التنزيل و مسألة خلق القرآن
التنزيل و مسألة خلق القرآن
إن لغة القرآن فى تعبير التنزيل المتشابه أباحت لهم القول فى خلق القرآن . و القول بخلق القرآن شبهة على اعجازه و على طريقة تنزيله .
تجاه مقالة المسيحيين بأزلية المسيح لأنه " كلمة الله " كما يقول الانجيل و القرآن ، قال المسلمون الأوائل بأزلية كلام الله فى القرآن . ثم ثارت الشبهات بينهم و الخصومات فى أزلية القرآن أم فى خلقه . و تفرق القوم الى ثلاث مدارس .
مدرسة السلف الصالح قالت بأزلية حرف القرآن .
فجاء المعتزلة و أنكروا أزلية القرآن ، و قالوا بخلق القرآن من النقل و من العقل . استشهدوا بقوله : " ما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين " ( الشعراء 5 ) . و فسروا قوله : " كتاب أحكمت آياته ، ثم فصلت من لدن حكيم خبير " ( هود 1 ) ، بأن ما صادفه فعل بعد فعل يكون محدثا . ثم اعملوا عقلهم فقالوا : إن القرآن مركب من حروف و كلمات ، و المركب محدث ! و فى نظرهم إن المقولة بأزلية القرآن تحمل تناقضا فى ذاتها ، فهى القول بقديمين : الله و القرآن ! لأنه إما أن يكون القرآن ذات الله أو غير ذاته : فإن كان القرآن ، كلام الله ، ذات الله ، فهل يصح ان يكون من ذات الله ما ورد فيه من اعمال مخلوقة ، و أحداث بشرية ؟ و إن كان القرآن ، كلام الله ، غير ذاته ، فالقول بأزليته هو القول بقديمين ، و هذا هو الكفر بعينه . و لا يرد عليهم بتمييز الأشاعرة فى كلام الله أنه فى منزلة بين المنزلتين : فلا هو عين الذات ، و لا هو غيرها . لأنه على كل حال من ذات الله ، و محال أن تكون الأعمال المخلوقة ، و الأحداث البشرية المذكورة فى القرآن من ذات الله على أى حال .
و جاء الأشاعرة بحل وسط . فقالوا : إن كلام الله على نوعين ، الكلام النفسى فى ذات الله ، و الكلام اللفظى فى غير ذاته . و اطلاق اسم كلام الله على اللفظى يكون إما مجازا و إما باشتراك اللفظ . و ميزوا بين معنى القرآن و حرفه ، فقالوا : معنى القرآن هو كلام الله غير المخلوق ، و حرف القرآن مخلوق . فالمعنى هو القديم فى القرآن ، أما الحروف و الكلمات و الورق و الحبر و غير ذلك ، فكله محدث . و ظنوا بذلك انهم يردون على مقالات المعتزلة فى خلق القرآن .
و ذهبت مقالة الأشعرية عقيدة فى الاسلام ، و أصبحت نظريتهم مقالة أهل السنة و الجماعة من بعدهم .
و التمييز بين معنى القرآن القديم ، و حرفه المخلوق لا يقطع الشبهات فى التنزيل و لا فى الأعجاز .
إن الأعجاز الذى يتحدى و يتحدون به هو فى حرف القرآن من لفظ و نظم : فإذا كان حرف القرآن مخلوقا ، زال اعجاز القرآن على الاطلاق ، لأنه " لم يقل أحد إن كلام غير الله معجز " كما اعلن ابن حزم . و إذا كان الكلام اللفظى عبارة عن الكلام النفسى فى ذات الله ، فهناك تناقض : لأن المعانى أرواح ، و الألفاظ أجساد لها ، و الروح فى جسد ، كالمعنى فى كلام لا يكون مخلوقا و غير مخلوق معا و لا يكون غير مخلوق من حيث هو معنى ، و بالوقت ذاته مخلوقا من حيث هو حرف . فإن كلام الله فى ذاته هو من ذاته فهو غير مخلوق ، و كلام الله المنزل فى كلام بشرى مخلوق . فالتنزيل ، من حيث هو تنزيل ، مخلوق و غير معجز فى ذاته ، مثل خلق الكون ، فعمل إلهى معجز ، لكن المخلوق غير معجز ، لأنه محدث . و التنزيل مثل الخلق محدث فهو مخلوق و غير معجز .
و إذا كان القرآن كلام الله فى ذاته ، فهل يصح ان يتحدى الله به بشرا ؟ و لا صلة ، و لا مجانسة بين كلام الخالق و كلام المخلوق ، و التحدى بالكلام إنما يكون من جنس واحد .
لقد حاول الباقلانى الرد على هذه الشبهات فقال : إنه تحدى ، ليس بإعجاز كلام الله الأزلى ، بل بصورته العربية التى هى عبارة عن الأزلية و حكاية عنها ، و دلالات عليها ، و أمارات لها .
يرد عليه بيسر يفضح المغالطة : هل من فرق بين القرآن الأزلى ، كلام الله فى ذاته ، و القرآن العربى ، المنزل عربيا ؟ فإذا كان هناك من فارق ، فالوحى نفسه مشبوه ، و اذا لم يكن ثمة من فارق ، فالتحدى به ممنوع ، لأنه لا مجانسة بين كلام الخالق و كلام المخلوق .
يقولون : ان القرآن تنزيل من اللوح المحفوظ ، فهو معجز .
و يرد بعضهم : اذا كان قرآن اللوح المحفوظ عين كلام الله الأزلى ، فالتحدى به ممنوع ، و اذا كان مثل الكلام المنزل بشريا فالتحدى مشبوه ، إذ " لم يقل أحد إن كلام غير الله معجز " .
و المغالطة الكبرى هى بين كلام الله الذاتى ، الذى هو بلا صوت و لا حروف و لا كلمات و كلام الله المنزل الذى هو بأصوات و حروف و كلمات و نظم و اسلوب .
و القول الفصل ان اعجاز القرآن الذى به يتحدى هو فى حرفه أى فى لفظه و نظمه . و حرف القرآن مخلوق ، فليس فى اعجازه من معجزة . و ليس القرآن " معجزة لغوية " فى تنزيله .
- عدد الزيارات: 10759