Skip to main content

العبودية - المسيحية والعبودية

الصفحة 2 من 2: المسيحية والعبودية

المسيحية والعبودية
في الواقع لا يوجد في الإنجيل نهي مباشر عن العبودية كالقول: لا تتخذ لك عبدا أو أمة، أو ما شابه ذلك. مع أن الإنجيل وبّخ الشر والخطية والرياء والديانة المظهرية الكاذبة توبيخا شديدا، إلا أنه لم يكن هدف المسيح والإنجيل بالدرجة الأول رفع عصا التمرد والعصيان على النظام الإجتماعي والسياسي السائدين في أيامه. كان هدف المسيح بالدرجة الأولى السمو بالنفس البشرية إلى آفاق روحية عالية وسامية إلى درجة تزول معها كل الفوارق الجنسية والعرقية والإجتماعية زوالا تلقائيا. لذلك كان انتهاء العبودية في المسيحية تحصيل حاصل وأمر تلقائي ولا بد منه.
لا بد أن البعض قد يشير إلى بعض الأحداث التي وقعت في المجتمعات المسيحية وخاصة تجارة العبيد في أمريكا كدليل على مناقضة ما سبق وذكرنا. ويستخدم دعاة الإسلام هذه الفترة السوداء من التاريخ الأمريكي القصير لتحريض السود في أمريكا على ترك المسيحية، ديانة البيض الذين استعبدوهم، متغاضين عن الحقيقة التاريخية بأن محمدا والمسلمين استعبدوا السود الإفريقيين قبل الأمريكي الأبيض بمئات السنين. ولا ننسى أن تجارة العبيد كانت وما زالت شعرية في الإسلام حتى وإن لم تمارس اليوم على نطاق واسع، كما كانت تمارس في العصور الإسلامية الماضية. ولعل الفضل في ذلك يعود لتطور المجتمعات المسيحية وتأثيرها على العالم بما في ذلك المجتمعات الإسلامية. كذلك لا ننسى أن تجارة العبيد في أمريكا ترجع في أصولها إلى عوامل اقتصادية بحتة لا علاقة البتة للديانة فيها ، حيث كان السبب المباشر لجلب العبيد إلى أمريكا هو الحصول على أيد عاملة رخيصة للعمل في حقول التبغ والقطن وقصب السكر في العالم الجديد. ولم يكن لتجار العبيد ومستخدميهم أي شأن بالمسيح والمسيحية ، وإنما كان همهم الأول جني الأرباج والأموال، وليس لهم من المسيحية سوى الإسم فقط. وكما هو معروف في التاريخ، فقد أدت تجارة العبيد منذ بدايتها إلى صراع اجتماعي أشعل فتيلته المعارضون لهذا الشر من الوعاظ ورعاة الكنائس ، وقد أدى هذا الصراع بين المعارضين لهذا الشر والمستفيدين منه في النهاية إلى نشوب حرب أهليه ضروس لا مثيل لها في تاريخ أمريكا. وكانت النتيجة أن انتصر المعارضون للعبودية، وبذلك تم تحرير العبيد على يد أبراهام لنكولن، الأمر الذي لا مثيل له في تاريخ المجتمعات الإسلامية.
يجد القارئ في الإنجيل عدة شواهد تشير إلى المساواة بين الناس وعدم سيادة أحد على أحد. بعد مشاجرة بين تلاميذ المسيح (الحواريون) على من هو الأعظم بينهم، دعاهم يسوع وقال لهم: "أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون فيكم أولا فليكن عبدا. كما أن إبن الإنسان (المسيح) لم يأت ليُخدم بل ليَخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين." (متى 20: 25-28). ما يُعلمه المسيح هنا بوضوح هو أن السيادة والتسلط على الآخرين غير مقبولة في المجتمع المسيحي وإنما يُفضل على ذلك التواضع وخدمة الآخرين. ويُعلمنا يسوع المسيح بهذا المعنى: "وأما أنتم فل تدعوا سيدي لأن سيدكم واحد المسيح وأنتم جميعا إخوة. ولا تدعوا لكم أبا على الأرض لأن أباكم واحد في السموات. ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح. وأكبركم يكون خادما لكم. فمن يرفع نفسه يتّضع ومن يضع نفسه يرتفع." (متى 23: 8-12).
يعلمنا الإنجيل أن الجميع هم عبيد المسيح، وإن كنا عبيدا للمسيح فلا نُستعبد للناس "الدعوة التي دعي فيها كل واحد فليلبث فيها. دُعيت وأنت عبد فلا يهمك. بل إن استطعت أن تصير حرا فاستعملها بالحري. لأن من دُعي من الرب وهو عبد فهو عتيق الرب. كذلك الحر المدعو هو عبد للمسيح. قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس." (كورنثوس الأولى 7: 20-24).
كذلك يُعلم الإنجيل المساواة بين الجميع وعدم التميز بين عبد وحر أو رجل وامرأة "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني وليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع." (غلاطية 3: 27).
عما سبق ذكره , نستنتج أن المسيحية منذ البداية نادت بالمساواة بن الناس وعدم التمييز بينهم في الحقوق، حتى أن العبودية كما كانت تُمارس في المجتمعات ما قبل المسيح أصبح لا معنى لها وبذلك اضمحلت وتلاشت وخصوص في البلاد التي كانت تحت تأثير تعليم المسيح. ومن الناحية العملية فإن المسيح نفسه كمثال أعلى للمسيحيين لم يروَ عنه أنه امتلك أو اشترى أو باع عبيدا كما فعل محمد نبي الإسلام والذي جاء بعد المسيح بأكثر من ستمائة عام. وما قيل عن المسيح يمكن أن يُقال عن أصحابه الأولين (الحواريون) والذين لم يُروَ عن أحد منهم أنه امتلك أو اشترى أو باع عبيدا كما فعل أصحاب محمد الأقربون من خلفائه الراشدين إلى بناته وأنسبائه وزوجاته.
بهذا ننهي هذا الفصل عن العبودية بعدما لمسنا الفرق الشاسع بين ما جاء به محمد والإسلام وبين ما جاء به المسيح والمسيحية. وننتقل في الفصل التالي إلى موضوع آخر شيق وهام ألا وهو موضوع العبادات.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 14914