Skip to main content

المسيحية في الحديث - الصفحة الثانية

الصفحة 2 من 2: الصفحة الثانية

والأمر الذي يجعل هذا الحديث ذا أهمية قصوى يكمن في جواب عيسى على سؤال الناس للشفاعة. فهو الوحيد خلافاً لآدم وإبراهيم وموسى ومحمد الرسول الذي لم ينسب إلى نفسه خطيةً. كما نقدر أن نقول إن الذي روى هذه القصة أو اختلقها لم يجرؤ على ذلك: من هنا يتبيَّن لنا التناقض في كون محمد - حسب الحديث - شفيع المؤمنين لدى الله الذي غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. ولكن يبدو أن علماء الإسلام لاحظوا خطورة هذا الحديث بالنسبة لمكانة محمد في ترتيب الأنبياء فأتوا برواية أخرى لا يذكر فيها الأنبياء السابقون ما تقدّم من خطاياهم. ويقول محمد وهو أمام الله: أي رب، خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر, لا يحتاج المرء أن يكون ملماً بقواعد علم الحديث لكي يرى يد التحريف في هذه الرواية، حيث يُرى بوضوح كيف حاول المسلمون الغيارى في العصور الأولى إعلاء مكانة محمد عن مكانة المسيح. إن المسلمين لم يختبروا فقط من المسيحيين ما امتاز به المسيح من صفات تجعله كائناً فوق البشر، بل قرأوا في قرآنهم والآثار المروية عن نبيّهم محمد ما يصدّق على ذلك. وقد أدّى هذا إلى إنتاج أحاديث تُضفي على محمد فضائل بدوية : أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وبينا أنا نائم البارحة إذ أقيمت مفاتيح خزائن الأرض حتى وُضعت في يدي,

وتزوِّدنا مصادر الحديث بمعلومات عن منظر المسيح وملامح وجهه حيث يقول محمد: أراني في المنام عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما ترى من الرجال، له لمّة قد رجّلت ولمته تقطر ماء واضعاً يده على عواتق رجلين يطوف بالبيت، رجل الشعر. فقلت: من هذا؟ فقالوا: المسيح ابن مريم. ثم رأيت رجلاً جعداً تطفأ أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية كأشبه ما رأيت من الناس بابن قطن واضعاً يديه على عواتق رجلين يطوف بالبيت فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال",يقول ابن عباس إن موسى أيضاً كان رجلاً آدم جعداً, أما ما يتعلق ب اللمة فإنها كانت على ما يبدو من علامات الجمال حسب الموضة السائدة حينذاك في الحجاز، إذ يخبرنا الصحابي البراد: ما رأيت من ذي لمّة أحسن في حلة حمراء من رسول الله وزاد محمد بن سليمان: له شعر يضرب منكبيه, وتوجد روايات أخرى عند البخاري ومسلم عن لمة محمد,

ومن يتصفح مصادر الحديث الموثوق بها عند المسلمين بحثاً عن روايات تتعلق بالمسيح، يلاحظ بسرعة أن المسيح يظهر في تلك الروايات إما كمولود لم ينخسه الشيطان، أو كقاضٍ يأتي في نهاية الدهر. هناك أحاديث عديدة في شتى المصادر تصف بدقة على لسان محمد ما سيفعله المسيح عند مجيئه ثانيةً. أما القرآن فهو المصدر الوحيد بين المصادر الموثوق بها الذي يُطلعنا على تفاصيل ولادة المسيح ومعجزاته وموته على الصليب. يقول المستشرق الإنكليزي الكبير MacDonald? إن أقدم الأحاديث لا تقدم إلا قليلاً من المعلومات عن المسيح، أو تذكره فقط في سياق المسيح الدجال في أبواب الفتن أو شروط الساعة. إن محمداً ركز جل اهتمامه على فكرة الدجال، كما يدل على ذلك رواية ابن صياد عن الدجال. غير أن الرواة المسلمين بدأوا في وقت مبكر لأسباب سياسية وفقهية (كلامية) في إعداد وتطوير التعاليم الخاصة بالأمور الأخيرية، وذلك من خلال أحاديث موضوعة، كما نرى ذلك في كتاب مشكاة المصابيح18,حيث توجد عدة أبواب من علامات الساعة ونزول عيسى، أو في قصص الأنبياء للثعالبي19,الذي يقدم أكثر الأساطير عن المسيح كمالاً وتفصيلاً، بينما يسرد الطبري وابن واضح معلومات مختصرة من الأناجيل. غير أن التشابك الذي طرأ على الدور الذي يقوم به المسيح حسب هذه الروايات وعلى الذي نسب إلى المهدي بصورة شبه مشابهة اضطر أحدهم إلى القول بأن لا يوجد مهدي إلا عيسى ابن مريم. ويشير ابن خلدون (الذي درس هذه القضية بصورة فلسفية في مؤلفه المقدمة ) إلى ضعف الآثار المختلفة ويتابع تطور فكرة المجدد للإسلام قبل نهاية الدهر ويشير كيف تأثرت تلك الفكرة بالأفكار الشيعية والصوفية,

الصفحة
  • عدد الزيارات: 21373