Skip to main content

معجزات وبركات

الفصل الثامن
معجزات وبركات

المعجزات و البركات تلعب دورا لا بأس به في حياة و خدمة معظم الأنبياء. كان الكثير من هذه المعجزات و البركات أعمال خير ورحمة، وقد أيد بها الله أنبياءه تأييدا للحق الذي جاءوا به. من هذا المنطلق لا بد لنا من القارنة بين محمد والمسيح وما رافق كل منهما من معجزات وبركات.
محمد:
من الواضح الجلي أن القرآن لم ينسب لمحمد ولا معجزة واحدة سوى الادعاء باعجاز القرآن. والقرآن يصرح بأن محمدا لم يُبعث بالمعجزات، وذلك بعد أن طلب منه أهل قريش أن يأتيهم بآية اسوة بالأنبياء. وكان رد القرآن عليهم: "قالوا لولا أنزل عليه آية قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين" (العنكبوت 50). وعلى النقيض من ذلك فإن القرآن ينسب المعجزات للمسيح بما في ذلك القدرة على خلق كائن حي: "ورسولا إلى بني إسرائيل إني قد جئتكم بآيات (معجزات) من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمة (الأخرس) والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وتذخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين" (آل عمران 49).
على الرغم بتصريح القرآن بأن محمدا ليس إلا نذيرا وليس بصانع معجزات فإن كتب السيرة والحديث مليئة بالمعجزات والبركات المنسوبة لمحمد. والذي يتمعن بمعجزات محمد وبركاته يجد فضلات محمد من بصاق ومخاط وعرق وشعر وماء وضوئه كانت وسائط للمعجزات والبركات. كذلك كانت الكثير من معجزاته بإيحاء من الآخرين كما سنرى في هذا الفصل.
هناك نسبة كبيرة من المعجزات المنسوبة لمحمد تتعلق بالماء والطعام، وقد يكون مرد ذلك إلى قسوة الحياة في شبه الجزيرة العربية والمعاناة من نقص الماء والغذاء. ولعل أن هذا هو السبب في تصوير الجنة بأنها مكان مليء بالحواري والحسان وأنهار اللبن والعسل والخمر وأشجار النخيل والطيور المشوية كما سنذكره في أوانه.


من معجزات محمد المائية والتي تردد ذكرها في الأحاديث معجزة المطر على المدينة والتي كانت بوحي من أعرابي كما في الحديث: "حدثنا إبراهيم بن المُدر قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا أبو عمرو قال: حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة (جفاف) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا. فرفع يديه وما نرى من السماء قزعة (غيمة صغيرة). فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم. فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى. وقام ذلك الأعرابي- أو قال غيره – فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، فرفع يديه فقال: "اللهم حوالينا و لا علينا"، فما يشير بيده إلى ناحية من السحب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة (الأرض الخصبة). وسال الوادي قناه شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود (البخاري ج 1 ص 279 مكرر، رواه مسلم أيضا).
من الملاحظ في هذه المعجزة المائية أن الجفاف والقحط أصابا القوم ومحمدلم يحرك ساكنا حتى جاءه الأعرابي شاكيا هلاك المال وجوع العيال. ثم يدعو محمد فتسقط الأمطار بغزارة على المدينة أسبوعا كاملا وتسبب الخراب والدمار والهلاك، ومحمد مرة أخرى لا يفعل شيئا حتى يأتيه الأعرابي في الجمعة التالية ويشكو إليه تهدم البناء وغرق المال، عندئذ يتنبه محمد إلى ما فعل فيدعو ويقف المطر. السؤال المحير هو: إذا كانت هذه معجزة فكيف كانت سبب خراب ودمار على من كان المفروض أن تكون سبب خير لهم؟
ومن المعجزات المائية الأخرى كما يقول الراوي نبع الماء من بين أصابع محمد: "وحدثني أبو الربيع سليمان بن داود العتلي، حدثنا حماد يعني إبن زيد، حدثنا ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه بماء فأتى بقدح رحراح (به قليل من الماء) فجعل القوم يتوضون، فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين (جاء في أحاديث أخرى أن العدد كان ثلاثمائة)، قال: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه." (مسلم ج 15 ص 38).
وفي معجزة أخرى يتحول لعاب محمد إلى ماء يملأ بئرا: "حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن البراء قال: كنا يوم الحديبية أربعة عشر مائة، والحديبية بئر، فنزحناها حتى لم يُترك فيها قطرة، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير (فم) البئر فدعا بماء فمضمض ومجّ (بصق) في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وروت (أو صدرت – رجعت – عن الشرب) ركائبنا." (البخاري ج 4 ص 32 مكرر، رواه مسلم). ولا بد أن القراء يتذكرون أنه عندما عطش شعب إسرائيل في الصحراء على زمن موسى فجر الله لهم الماء من الصخر. أما أن يتحول البصاق إلى ماء يشرب منه الناس والحيوان فليس له مثيل بين الأنبياء. هناك معجزات مائية أخرى كثيرة لا مجال لذكرها ولكن نكتفي بهذا المقدار وننتقل إلى معجزات الطعام.


نبدأ الحديث عن معجزات الطعام التي صنعها محمد بمعجزة أوحى بها عمر بن الخطاب إلى محمد: "حدثنا بشر بن مرحوم حدثنا حاتم بن اسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة رضي الله عنه قال: خفت أزواد القوم وأملقوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم. فبُسط لذلك نطع (بساط) وجعلوه على النطع. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرّك (بارك) عليه ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثت (غرفت) الناس حتى فرغوا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله" (البخاري ج 3 ص 153). يبدو أن عمر بن الخطاب كان عنده إيمان بقدرة محمد أكثر من إيمان محمد نفسه، فلولا عمر لذبح الناس إبلهم وأكلوها، ولكن يعود الفضل لعمر الذي أوقفهم عن ذلك بعد أن سمح لهم محمد به. "رحم الله عمر."
المعجزة التالية حدثت أثناء غزوة الخندق، ويذكر الرواة الكثير من المعجزات التي حدثت أثناء تلك الغزوة. في هذه الغزوة أطعم محمد جيشا من حفنة تمر. قال إبن إسحق: "وحدثني سعيد بن مينا أنه حدث أن إبنه لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت: دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: أي بُنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما. قالت: فأخذتها فانطلقت بها. فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس (أبحث عن) ابي وخالي. فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ قالت: فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه، قال: هاتيه، قالت: فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحَا (طرح) التمر عليه فتبدّد (انتثر) فوق الثوب ، ثم قال لإنسان عنده: أصرخ إلى أهل الخندق أن هلم إلى الغداء. فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب." (إبن هشام ج 3 ص 130، رواه مسلم أيضا).
لقد سبق وذكرنا كيف تحول بصاق محمد إلى ماء وشرب منه الناس وارتوا، وأما في المعجزة التالية فقد تحول بصاق محمد إلى طعام فصار لحما ومرقا وخبزا أكل الناس منه وشبعوا كما قال الراوي: حدثني عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان أخبرنا سعيد بن مينا قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حُفِرَ الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خَمصا (جوعا) شديدا. فانكفأت (رجعت) إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيئا فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خَمَصا شديدا. فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بُهيمة (الصغير من الغنم)، داجن فذبحتها وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي وقطعتها في بُرمتها (القدر) ثم وليت (عدت) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه. فجئته فساررته (كلمته سرا) فقلت: يا رسول الله ذبحنا بُهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك، فصاحَ النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أهل الخندق إن جابر قد صنع لنا سُؤرا (طعاما) فحي هل بكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لا تنزلن برمتكم ولا تخبزنّ عجينكم حتى أجيء". فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقدم (يتقدم) الناس حتى جاءت امرأتي فقالت: بكَ وبلا (ويل لك). فقلت: قد فعلت الذي قلت. فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى بُرمتنا فبصق وبارك ثم قال: "أدع خابزه تخبزم معك واقدحي (اغرقي) من برمتكم ولا تنزلوها"، وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن بُرمتنا لتغط (ملآنة) كما هي وإن عجينا ليُخبز كما هو." (البخاري ج 5 ص 56، رواه مسلم).
أما كان بإمكان محمد أن يبارك الطعام كما باركه المسيح مثلا ، دون أن يبصق فيه؟ أم هل كان مقصد محمد المبالغة في المعجزة والتفوق على الأنبياء وأراد أن يشبع الناس من بصاقه كما أرواهم من بصاقه؟ ألا توافق معي بأن هذه هي هذه فصص تشمئز لها النفس ؟ في هذا حقا قد فاق محمد على المسيح فما أعظم وما ألذّ بصاق محمد!
يُروى عن محمد بعض معجزات الشفاء أيضا، لكن سيجد القارئ أنها كانت حالات شفاء من أمراض خفيفة غالبا ما تكون حُمى. ولا يروى أن محمدا قد قام بمعجزات شفاء من أمراض مستعصية وحالات صعبة. ومن الجدير بالذكر أن ماء محمد ووُضوءه الدواء كما كان بصاقه الماء والغذاء. يقول الراوي: "حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن المنذر سمع جابر بن عبد الله (الذي بصق محمد في طعامه) رضي الله عنهما يقول: مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني (يزورني) وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمي علي. فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صبّ وضوءه علي فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث." (البخاري ج 7 ص 5).


يبدو أن وضوء محمد لم يكن كافيا لشفاء مرض مستعصي كالصرع مثلما كان كافيا لشفاء حُمى جابر. لذلك خيّرَ محمد امرأة سوداء مسكينة مصروعة بين الشفاء أو دخول الجنة وهي مصروعة كما في الرواية التالية: "حدثنا عبيد الله بن عُمر القواريري، حدثنا يحيى بن سعيج وبشر بن المُفضل قال: "حدثنا عمران أبو بكر، حدثني عطاء بن أبي رباح قال: قال لي إبن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أُصرع وإني أتكشف (تنكشف عورتها) فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولكِ الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيكِ. قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها." (مسلم ج 16 ص 131 رواه البخاري أيضا). ما هذا الخيار النبوي؟ ألم يكن بالمستطاع أن تُشفى هذه المرأة وتحيا حياة كريمة ثم تدخل الجنة؟ أم هل لم يكن في ماء وضوء محمد القوة الكافية لشفاء الصرع؟
وبعد أن خير محمد المرأة بين الشفاء من الصرع والجنة نجده يقف عاجزا كل العجز أمام الموت كما في الرواية التالية: "حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شُعبة قال: أخبرني عاصم قال: سمعت أبا عثمان بن أُسامة بن يزيد رضي الله عنهما أن ابنة للنبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم وسعد وأبي بن كعب نحسب أن إبنتي قد حُضرت فأشهدنا فأرسل إليها السلام يقول: إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده مسمى فلتحتسبْ ولتصبر. فأرسلت تُقسم عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا فرُفِعَ الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تُقعقع (تضطرب) ففاضت عينا النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء." (البخاري ج 7 ص 7. رواه مسلم أيضا).
وهناك رواية مشابهة ذكرها كل من البخاري ومسلم في موت إبراهيم بن محمد من جاريته مارية القبطية.
ألم يكن بمقدور من يقول عنه المسلمون ويقول عن نفسه أنه "خير ولد آدم وأشرف من على الأرض وخاتم الأنبياء والمرسلين " أن يدعو لإبن إبنته وهو في النزاع فيحيا ولا يموت؟ لا عجب إن كانت إبنة محمد هذه لم تؤمن بأبيها ولا برسالته.
على الرغم مما يظهر من عجز محمد أمام الصرع والموت فيبدو أن قدرته المعجزية كانت كافية لإنزال الضرر والأذى وحتى الموت بأعدائه. فهو يدعو على قريش فيصيبهم القحط والجوع إلى درجة أكل الحيوانات الميتة كما قال الراوي: "حدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن أبي الضّمي عن مسروق قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا فقال: "اللهم سبعٌ كسبع يوسف". قال فأخذتهم سنة (قحط و مجاعة) حصت (أتت على) كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، ونظر أحدهم إلى السماء فيرى كهيئة الدخان. فأتاه أبو سفيان فقال: "يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم." (مسلم ج 17 ص 141).
في رواية وردت في السيرة كانت الإشارة بالأصبع كافية للفتك بالذين كانوا يهزأون بمحمد دون أن يتحرك من مكانه: قال ابن إسحق: "... فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا، مؤديا النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى. وكان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر (أفراد) من قومهم وكانوا ذوي أسنان (حسب) وشرف في قومهم. من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب الأسود بن أسد أبو زمعة... ومن بني زهرة بن كلاب الأسود بن عبد يغوث... ومن بني مخزوم بن يقظة بن مُرة الوليد بن المغيرة... ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب العاص بن وائل بن هاشم... ومن بني خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث. فلما تمادوا في الشر وأكثروا الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله تعالى عليه "فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون".
قال إبن إسحق: "فحدثني يزيد بن رومان عُروة بن الزبير أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمرّ به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي، ومرّ الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله، فانتقض به فقتله، ومرّ به العاص بن وائل فاشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف فربض على شبارقه فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته، ومرّ به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحا فقتله." (إبن هشام ج 2 ص 40).


هناك روايات أخرى تتحدث عن قوى محمد الخارقة والتي كان يستخدمها للإقتصاص من أعدائه، ولا مجال لذكرها جميعا هنا. ولكن بودنا القول أن رجلا كان لديه مثل هذه القوة لا بد أن قومه كانوا يهابونه ويبتعدوا عن التحرش به خوفا من أن تقع بهم الواقعة بإشارة من إصبعه أو بدعوة من لسانه.
لم تقتصر معجزات محمد على البشر فقط. ويبدو أن محمدا كان على علاقة حميمة بالأشجار، يفهم لغتها وتفهم لغته. هناك مجموعة من المعجزات التي يمكن أن نسميها المعجزات الشجرية ونذكر في ما يلي بعضا منها. يروى أن نخلة بكت بكاءً مرا على فراق محمد لها، ولم تسكت حتى احتضنها محمدا وواساها. "حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فإن لي غُلاما (عبدا) نجارا. قال: "إن شئت". فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت تنشق. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يُسَكّت حتى استقرت (هدأت و طابت نفسها). قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر (القرآن)." (البخاري ج 3 ص 20).
في معجزات محمد لم يكن بمستطاع الشجرة أن تبكي وتئن وتسمع القرآن فقط، بل تؤذن وتدعو محمدا وأصحابه من الجن إلى الصلاة: "حدثني عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو أسامة حدثنا مسعر عن مُعين بن عبد الرحمن قال: سألت مسروقا: من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجنّ ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك يعني عبد الله أنه آذنت بهم شجرة." (البخاري ج 4 ص 318).
وفي المعجزة التالية يستخدم محمد الشجرة كدليل على نبوته وقواه الخارقة بعد أن صرع أعظم مصارع في الجزيرة العربية. قال إبن إسحق: "وحدثني أبي إسحاق بن يِسار قال: كان رَكانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد (أقوى) قريش. فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ركانة، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرأيت ان صرعتك أتعلم أن ما أقول حق؟ قال: نعم. قال (محمد): فقم حتى أصارعك. قال فقام إليه ركانة يصارعه. فلما بطش به (صرعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه وهو لا يملك من نفسه شيئا ثم قال: عُد يا محمد. فعاد. فصرعه، فقال: يا محمد والله إن هذا للعجب! أتصرعني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأعجب من ذلك إن شئت أريكة إن اتقيت الله واتبعت أمري". قال: ما هو؟ قال: "أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني. قال: أدعها فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال لها: "ارجعي إلى مكانك. قال: فرجعت إلى مكانها. قال: فذهب ركانة إلى قومة فقال: يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض. فو الله ما رأيت أسحر منه قط، ثم أخبرهم بالذي رأى وسمع." (إبن هشام ج 2 ص 28). عجبا! هل من المعقول أن يرى ركانة ويسمع كل هذا ولا يؤمن بمحمد، ثم لا يصدقه أحد من قومه ويذهب ليرى بأم عينه أفعال محمد؟
في حديث طويل عن جابر نرى أن محمدا يمارس سلطانه على الأشجار فيقود شجرتين كما يقود البعير ويقيمهما كحجاب ليستتر بهما عند قضاء حاجته. يقول جابر: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفسح (واسع) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته (تبعته) بأداوة (وعاء) من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرَ شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصنين من أغصانها فقال: "إنقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش (الذي في أنفه حلقة لقيادته لصعوبته) الذي يصانع قائده حتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: إنقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كذلك حتى كان بالمنصف مما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما فقال: إلتئما علي بإذن الله، فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضرُ (أجري جريا سريعا) مخافة أن يحسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقُربي فيبتعد – وقال محمد بن عبّاد فيبتعد – فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتان افترقتا كل واحدة منها على ساق…"(مسل ج 18 ص 142).
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف كانت تنقاد الأشجار لمحمد؟ هل كانت تنقلع من جذورها وتسير على الأرض بجذورها، ثم تعود وتنغرس مرة ثانية؟ أم هل كانت الأشجار تسير وجذورها في باطن الأرض دون أن تُحدث الجذور شقوقا وأخاديد في باطن الأرض؟ حقا إن عجائب محمد المزعومة تبلغ في غرابتها حدا ليس له مثيل في تاريخ الأديان والأنبياء، وخاصة هذه المعجزات الشجرية.
لقد تحدثنا بما فيه الكفاية عن معجزات محمد، والآن أيها القراء الأعزاء دعونا نتأمل في بعض من بركاته. قبل كل شيء نلفت الانتباه إلى أن فضلات محمد ما عدا الغائط والبول، كانت وسائل للبركات يتبارك بها المسلمون. يروى أنه عندما تم صلح الحديبية بين قريش ومحمد، كانت قريش قد أرسلت مفاوضا عنها هو عروة بن مسعود. عندما رجع عروة إلى قريش وصف لهم تصرّف أصحاب محمد كالتالي:... لا يتوضأ إلا ابتدروا إلى وضوئه، ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه." (إبن هشام ج 3 ص 201). يا ترى حتى لو كان محمد ملاكا وليس إنسانا أعرابيا هل كان المسلمون يتسابقون حتى يتمسحوا ويتباركوا ببصاقه؟ أليس هناك إحساس بالقرف والاشمئزاز من أخذ بصاق إنسان ومسحه على اليدين والوجه والرقبة، حتى لو كان هذا الإنسان نبيا؟ هل يدل مثل هذا التصرف على السمو والنبل والجلال؟ على أي حال دعونا نتأمل في أمثلة أخرى من بركات الفضلات.


روى البخاري الحديث التالي: "حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثني عمرو بن زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم ورأيت بلالا أخذ من وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يبتدرون الوضوء، فمن أصاب شيئا تمسّح به، ومن لم يُصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه." (البخاري ج 7 ص 65). ويروى عن أم سليم أنها كانت تجمع عرق محمد وشعره كي تبارك به الصبيان وتضع العرق والشعر في العطور حتى تتعطر به هي ونساء المسلمين. ولم تضيع بركات شعر محمد وعرقه وفائدتهما العطرية على إنس بن مالك فطلب أن يوضعا في حنوطه عند موته. حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: "حدثني أبي عن تمامة عن أنس أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا (بساطا) فيُقبل عندها على ذلك النطع، قال: فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك (وعاء)، قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السك، قال: فجُعِل في حنوطه." (البخاري ج 7 ص 181).
وعلى ذكر الصبيان ، كان محمد يبارك الصبيان دون البنات وكانت له طريقة خاصة في مباركة الصبيان حيث يلعب بصاقه دورا رئيسيا في تلك المباركة، والتي ليس لها مثيل إلا في الجزيرة العربية. يقول الراوي: "حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البُناني عن أنس بن مالك قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلِد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ (يطلي بالقطران) بعيرا له، فقال: "هل معك تمر" فقلت: نعم، فناولته تمرات، فألقاهن في فيه فلاكهن ثم فَغرَ (فتح) فاه الصبي فمجه (بصقه) فيه فجعل الصبي يتلمظه. فقال صلى الله عليه وسلم: "حَبَ الأنصارُ التمر" وسماه عبد الله." (مسلم 14 ص 123 رواه البخاري أيضا). وروي عن عائشة في هذا الأمر: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نُمير، حدثنا هشام "يعني إبن عروة" عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيَبرك (يبارك) عليهم ويحنّكهم." (مسلم 14 ص 127).
لماذا لم يكن يبارك محمد البنات مثلما كان يبارك الصبيان؟ ألسن بنات المسلمين بحاجة إلى بركاته وريقه المُحلى بالتمر مثل الصبيان؟ على أي حال، لو أن أحدا اليوم يفعل ما كان يفعله محمد بالصبيان وعلمت دوائر الصحة بذلك لوضعته في السجن.
كان الوقت الذي يحلق فيه محمد شعر رأسه مناسبة خاصة يتبارك بها أتباعه بشعره كما جاء في الحديث: "حدثنا محمد بن رافع، حدثنا أبو النضر حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وأطاف به (تجمع حوله) أصحابه فما يريدون أن يقع شعره إلا في يد رجل." (مسلم ج 15 ص 82). يا ترى هل كان رجال محمد يعطون من شعر محمد لنسائهم حتى يتباركن به كما تبار رجالهن به؟
وأخيرا نختم هذه الباقة العطرة من بركات محمد ببشارته الخاصة لأعرابي، والتي تبين بعد طول الزمن وإلحاح الأعرابي أنها ليست أكثر من بصاقه وماء وضوئه: "حدثنا أبو عامر الأشعري وأبو كُريب جميعا عن أبي أسامة، قال أبو عامر: حدثنا أيو أسامة حدثنا يزيد عن جد أبي بردة عن أبي موسى قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعرابي فقال: ألا تنجزَ لي (تعطيني) يا محمد ما وعدتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبشر". فقال الأعرابي: أكثرت علي من أبشر. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "إن هذا ردّ البشرى فأقبلا أنتما". قالا: قبلنا يا رسول الله. ثم دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء. فغسل يديه ووجهه ومجّ (بصق) فيه ثم قال: "إشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا". فأخذا القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنادتهما أم سَلمة من وراء الستر أفضلا (أبقيا) لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفة (بعضا)." (مسلم ج 16 ص 58، رواه البخاري أيضا). ألم يستطع محمد أن يبارك أصحابه إلا بالماء الذي يغسل به يديه ووجهه ويطلب منهم أن يشربوا منه ويصبوا على وجوههم ورقابهم منه. ألا يكتفي محمد بغسل يديه ووجهه في الماء فيبصق فيه إمعانا في القرف؟ أي نبي من الأنبياء المعروفين، رجال الله الأفاضل ، فعل مثل أفعال محمد هذه؟ هل هذا ما يبعث به الله أنبياءه، شعر وماء وضوء وعرق وبصاق؟ عزيزي القارئ، لو كان محمد حيا اليوم، فهل ستشرب من ماء غسوله وبصاقه وتصب منهما على وجهك ورقبتك حتى لو أوصلك ذلك على جنة الجنات و ملايين الحوريات؟


المسيح:
والآن تعالوا معنا نتأمل في معجزات المسيح وبركاته ولنقارنها بما سبق وعلمنا من معجزات محمد وبركاته ولنحكم أيهما أسمى وأجل وأرفع من الأخرى.
إن الإنجيل حافل بمعجزات المسيح وعجائبه، وقيل عنه أنه جال يصنع خيرا ويشفي كل المتسلط عليهم إبليس، وهو في ذلك كله لم يسقِ أحدا من ماء غسوله وبصاقه.
جاء في إنجيل متى عن أعمال المسيح أنه: "ذاع خبره في جميع سورية فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم." (متى 4: 23-24). ويؤيد إنجيل لوقا ما سبق إذ ذكر: "ونزل (المسيح) معهم ووقف في موضع سهل هو جميع تلاميذه وجمهور كثير من الشعب من جميع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيداء الذين جاءوا ليسمعوه ويشفوا من أمراضهم. والمعذبون من أرواح نجسة. كانوا يبرأون. وكل الجمع طلبوا أن يلمسوه لأن قوة كانت تخرج منه وتشفي الجميع." (لوقا 6: 17-19). بينما كانت قوة المسيح تشفي الجماهير الغفيرة كان سيف محمد يحصد الرؤوس الكثيرة وينثرها على كل أرض وطئها.
كانت معجزات المسيح كلها لخير الناس عامة سواء آمنوا به أو لم يؤمنوا كما تبين من القصة التالية: "و في ذهابه إلى أورشليم اجتاز وسط السامرة والجليل. وفيما هو داخل إلى قرية استقبله عشرة رجال برص فوقفوا من بعيد. ورفعوا صوتا قائلين يا يسوع يا معلم ارحمنا. فنظر وقال لهم اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة وفيما هم منطلقون طهروا. فواحد منهم لما رأى أنه شفي رجع يمجد الله بصوت عظيم. وخرّ على وجهه عند رجليه شاكرا له وكان سامريا. فأجاب يسوع وقال أليس العشرةُ قد طهروا فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس؟" (لوقا 17: 11-18) هل رحم محمدا أحدا من الذين لم يؤمنوا به كما فعل المسيح؟
مما ذكرنا سابقا ومما سنذكر لاحقا نجد أن معجزات المسيح لم يكن لها علاقة بالشجر والحجر. لقد كانت معجزات المسيح نابعة من عطفه ورحمته ومحبته للناس عامة. كانت معجزات المسيح وما تزال ترد للمتألمين والحزانى الأمل والرجاء والبسمة والفرحة سواء كان ذلك الشخص أبرصا يطهر من برصه أو أعمى لمسه المسيح فرأى النور لأول مرة أو ثكلى أعاد المسيح الحياة إلى ابنتها الغالية. وهناك الكثير من المعجزات التي ورد ذكرها في الإنجيل، وما على الراغب في الإطلاع عليها إلا الرجوع إلى الإنجيل.
إن المسيح لم يستخدم قط قدرته المعجزية لايقاع الأذى بأي إنسان مهما بلغ ذلك الإنسان من العداء للمسيح حدا أقصى، وسواء كان ذلك باليد أو بالكلمة. لقد سما المسيح عن العواطف والمشاعر البشرية الخامة فلم يكن يسارع إلى الغضب والتآمر والإنتقام والثأر كما يفعل باقي الناس. لقد جاء المسيح مخلصا للبشر وليس قتالا لهم مع أنه كان عنده القدرة على فعل ذلك كما توضح الحادثة التالية: " وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى إورشليم. وأرسل أمام وجهه رسلا. فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يُعدوا له. فلم يقبلوه لأن وجهه كان متجها نحو أورشليم. فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضا. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان (المسيح) لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليُخلص. فمضوا إلى قرية أخرى" (لوقا 9: 51-56).
لقد كانت كلمة من المسيح أو لمسة هدب ثوبه كافية لإتمام المعجزات كما يخبرنا مرقس في إنجيله: "وحيثما دخل إلى قرى أو مدن أو ضياع وضعوا المرضى في الأسواق وطلبوا إليه أن يلمسوا ولو هدب ثوبه وكل من لمسه شُفي." (مرقس 6: 56). و نجد تطبيقا لما سبق في حادثة شفاء المرأة النازفة دما. "وامرأة تنزف دما منذ إثنتي عشرة سنة. وقد تألمت من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئا بل صارت إلى حال أردأ. لما سمعت بيسوع جاءت في الجمع من وراء ومست ثوبه. لأنها قالت إن مسست ولو ثيابه شفيت. فللوقت جف ينبوع دمها وعلمت في جسمها أنها قد برئت من الداء. فللوقت إلتفت يسوع بين الجمع شاعرا في نفسه بالقوة التي خرجت منه وقال من لمس ثيابي. فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني. وكان ينظر حوله ليرى التي فعلت هذا وأما المرأة فجاءت وهي خائفة ومرتعدة عالمة بما حصل فخرّت ساجدة وقالت له الحق كله. فقال لها يا إبنة إيمانك شفاك. اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك" (مرقس 5: 25-34).
لقد أعاد المسيح نعمة البصر إلى الكثيرين ممن فقدوها وصاروا عالة على المجتمع. من بين هذه المعجزات نذكر الحادثة التالية: "ولما اقترب من أريحا كان أعمى جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع الجمع مجتازا سألهم ما عسى أن يكون هذا فأخبروه أن يسوع الناصري مُجتاز. فصرخ قائلا يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره المتقدمون ليسكت. أما هذا فصرخ أكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يقدّ‍م إليه. ولما اقترب سأله قائلا ماذا تريد أن أفعل بك. فقال يا سيد أن أبصر. فقال له يسوع أبصر. إيمانك قد شفاك. وفي الحال أبصر وتبعه وهو يمجد الله. وجمع الشعب إذ رأوا سبحوا الله" (لوقا 18: 35-42).
لم يقف المسيح عاجزا أمام أي علة أو داء من علل الإنسان وأدوائه، لا ولا حتى الموت. نذكر كيف وقف محمد عاجزا أمام ابن إبنته لما كان يحتضر بين يديه. لكن المسيح كان له سلطان على الموت كما في الحادثة التاليه: "وفي اليوم التالي ذهب (يسوع) إلى مدينة نايين وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير. فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول إبن وحيد لأمه وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون. فقال أيها الشاب لك أقول قم. فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه." (لوقا 7: 10-15). أين حنان المسيح من حنان محمد وأين معجزات المسيح وسلطانه من معجزات محمد؟
أما الذين كان بهم شياطين والمصروعين فلم يخيرهم المسيح بين الشفاء أو دخول الجنة وهم مصروعين كما فعل محمد مع المرأة المصروعة، بل كان يشفيهم ويعيد إليهم رزانة العقل والحياة الطبيعية كما في الحادثة التالية: "ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثيا له وقائلا يا سيد ارحم ابني فإنه يُصرع ويتألم شديدا. ويقع في النار وكثيرا في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى أحتملكم. قدموه إلى هنا. فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشُفيَ الغلام في تلك الساعة" (متى 17: 14-18).
من بين معجزات المسيح المشهورة معجزة إطعام الجموع. في هذه المعجزة نجد الفرق الشاسع بين ما فعله المسيح وبين ما فعله محمد عندما بصق في طعام جابر وعجينه. لقد أشبع المسيح الناس خبزا وسمكا دون أن يبصق على الخبز والسمك. وهو لو فعل ذلك لما بقي أحد حوله، ولكنه بارك الخبز والسمك فشبع الجميع. "فلما خرج يسوع أبصر جمعا كثيرا فتحنن عليهم وشفى مرضاهم. ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت قد مضى. اصرف الجموع كي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما. فقال لهم لا حاجة لهم أن يمضوا. اعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له ليس عندنا هنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان. فقال لهم إئتوني بها إلى هنا. فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب. ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره إلى السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ. فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا ما فضل من الكسر إثنتي عشرة قفة مملوءة. والآكلون كانوا خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد." (متى 14: 14-21).
نكتفي بهذا المقدار من معجزات المسيح وهي مجرد عينات من الكثير الكثير مما فعله المسيح والمدون في الإنجيل وليس في كتب الأساطير. أما من جهة بشارة المسيح وبركاته فهي أيضا تختلف اختلافا كليا عن بشارة محمد وبركاته.
إن بشارة المسيح مليئة بالمواعيد السامية والجليلة وليس بالبصاق وماء الوضوء. فعلى سبيل المثال لا الحصر قال يسوع: "وأقول لكم أيضا إن اتفق إثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات. لأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (متى 18: 19-20) لقد بشر المسيح الذين يؤمنون به بالراحة إذ وعد: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 11: 28) كذلك وعد بالحياة الأبدية لكل من يؤمن به: "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي وإن مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يوحنا 11: 25-26). لقد وعد المسيح بالسلام أي سلام النفس، السلام الباطني في حياة المؤمن: "سلام أترك لكم. سلامي أعطيكم إلى الأبد" (يوحنا 27:14).
هذه عينة بسيطة مما بشر به المسيح ووعد تلاميذه به، ولكن في هذه جميعها لم يُروَ عن المسيح قط أنه غسل يديه ووجهه وبصق في الماء وأمر أصحابه أن يشربوا من هذا الماء القذر ويصبوه على وجوههم ونحورهم حتى يقبلوا بشارته.
لقد بارك المسيح الأطفال بطريقة تختلف عن مباركة محمد لهم. لم يبارك المسيح الصبيان فقط بل بارك الأطفال جميعا صبيان وبنات ولم يفرق بينهما. وهو لم يلوك التمر ويبصق من ريقه في أفواههم حتى يذوقوا حلاوة ريقه ويباركهم. وإنما باركهم بوضع اليد عليهم والصلاة كما ذكر في الإنجيل: "حينئذ قدم إليه الأطفال كي يضع يديه عليهم ويصلي فانتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات. فوضع يديه عليهم ومضى من هناك." (متى 19: 13-15، لوقا 18: 15-17). نلاحظ هنا أن كلمة أولاد في أصلها اليوناني تعني الذكور والإناث على السواء. وأخيرا وليس بآخر، لقد سبق ورأينا كيف كان المسلمون يتسابقون ليتباركوا من بصاق محمد وعرقه وماء وضوئه. الشيء الذي لم يذكر قط عن المسيح وتلاميذه.
لقد كان المسيح أجل وأسمى من أن يستعمل فضلاته وإفرازاته البشرية من أجل البركات الروحية والدينية. كذلك لم يذكر قط أن المسيحيين الذين عاصروا المسيح تنازلوا لألتقاط هذه الأقذار والتبرك بها. لكن المسيح فعل أمرا لم يفعله محمد ولم ولن يفعله أحد غيره….
فالمسيح وهو السيد والمعلم قد علّم أتباعه درسا لا مثيل له. فبدلا من أن يتسابق الناس كي يتباركوا بفضلاته وأوساخ جسده، قام هو وغسل بيديه الطاهرتين أوساخ أجسادهم كما ذكر الإنجيل: "أما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم إلى المنتهى. فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا الإسخريوطي أن يسلمه. يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي. قام عن العشاء وخلعَ ثيابه وأخذَ منشفة واتزر بها. ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها. فجاء إلى سمعان بطرس فقال له ذاك يا سيد أنت تغسل رجليّ. أجاب يسوع وقال له لستَ تعلم الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد. قال له بطرس لن تغسل رجليّ أبدا. أجابه يسوع إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب. قال له سمعان بطرس يا سيد ليس رجليّ فقط بل أيضا يديّ ورأسي... فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضا قال لهم أتفهمون ما قد صنعت بكم. أنتم تدعوني معلما وسيدا وحسنا تقولون لأني كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضا." (يوحنا 13: 1-16).
هل فعل محمدا أمرا كهذا؟ لا يمكن أن يفعل أمرا مثل هذا أحد غير المسيح. المسيح وحده هو مثال التواضع والسلام والمحبة.

  • عدد الزيارات: 15992