إلهٌ ابن إله
الفصل الخامس عشر: إلهٌ ابن إله
قلتُ لمحدِّثي: "إن عناصر الجذب في المسيحية كثيرة ومتعددة، وكفيلة بإقناع من كان الحقُّ ضالته المنشودة، فحسبه من عقائدها الراسخة عقيدة القيامة، ومن مبادئها السامية المحبة، ومن بين ثمراتها التي يقطفها أبناؤها الخلاص الأبدي. إني لا أغضّ الطرف عن تلك العقبات التي اعترضت طريق إيماني بها، ولا أقلل منها. ولكن الحق أقول لك إن صعوبة تلك العقبات لا ترجع لاستحالة بَرْهنة صِدقِها بقدر ما يعود لتلك التعاليم التي رضعناها مع لبن الأم، والتي خلقت لدينا حسّاً رافضاً لفكرة ألوهية مخلِّصنا يسوع المسيح! ولذا فإن هذه العقيدة صعبة معقّدة كلما تناولتها ألسنةٌ هذا موقفها، ولكنها سَهْلة ليِّنة مُقنعة سَلِسة واضحة، قوية الحُجة منطقية البرهان، كلما طالعتَها في كتابها.
إن أبسط قواعد العدل في الجدل والحوار أن تسمع ما يقوله محاورك، لا أن تسدّ أذنك ولا تسمع إلا صوتك أنت. ولقد كان صوت الكتاب المقدس قوياً في مناقشة هذه القضية، بسطها صاحبه بَسْطاً يأخذ اللبّ ويخترق القلب".
يقول مرقس في مستهل إنجيله: بعد ما أُلقي يوحنا في السجن أتى يسوع إلى الجليل وهو يكرز بإنجيل ملكوت الله، ويقول: لقد تمَّ الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل . يُعبّر هذا القول عن المضمون الأساسي لرسالة المسيح، ألا وهو قرب مجيء ملكوت الله. ومع
ملكوت الله وسيادته على العالم كان اليهود ينتظرون أن ينتشر السلام بين الأفراد والجماعات والشعوب، وتسود العدالة علاقات الناس، ويحظى الفقراء بالحماية والمساندة. فمنذ أقدم العصور يتوق البشر إلى السلام والعدالة والحياة الفضلى والخلاص، لكنهم لا يستطيعون بلوغ تلك القِيم فيعتقدون بوجود قُوَى معادية تمنعهم من ذلك، يدعوها الكتاب الشياطين.
في نظر الكتاب المقدس الله وحده سيد الحياة والتاريخ، وهو وحده يستطيع أن يسحق جميع القُوَى الشريرة المعادية للإنسان، ويمنح الإنسان الخلاص والحرية والحياة هذا هو مضمون ملكوت الله الذي به بدأ المسيح رسالته بالتبشير به.
ويروي إنجيل متى أنه قُدِّم إلى يسوع مجنون أعمى وأخرس فشفاه، حتى أن الأخرس تكلم وأبصر. فبُهت الجموع كلهم وقالوا: "أفلا يكون هذا ابن داود؟" وسمع الفريسيون فقالوا: "هذا الرجل لا يُخرِج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين". وإذ أدرك يسوع أفكارهم قال لهم: "كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لا يثبت. فإن كان الشيطان يُخرِج الشيطان فقد انقسم على نفسه. فكيف إذاً تثبت مملكته؟ وإن كنتُ أنا بروح الله أُخرِج الشياطين، فذلك لأن ملكوت الله قد انتهى إليكم. وهل يستطيع أحدٌ أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولاً؟ عندئذ فقط ينهب بيته. إذاً ملكوت الله قد انتهى إليكم" (متى 12: 22-29).
إن المسيح يعلن نفسه مرسَل الله وممثله ووكيله في تحقيق الملكوت. والشعب الذي يختاره يصبح شعب الله، وكل من يقبل ا تِّباع المسيح والانضمام إلى شعب الله يحصل على المصالحة والمسامحة والسلام والخلاص والحرية التي يذخرها الله للذين يخضعون لملكه.
إن جميع أعمال يسوع من شفاء المرضى ومسامحة الخطايا وطرد الشياطين يدعوها الإنجيل آيات أي علامات تشير إلى بدء تحقيق الملكوت. فهي تدل على أن الله قريبٌ مِن الإنسان بمحبته، وقريب من كل إنسان، ولا سيما الفقراء والضعفاء والمرذولين والخطاة. وهذا هو معنى جواب يسوع عندما أرسل إليه يوحنا المعمدان بعضاً من تلاميذه يسألونه: أَنْتَ هُوَ الْآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ فَأَجَابَهُمَا يَسُوعُ: اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ. اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لَا يَعْثُرُ فِيَّ" (متى 3:11-6).
- أنشأ بتاريخ .
- عدد الزيارات: 7195