكثير من دور العبادة المسيحية الطقسية تغص بالصور والتماثيل من كل حجم ولون تمثل الله والمسيح ومريم العذراء والقديسين رجالا ونساء والملائكة. وقد تزيد هذه الصور والتماثيل في كنيسة ما عن عدد الأصنام التي كانت موجودة في الكعبة. ومما يبعث الحزن والأسى في النفس أن نرى الكثيرين ممن يُدعون مسيحيين ، بجهل أو بدون جهل ، يسجدون أمام تماثيل أو صور ويذرفون الدموع السخينة، ويرفعون الصلوات ويطلبون الشفاعات من أصحاب الصور والتماثيل. لقد رأيت في إحدى الكنائس القديمة في قبرص ما اشمأزت منه نفسي، حيث لم يخلو شبر واحد من الصور أو الرسومات والتي كان الكثير منها على مستوى القامة البشرية مغطى نصفها بالبلاستيك حتى لا تهترئ من تقبيل العابدين. لا شك أن مثل هذه العبادة هي عبادة وثنية ومزيفة. إن مثل هذه العبادة بعيدة كل البعد عن تعليم المسيح والإنجيل ومستوردة من خلفيات وثنية وغير مسيحية. هم بذلك يجهلون أو يتجاهلون ما يوصيه الله في الكتاب المقدس قائل: "لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ولا تعبدهن . لأني أنا الرب إلهك إله غيّور .."(خروج 20: 4).
إن العبادة الحقيقية كما يعلّم المسيح والإنجيل هي عبادة وقرة وشخصية لا فروض فيها ولا طقوس ولا نيابة. إنها تعبير عن العلاقة الحميمة والشخصية بين الإنسان والله، ومحور هذه العلاقة هو شخص المسيح نفسه.
العبادة المسيحية كما علّمنا المسيح هي عبادة تخلو من الولاء أو الارتباط بأي بقعة جغرافية أو هيكل أو جسم مادي آخر مثل حجر أو جبل أو قبر أو غيره. العبادة المسيحية منبعها الروح وهي صلة بين روح الإنسان والله كما وضّح المسيح في حديثه مع المرأة السامرية: "... قالت له المرأة السامرية يا سيد أرى أنك نبي. أباؤنا سجدوا في هذا الجبل (جبل جرزيم) وأنتم تقولون أنه في أورشليم (القدس) الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه. قال لها يسوع يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا. قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذلك يخبرنا بكل شيء. قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو". (يوحنا 4: 19-26).
مما سبق يتضح لنا أن العبادة الحقيقية هي عبادة بالروح تنبع من عمق الإنسان ووجدانه ولا علاقة لها بقمر أو شمس أو مدينة أو معبد مهما بلغ ذلك المكان من الطهر والقداسة. ناهيك عن بيت كان وكرا للأصنام من كل شكل ولون وحجم ومادة. لقد كان هيكل أورشليم (مسجد بيت المقدس) محور العبادة اليهودية، وقد بالغ اليهود وبذلوا الجهد للمحافظة على الهيكل من الأوثان والأصنام. وعندما حاول أنطيوخس اليوناني إدخال نجاسات اليونان الوثنية إلى الهيكل ، ثارت ثائرة اليهود على الرغم من ضعفهم وقلة عددهم، فدارت حرب مريرة حتى تمكن المكابيون من طرد المحتلين اليونان وتطهير الهيكل من النجاسات اليونانية الوثنية.
على الرغم من ذلك ومن طهارة هيكل أورشليم من الأصنام فإن المسيح لم يجعله قبلة ولا معبدا تتعبد له وفيه جميع الأجيال، ولكنه تنبأ وتكلم عن دمار هذا الهيكل وخرابه خرابا كاملا كما ذكر في الإنجيل: "ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل، فتقدم تلاميذه لكي يُروه أبنية الهيكل. فقال لهم يسوع أما تنظرون هذه. الحق أقول لكم أنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا يُنقض." (متى 24: 1و2). وفي مكان آخر قال يسوع: "هوذا بيتكم يترك لكم خرابا." (متى 38:23). لقد تمت هذه النبوة بشكل كامل حيث خرب الرومان الهيكل عام سبعين ميلادية ولم يبقوا فيه حجرا على حجر تتميما لنبوات الأنبياء والمسيح (دانيال 9: 26 ومتى 24: 1-2). ولم تقم له قائمة بعد ذلك وحتى يومنا هذا. هنا لا بد من القول أنه من الطريف والغريب والمُستهجن أنه على الرغم من ثبوت هذه الحقيقة التاريخية ثبوتا لا يقبل الشك، فإن محمد ادعى وكما ذُكر في القرآن أنه أسري به ليلا إلى المسجد الأقصى (أي الهيكل) وصلى هناك بصحبة بعض الأنبياء منهم موسى والمسيح ثم صعد من هناك إلى السماء، وقد وصف الهيكل لسامعيه الذين ظنوا أنه أصابه جنون، ولكن أبا بكر أنقذ الموقف إذ ادعى هو الآخر أنه رأى المسجد وأيّد وصف محمد له. إن قصة الإسراء والمعراج طويلة وقد وردت في كتب السيرة والصحيحين والكثير من الكتب والمراجع الإسلامية، ويستطيع القارئ الرجوع إليها واستطلاعها بسهولة. على أي حال إننا نستغرب هنا من تصرف الله. كيف يسمح بهدم وخراب هيكل أورشليم الذي كان يُعبد فيه هو وحده وكان خال من الأصنام والأوثان، ولكنه يتعاطف مع عبدة الأوثان في جزيرة العرب ويحمي بيت أصنامهم. وبدلا من ذلك يهلك جيشا من أهل الكتاب ويرسل عليهم طير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل؟ كيف يعاقب الله اليهود عقابا شديدا ويخرب هيكلهم خرابا لا قيامة له بعده. ولكنه يُحسن إلى عبدة الأصنام في مكة ويحمي بيت أصنامهم؟ ألا ترى يا عزيزي القارئ غرابة تصرف إله محمد هذا؟
العبادة المسيحية أيضا غير مُقيدة بحركة الكواكب والنجوم، ولا شأن للشمس ولا للقمر ولا للهلال ولا لغيرها في صلاة أو صيام المسيحي الحقيقي. لقد حذر الإنجيل من مثل هذه القيود البعيدة عن روح العبادة الحقيقية حيث يقول: "فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح" (كولوسي 3: 16 و17) . نعم المسيحي لا يحتاج أن يحمل معه سجادة أو حصيرة يفرشها في الساحات وعلى جوانب الطرق إذا حان موعد الصلاة، وهو لا يحمل معه بوصلة تدله على القبلة إذا ما قام للصلاة، ولا يحتاج أن يراقب هلال شهر من الأشهر كي يصوم أو يفطر.
الصلاة في المسيحية هي صلة شخصية بين المؤمن والله ولا شأن لأحد أو لشمس أو لقمر بها. المؤمن المسيحي لا يحتاج إلى مراسيم معينة في صلاته ولا لترديد قراءات أو عبارات معينة أو أداء حركات معينة. فصلاة المسيحي ليست نابعة من فريضة أو رهبة أو خوف من عقاب وإنما هي نابعة من القلب ، من محبة الإبن لأبيه، لذلك قال المسيح في الصلاة: "ومتى صليت فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع كي يظهروا للناس، الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلي إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية. وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم. فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم. فلا تتشبهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوا." (متى 6: 5-8).
أما الكيفية التي يأتي بها المسيحي للصلاة فهي الطهارة. وليست طهارة الجسد الطقسية التي تتم بواسطة الغسل بالماء أو التعفير بالتراب، وإنما هي طهارة القلب الذي قد تطهر من الخطيئة. إنها التطهير من الشهوة والبغض والحسد والكره والحقد والعداء والكبرياء والغيرة والغش والخداع والكذب...إلخ. إن كل مياه العالم وكل ما فيه من تراب لا يمكن أن تُطهر قلب إنسان واحد ناهيك عن قلوب كل البشرية المستعبدة للشر والخطيئة. إن الطريقة الوحيدة لتطهير قلب الإنسان كما علمنا الإنجيل لا علاقة لها بالماء ولا التراب. لا بل إن المسيح قد وبخ مثل هذا التطهير المُزيف كما جاء في الإنجيل: "حينئذ إلى جاء يسوع كتبة وفريسيون الذين من أورشليم قائلين لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ. فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزا. ثم دعا الجميع وقال لهم اسمعوا افهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان. بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان. إن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج. وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر. وذلك يُنجس الإنسان. لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق شهادة زور تجديف." (متى 15: 1-19). إن التطهير الحقيقي أي تطهير القلب يتم عن طريق الإيمان بالمسيح والتوبة التامة والتسليم التام له وقبول موته الفدائي على خشبة الصليب لكي يكفر عن خطايانا ويفتدينا ليعطينا حياة أبدية، وكما هو مكتوب" "و لكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح إبنه يُطهرنا من كل خطية." (يوحنا 7:1). وهكذا فإنه لا يمكن للإنسان أن يكون على صلة مع الله ويعبده عبادة حقيقية بالروح والحق إن لم يكن قد تطهر قلبه بدم المسيح الذي مات من أجلنا، لأنه مكتوب: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله." (متى 8:5).
المؤمن المسيحي يستطيع أن يصلي في أي وقت من النهار أو الليل، وفي أي مكان سواء كان ذلك في البيت أو في مكان العمل أو في سيارته، وأينما وجه وجهه شرقا أو غربا، شمالا أو جنوبا. لقد جاء في الإنجيل: "صلوا بلا انقطاع." (تسالونيكي الأولى 17:5). وجاء أيضا: "واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر." (كولوس 2:4). وأيضا: "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين (المؤمنين)." (أفسس 18:6).
ما ذكرنا سابقا يتلاءم مع العبادة والصلاة الفردية. وأما من جهة العبادة الجماعية فكانت تتم غالبا في أول الأسبوع حيث كان المؤمنون الأوائل يجتمعون في أحد البيوت أو في مغارة أو في المقابر خوفا من مُضطهديهم. وكان المجتمعون يسمعون كلمة الله والوعظ والتعليم، كما أنهم كانوا يشاركون في اختباراتهم الروحية وفي تسبيح الرب والطلبات والصلوات. ونقرأ في الإنجيل أيضا عن طريقة العبادة: "فما هو إذا أيها الإخوة. متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم له لسان له إعلان له ترجمة. فليكن كل شيء للبنيان." (كورنثوس الأولى 26:14). وجاء أيضا "مكلمين بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب." (أفسس 19:5).
كما تختلف عبادة الصلاة في المسيحية عن الإسلام فكذلك عبادة العطاء. لا توجد في المسيحية فريضة صدقة أو زكاة، كما لا يوجد في المسيحية عمال أو جباة لجمع الصدقات. العطاء في المسيحية هو عمل طوعي شخصي نابع عن إيمان المسيحي وعرفانه بالجميل لمن أعطاه الحياة والقدرة على الكسب. من المتعارف عليه والشائع بين المسيحيين المؤمنين إعطاء عشر أموالهم، والبعض يعطي أكثر من العشر بكثير، وهذا ليس فريضة موجبة للعقاب كما في الزكاة. لقد علّمنا المسيح عن الصدقة قائلا: "احترزا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجدوا من الناس. الحق أقول لكم أنهم استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية." (متى 6: 1-4).
الطريقة التي تُصرف فيها صدقات المسيحيين تختلف أيضا عن زكات المسلمين. حيث أن هذه الأموال لا تصرف إطلاقا على إعداد العُدة وشراء السلاح لقتال الكفار. وإنما تصرف هذه الأموال على الكرازة بالإنجيل ونشر الإيمان المسيحي في جميع بقاع المعمورة وعلى أعمال الخير والرحمة التي يستفيد منها ليس المسيحي فقط وإنما المحتاجين كافة حتى في البلاد الإسلامية. هناك الملايين من المسلمين وغير المسلمين الذي يستفيدون من صدقات المسيحيين. إذا ما وقعت كارثة في بلد إسلامي فإن الجمعيات الخيرية المسيحية هي من أوائل من يسرع لتقديم يد العون والمساعدة، وذلك على العكس من زكات المسلمين وصدقاتهم.
ما قيل عن الصلاة والزكاة يقال عن الصوم أيضا. فالصوم في المسيحية ليس فريضة وإنما هو عمل تعبدي شخصي يقوم به المؤمن تجاه الله، والهدف منه التذلل والتواضع بين يدي الله ولا علاقة له بشهر ما أو بيوم ما ولا علاقة له أيضا بقمر ولا بشمس ولا بفجر ولا بغروب. ثم أن المسيحي لا يصوم كي يحصل على غفران خطاياه بل لأن خطاياه قد غُفرت هو يصوم , فأن غفران الخطايا يتبع الإعتراف بها والتوبة عنها. والصوم كما علمنا المسيح لا يُعلن عنه بالتزمير والتطبيل وضرب المدافع. بل هو تذلل وخشوع وخضوع خاص وصامت بين يدي الله كما عبّر عن ذلك المسيح بقوله: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم كي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك وأغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية." (متى 6: 16-18). ومن هذا نجد أن صيام المسيحي خاص بينه وبين ربه ولا علاقة لأحد به صام أم لم يصم.
أما الحج فلا حج إطلاقاً في المسيحية لأن الإيمان المسيحي لا يرتبط بأي مكان أو زمان، فلا كعبة ولا ذي الحجة ولا حجر أسود ولا صفا ولا مروة ولا مُنى ولا عرفات ولا احرام ولا اهداء.
بهذا ننهي حديثنا عن العبادات. نرجوا أن يجد القارئ المتعة في الموضوع التالي.

  • عدد الزيارات: 24760