Skip to main content

اليوم الآخِر - مصادر المفهوم الإسلامي لليوم الآخر

الصفحة 2 من 3: مصادر المفهوم الإسلامي لليوم الآخر

مصادر المفهوم الإسلامي لليوم الآخر

للعقل البشري الميّال إلى الجنوح للأساطير والخيال دور بارز في تشكيل المفهوم الإسلامي لعقيدة اليوم الآخر، إلا أن هناك مصادر أخرى لهذا المفهوم، منها النقل المباشر من الكتاب المقدس:

ففي وصف القرآن لأهوال القيامة يقول: إنه في هذا اليوم يحدث برق ورعد ومخاوف عظيمة، ويُنقر في الناقور ويُنفخ في الصُّور، وتُسمع صيحة في كل مكان تهتز بها الأرض وترتجف فرائض البشر وتخشع لها أبصارهم. فيه تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا" (الحج 22: 2). يَجْعَلُ ا لْوِلْدَانَ شِيباً (المزمل 73: 17) وفيه "يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" (عبس 80: 34-37). وفيه أيضاً: "لاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً" (المعارج 70: 10) "ويَوْماً لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً" (لقمان 31: 33". "ويَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً" (الدخان 44: 41). أنه يوم لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (البقرة 2: 123).

ويصّور الإنجيل هذا اليوم، فيقول المسيح:

"وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الْإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ا لْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لِأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الْأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلَاءِ الْأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلَاعِينُ إِلَى النَّارِ الْأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ، لِأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَاناً فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضاً وَمَحْبُوساً فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضاً: يَارَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً أَوْ عَطْشَاناً أَوْ غَرِيباً أَوْ عُرْيَاناً أَوْ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ فَيُجِيبُهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلَاءِ الْأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هؤُلَاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالْأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (متى 25: 31-46).

وفي يوم القيامة - كما يصوِّره القرآن - يحضر الناس أمام الله أشتاتاً ليروا أعمالهم ويكون الفصل بين الأبرار أصحاب اليمين والأشرار أصحاب الشمال وتُكشف الأعمال والخفيات بحسب كتاب الأعمال، لأن لكل إنسان كتاباً خاصاً تُدّوَن فيه أعماله.

ويقول الإنجيل في ذلك:

"ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ! وَرَأَيْتُ الْأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ اللّهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الْأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الْأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الْأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ" (رؤيا 20: 11-15).

ويضيف د. سنكلير تسدل في كتابه مصادر الإسلام مصدراً آخر من مصادر المفهوم الإسلامي لليوم الآخِر، فيقرر أن ما في القرآن والأحاديث بخصوص الجنة وحور العين والغلمان والجن وملك الموت وذرات الكائنات، هو نقل حرفي من كتب الزردشتية القدماء: فمثلاً ما قاله عن الحور في سورة "الرحمن حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي ا لْخِيَام" (سورة الرحمان 55: 72). وفي سورة الواقعة "وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ ا للُّؤْلُؤِ ا لْمَكْنُونِ" (سورة الواقعة 56: 22، 23). هو لا شك مأخوذ مما قاله الزردشتية القدماء عن بعض أرواح غادات إسمهن ميركان ويسميها الفرس المتأخرون بريان لأن الزردشتية زعموا أن أرواح هذه الغادات سكنت في الهواء، ولها علاقة بالكواكب والنور. وكان جمال أرواح هاته الغادات رائعاً حتى خُلبت قلوب الرجال .

ويشير د. سنكلير إلى أن المسلمين يعتقدون أنه بعد دينونة يوم الدين يُؤمر جميع الناس بالمرور على الصراط، وهو شيء ممدود على متن جهنم بينها وبين الجنة، يمشي عليه المؤمنون فيصلونه إلى النعيم، ويتعثّر عليه الكافرون فيسقطون في الجحيم، ويعقب د. سنكلير قائلاً: فمن أراد معرفة منشأ هذا القول وجب عليه أولاً أن ينظر في اشتقاق كلمة صراط لأن أصلها ليس من اللغة العربية، فهي معرَّبة وأصلها فارسي.

أهل الكتاب كما صوَّرهم القرآن في اليوم الآخر

عند النظر في آي القرآن ينبغي أن نفرق بين مرحلتين من مراحل نزول القرآن هما: المرحلة المكية، والمرحلة المدنية. فالفارق البيّن الواضح بينهما في استراتيجيات الدعوة يجعلنا نقول إن الدعوة الإسلامية قد انتقلت نقلة كبيرة بعد الهجرة إلى المدينة، وتحوَّلت الفكرة الإسلامية تحولاً خطيراً. حتى جاز لنا القول إن إسلام مكة ليس هو إسلام المدينة، وإن كفَّار مكة ليسوا هم كفَّار المدينة، وإن أولياء مكة ليسوا أولياء المدينة. فمن يواليه المسلم في مكة أصبح يعاديه في المدينة، ومن عاداه في مكة أصبح أشدَّ عداوةً له في المدينة.

وكذا الحال في مفهوم اليوم الآخِر في القرآن: فالهالكون في جهنم حسب نص القرآن المكي ليسوا هم هالكي جنهم في القرآن المدني! فالكفّار المشركون عَبَدة الأصنام والأوثان هم هالكو جهنم في مكة، وهم محط اللعنات القرآنية طوال أكثر من ثلاثة عشر عاماً في مكة، بينما أهل الكتاب هم المسلمون الذين أُمر محمد أن يكون معهم من المسلمين، وهم الذين قال فيهم القرآن: "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ" (الأنعام 6: 90).

أما أهل الكتاب في المدينة فهم الذين حرفوا الكتاب ليّاً بألسنتهم، وهم الذين أخفوا نعت محمد واسمه من كتابهم، وهم عباد الثالوث الذين ألَّهوا المسيح وأمه واتخذوهما إلهين من دون الله، فاستحقوا جهنم خالدين فيها أبداً!

إن من يقرأ القرآن يدرك أنه لم ترد آية واحدة طوال أكثر فترات العهد المكي تنذر أهل الكتاب بالعذاب الأليم في جهنم، بل إن آيات التبشير بالعذاب كانت موجَّهة في جملتها إلى المشركين من قريش وما حولها، الذين صدّوا عن سبيل الله، والذين استكبروا ورفضوا دعوة المساواة التي أطلقها الإسلام بين الطبقات. لكن الأمر يختلف اختلافاً كبيراً عندما نقرأ ما نزل من القرآن في المدينة، فهي لا تفرق بين مسيحيين ومسلمين لله، لا يشركون به إلهاً آخر، مسيحيين يقرّون له بالوحدانية وبين آخرين ضالين اتّخذوا من المسيح وأمه إلهين، أو الذين اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله!!

وإذا أردنا التدليل على ما سبق ذكره من تناقض الموقف القرآني تجاه أهل الكتاب نقول:

لقد سألت خديجة - وهي زوجة محمد طوال العهد المكي - محمداً عن مصير أولاد المشركين، بما فيهم أهل الكتاب، فقال: "وَلَا تَزِرُ وَازِرةٌ وِزْرَ أُخْرَى"(الأنعام 6: 164) هم على القنطرة وفي رواية أخرى هم في الجنة .

وقد روى أبان عن أنس قال: سُئل رسول الله )ص( عن أولاد المشركين فقال: "لم يكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة". ولم يكن لهم سيئات فيُعاقبون عليها فيكونوا من أهل النار فهم خدمٌ لأهل الجنة.

هذا الموقف الصريح من أولاد المشركين وأهل الكتاب، نراه يختفي ويتغير إلى موقف آخر يتبناه القرآن تجاه الكفَّار بما فيهم أهل الكتاب وأولادهم، فقد سألت عائشة زوج محمد في العهد المدني محمداً عن ذراري غير المسلمين فقال: هم مع آبائهم قالت: بلا عمل؟! قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، والذي نفسي بيده لئن شئتِ أسمعتكِ تضاغيهم في النار .

ففي مكة أولاد أهل الكتاب في الجنة خدام لنزلائها، ولكن بعد أن اتخذ الإسلام موقفاً مستقلاً من مصدره الأول، بل موقفاً معادياً من هذا المصدر الذي ظل يمدّه بالعقائد والتشريعات طوال أكثر من ثلاثة عشر عاماً، كانت النتيجة إلقاء هؤلاء الأطفال في الجحيم، بلا ذنب سوى أنهم جاءوا من صلب كتابيين!

المسيح في اليوم الآخِر
الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 7947