Skip to main content

هل فصاحة القرآن دلالة على الوحي؟ - فصاحة الكتاب ليست دليلاً على كونه منزلاً من السماء

الصفحة 4 من 4: فصاحة الكتاب ليست دليلاً على كونه منزلاً من السماء

وعليه ففصاحة الكتاب ليست دليلاً على كونه منزلاً من السماء لأنه على الأرض فصحاء كثيرون والفصاحة من الصناعات البشرية إنما الدليل سمو تعليمه لا تنسيق ألفاظه كما شرحنا في المقدمة وإلا لكان الهنود محقين في دعواهم عن كتابهم مع أنه قد ذكر فيه نحو ثلاثة وثلاثين إلهاً. ويكون الكتاب موحى به من الله باعتبار ما يتضمن من التعاليم الحقة والأفكار الصالحة والمبادئ الروحانية السامية ولا حاجة إلى الألفاظ إلا ما دعت إليه ضرورة البيان. وتسري هذه القاعدة على الكتب المؤلفة أيضاً فإن قيمتها الحقيقية تقاس بصلاح تعليمها وجوده مبادئها لا بزخارف ألفاظها وطلاوة عباراتها. فإن كان لا يزال يدعي المسلم بأن القرآن أفصح كتاب في الوجود وفصاحته معجزة تدل على أن محمداً رسول الله فنقول هذه دعوى لا يمكن إقامة الدليل عليها إلا إذا توفرت لدينا شروط هي من وراء مقدرة البشر لانه لا يتأتى لأحد أن يحكم بأسبقية القرآن على سائر الكتب في كل اللغات في الفصاحة والبلاغة ما لم يطلع على كافة الكتب واللغات ويقارن بينها وبين القرآن وهذا ما لا سبيل إليه ولا يتعرض أحد به مسكة من العقل لمشروع محال وعليه فليس من المعقول أن يتمسك المسلم بأهداب هذه الحجة الواهية مؤكداً أن ديانته نور وهدى لكل الناس وأن نبيه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين إلى غير ذلك من الدعاوى الطويلة العريضة وليس لديه من البراهين إلا فصاحة القرآن المزعومة التي لا يتهيأ لمخلوق أن يسلم بها لأنها تقتضي كما قلنا فحصاً لا يستطاع لو يكلف الأعمى أن يميز جميع الألوان التي في قوس قزح كان ذلك أيسر من أن يكلق البصير بفحص جميع الكتب التي في العالم في كل اللغات ليعلم عن بينة أي كتاب أفصح الكل وعليه فكل الدعاوي الإسلامية قائمة على هذا الأساس الباطل والبرهان الساقط.

ومع أننا لم نستطع أن نقرأ الكتب جميعها ونعلم كل اللغات للتمييز بينها وبين القرآن فقد قرأنا الكتاب المقدس ولله الحمد وأننا نقول بملء فينا أن كثيراً من أسفاره في لغتها الأصلية أفصح من أي قسم من القرآن ومن بين تلك الأسفار سفر النبي إشعياء والتثنية والمزامير وقد لا ينكر أحد هذه الحقيقة من علماء اللغات إلا إخواننا المسلمون ولو فتح الله عليهم ودرسوا اللغة العبرانية التي كتبت بها هذه الأسفار لاعترفوا هم أيضاً بهذه الحقيقة.

ونذكر هنا طريقة سهلة مستطاعة كل قارئ يقابل بها بين الكتاب المقدس والقرآن إذا كان يجهل اللغات الاصلية التي كتب بها الكتاب المقدس فليقرأ سفر النبي إشعياء أو غيره من الأسفار التي ذكرناها في أي لغة كاللغة التركية أو الفارسية أو الانكليزية أو الفرنساوية إلى غير ذلك ثم يقرأ أي سورة من القرآن في تلك اللغة فلا يلبث طويلاً حتى يتنازل عن دعواه وهو صاغر.

ولكن لنفرض بعد هذا كله أن القرآن يرجح على سائر الكتب في الفصاحة والبلاغة فلا يصح أن نتخذ رجحانه من هذه الحيثية دليلاً على كونه موحى به من الله لأنه لا مناسبة بين الفصاحة والوحي كما أنه لا يستدل بجمال المرأة على فضيلتها ولا بقوة الرجل على حكمته وإنما يعلم الوحي من غيره بما اشتمل عليه من صلاح العليم وملاءمة مبادئه لطبيعة الله القدوسة وكفائته لجبر نقائص البشر وشفاء أشواقهم الروحية كما شرحنا ذلك في موضعه.

قيل عن ماني الذي ادعى النبوة زاعماً أنه هو الروح القدس الذي بشر به المسيح أنه يأتي بعده أنه جاء بكتاب صور جميلة يدعي أرتنج وقال أن الله أعطاه الكتاب ليكون معجزة وبينة على أنه رسوله الأمين ونبيه الصادق وحجته على صحة دعواه أن لا أحد من البشر يقدر أن يرسم صورة مثل هذه الصور فهل لأنه لا أحد عمل كتاباً مثل كتابنه تقوم صحته ونؤمن به نبياً ورسولاً كلا بل غاية ما في الأمر نعترف له بإتقان صناعة الرسم والتصوير وعلى هذا القياس أن سلمنا بأنه لا كتاب في الدنيا يضاهي القرآن فصاحة فحسبنا أن نعترف لصاحبه بإتقان الفصاحة كما اعترفنا لماني بإتقان التصوير فالاعتماد إذاً لا على زخارف القرآن اللفظية بل على مشتملاته وهذا ما قصدنا أن نبحث فيه في الفصول الآتية.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 11754