Skip to main content

في مناسبة الآيات والسور - علم المناسبة ينقضه تاريخ التنزيل وتاريخ الجمع

الصفحة 2 من 2: علم المناسبة ينقضه تاريخ التنزيل وتاريخ الجمع

ثانيا : علم المناسبة ينقضه تاريخ التنزيل وتاريخ الجمع

ذلك هو علم المناسبة وأحكامه في عرفهم . لكن فاتهم في نظم القرآن أمران يجعلان المناسبات بين الآيات صنعةً وتصنّعًا .

الأمر الأول طريقة النظم عند العرب ، وهي تختلف عن العجم – وأهل علم المناسبة من الأعاجم الذين يريدون تطبيق أسلوبهم على أسلوب القرآن – قال أحدهم : "إن القرآن ، إنما ورد على الاقتضاب الذي هو طريقة العرب من الانتقال الى غير ملائم" . فهو يجمع الموضوعات الشتى جمعا فنّيا لا موضوعيا ، كما في الشعر الجاهلي .

الأمر الثاني طريقة نظم القرآن . نقل السيوطي (الاتقان 108:2) مقالة الشيخ عز الدين بن عبد السلام : "المناسبة علم حسن . لكن يُشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره . فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط . ومن ربط ذلك فهو متكلّف بما لا يقدر عليه إلاّ بربط ركيك يُصان عن مثله حسن الحديث ، فضلا عن أحسنه . فإن القرآن نزل في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ، شُرعت لأسباب مختلفة . وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض" .

وبما أن ترتيب التلاوة على غير ترتيب النزول ، فإن استنباط مناسبات لربط سورة بسورة ، كما هي في المصحف العثماني ، من التصنّع الذي يأباه منطق التاريخ والبيان .

وبما أن السورة ، كالقرآن كله ، نزلت نجوما أي مفرّقة "في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة" ، فمن التصنّع والكتلّف ربط أجزائها بعضها ببعض . فالاجماع المتواتر أن الآيات نزلت آية بآية ، أو اثنتين اثنتين ، أو أكثر حتى الخمس أو العشر ، وقد لا يتجاوزها . وعن ابن عباس القول المشهور : "نزل بجواب كلام العباد وأعمالهم" ؛ وفسره بقوله : "ولا يأتونك بمثل إلاّ جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ؛ وقرآنا فرّقناه لتقرأه على الناس على مكث ، ونزّلناه تنزيلا" . قال السيوطي (الاتقان 44:1) : "الذي استُقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات ، وأكثر وأقل . وقد صح نزول العشر آيات في قصة الأفك جملة ، وصح نزول عشر آيات من أول المؤمنين جملة" . وأن (أسباب النزول) المختلفة تشهد باختلاف مناسبات الآيات في السورة .

والسورة المجموعة من آيات نزلت متفرقة بحسب الحاجة ، بجواب كلام العباد وأعمالهم ، لا تشكّل وحدة موضوعية ، وإن جمعت بينها وحدة فنّية بالنظم والفاصلة .

فالوحدة الموضوعية مفقودة في السورة القرآنية ، كما في معلقات الشعر الجاهلي . والوحدة الموضوعية المفقودة هي أم الاعجاز في التأليف .

الصفحة
  • عدد الزيارات: 8863