أزواج محمد في كتب السيرة - زينب بنت جحش
7 - زينب بنت جحش: زواج محمد بزينب بنت جحش هو الأكثر خطورة وغرابة، الأمر الذي لا يحتاج إلى إعمال المخيلة. نعرف من الروايات أنها كانت امرأة جميلة، زوّج محمدٌ زيداً بن حارثة ابنه بالتبني إياها على الرغم من استيائها حيث قالت: يا رسول الله لا أرضاه لنفسي وأنا أيّم قريش (38).
عن محمد بن يحيي بن حيّان قال: جاء رسول الله (ص) بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله، ص الساعة فيقول: أين زيد؟فجاء منزله يطلبه، فلم يجده وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فضلاً فأعرض رسول الله (ص) عنها فقالت: ليس هو ههنا يا رسول الله فادخل بأبي أنت وأمي. فأبى رسول الله أن يدخل، وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها رسول الله (ص) على الباب، فوثبت عجلى فأعجبت رسول الله، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يُفهم منه إلا ربما أعلن: سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب. فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله أتى منزله. فقال زيد: ألا قلت له أن يدخل؟ قالت: قد عرضت ذلك عليه فأبى. قال: فسمعتِ شيئاً؟ قالت: سمعته حين ولى تكلم بكلام ولا أفهمه، وسمعته يقول سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب. فجاء زيد حتى أتى رسول الله فقال: يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها. فيقول رسول الله: أمسِك عليك زوجك. فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم، فيأتي إلى رسول الله فيخبره، فيقول رسول الله: أمسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول الله أفارقها. فيقول رسول الله: أحبس عليك زوجك. ففارقها زيد واعتزلها وحلت، يعني انقضت عدتها. قال فبينا رسول الله جالس يتحدث مع عائشة إلى أن أخذت رسول الله غشية فسُري عنه وهو يبتسم وهو يقول: من ذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء؟ وتلا رسول الله (ص): وإذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجكذ (39). القصة كلها. قالت عائشة: فأخذني ما قرُب وما بعُد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع لها وزوجها الله من السماء. وقلت: هي تفخر علينا بهذا. قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله، (ص) تشتد فتحدثها بذلك فأعطتها أوضاحاً عليها (40). عن زينب بنت أم سلمة قالت: سمعت أمّي أم سلمة تقول، وذكرت زينب بنت جحش فرحمت عليها وذكرت بعض ما كان يكون بينها وبين عائشة، فقالت زينب: إني والله ما أنا كأحد من نساء رسول الله، ص إنهن زُوجهن بالمهور وزوجهن الأولياء وزوجني الله رسوله وأنزل فيّ الكتاب يقرأ به المسلمون لا يبدل ولا يغير: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه، الآية. قالت أم سلمة: وكانت لرسول الله معجبة وكان يستكثر منها، وكانت امرأة صالحة صوامة قوامة صنعاً تتصدق بذلك كله على المساكين (41).
تحكي لنا الروايات أن محمداً أرسل إليها زيداً يخطبها له: عن أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب بنت جحش قال رسول الله ص لزيد بن حارثة: ما أجد أحداً آمن عندي أوثق في نفسي منك، ائت إلى زينب فاخطبها عليّ. قال فانطلق زيد فأتاها وهي تخمر عجينها. فلما رأيتها عظمت في صدري فلم أستطع أن أنظر إليها حين عرفت أن رسول الله قد ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب أبشري، إن رسول الله يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي. فقامت إلى مسجدها. ونزل القرآن: رفلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها. قال فجاء رسول الله فدخل عليها بغير إذن (42).
لقد تسبب زواج محمد من زينب بنت جحش في نزول آيات عديدة من القرآن من جملتها رآية الحجاب التي من شأنها أن تساعدنا على فهم الحجاب المقصود في عُرف محمد في بداية الأمر: أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب. لما أهديت زينب إلى رسول الله (ص)، صنع طعاماً ودعا القوم فجاؤوا ودخلوا، وزينب مع رسول الله (ص) في البيت، فجعلوا يتحدثون. فجعل رسول الله يخرج ثم يرجع وهم قعود: قال فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا وإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث، إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم، والله لا يستحيي من الحق، وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب (43). فقام القوم وضرب الحجاب (44).
وفي رواية عن أنس قال: أولم رسول الله ص إذ بنى بزينب فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين يسلم عليهن ويدعو لهن فيسلمن عليه ويدعون له، وكان يفعل ذلك صبيحة مبناه. فرجع وأنا معه، فلما انتهى إلى بيت زينب إذا رجلان في ناحية البيت قد جرى بهما الحديث، فلما أبصرهما رسول الله (ص) رجع عن بيته. فلما رأى الرجلان النبي، (ص) انصرف عن بيته وثبا مسرعين. قال أنس: ما أدري أنا أخبرته بخروجهما أو آخرُ، فرجع حتى دخل البيت فأرخى الستر بيني وبينه، وأنزل الله آية الحجاب (45).
رُوي عن محمد قوله: أطولكن باعاً أسرعكن لحوقاً بي (46) فكانت نساؤه يتطاولن إلى الشيء. وإنما عنى رسول الله بذلك الصدقة، وكانت زينب امرأة صفياً، فكانت تتصدق به، فكانت أسرع نسائه لحوقاً به (47).
عن عائشة قالت: يرحم الله زينب بنت جحش، لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها نبيه (ص) في الدنيا ونطق به القرآن، وإن رسول الله قال لنا ونحن حوله: أسرعكن بي لحوقاً أطولكن باعاً، فبشرها رسول الله بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة (48).
عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما توفيت زينب بنت جحش جعلت تبكي وتذكر زينب وترحم عليها، فقيل لعائشة في بعض ذلك فقالت: كانت امرأة صالحة. قلت: يا خالة أي نساء رسول الله (ص) كانت آثر عنده؟ فقالت: ما كنت أستكثره ولقد كانت زينب بنت جحش وأم سلمة لهما عنده مكان، وكانتا أحب نسائه إليه فيما أحسب بعدي (49).
- عدد الزيارات: 16394