ما بين الميلاد والبعث
محمد: هناك الكثير من الأحداث التي تمت روايتها عن حياة محمد قبل مبعثه. كان من أهم هذه الأحداث إيجاد مرضعة له بعد الولادة. كان من عادة أهل مكة إيجاد مرضعات لأطفالهم بين قبائل البادية لتعليمهم الفروسية وغلاظة العيش. وقد وقع اختيار عبد المطلب على حليمة السعدية حتى تكون مرضعة لحفيده محمد بعد موت أبيه عبد الله. وبقي محمد عند حليمة شوطا طويلا من طفولته، إلى أن بلغ عمره ما يزيد على الست سنوات وهو في رعايتها.
وما يهمنا هنا هو تلك الأحداث التي يعتبر أن لها مدلولات نبوية في حياة محمد قبل مبعثه. كما سنرى لاحقا نجد أن شخصيات تلك الأحداث بالإضافة إلى محمد تتراوح بين شياطين وجن وسحرة وأحبار ورهبان.
حدث لمحمد حادث غريب من نوعه وهو لا يزال في رعاية حليمة السعدية. كانت حليمة قد أتت بمحمد إلى مكة لزيارة أمه ثم عادت به إلى مضارب قومها. وقع الحادث بعد شهر من عودتهم من مكة حسب ما ذكرته حليمة السعدية في روايتها: ..."فرجعنا به، فو الله أنه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بهم (صغار الأغنام) لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيضاء، فأضجعاه فشقا بطنه، فهما يسوطانه (يضربانه بعضه ببعض)، فقالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه منتقعا وجهه. قالت فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بني؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا شيئا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا إلى خبائنا".
هذا وقد ذكر محمد نفسه هذا الحادث فيما بعد عندما سأله نفر من أصحابه: "أخبرنا عن نفسك. قال: نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيس، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر. فبينما أنا مع أخ في خلف بيوتنا نرعى بُهما لنا إذ أتى رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب ملوءة ثلجا. ثم أخذاني فشقا بطني. واستخرجا قلبي، فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم. ثم قال: زنه بمئة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم فقال: دعه عنك، فو الله لو وزنته بأمته لوزنها." (إبن هشام 1 ص152-154 ، ورد أيضا في البخاري وفي مسلم).
يا ترى ما هي العلقة السوداء التي أُخرجت من قلب محمد؟ يبدو أن ما جرى لمحمد كان أول عملية جراحية للقلب في تاريخ البشرية. ومن الملاحظ كذلك أن اختبار محمد يشبه اختبار كثيرين من الناس الذين يدعون أنه اختطفهم أشخاص غرباء جاءوا في صحون طائرة من الفضاء الخارجي وأجروا عليهم اختبارات شبيهة بما حصل مع محمد دون أن يبقى أثر للعمليات الجراحية في أجسادهم. يا ترى إذا كان بطن محمد قد شُق فأين أثر الشق؟ لم يذكر محمد في حديثه كما لم يذكر أي شخص آخر أنه رأى أثار الشق في بطن محمد، حتى ولا زوجاته المقربات ذكرن ذلك.
توفي عبد المطلب جد محمد وكان يومها في الثامنة من عمره. فكفله عمه أبو طالب. ويُروى أن أبا طالب خرج في تجارة له إلى الشام مصطحبا معه ابن أخيه محمدا وكان عمره آنذاك ما بين سبع سنين وإثنتي عشرة سنة. ويُقال أنه كان في بلاد الشام راهب نصراني إسمه بحيرى، وكان تجار العرب يمرون به، دعى بحيرى القوم إلى وليمة صنعها لهم بما فيهم الغلام محمد. ولما رأى بحيرى محمدا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته. وبعد أن تفرق القوم عن الطعام جعل بحيرى يسأل محمدا عن أشياء من حاله: من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. (إبن هشام ج 1 ص 165-166).
من الملاحظ أن من يدرس التوراة والإنجيل وكتب اليهود والمسيحيين لن يجد دليلا على أن الله يخص الأنبياء كائنا من كانوا بأية علامة جسدية فارقة يبحث عنها ويستدل بها أصحاب العلم والمعرفة. إننا لا نجد مثل هذه الروايات الخرافية إلا في الكتابات الإسلامية.
وعلى ذكر العلامات يكثر في الكتابات الإسلامية ذكر خاتم النبوة، وهو عبارة عن بقعة داكنة على الجلد مثل بيضة الحمام أو الحجلة (مسلم ج 15 ص 97). وفي الواقع توجد مثل هذه العلامة على جلد الملايين من الناس وتسمى باللغة العامة "وحمة". وعلى سبيل المثال توجد علامة داكنة على ساقي كأنها قطعة كبد وبحجم بيضة الدجاج، فهل أدعي أنه يوجد على جسدي خاتم النبوة؟
هناك رواية أخرى تقول أن أبا طالب عرض محمدا على أحد العائفين كي يكشف عن مستقبله. قال ابن إسحق: "وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه أن رجلا من لهب –قال إبن هشام: ولهب من أزدشنؤه- كان عائفا (باللغة الدارجة فتاحا-يفتح البخت)، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف. قال فأتى به (بمحمد) أبو طالب وهو غلام مع من يأتيه، فنظر رسول صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ قال: الغلام، عليّ به. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول: ويلكم ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا (سابقا)، فو الله ليكونن له شأن. قال: فانطلق أبو طالب." (إبن هشام ج 1 ص 164).
يا ترى لماذا أسرع أبو طالب وترك "الفتاح" بعد أن رأى اهتمامه الخاص بإبن أخيه محمد وهو الذي قد جاء ليعرف مستقبله؟ ألم يكن عند أبي طالب صبر فحرم نفسه والعالم من حكمة "الفتاح" وأقواله في مستقبل محمد؟
هناك بعض الأحداث التي يرويها محمد عن نفسه. فقد ذكر أن الحجارة والأشجار كانت "تتنبأ" وتحييه. "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى إبن أبي بكر عن إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن." (مسلم ج 15 ص 36).
وفي حديث آخر الحجارة والأشجار في شعاب مكة كانت تسلم على محمد: "قال إبن إسحق: وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جاريه الثقفي وكان واعية عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته وابتدائه بالنبوة، كان إذا خرج بحاجته أبعد حتى تحسَر (تختفي) عنه البيوت ويفضي (ينتهي به الأمر) إلى شعاب مكة وبطون أوديتها. فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال: سلام عليك يا رسول الله. قال: فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله، وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجر." (إبن هشام ج 1 ص 217).
ليس هناك من مثيل لهذه الروايات الإسلامية عن نطق الحجارة والشجر، لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في حياة أي نبي من الأنبياء. إنها روايات غريبة كل الغرابة عن الوحي الإلهي. وعلى أي حال فلا بد من طرح بعض الأسئلة هنا. أولا من جهة حجر مكة، إذ كان محمد يعرف هذا الحجر الذي كان يسلم عليه في مكة فلماذا لم يحتفظ بهذا الحجر؟ ولماذا لم يحتفظ به أصحاب محمد من بعده كأثر خالد من آثار الإسلام؟ السؤال الثاني هو كالتالي: هل كانت الحجارة والأشجار تطرح على محمد السلام في شعاب مكة وأوديتها فقط؟ لماذا لم يكن محمدا يسمع هذه الأصوات إلا في الوقت الذي كان يخرج فيه لقضاء حاجته عندما يكون بعيدا ومنعزلا عن الناس؟ لماذا لم تكن الحجارة والأشجار تطرح التحية على محمد في مكة؟ لماذا لم تكن حجارة الكعبة التي كان محمد يطوف بها مع الطائفين تلقي التحية عليه في مرأى ومسمع من قريش؟ أم هل يا ترى كانت حجارة وشعاب مكة تختلف عن حجارة مكة وكعبتها؟
من الأحداث الأخرى التي لها مدلولها في الروايات الإسلامية حادث تعري محمد مرتين، مرة في صغره ومرة في كبره. يروي محمد عما حدث في صغره قائلا: "لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان. كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة. فإني لأقبل معهم وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه، لكمة وجيعة ثم قال: "شد عليك إزارك". قال: فأخذته وشددته عليّ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري عليّ من بين أصحابي." (إبن هشام ج 1 ص 168).
يبدوا أن محمدا عندما كبر نسي ما حدث له في الصغر فأعاد الكرة في مثل الظروف السابقة. وحدث ذلك عندما شارك قريش في بناء الكعبة قبل أن يُبعث، كما جاء في الحديث: "حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عاصم قال: أخبرني جريج قال: لما بُنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة. فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك، فخر إلى الأرض وضمضمت (شخصت) عيناه إلى السماء، فقال: أرني إزاري، فشده عليه." ويضيف الراوي في حديث آخر عن نفس الحادثة. "فما رُؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم." (البخاري ج 1 ص 120 مكرر).
مما يجدر بالذكر أن محمدا قد شارك في بناء العبة وقد كانت يومها بيتا للأصنام والأوثان. من الغريب والمحير أن الله غضب على محمد وأدّبه لأنه تعرى ، ولكنه لم يغضب عليه لأنه كان يشارك في بناء بيت للأصنام والأوثان. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها محمد في بناء الكعبة قبل بعثه. هناك رواية أخرى مشهورة عن مشاركة محمد في بناء بيت الأصنام هذا وذلك عندما أجمعت قريش على هدم الكعبة وإعادة بنائها قبل مبعث محمد بخمس سنوات. يظهر من الرواية أن بعض الأمور الغريبة وقعت قبل مساهمة محمد في البناء وقد يكون المقصود إظهار الدليل على أهمية الكعبة كمعبد إسلامي حتى في الوقت الذي كانت فيه بيتا للأصنام. يقال أن أبا وهب خال محمد تناول حجرا من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه. لماذا يا ترى لم تقفز حجارة الكعبة وتعد إلى مكانها بعد أن طهرها محمد من الأصنام وضربها الحجاج بالمنجفيات وهدمها؟ وقيل أن رجلا من قريش أدخل عتله بين حجرين منها ليقلع أحدهما، فلما تحرك الحجر اهتزت مكة بأسرها. ويذكر أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه: مكة بيت الله الحرام، يأتيها رزقها من ثلاث سبل، لا يحلها أو من أهلها. أين هذا الكتاب؟ ولماذا لم يحتفظ به أحد من المسلمين لا محمد ولا غيره؟ وزعم ليث بن أبي سُليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة مكتوبا فيه: "من يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة. تعملون السيئات وتجزون الحسنات؟ كما لا يجتني من الشوك عنبا."
ما هذه الكلمات إلا ترديد لما قاله المسيح في الموعظة على الجبل حسب إنجيل متى 5-6. مرة أخرى أين هو هذا الحجر القيم؟ مثل هذا الحجر يستحق المحافظة عليه. قد نغفر لمحمد وأصحابه لعدم مقدرتهم الإحتفاظ بالكتاب. ولكن لا يمكن أن نغفر لهم عدم قدرتهم على الإحتفاظ بهذا الحجر الثمين. أم هل يا ترى أن هذا الحجر ليس إلا من نسيج خيال كتاب المسلمين؟
يمضي الراوي قائلا… "و كان بعد ذلك أن اختلفت قبائل قريش عندما وصل البناء موضع الركن (الحجر الأسود). كل قبيلة أرادت أن ترفعه إلى موضعه وكاد القتال أن ينشب بين القبائل. يقول إبن هشام: فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان عامئذ أسن (أكبرهم سنا) قريش كلها قال: اجعلوا بينكم فيه، ففعلوا. فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد. فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال صلى الله عليه وسلم: هلم إلي ثوبا، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده. ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه." (إبن هشام ج 1 ص 178-182).
يقول دعاة الإسلام إن محمدا كان نورا قبل ولادته ونورا بعد ولادته. وهو نفسه خبرنا أن الملائكة طهروا قلبه ونقوه وأخرجوا منه علقة سوداء. إنه يصعب عليّ الإدراك أن هذا الذي هو نور وأنه هو الذي نقى الله قلبه ، يتعب ويشارك في بناء بيت الأصنام بما فيها الصنم الأعظم- الحجر الأسود.
إن من أهم الأحداث، والذي كان له تأثير كبير على حياة محمد وعلى رسالته هو زواجه من خديجة بنت خويلد. كانت خديجة هذه حسب المصادر الإسلامية امرأة نصرانية ومن أغنى وأشرف نساء مكة. كانت خديجة تستأجر الرجال في مالها وقد استأجرت محمدا كي يخرج في مال (تجارة) لها إلى الشام تاجرا. رافق محمد في رحلته هذه عبدا لخديجة إسمه مَيسَرة. يروي ابن هشام أنه عندما بلغوا الشام: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان، فأطلع الراهب على ميسرة فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي." يا ترى ما هو سر هذه الشجرة وأي الأنبياء غير محمد جلس تحتها؟ يواصل إبن هشام حديثه قائلا: "فكان ميسرة فيما يزعمون إذا كانت الهاجرة (حر الظهيرة) واشتد الحر يرى ملكين (ملاكين) يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره. فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف (تضاعف) أو قريبا. وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من اظلال الملكين إياه. فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به، بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون: يا ابن عمّ إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك (توسطك) بين قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك. ثم عرضت نفسها عليه. وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا. كل قومها كان حريصا يومئذ على ذلك منها لو يقدر عليها." (إبن هشام ج 1 ص 171-172).
أخبرت خديجة عمها ورقة بن نوفل، وكان أسقفا نصارانيا، بما ذكر لها عبدها ميسرة من شأن محمد، فقال ورقة: "لئن كان هذا هو حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي يُنتظر، هذا زمانه. أو كما قال." (المصدر السابق ص 175).
من الجدير بالذكر أن خديجة كانت امرأة مطلقة وكان عمرها عندما تزوجها محمد أربعين عاما، وبذلك كانت تكبره بخمسة عشرة عاما. وكانت هي الوحيدة من بين كل نسائه وجواريه- ما عدا ماريا القبطية أم إبراهيم- التي أنجب محمد منها أبناءا وبنات.
أنجبت خديجة لمحمد ثلاثة أبناء وهم: القاسم والطيب والطاهر. ماتوا جميعا في سن الطفولة المبكرة. وأنجبت أربع بنات هن: رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة، وعشن كلهن وتزوجن. (المصدر السابق ص 175).
يقال حسب ابن هشام إن خبر محمد انتشر عندما قرب موعد مبعثه بين أحبار اليهود ورهبان النصارى وكهان (سحرة) العرب: أما الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى فما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه.
وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق السمع إذ كانت هي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم. وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره، لا تلقي العرب لذلك فيه بالا، حتى بعثه الله تعالى، ووقعت الأمور التي كانوا يذكرونها فعرفوها." (إبن هشام ج 1 ص 189). ومن بين هؤلاء الكهان كاهن من جنب اليمن. قال إبن اسحق: "وحدثني علي بن نافع الجُرشي ان جنبا بطنا من اليمن كان لهم كاهن في الجاهلية. فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب قالت له جَنب: انظر لنا في أمر هذا الرجل، واجتمعوا له في أسفل جبله، فنزل عليهم حين طلعت الشمس، فوقف لهم قائما متكئا على قوس له. فرفع رأسه إلى السماء طويلا، ثم جعل ينزو (يهتز و يرتعش) ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم محمدا واصطفاه، و طهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل، ثم اشتد (أسرع) في جبله راجعا." (إبن هشام ج 1 ص 189).
كان من آخر الشهادات عن قرب مبعث محمد شهادة عمر بن الخطاب. ذكر إبن هشام، "قال عبد الله بن كعب: قال عمر بن الخطاب يحدث الناس: إني لعند وثن (صنم) من أوثان الجاهلية في نفر من قريش، قد ذبح له رجل من العرب عجلا، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت قط أنفذ منه وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعة (قريبا من ذلك) يقول: يا ذريح (و في روايات أخرى، يا جليح و هو إسم شيطان) أمر نجيح، رجل يصيح (بلسان فصيح) يقول: لا إله إلا الله." (إبن هشام ج 1 ص194).
هذا بعض ما جاء عن حياة محمد من التنبؤات أو التكهنات التي وردت فيه قبل مبعثه. وهناك أمور أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعها هنا. ومن رغب الاستزادة فعليه بالرجوع إلى كتب السيرة والمصادر الإسلامية القديمة.
المسيح:
لم يُذكر الكثير في الإنجيل عن حياة المسيح قبل أن يبدأ خدمته الأرضية.
هناك حادثة وقعت للمسيح عندما كان عمره ثمانية أيام فقط، جاء في الإنجيل ما يلي"ولما تمت أيام تطهيرها (مريم) حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب. كما هو مكتوب في ناموس الرب ان كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب. ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام. وكان رجل في أورشليم إسمه سمعان. وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل. وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عيني قد أبصرتا خلاصك قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل. وكان يوسف وأمه يتعجبان مما قيل فيه. وباركهما سمعان وقال لمريم أمه: ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تُقاوم. وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف. لتعلن أفكار من قلوب كثيرة. وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط أشير. وهي متقدمة في أيام كثيرة. عاشت مع زوج سبع سنوات بعد بكوريتها. وهي أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلا ونهارا. فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم." (لوقا 2: 22-38).
وعندما كان المسيح في حوالي السنة الثانية من عمره كاد أن يُقتَل في مذبحة رهيبة على يد الطاغية هيرودس الكبير لولا تدخل العناية الإلهية. جاء في إنجيل متى: "و لما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية إذا مجوس (حكماء) من المشرق (بلاد فارس) قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع رؤساء الكهنة وكتبة الشعب (القادة الدينيين عند اليهود) وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا له: في بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبي: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأنه منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل. حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال: اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فاخبروني آتي أنا أيضا وأسجد له. فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا. وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبا ولبانا ومرا. ثم إ ذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق آخرى إلى كورتهم (بلادهم)…
"وبعدما انصرفوا إذ ملاك الرب ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر. وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت إبني. حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدا. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وكل تخومها (حدودها) من سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس. حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل: صوت سُمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا موجودين. فلما مات هيرودس إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى إرض إسرائيل. لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي. فقام وأخذ الصبي وأمه وجاء إلى أرض إسرائيل. ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضا عن هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك. وإذا أوحي إليه في حلم: انصرف إلى نواحي الجليل. وأتى وسكن مدينة يقال لها ناصرة. لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه يدعى ناصريا." (متى 2: 1-22).
أود التنويه هنا أن الأشخاص الذين ورد ذكرهم تحت اسم المجوس أو الحكماء هم في الغالب من بقايا اليهود الذين سباهم نبوخذنصر إلى بابل عام 586 ق.م. حيث يبدو أن لهم خبرة ودراية بعادات اليهود وتقاليدهم. وأما النبوات التي تم اقتباسها في إنجيل متى فيمكن للقارئ أن يطلع عليها في سفر هوشع 11: 1 وفي سفر إرميا 21: 5 من العهد القديم.
إن آخر حادثة سجلها الإنجيل هي تلك التي وقعت لما كان المسيح في الثانية عشرة من عمره. جاء في الإنجيل: "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا حكمة وكانت نعمة الله عليه وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم كعادة العيد. وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم ويوسف وأمه لم يعلما. وإذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف. ولما لم يجداه رجعا إلى أروشليم يطلبانه. وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته. فلما أبصراه اندهشا. وقالت له أمه: يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين. فقال لهما: لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي. فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما. ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعا لهما. وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها. وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس." (لوقا 2: 39-52).
لم تكن بعذ ذلك أحداث غير اعتيادية في حياة المسيح حتى ابتداء خدمته الأرضية. ولكن إذا ما قارنا الأحداث التي ذُكرت سابقا بالأحداث التي يروى أنها وقعت في حياة محمد لرأينا الفارق الشاسع ما بين الإثنين. يجد القارئ أن ما ذكر هنا عذب وقريب من القلب وخال من الجلف والفظاظة. فلا شق بطن ولا إخراج علق أسود ولا تعري أو لكم من الملائكة ولا حجر أسود ولا أبيض. كذلك لا نجد هنا دورا للسحر والعرافة والجن والشياطين والخرافات كما في الأحداث التي يُروى أنها وقعت في حياة محمد. إن هذه الفوارق الشاسعة بين حياة محمد وحياة المسيح في هذه المرحلة تبقى مستمرة فيما بعد سواء في حياة محمد أو حياة المسيح أو في تعليم كل من محمد و المسيح.
- عدد الزيارات: 8176