Skip to main content

أسفار العهد القديم والجديد في عصر محمد - العهد الجديد المتداول اليوم في العالم المسيحي هل هو الإنجيل الحقيقي الذي يشهد له القرآن

الصفحة 4 من 7: العهد الجديد المتداول اليوم في العالم المسيحي هل هو الإنجيل الحقيقي الذي يشهد له القرآن

ولنتكلم الآن في نسخ العهد الجديد المتداول اليوم في العالم المسيحي ونبحث هل هي الإنجيل الحقيقي الذي يشهد له القرآن، وهل هو الذي كان موجوداً في عصر محمد أم لا ،
أما رجال العلم والتحقيق في كل العالم فلا يخالج قلوبهم أقل شك في صحة هذه الدعوى، لأن الأبحاث العصرية المتأخرة أثبتت قطعيا أنه حتى في عصر المسيح كتب تلاميذه - الحواريون - مذكرات بأقواله وتعاليمه وأعماله، وكثير منها وارد في بشارة مرقس على نوع أخص، وفي بشارتي متى ولوقا أيضاً على نوع ما. إلا أن واقعة صلب المسيح وموته ودفنه وقيامته وصعوده لم يدون منها التلاميذ شيئاً إلا من بعد صعوده طبعاً، ثم أنهم لم يروا ضرورة تدفعهم إلى كتابة الإنجيل لقوم يعلمونه بمشاهدة العيان، إذ كانوا معاصرين ليسوع ورأوه وجها لوجه
وكلموه شفاهياً وكانوا معه وحوله كل يوم يسمعون وعظه ويرون معجزاته - 1 كورنثوس 15 :6 وأعمال 1 :21 و22 - ولأن المسيح لم يأمرهم أن يكتبوا الإنجيل - الأخبار السارة - بل يكرزوا به، ليوضع الأساس على شهادة قوم أحياء معاصرين له شهادة شفاهية مشفوعة بدلائل الصدق والإخلاص. وأما كتابة الإنجيل فابتدأت على هذا المنوال. اعلم أن هذا الإنجيل معناه الخبر السار أو البشارة السارة . فقد كتبها قبل الكل بولس الرسول ضمن رسالتين متواليتين بعث بهما إلى أهل تسالونيكي، ويرجع تاريخهما إلى ما بين سنة 22 و23 بعد صعود المسيح، ومثل هاتين الرسالتين بقية رسائل بولس في وحدة التعليم في كل المبادئ التي نتمسك بها إلى اليوم.
لكن لما مضى الجيل المعاصر للمسيح أو كاد، مسَّت الحاجة إلى تدوين الإنجيل في الأسفار لصون حقائقه من الطوارئ، وإفادة الأجيال الآتية، فألهم روح الله القدوس من اختار لتنفيذ هذه المهمة من رسل المسيح ورفقائهم القريبين منهم، فكتب أولاً القديس مرقس بشارته قبل خراب أورشليم سنة 70 للميلاد. وظن بعضهم أنه ما بين سنة 65 و66 في مدينة رومية. وكان مرقس رفيقا لرسل المسيح وأحد تلامذته الأولين وكان مشهوراً في الكنائس الأولى ومعروفاً عنه بأنه
تلميذ بطرس، فكتب بشارته بناءً على معلوماته الشخصية ومعلومات بطرس، غير أن روح الله القدوس عصمه من الخطأ وذكّره بما عساه يكون نسيه، وألهمه ما يكتب في تلك الأخبار وما لا يكتب.
وكتب متى رسول المسيح بشارته قبل سنة 70 للميلاد. وكتبها لوقا ما بين سنة 60 و70، وكتبها يوحنا ما بين سنة 90 و100 أي حينما بلغ من العمر سن الشيخوخة والحاصل أن بين أيدينا بشارتين لرسل المسيح، وهما بشارتا متى ويوحنا، وبشارتين لرفقائهما وهما بشارة مرقس - ومن المحتمل أن تكون من إملاء بطرس - وبشارة لوقا رفيق بولس الرسول. وهذا الأخير يقول في فاتحة كتابه إنه فحص واستعلم بالتدقيق عن كل ما كتب من شهود العين. ومما لا شك فيه أن الأصحاحين الأولين من بشارته كتبهما حسب شهادة العذراء مريم.
وربما يقول معترض إن هذا كله لا يدل على أن هذه الكتب موحى بها من الله، فأجيب : نعم، ليست موحى بها كالوحي الذي يتصوره المسلمون ويروونه عن القرآن من أنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ من قبل خلق العالم ونزل إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أملاه جبريل على محمد مفرَّقاً حسب الوقائع والأحوال. إن وحياً كهذا يظهر لنا معاشر المسحيين أنه ليس بالجيد فضلاً عن أنه لم يقم دليل على أن
القرآن موحى به مثل هذا الوحي - كما هو مثبوت في كتاب مصادر الإسلام - . ويقول وعلماء النقد والتفكير إن فرضنا أن كتاباً مقدساً كُتب في السماء ونزل إلى الأرض على هذه الكيفية فلا يمكننا أن نقيم الدليل على أن ذلك الكتاب كُتب في السماء ولا أن له صلة بها. وأما الوحي التوراتي والإنجيلي فهو أن الله إذا أراد أن يعلن لعباده أمراً من الأمور على يد أنبيائه لا يتخذهم كآلات صماء، بل يستخدم عقولهم وأذهانهم وذاكرتهم وذكاءهم وأرواحهم في ما يكتبونه، فيكون وحياً - يوحنا 16 :13 - .
ولنشرح هنا بعض المسائل التي تشوش على أذهان إخواننا المسلمين في فهم حقيقة الإنجيل. يقول بعضهم إن الإنجيل الذي بين أيدي المسيحيين اليوم ليس هو الإنجيل الحقيقي الذي أُنزل على المسيح لأننا نرى عندهم أربعة أناجيل لم تُكتب إلا بعد صعود المسيح بمدة طويلة. فنقول إن كتابة الإنجيل بعد صعود المسيح بمدة طويلة لا يطعن في صحته كما لا يطعن في صحة، القرآن كونه جمع بعد حياة محمد - كما ورد في مشكاة المصابيح صحيفة 193 والمؤلفات المعتبرة - . وأما كون عندنا أربعة أناجيل فهو ليس بحق، فإن عندنا إنجيلاً واحد الأن كلمة إنجيل وإن كانت استُعملت اسما لبعض أسفار العهد
الجديد فمعناها خبر سار أو بشارة مفرحة، لأنها معدولة عن كلمة يونانية مجانسة لها لفظاً وتفيد هذا المعنى بالضبط. لكن إخواننا المسلمين قلما يفطنون لهذا المعنى.
ولما كانت خلاصة أسفار العهد الجديد وزبدتها إعلان محبة الله للبشر، بحيث أنه أرسل لهم يسوع المسيح ليخلّصهم من خطاياهم، وهذا خبر سار جداً، فدُعي به العهد الجديد أو بالعبارة اليونانية المعربة إنجيل . وبهذا الاعتبار لا تكون أناجيل كثيرة، بل إنجيل واحد كرز به متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبولس وبطرس الخ. فالكارزون هم المتعددون، وأما الإنجيل فهو واحد غير متعدد. وبمراجعة الأصل اليوناني نجد البشائر الاربع التي في صدر أسفار العهد الجديد مسماة بكيفية تطابق الشرح الذي قدمناه، فبشارة متى مسماة إنجيل المسيح كما كتبه متى والبشارة الثانية مسماة إنجيل المسيح كما كتبه مرقس وهكذا. وإنما حباً بالاختصار اتفقوا على تسميتها بحسب الأسماء الحاضرة. وبعد البشائر الأربع سفر الأعمال - أي أعمال الرسل - وخلاصته أن الرسل كرزوا بالإنجيل في أقاليم كثيرة من العالم بين اليهود والأمم، وبدأوا بالكرازة بعد صعود المسيح بأيام قليلة لا تتجاوز عدد الأصابع. والكارز الأول بالإنجيل هو نفس المسيح - مرقس 1 :15
و13 :10 ولوقا 20 :1 - وبهذا الاعتبار يكون الإنجيل نزل على المسيح، وقد شهد عن نفسه بأنه تلقى رسالته أي الإنجيل عن الله، وعلى ذلك قوله "وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ، فَكَمَا قَالَ لِي الْآبُ هكَذَا أَتَكَلَّمُ" - يوحنا 12 :50 وقارن يوحنا 8 :28 و12 :49 .

أسفار العهد الجديد لم تُقبل ضمن دائرة الوحي إلا بعد الاستفسار والتحري الدقيق
الصفحة
  • عدد الزيارات: 19128