Skip to main content

أسفار العهد القديم والجديد في عصر محمد - أسفار العهد الجديد لم تُقبل ضمن دائرة الوحي إلا بعد الاستفسار والتحري الدقيق

الصفحة 5 من 7: أسفار العهد الجديد لم تُقبل ضمن دائرة الوحي إلا بعد الاستفسار والتحري الدقيق

وأما بقية أسفار العهد الجديد فلم تُقبل ضمن دائرة الوحي إلا بعد الاستفسار والتحري الدقيق والأسانيد الكافية، خشية أن ينطوي معها سهواً مصنفات أخرى. واستغرقت هذه المهمة زمناً طويلاً مراعاة للظروف الصعبة التي أحاطت بتلك الأسفار، مثل أن البعض منها كان رسائل خصوصية لأفراد معينين، كرسالة بولس الرسول الأولى والثانية إلى تيموثاوس وإلى تيطس وفليمون، ورسالة يوحنا الثانية والثالثة. والبعض الآخر بُعث أولاً كرسائل إلى كنائس معينة، إلا أننا علمنا من مؤلفات المسيحيين الأولين أن البشائر الأربع عُرفت وصار اعتمادها أنها وحي من الله ما بين سنة 70 إلى سنة 130 م. وقد تم من بعض الوجوه إحصاء أسفار العهد الجديد في سنة 170 م وسُمي هذا الإحصاء بالقانون الموراتوري، وقد اشتمل على كل أسفار العهد الجديد المتداولة اليوم ما عدا رسالة يعقوب الرسول، والرسالة الثانية
لبطرس الرسول والرسالة إلى العبرانيين. وبعد التحري أبطلوا هذا القانون وعملوا إحصاءً جديداً تحروا فيه الضبط بأكثر تدقيق. يتضمن هذه الرسائل أيضاً مع الإشارة بأن الرسالة الثانية لبطرس كانت مشكوكاً في وجودها ضمن الاحصاءات الأولى .
ومن الجدير بالملاحظة أن كتابة الكتب والحصول عليها في تلك القرون الغابرة كان محفوفاً بالمصاعب والنفقات الثقيلة، وعدا ذلك لو أُحصيت أسفار العهدين المكتوبة بخط اليد بالحرف اليوناني الكبير المستعمل حينئذ لما بلغت مجلداً كبيراً فقط بل مجلدات كثيرة. ومع كل هذه المصاعب كانت توجد أسفار الكتاب المقدس مجموعة بين يدي كثيرين من المسيحيين في جهات مختلفة من العالم. وفي مجمع لاودكية الذي عُقد سنة 363 م الذي ذكرنا أنه أحصى أسفار العهد القديم ضمن اثنين وعشرين سفراً قد أحصى أيضاً أسفار العهد الجديد على الحالة التي هي عليها الآن ما عدا سفر الرؤيا، لأن بعض الكنائس قبلته وبعضها لم تقبله - يومئذ - . وفي مجمع قرطجنة الذي اجتمع سنة 397 م أقروا كل الأسفار المتداولة اليوم مشفوعة بهذا البيان قبِلْنا من آبائنا بأن هذه الأسفار ينبغي أن تُقرأ في الكنائس .
وعدا الاحصاءات المجمعية لأسفار العهد الجديد كما مر فقد
أحصاها مشاهير الكتاب المسيحيين منذ القرون الأولى للميلاد، متحرّين أبحاثهم الخصوصية، منهم أوريجانوس الذي مات سنة 253 م وأثناسيوس الذي مات سنة 373 وأيسيبوس وكان معاصرا له. وكلهم أجمعوا في أبحاثهم الخصوصية على قانونية أسفار العهد الجديد كما قررتها المجامع. ويعقّب إيسيبوس على إحصائه بهذه الملاحظة : إن بعض المسيحيين لم يقرروا رسالة يعقوب ولا رسالة يهوذا ولا الرسالة الثانية لبطرس ولا رسالتي يوحنا الثانية والثالثة ولا سفر الرؤيا، لكن بعد التحري الدقيق اقتنعنا بأن هذه الأسفار قانونية ويجب قبولها ضمن أسفار العهد الجديد بعد التأكد القوي أنها وحي الله .
وعلى ما تقدم لم تمض الأربعة القرون الأولى للميلاد حتى تقرر نهائياً اعتماد أسفار العهد الجديد على حالته الراهنة في فلسطين وسورية وقبرص وآسيا الصغرى وإيطاليا وشمال أفريقيا. ومن هنا لا ينبغي لذي عقل سليم أن يرتاب بأن الكتاب المقدس المتداول اليوم كان موجوداً بتمامه وعلى شكله الحاضر في عصر محمد بين المسيحيين المستوطنين في جزيرة العرب وسوريا ومصر والحبشة وغيرها من الأقاليم التي تعارف محمد بشعوبها.
ولقائل يقول ربما انقرض الكتاب المقدس بعد عصر محمد وصنف المسيحيون كتاباً آخر دعوه باسم الكتاب الأول الخ . فنجيب أن هذه الدعوى بمثابة من يدّعي أن القرآن بعدما ملأت نسخه الدنيا قد انقرض وكتب المسلمون كتاباً آخر وسموه باسمه، فهذه الدعوى لا يدعيها إلا كل جاهل. ومع ذلك نجيب عليها أنه من البراهين القاطعة على وجود وحدة الكتاب المقدس قبل محمد وبعده النسخ القديمة المخطوطة باليد في اللغة اليونانية، وهي اللغة الأصلية لأكثر أسفار العهد الجديد، واللغة التي تُرجمت إليها هي أقدم ترجمة للعهد القديم أي الترجمة السبعينية.
وأقدم متن عبراني موجود اليوم هي النسخة التي وُجدت في مصر وتشتمل على الوصايا العشر والقانون العبراني الوارد في - خروج 20 :2-17 وتثنية 6 :4-9 - وقد كتبت ما بين 220 و250 للميلاد أي قبل الهجرة بقرون. وأكبر نسخة للعهد القديم وأقدمها عندنا اليوم هي النسخة الشرقية نمرة 4445 محفوظة في المتحف البريطاني، وكُتبت ما بين سنة 820 و850. ويليها في الأقدمية نسخة سان بطرسبرج وهي مؤرخة سنة 916. وهاتان النسختان منقولتان عن نسخ أقدم منهما بكثير، وذكر الناسخ اسم اثنتين منها وهما نسخة حليل ونسخة موخا وروى زكوت
المؤرخ اليهودي أن نسخة حليل كُتبت سنة 597 م. وأنه رأى جزئين منها يشتملان على هذه الأسفار يشوع، قضاة، صموئيل الأول والثاني، ملوك الأول والثاني، إشعيا، إرميا، حزقيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا وملاخي. وأما نسخة موخا فليست أقل أقدمية من النسخة الأخرى، ولا بد على الأقل أن إحدى هاتين النسختين كانت موجودة في عصر محمد. ومن تعليقات اليهود عليهما نعلم أنهما كانتا موافقتين لنسخة العهد القديم التي بين أيدينا، وعندنا نسخ كثيرة منقولة عن نسخ عبرانية أقدم منها.
وإن قيل ماذا جرى للنسخ العبرانية القديمة. نجيب بما يجيب به اليهود : وهو أنه عندما كانت تبلى النسخة من كثرة الاستعمال تحفظ في الخزانة حتى إذا مات رباني مشهور دفنوها معه. وبعض الأحيان يخشون عليها أن تُهمل مع طول الزمان وتُداس بأقدام أو يلحقها عارض يدنس ورقها وهذا حرام عندهم، فيُجهِزون عليها بالحريق.

نسخ العهد القديم في الترجمة اليونانية الشهيرة بالترجمة السبعينية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 19124