اليوم الآخِر - المسيح في اليوم الآخِر
المسيح في اليوم الآخِر
لم يتفرَّد المسيح -كما صّوَره القرآن - في حمله وولادته وطفولته ومعجزاته وموته ورفعه على سائر الأنبياء والمرسلين فحسب، بل إن القرآن خصَّه بأُخرَيات لم تُنسَب لنبيٍّ قط، حتى قال فيه وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ (الزخرف 43: 61). أي إن نزوله إلى الحياة الدنيؤؤا مرة أخرى نذير بقيام الساعة.
ونقرأ في كتب الصحاح المعتمدة (أمثال البخاري ومسلم) أبواباً ذكرت عشرات الأحاديث الموصولة السند عن نزول المسيح ابن مريم، وأعطته مكانة لم تُعط لنبي من الأنبياء.
- فقد رُوي عن محمد يكون عيسى عليه السلام في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً.. .
- وروي أيضاً عنه ليدركن المسيح ابن مريم رجالاً من أمتي مثلكم أو خيراً منكم .
- وفي الحديث أيضاً: ينزل عيسى ابن مريم فيتزوج ويولد له ولد، ويمكث خمساً وأربعين سنة ويُدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى من قبرٍ واحدٍ بين أبي بكر وعمر .
ويُقال: إنه يتزوج امرأة من العرب بعد ما يقتل الدجال، وتلد له بنتاً فتموت، ثم يموت هو بعد ما يعيش سنتين وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة عن محمد: يمكث عيسى في الأرض بعد ما ينزل أربعين سنة ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. وروي أيضاً في الحديث الصحيح الأنبياء إخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أَوْلى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، كأن رأسه تقطر ولم يصبه بلل.
وقال كعب الأحبار: "إن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة ويكثر الخير على يديه حتى أن الحي ليعبر بالميت فيقول: قم فانظر ما أنزله الله من البركة. وأن عيسى عليه السلام يتزوج بامرأة من آل فلان ويُرزق منها ولدين فيسمي أحدهما محمد والآخر موسى، ويكون الناس معه على خير وفي خير زمان وذلك أربعين سنة، ثم يقبض الله روح عيسى ويذوق الموت ويُدفن إلى جانب النبي" (من كتاب يقظة أولي الاعتبار للعلاّمة الأصولي صديق حسن خان).
ولكن ما الحكمة التي يراها المسلمون في نزول المسيح في ذلك الوقت دون غيره من الأنبياء؟
أجاب على هذا السؤال الإمام القرطبي في كتابه التذكرة يقول في ص 764: يحتمل أن المسيح قد وجد في الإنجيل فضل أمة محمد (ص) فدعا الله عز وجل أن يجعله من أمة محمد (ص) فاستجاب الله تعالى دعاءه ورفعه إلى السماء إلى أن يُنزله آخر الزمان مجدداً لما درس من دين الإسلام، فوافق خروج الدجّال فقتله.
ويحتمل أن يكون إنزاله مدة لدنّو أجله لا لقتال الدجّال، لأنه لا ينبغي لمخلوقٍ من التراب أن يموت في السماء، لكن أمره يجري على ما قال الله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (طه 20: 55). فينزله الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراه فيها من يقرب منه ويسمع به من نأى عنه، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره ويصلّون عليه ويُدفن حيث دُفن الأنبياء.
ويُحتمَل أن يكون ذلك لأن اليهود همَّت بقتله وصلبه، وجرى أمرهم معه على ما بيَّنه الله تعالى في كتابه، وهم أبداً يدَّعون أنهم قتلوه، وينسبونه في السحر وغيره إلى ما كان الله يراه ونّزَهه منه. ولا يزالون في ضلالهم هذا حتى تقرب الساعة، فيظهر الدجَّال وهو أسحر السحرة، ويبايعه اليهود فيكونون يومئذ جنده مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين. فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزله الله الذي عندهم أنهم قد قتلوه، وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين حياً، ونصره على الدجّال ومَن معه مِن اليهود، فلا يجدون يؤمئذ مهرباً. وإن توارى أحدٌ منهم بشجر أو حجر أو جدارٍ ناداه: يا روح الله، ها هنا يهودي حتى يقف عليه فإما يسلم أو يُقتل .
وهذه كلها احتمالات قدَّمها الإمام القرطبي، وإن شئت قلت إنها رصيد جديد من الأقوال الظنِّية والاجتهادات الفرديّة التي لا سند لها سوى النصوص المبهَمة من القرآن والسنّة التي تناولت حياة السيد المسيح في حمله وولادته وصلبه وقيامته ونزوله آخر الزمان.
- أنشأ بتاريخ .
- عدد الزيارات: 7935