Skip to main content

هل فصاحة القرآن دلالة على الوحي؟ - لسان قريش الذي كتب به القرآن إنما هو لسان أهل مكة لا لسان أهل الجنة

الصفحة 3 من 4: لسان قريش الذي كتب به القرآن إنما هو لسان أهل مكة لا لسان أهل الجنة

ثم أنه من المحقق الآن عندا لعلماء أن لسان قريش الذي كتب به القرآن إنما هو لسان أهل مكة لا لسان أهل الجنة فإن العربية كما هو معلوم إحدى اللغات السامية وهي كأخواتها العبرانية والآرامية والحبشية والسريانية والأشورية وغيرها من اللغات التي هي أقل أهمية ونحن لا ننكر أن اللغة العربية إحدى اللغات القديمة كما أننا نعترف بأن القرآن في بعض فصوله فصيح العبارة وبليغ الأسلوب غير أن علماء اللغة أثبتوا اشتماله على كلمات غير عربية معدولة عن اللغات الأخرى. منها كلمة فرعون مأخوذة من اللسان المصري القديم وكلمتا آدم وعدن مأخوذتان من لغة قديمة تُدعى أكاديان وإبراهيم من لغة الأشوريين وهاروت وماروت والصراط وحول الجن والفردوس مأخوذة من لغة قدماء الفرس وتابوت وطاغوت وزكاة وملكوت من لغة السريان والحواريين من اللغة الأيتوبية وحبر وسكنية وماعون وتوراة وجهنم من ألفاظ اليهود والإنجيل من لغة اليونان. وعليه فكلام القرآن ليس عربياً محضاً وحينئذ لا مانع من أن تكون هذه الكلمات الغير عربية مكتوبة في اللوح المحفوظ إسوة بكلماته العربية ما دام لها الفضل عليها في التعبير عن كثير من معاني القرآن. مع أن هذا يفتقر إلى الإثبات وكما اشتمل القرآن على كلمات غير عربية اشتمل على تراكيب لو وردت في غيره من الكتب لعدها علماء النحو والبيان غلطات لا محالة وهي كثيرة نكتفي ببعضها: ففي سورة البقرة (1) (قابل منا رالحق) قوله أولاً تلك عشرةكاملة والصواب تلك عشر وقال في سورة الأعراف وقطعناهم اثنتي عشر أسباطاً فأنث العدد وجمع المعدود والصواب التذكير في الأول والإفراد في الثاني وقال فيسورة النساء 4: 162 لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَا لْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَا لْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَا لْمُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَا لْمُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَا لْيَوْمِ الْآخِرِ والصواب والمقيمون الصلاة.

وقال في سورة المائدة 5: 69 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَا لَّذِينَ هَادُوا وَا لصَّابِئُونَ وَا لنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِا للَّهِ وَا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ والصواب والصابئين وقال في سورة المنافقين 63: 10 وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ والصواب وأكون بالنصب وقال في سورة آل عمران 3: 59 إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ والصواب فكان.

ومما أخطأ مراعاة المروي قوله سلام على الياسين والوجه الياس وقوله وطور سينين والوجه سيناء ومن خطإه في الضمائر وقوله في سورة الحج 19: 2 هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ والوجه اختصما في ربهما وقوله في سورة الأنبياء وأسروا النجوى الذين ظلموا والوجه وأسر النجوى وقوله في سورة الحجرات وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصحلوا بينهما والوجه اقتتلتا أو بينهم.

وبخلاف ما تقدم فإن الرأي العام عند العلماء الخالين من الغرض هو أن القرآن ليس بأفصح من كل الكتب العربية فبعضهم لا يفضله من حيث الفصاحة والبلاغة على المعلقات السبع وعلى مقامات الحريري وإن كانوا لا يتجاسرون على التصريح بذلك في البلاد الإسلامية على أن التاريخ ذكر أن كثيرين من علماء العرب أنكروا إعجازه من حيثية اللغة وقال السلطان إسمعيل في كلامه عن الإسلام إن عيسى ابن صابح المكنى بأبي موسى مؤسس شيعة المزدارية والمعروف بالمزدار كان يقول أن البشر يقدرون أن يكتبوا مثل القرآن في الفصاحة والبلاغة والروي وقال بخلقه ونشأ عن ذلك نزاع استفحل شره في حكم المأمون استمر من سنة 198 هجرية إلى سنة 218 وقال مؤلف كتاب شرح المواقف أن المزدار كان يقول كان ممكن للعرب أن يأتوا بأفصح من القرآن بكثير وقال الشهرستاني أبطل المزدار دعوى القرآن بالإعجاز من حيث الفصاحة والبلاغة والنظام يقول إن إعجاز القرآن ليس من حيث جمال عباراته بل من حيث أخباره بحوادث الماضي والمستقبل التي تضمنها وأن الذي صرف العرب عن مباراته هو عدم الإنصاف في الحكم بمضاهاته وادعائه بإحرازه السبق على غيره بغير حق مما ثنى عزيمته المناظرين عن الاهتمام بدعواه ولو وجدوا حكماً يقضي بينهم وبين صاحب القرآن لأتوا بمثله بدون نزاع.

نعم أن إخواننا المسلمين يعتبرون من قال منهم بعدم إعجاز القرآن مبتدعا ويسوءهم إعادة هذا القول إلا أننا لسنا نريد إساءتهم ولا إهانة كتابهم بل نقصد فقط أن نبين لهم بما لدينا من الأدلة أن مسألة إعجاز القرآن لم تقع موقع القبول والتسليم حتى عند العرب أنفسهم بل كانت من بدء الإسلام إلى الآن موضوع خلاف ونزاع أدى إلى التحزب والانشقاق فإن كان العرب ارتابوا في إعجاز القرآن وأنكروه حالة كونهم أرباب اللغة وأهلها فكيف يتعين على الأعاجم أن يسلموا بإعجازه ويتخذونه دليلاً على نبوة صاحبه فاحكموا.

ولنفرض كيفما كانت الحال أن القرآن أفصح كتاب عربي على وجه الأرض هل يلزم عن ذلك أنه كتب بالوحي أو هبط على محمد من سماء السموات لا يلزم ذلك أبداً لأنه في كل لغة راقية كتب عديمة المثال في لغتها الانكليزية لا يوجد أشعار كأشعار شكسبير وفي لغة الألمان تفردت قصيدة شيلر وغوث عن النظير وفي لغة الفرس فاق حافظ الكل في نوع من القصائد وفاق مولانا الرومي في نوع آخر وفي لغة السكريتية الهندية تجلت عن المثيل قصائد ريج فيدا ولم يدع كتبتها بالإعجاز لفصاحتها وبلاغتها ولا قالوا أنها وحي هبط عليهم من السماء.

فصاحة الكتاب ليست دليلاً على كونه منزلاً من السماء
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11753