Skip to main content

سيرة محمد البيتية

سيرة محمد البيتية

كان النبى العربى " أسوة حسنة " لأمته فى الجهاد . فهل كان أيضا " أسوة حسنة " لأمته فى تحقيق شريعة القرآن الزواجية ؟ ان القرآن نفسه عدل فى طغيان " بشريته " على الشريعة فى سيرته البيتية .


أولا : استباحة شريعة القرآن الزواجية
كانت إباحة تعدد الزوجات قائمة فى جاهلية العرب . و جاء القرآن فحصر عدد الزوجات الحرائر بأربع معا ، و ترك الزواج من الإماء بلا حد : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم " ( النساء 3 ) ، " و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ، و لو حرصتم ، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " ( النساء 129 ) . فالعدل عن الواحدة حتى الأربع معا مشروط بالعدل بينهن ، فى النفقة و المبيت ( أى العلاقات الجنسية ) ، و على قدر المستطاع فى الحب ، لكن هذا مستحيل ، فيجب تلافى خطره .
و جرى القرآن فى هذا التحديد حتى الأربع معا ، على سنن أهل الكتاب الذين انتهوا فى التلمود الى هذا الحصر . و كان النصارى من بنى إسرائيل فى الحجاز على هذه الشريعة ، فجاء : " يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم ، و يتوب عليكم و الله عليم حكيم " ( النساء 26 ) . فهذا الحصر بأربع معا ، حكمة من علم الله .
1 – القرآن يبيح لمحمد شريعة الزواج فيه
ظل محمد على زوجة واحدة طالما السيدة خديجة ، و ابن عمها استاذه ورقة بن نوفل ، قس مكة ، على قيد الحياة .
فلما توفيت الحاضنة تزوج محمد فى وقت قصير ، من الهجرة الى غزوة الخندق ، من أربع معا على التوالى : سودة بنت زمعة ثم عائشة بنت أبى بكر ثم أم سلمة بنت أبى أمية المخزومية ثم حفصة بنت عمر . عند هذا الحد كان على شريعة القرآن .
و جاءت غزوة الخندق فزلزل المسلمون زلزالا عظيما . و لما فشلت الحملة و تنفس المسلمون الصعداء تزوج محمد الخامسة ، زينب بنت جحش ، مطلقة متبناه زيد . فكان الزلزال فى الجماعة و فى بيت النبى أعظم ، لأن هذا الزواج من خامسة نقض لشريعة القرآن ، و نسخ لشرعة التبنى ، مما جعل اليهود يرددون : " تزوج محمد حليلة ابنه بالتبنى " . فجاء القرآن أولا يمنع نبيه من كل زواج بعدها : " لا يحل لك النساء من بعد ، و لا أن تبدل بهن من أزواج ، و لو أعجبك حسنهن ، إلا ما ملكت يمينك . و كان الله على كل شىء رقيبا " ( الاحزاب 52 ) . لكن الضجة الكبرى فى الجماعة لم تهدأ حتى نزل التهديد بالقتل : " لئن لم ينته المنافقون و الذين فى قلوبهم مرض ، و المرجفون فى المدينة ، لنغرينك بهم ، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين ، أين ما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا " ( الاحزاب 60 – 61 ) .
و مع تقدم الغزو و الفتح و السلطان ، تزوج محمد أيضا " جويرية بنت الحارث المصطلقية ، ثم أم حبيبة ، رملة أخت أبى سفين ، ثم صفية بنت حيى الخيبرية ، ثم ميمونة بنت الحارث الهلالية ، ثم فاطمة بنت سريج ، ثم زينب بنت خزيمة ، ثم هند بنت زيد ، ثم أسماء بنت النعمان ، ثم هبلة بنت قيس ، أخت الاشعث ، ثم أسماء بنت سبأ " . فهذه عشر نساء أخر ، غير الخمس الأولى ، و غير السيدة خديجة المتوفاة .
نقل الواحدى : " و المجمع عليه أنه تزوج أربع عشرة ، التسع التى ملت عنهن ، و تزوج أيضا خديجة و زينب بنت خزيمة و ريحانة ، و متن عنده " . أما الإماء ، أو ملك اليمين ، فلا نعرف له إلا ريحانة القرظية ، و مريم القبطية . فيكون المجموع ست عشرة زوجة .
و نزلت التحلة الكاملة من شرعة الزواج القرآنية : " يا أيها النبى ، إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن ، و ما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ، و بنات عمك ، و بنات عماتك ، و بنات خالك ، و بنات خالاتك ، اللاتى هاجرن معك ، و امرأة مؤمنة – إن وهبت نفسها للنبى ، إن أراد النبى أن يستنكحها – خالصة لك من دون المؤمنين . قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم و ما ملكت أيمانهم ، لكيلا يكون عليك حرج . و كان الله غفورا رحيما " ( الاحزاب 50 ) .
السبب فى هذه التحلة المطلقة هو رفع الحرج عن محمد من الشريعة القرآنية ، و من الحاجة الشخصية . و ذكر الغفران و الرحمة إشارة الى ان تلك الزيجات كانت ضد الشريعة .
وضعوا آية التحلة الكاملة فى سورة ( الاحزاب 50 ) ، قبل آية المنع ( 52 ) فخلقت للقوم مشكلا فى الناسخ و المنسوخ ، حيث هنا يأتى الناسخ ( 50 ) قبل المنسوخ ( 52 ) . لكن هذا دليل على ان المنع نزل قبل التحلة . و هذه لم تأت إلا فى آخر حياة النبى بحسب الحديث عن عائشة : " ما مات رسول الله صلعم حتى أحل له النساء " أى ما شاء بدون قيد و لا حد من شريعة القرآن ، و بحسب حديث عائشة و أم سلمة معا : " لم يمت رسول الله صلعم حتى أحل له أن يتزوج من النساء من شاء ، إلا ذات محرم " .
و الاسوة الحسنة فى سيرة محمد الزواجية نراها فى شماتة اليهود ، بعد زلزال جماعته و مشاكل حريمه . قال عمر بن عفرة : " لما قالت اليهود : ( ما لمحمد شغل إلا التزوج ) فحسدوه على ذلك ، فأنزل الله : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) " . فكثرة النساء على قيد الشريعة القرآنية فضل من الله على نبيه ، لرفع الحرج عنه . إن القرآن نفسه أباح لمحمد شريعة الزواج فيه ، مع ان النبى مثال لشريعته و أمته ، و " أسوة حسنة " .


2 – ميزات محمد فى شريعة الزواج القرآنية
الميزة الأولى هى إحلال نسيباته كلهن له ، و ان زاد العدد على الأربع .
الميزة الثانية هى الإباحة فى العدد بلا قيد و لا حد ، كما فى قوله : " و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى ... خالصة لك من دون المؤمنين " . فيحق لكل مسلمة غير ذات محرم أن تهب نفسها للنبى ، فإن فعلت فهى خالصة له من دون المسلمين ، و التنكير دليل الاطلاق و التعدد . فى ( اسباب النزول ) للسيوطى ، أن أم شريك الدوسية عرضت نفسها على النبى صلعم و كانت جميلة فقبلها . فقالت عائشة : ( ما فى امرأة تهب نفسها لرجل خير ) ، فنزلت الآية فلما نزلت قالت عائشة : ( إن الله يسرع لك فى هواك ) " .
الميزة الثالثة هى تحلة النكاح لمحمد ، بلفظ الهبة ، من غير صداق ، مع أنه لا يحل الزواج فى شريعة القرآن إلا بولى و شهود و صداق أى مهر .
الميزة الرابعة هى التخيير فى المضاجعة و الطلاق : " ترجىء من تشاء منهم ، و تؤوى إليك من تشاء " ( الاحزاب 51 ) . فسره الزمخشرى : " تؤخر و تضم ، يعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن ، و تضاجع من تشاء ، أو تطلق من تشاء ، و تمسك من تشاء ، أو لا تقسم لأيهن
شئت ، و تقسم لمن شئت ، أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك ، و تتزوج من شئت " . فلا جناح على النبى 1 ) فى الطلاق 2 ) و فى المضاجعة 3 ) و فى القسمة بين نسائه 4 ) و فى التزوج بمن يشاء من نساء أمته غير ذات محرم . لقد أعفى القرآن محمدا من شرعة العدل بين نسائه . قال الجلالان : " و الله يعلم ما فى قلوبكم من أمر النساء و الميل الى بعضهن . و انما خيرناك فيهن تيسيرا عليك فى كل مما أردت " .
الميزة الخامسة هى التخيير فى إرجاع المعزولة : " و من ابتغيت ممن عزلت ، فلا جناح عليك " ( الاحزاب 51 ) . فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة أيضا : " أرى ربك يسارع لك فى هواك " ! أخرجه الشيخان ، كما جاء فى ( أسباب النززول ) للسيوطى .
الميزة السادسة هى الاستئذان قبل الدخول الى بيوت النبى ، بدون الاستئناس الى حديث بعد الطعام ( الاحزاب 53 ) . و هذه عادة الملوك و الأمراء ، و قد أخذ محمد يقتدى بهم فى معاملة أمته .
الميزة السابعة هى الحجاب على نسائه : " و إذا سألتموهن متاعا ، فاسألوهن من وراء حجاب ، ذلك أطهر لقلوبكم و لقلوبهن " ( الاحزاب 53 ) . أليس فى هذا شك من طهارة قلوب " أمهات " المؤمنين ؟ إن ( اسباب نزول ) آية الحجاب كثيرة . منها ما أخرجه الطبرانى بسند صحيح عن عائشة قالت : " كنت آكل مع النبى صلعم فة قصب ، فمر عمر بن الخطاب فدعاه . فأكل ، فأصابت إصبعه إصبعى فقال : ( أواه ، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ) فنزلت آية الحجاب . و عن ابن عباس : قال له عمر ، يا رسول الله لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء ، و ذلك أطهر لقلوبهن . فنزلت آية الحجاب " . و فرض الحجاب على نساء الملوك و الامراء عادة شرقية اقتبسها النبى لأمهات المؤمنين فى معاملة أمته .
الميزة الثامنة هى تحريم الزواج من نساء النبى من بعده : " و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا. إن ذلكم كان عند الله عظيما " ( الاحزاب 53 ) .
جاء فى ( اسباب النزول ) للسيوطى عن ابن عباس : " ان رجلا اتى بعض أزواج النبى صلعم فكلمها ، و هو ابن عمها . فقال النبى صلعم : ( لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا ) !
فقال : ( يا رسول الله ، إنها ابنة عمى ! و الله ما قلت منكرا ، و لا قالت لى ! ) قال النبى صلعم ( قد عرفت ذلك : انه ليس أحد أغير من الله . و أنه ليس أحد أغير منى . ) فمضى و هو يقول : يمنعنى من كلام ابنة عمى . لأتزوجنها من بعده . فانزل الله الآية ) .
فلا يحق لمطلقة النبى أن يتزوجها أحد . و لا يحق لأرملة النبى – حتى و لو كانت صبية مثل عائشة – أن ينكحها أحد . لقد منع نكاح أزواجه من بعده ، كما منعه التلمود بحق نساء ملوكهم من بعدهم ، و كما كانت عادة الملكات و الأميرات فى الشرق .
إذا كان من تحرير للمرأة فى الاسلام ، فيجب أن يبدأ " بأمهات " المؤمنين . لكن ماذا نرى ؟ لا حرج على محمد فى عدد الزوجات . و لا حرج عليه فى نكاح نسيباته كلهن . و لا حرج عليه فى كل " امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبى " . و لا حرج عليه فى شروط عقد النكاح . و لا حرج عليه فى العدل بين نسائه . و لا حرج عليه فى الطلاق . و لا حرج عليه فى العزل و الارجاع .
بل الحرج كل الحرج على نسائه فى الحجاب ، و فى المعاطاة مع الناس ، و فى القناعة بما يقسم لهن ، و فى الظهور و الزينة ، و فى الزواج من بعده .
و الحرج كل الحرج على المسمين فى قيود النكاح ، و شروط الطلاق ، و بالنسبة إلى النبى ، فى نكاح أزواجه من بعده ، مطلقات كن أم أرامل ، و فى نكاح كل من وهبت نفسها للنبى ، و فى الاستئذان لدخول بيوته ، و فى الاستعجال بالخروج منها متى قضيت الحاجة ، و فى عدم إيذاء النبى بحديث فى حوادث نسائه .
إن مقام النبوة لا يقيد بالقيود المفروضة بالقرآن على المسلمين . فقد انتهت السيرة النبوية بالتحلة المطلقة من شريعة الزواج القرآنية . مع انه بحسب الفطرة فى كل دين ، يكون النبى مثالا حيا لشريعته و أمته . فهل بتلك الميزات فى شرعة الزواج كان محمد " أسوة حسنة " ؟


3 – أسباب تعدد الزوجات فى سيرة محمد
يقال : لتعدد الزوجات فى حياة محمد أسباب وجيهة :
هناك أسباب سياسية ظاهرة ، كما فى زواجه من بنت أبى بكر ، و من بنت عمر ، و من بنات زعماء القبائل . هذا أمر لا مراء فيه .
و هناك أسباب انسانية واضحة ، كما فى زواجه من سودة بنت زمعة ، أو السيدة القرظية التى فضلت أن تبقى ملك يمينه . هذا أيضا لا مراء فيه .
و هناك سبب آخر أقوى ، على زعمنا ، و هو شهوة الولد . يقول الاستاذ دروزة ( 1 ) : " روايات السيرة المتعددة ، التى بلغت مبلغ اليقين تخبر أن النبى صلعم قد رزق أولادا ذكورا من السيدة خديجة ر . زوجه الأولى ، و من أمته مارية ر . و لكنهم لم يعمروا إلا قليلا . و قد روى ان النبى صلعم التاع أشد اللوعة عندما مات ابراهيم بن مارية فى يثرب . و روح السورة ( الكوثر ) تلهم أن تعيير النبى صلعم ( بالأبتر ) قد حز فى نفسه كثيرا . و قد يكون فى هذا ما يدل على ان عدم تعمير أبنائه الذكور كان شديد الأثر فيه . و لقد ذكر بعض الكتاب أن مما يمكن أن يخطر بالبال أن يكون زواج النبى صلعم بعائشة و صفية و جويرية و ميمونة و مارية رضى الله عنهن ، و كلهن فتيات ( بينما هو قد تخطى الخمسين ) بسائق الرغبة فى الأولد الذكور . و لا يخلو هذا من بعض الوجاهة فيما نرى" .
لكن تلك الأسباب الوجيهة لا تكفى لتخطى النبى حدود الشريعة القرآنية ، أو لقيام شرعة للمسلمين و شرعة أخرى لمحمد فى النكاح . فكيف يكون بذلك " أسوة حسنة " لأمته ؟
و هناك سببان آخران لتعدد الزوجات يصرح بهما القرآن .
فالقرآن صريح ، بنصه القاطع ، بأن الهوى و الجمال من أسباب تعدد الزوجات : " لا يحل لك النساء من بعد ، و لا أن تبدل بهن من أزواج ، و لو أعجبك حسنهن " ( الاحزاب 52 ) ، " و تقديره : مفروضا اعجابك بهن " ( الزمخشرى ) .
و هذا التصريح بحسن النساء سببا للزواج ، يأتى فى قصة زواجه من زينب بنت جحش ، بعد أن كان عنده أربع نساء معا ، و لم تنزل التحلة المطلقة بعد . علق الزمخشرى على قوله : " و تخفى فى نفسك ما الله مبديه . فإن قلت : ما الذى أخفى فى نفسه ؟ قلت : تعلق قلبه بها . و عن عائشة ر . لو كتم رسول الله شيئا مما أوحى اليه ، لكتم هذه الآية . و ( الواو ) فى ( و تخفى و تخشى ) للحال . أى تقول لزيد ( امسك عليك زوجك ) مخفيا فى نفسك إرادة أن لا يمسكها ، و تخفى خاشيا قالة الناس ... ( و الله أحق أن تخشاه ) حتى لا تفعل مثل
.

ذلك " . فالهوى و الجمال كانا سبب زواجه من زينب بنت جحش ، الذى جعله يتخطى شريعة القرآن ، قبل نزول التحلة المطلقة ، و كان سببا فى إبطال التبنى ، العادة الرحيمة القائمة فى كل الشرائع عند جميع الشعوب ( الاحزاب 37 ) .
و السبب الآخر لهذين التجاوزين كان رفع الحرج عن محمد ، الحرج الشرعى و الحرج الشخصى ، و الحرج الاجتماعى ، فى تحليل النساء له بلا حد و لا قيد : " قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم و ما ملكت أيمانهم ، لكى لا يكون عليك حرج . و كان الله غفورا رحيما " ( الاحزاب 50 ) . ففى التحلة المطلقة الشاملة كان السبب الأول رفع الحرج عن النبى ، و السبب الثانى المغفرة للنبى لأنه تعدى العدد المفروض ، و الرحمة به : " و كان الله غفورا رحيما " . فذكر الغفران عند إباحة النساء له ، دليل على أنه فى زواجه من زينب ، و فى تعدد الزوجات ، كان ما يستوجب الغفران ، قبل التحلة .
و يؤيد هذا كله كما نقل الصحيحلن و كما جاء فى ( أسباب النزول ) قول عائشة فى زواج الهبة : " إن الله يسرع لك فى هواك " ، و قول عائشة أيضا لما نزلت التحلة من الشريعة القرآنية فى النكاح : " أرى ربك يسارع لك فى هواك " .
فتعدد الزوجات فى حياة محمد لأسباب سياسية و انسانية و شخصية ، لا يمنع أن يكون أيضا سببه الهوى و الجمال ، بنص القرآن القاطع : " و لو أعجبك حسنهن " .
ثانيا : من المشاكل التى نشأت عن استجابة الشريعة القرآنية
نقول : " إستباحة الشريعة القرآنية " ، لأننا لا نعلم بالتدقيق زمن نزول آية التحلة المطلقة ( الاحزاب 50 ) . و الظاهر انها مقحمة على سورة ( الاحزاب ) من أواخر النزول و حياة الرسول : أولا بسبب نصها الذى يحمل التحلة الشاملة : " يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن " ، مما يدل على أنهن كن قبل هذه التحلة غير حلال ، و نكاحهن كان استباحة للشريعة القرآنية ، ثانيا لأنها ناسخة لآية المنع التى نزلت بعد الزوجة الخامسة ، زينب بنت جحش ، و الآية تابعة لها فى النسق ( الاحزاب 52 ) . و هذا من غريب الناسخ و المنسوخ فى القرآن كما جاء فى ( الاتقان 2 : 24 ) للسيوطى : " ليس فى القرآن ناسخ إلا و المنسوخ قبله فى الترتيب ، إلا فى آيتين ، آية العدد فى ( البقرة ) و قوله :( لا
يحل لك النساء من بعد ) " . يدل أيضا على اقحامها حديث عائشة ثم حديث عائشة و حفصة : " ما مات رسول الله صلعم حتى أحل له النساء " ، مما يدل على التحلة كانت من أواخر النزول و حياة الرسول . قال دروزة ( 1 ) : " و قد ذكرت روايات السيرة ان النبى صلعم كان يجمع فى عصمته حين نزول الآيات ( الاحزاب 50 – 52 ) تسع زوجات بعقد " . و المسألة الضخمة ان محمدا ، الاسوة الحسنة لأمته ، قد استباح شريعة القرآن و عاش أزمة ضمير حادة ، فى زيجاته كلها ، بعد الأربع الشرعيات ، حتى نزلت آية التحلة فى آخر حياته ، و معها الغفران .
فالاستباحة الأولى كانت فى زواجه من زينب بنت جحش ، الزوج الخامسة . كان من نتائجها و مشاكلها آية المنع : " لا يحل لك النساء من بعد " ، لكن النبى استحلهن . كذلك كان إبطال عادة التبنى ، و فيه رفع رحمة انسانية من الشريعة القرآنية ، بخلاف عادة العالمين و شرائعهم . ثم " حديث الإفك " بحق عائشة ، كما سيأتى بيانه ، و أنفة ريحانة القرظية من الزواج حرة بمحمد . فبعد تصفية بنى قريظة من المدينة ، " اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة ، احدى نساء بنى عمرو بن قريظة ... و قد كان رسول الله صلعم عرض عليها أن يتزوجها و يضرب عليها الحجاب . فقالت : يا رسول الله ، بل تتركنى فى ملكك ، فهو أخف على و عليك . فتركها " ( 2 )
و الاستباحة الثانية لشريعة الزواج القرآنية ، بعد غزوة بنى المصطلق ، فى زواجه من جويرية بنت الحارث المصطلقية ، سيد قومه . قالت عائشة : " و كانت امرأة حلوة ملاحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه . فوالله ما هو إلا ان رأيتها على باب حجرتى ، فكرهتها ، و عرفت أن النبى صلعم سيرى منها ما رأيت . فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار ، سيد قومه . و قد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك . فوقعت فى السهم لثابت بن قيس بن الشماس – أو لابن عمه – فكاتبته على نفسى . فجئتك استعينك على كتابتى . قال : فهل لك فى خير من ذلك ؟ قالت : و ما هو ، يا رسول الله ؟ قال : أقضى عنك كتابك ، و أتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله . قال : قد
فعلت " ( 1 ) . أجل لهذا الزواج سبب انسانى ، و هو الرفع من كرامة السيدة المسبية . لكن حديث عائشة قاطع بأن سبب الزواج الحقيقى الهوى و الجمال . لكن ذلك خلف الكره فى نفس عائشة .
و الاستباحة الثالثة كانت فى زواج محمد من صفية الخيبرية . بعد صلح الحديبية مع قريش غزا محمد معاقل اليهود فى الشمال . فكانت غزوة خيبر فى آذار 628 م و كان من غنائمها صفية بنت حيى الخيبرية التى قتل " أباها ة زوجها و قومها " ، " أعرس بها صلعم فى خيبر أو ببعض الطريق " . كان لهذا الزواج مسحة انسانية ، التخفيف عن سيدة قومها . لكن ما نظن محمدا بغافل عن خلق مثل هذه اليهودية حتى يوقن أن زواجه " ممن قتل أباها و زوجها و قومها " يخفف عنها . و ما ظن ذلك الصحابة ، فإنه لما أعرس محمد بها ، " بات أبو أيوب ، خالد بن زيد ، أخو بنى النجار ، متوحشا سيفه ، يحرس رسول الله صلعم و يطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله صلعم ، فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة ، و كانت امرأة قد قتلت أباها و زوجها و قومها ، و كانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك " ( 2 ) . انما هى عادة الملوك الغزاة ، حين الظفر بخصومهم ، أن يتزوجوا من نسائهم ، دليل السيطرة و الاستذلال الكامل . و نعرف من السيرة ان الهوى و الجمال كان لهما دور فى القصة : " و لما افتتح رسول الله صلعم القموص حصن بنى أبى التحقيق ، أتى رسول الله صلعم بصفية بنت حيى بن أخطب ، و بأخرى معها ... فلما رآها ( الاخرى ) رسول الله صلعم قال : أغربوا ( أبعدوا ) عنى هذه الشيطانة . و أمر بصفية فحيزت خلفه ، و ألقى عليها رداءه . فعرف المسلمون أن رسول الله صلعم قد اصطفاها لنفسه " ( 3 ) .
و الاستباحة الرابعة كانت زواجه من أم حبيبة ، رملة أخت أبى سفيان ، زعبم مكة ، و زوجة عبد الله بن جحش الذى توفى على المسيحية فى الحبشة . فى هذا الوقت رجع المسلمون الباقون من لحبشة بقيادة جعفر بن أبى طالب ، و معهم أم حبيبة . فتزوجها محمد أيضا ليرتبط مع أخيها أبى سفيان برباط المصاهرة ، كما فعل مع أبى بكر و عمر ، توكيدا

لصلح الحديبية و تسهيلا لفتح مكة . هنا السبب السياسى ظاهر . لكن هل فيه ما يبيح لمثال أمته استباحة شريعة القرآن ؟ و زواجان يقعان فى فترة وجيزة ، فى ختام غزوة خيبر !
و الاستباحة الخامسة كانت نكاح ميمونة الهلالية ، وقعت عمرة القضاء سنة تسع ، أى 629 م تنفيذا لمعاهدة الحديبية . ففى هذه العمرة تزوج محمد ميمونة بنت الحارث الهلالية ، أخت زوجة العباس عمه ، و خالة خالد بن الوليد . و تولى العباس نفسه إنكاحه إياها . فارتبط النبى بالمصاهرة مع جناحى مكة ، بنى أمية و بنى هاشم . فكان ذلك الزواج حافزا لخالد بن الوليد أن يسلم ، فأسلم و أهدى محمدا أفراسا له . و تبعه عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة ، حارس الكعبة . و قد أسلم بإسلام هؤلاء كثيرون من مكة . فبات حزب محمد قويا فيها . و بات فتح مكة ميسورا سياسيا . و الدافع السياسى لزواج محمد من ميمونة ظاهر . لكن كان فيه نصيب أيضا للهوى و الجمال ، " و يقال انها هى التى وهبت نفسها للنبى صلعم . و ذلك أن خطبة النبى صلعم انتهت اليها و هى على بعيرها . فقالت : البعير و ما عليه لله و لرسوله . فأنزل الله تعالى و تبارك : و امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ... ( 1 )
لكن هذه البدعة بزواج الهبة أثارت حفيظة عائشة . فأحلها الوحى القرآنى للنبى بتحلة مطلقة لكل " امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ، إن أراد النبى أن يستنكحها ، خالصة لك من دون المؤمنين " ( الاحزاب 50 ) . قال دروزة ( 2 ) فى تبرير هذه البدعة : انها " تنطوى على صورة من صور زواج النبى صلعم الخاصة . فهو ، فوق أنه كان يخطب نساءه و يمهرهن جريا على العادة المعروفة ، كان بعض النساء المؤمنات يعرضن أنفسهن عليه هبة . و مما لا ريب فيه ان هذا إنما كان قصد التشرف بالصلة به و الحرص على نيل الكرامة العليا فى الزوجية النبوية . و قد أباح الله له الاستجابة لمن شاء منهن ، تقديرا لهذه الرغبة فى نيل شرف هذه الزوجية الكريمة " .
لكن لماذا يستثنى النبى عن أمته بزواج الهبة ، و هو " الاسوة الحسنة " لهم ؟ و لماذا هذه الاباحة المطلقة لكل " امرأة مؤمنة " ) و ما هذا التسلط على نساء المسلمين : " خالصة لك من دون المؤمنين " ؟ و لماذا هذه الإباحة بالهبة من قيود الشريعة القرآنية ؟ و لماذا جعل زواج الهبة

للنبى مرهونا بمشيئتشه ، " إن أراد أن يستنكحها " ، لا بأمر الله و شريعته ، مما يجعل رغبة محمد فوق شريعة الله ؟ أليست " الكرامة العليا " المذكورة ، فى احترام النبى لشريعته ، و فرض احترامها على النساء المسلمات ، لا تحررهن من قيودها بزواج الهبة له ؟
لذلك من الحق أن يقال : مهما كانت الاسباب وجيهة فى تعدد زوجات محمد ، على خلاف الشريعة القرآنية ، فتلك الزيجات براهين ناطقة على أن " بشرية " النبى تحد كثيرا من إعجاز الشخصية النبوية .


ثالثا : المآسى الناجمة عن تعدد زوجات النبى
بدأت هذه المآسى ببدء استباحة محمد للشريعة القرآنية و المأساة تجر المأساة . فتظهر هذه لصورة القاتمة فى حياة محمد الزوجية . و هى ، على رأينا ، أخف وطأة من أزمة الضمير التى قامت فى وجدانه حتى نزول التحلة المطلقة ، فى أواخر حياة النبى ، فوضعت حدا للمآسى النفسية و البيتية و الشرعية .
المأساة الأولى فى نكاح زينب بنت جحش ، الزوجة الخامسة .
و هذه المأساة لها وجوه عديدة . الوجه الشرعى فى تخطى حدود الشريعة القرآنية . و منه أيضا اللجوء إلى إبطال عادة التبنى . يقول دروزة ( 1 ) : " هذه الآيات ( الاحزاب 36 – 40 ) نزلت على ما أجمعت عليه الروايات فى صدد زواج النبى صلعم بزينب بنت جحش ر . ، مطلقة دعيه أو متبناه زيد بن حارثة ر . و لقد روى بعض الرواة أن النبى صلعم مال إلى زينب بعد زواجها من زيد لما رآه من مفاتنها ، و أنها شعرت بذلك فأخت تكايد زوجها . و أن هذا شعر بالأمر فأراد تطليقها ليتسنى للنبى صلعم أن يتزوجها ... و لقد كانت الرواية موضوع نقد و نقاش قديما و حديثا . فاستبعدها بعض المفسرين القديميين و استنكروها و قالوا إنها مدسوسة " . إذا راجعنا الزمخشرى و الجلالين نرى أنها غير مدسوسة . لكن الاستاذ دروزة يأتى بتفسير جديد للقصة : " فى الآيات تعليل صريح بأن تزوج النبى صلعم مطلقة متبناه هو لإبطال تقليد حرمه زواج المتبنى بمطلقة المتبنى ، و رفع الحرج عن المؤمنين فى تزوج

مطلقات أدعيائهم أو أبنائهم بالتبنى . و نعتقد ان هذا التعليل هو مفتاح الحادثة . فقد كانت العادة قوية راسخة و لم يجرؤ – على ما يبدو – أحد على نقضها ، بعد أن عابت آيات ( الاحزاب 4 – 6 ) عادة التبنى و أمرت بإبطالها . فألهم الله النبى صلعم أن يقوم على إبطال هذه العادة بنفسه فى زينب ... و العتاب الربانى فى الآيات مصبوب على تردده فى الإقدام على تنفيذ ما ألهم الله خشية انتقاد الناس و حياء منهم " .
إنما تحليل الاستاذ و تعليله ينقضان صريح القرآن كما فسره الزمخشرى . و الاستاذ يقلب حقيقة النص السبب مسببا ، و المسبب سببا . إن إبطال عادة التبنى كان سبيلا للحادث ، لا سببا له ، كما نقلوا و نقلنا على لسان عائشة : " إن ربك يسارع لك فى هواك " ! و هل فى إبطال عادة التبنى المعمول بها فى عوائد الدنيا و شرائعها كلها من عبقرية فى التشريع ؟ هل من بطولة فى النبوة أن يقوم محمد " على إبطال هذه العادة بنفسه ، و لم يجرؤ أحد على نقضها " ؟ و فات الاستاذ انه ينظر الى الفرع ، من دون الأصل . و الأصل ليس إبطال عادة التبنى ، بقدر ما هو التعدى على حدود الشريعة القرآنية بالاقتصار على أربع نساء معا .
هذان العاملان سببا لمحمد أزمة ضمير دامت حتى نزلت التحلة الكبرى و معها الغفران . و ذلك أيضا لأن سبب الزواج من زينب بنت جحش كان فى الحقيقة و الواقع الهوى و الجمال ، كما فى القرآن و الحديث و السيرة . يكفى شاهدا تحريم النساء عليه من بعدها .
أخيرا الوجه الإجتماعى فى الجماعة . فقد زلزل المسلمون زلزالا عظيما أكثر زلزال غزوة الاحزاب . فهدد النبى باللعن من يخوض فى الأمر : " إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنيا و الآخرة ، و أعد لهم عذابا مهينا " ( الاحزاب 57 ) . فلم تنته الأزمة . حينئذ هدد بالنفى و القتل ( الاحزاب 60 – 61 ) ، فهدأت الضجة الكبرى ، و عاد الرسول الى المؤالفة و المسايرة ( الاحزاب 69 – 71 ) .
المأساة الثانية: " حديث الافك " بحق عائشة
عند رجوع القوم من غزوة بنى المصطلق ، تخلفت السيدة عائشة عن المعسكر لحاجة ، و قدمت الى المدينة مع صفوان بن المعطل السلمى . فحامت الشبهة حول عائشة – و ان كانت فوق الشبهات . لكن ظروف الحال جعلت للشبهة مخرج صدق .

جاء فى ( السمط الثمين ، ص 39 ) عن عائشة أنهن كن فى بيت النبى حزبين : حزب عائشة ، و منه حفصة و سودة ، و حزب زينب بنت جحش و منه أم سلمة و سائر الأزواج . و كبرحزب زينب بانضمام فاطمة بنت النبى اليه ، مع على نفسه ، و انضمام المنافقين و على رأسهم زعيم يثرب عبد الله بن أبى بن سلول . و جرى " حديث الافك " يشنع على عائشة .
روت السيرة لابن هشام ( 3 : 312 ) عن عائشة : " و كان كبر ذلك عند عبد الله بن أبى بن سلول ، فى رجال من الخزرج ، مع الذى قال مسطح و حمنة بنت جحش . و ذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلعم . و لم تكن من نسائه امرأة تناصينى ( تساوينى ) فى المنزلة عند غيرها . فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيرا ، و أما حمنة بنت جحش فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادنى لأختها . فشقيت بذلك " . و اعتزلت عند أبيها .
فتنة فى بيت النبى . فتنة بين محمد و أحب نسائه اليه . فتنة بين المسلمين . و كادت تقع الواقعة بين الأوس و الخزرج .
و كانت تلك الحادثة السبب البعيد لحرب أهلية فى الاسلام بين العلويين أهل البيت ، و بين سائر المسلمين ، قاتلت فيها عائشة عليا و هى على ظهر بعير فى صفين . و هذا أدى الى الانقسام فى الاسلام الى شيعة و سنة .
المأساة الثالثة : " حديث المغافير " ، و تحلة القسم
جاء فى سورة ( التحريم 2 ) : " قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم "
قال عبد المتعال الصعيدى ( 1 ) : " نزلت هذه السورة فى ما كان من عائشة و حفصة حين شرب النبى صلعم عسلا عند زينب بنت جحش . فتواطأتا و قالتا له : إنا نشم منك رائحة المغافير . و ريحه كريهة منكرة . فلما سمع منها ذلك حرم العسل على نفسه . فنزلت هذه السورة لعتابه على تحريم العسل الذى أحل له ، ابتغاء مرضاة أزواجه . و ذكر انه شرع لهم أن يتحللوا من ايمانهم بالكفارة . ليتحلل من يمينه و يعود الى شرب العسل ، و تهديد نسائه

بطلاقهن إن لم يتبن عن هذه الغيرة فيما بينهن . ثم أمر النبى صلعم بمجاهدة الكفار و المنافقين لئلا تشغله تلك الأمور من نسائه عنها " .
هكذا جاء " حديث المغافير " من عائشة و حفصة ، انتقاما لحديث الافك من جماعة زينب بنت جحش . ففى سورة ( النور ) نزلت براءة عائشة من " حديث الافك " ، و فى سورة ( التحريم ) نزلت خيانة عائشة و حفصة لسر النبى فى حديث المغافير . و يتحلل محمد من يمينه بتشريع تحلة اليمين بالكفارة .
المأساة الرابعة : شهر الهجر لنسائه ، أو شهر العسل فى قصة مارية
أهدى مقوقس مصر لمحمد جارية حسناء اسمها مارية القبطية . و كان لابد من شهر عسل معها ، عل الله يرزقه منها ولدا . أخرج الطبرانى عن ابى هريرة قال : " خلا رسول الله صلعم بمارية سريته فى بيت حفصة . فجاءت فوجدتها معه . فقالت : يا رسول الله ، فى بيتى ، دون بيوت نسائك . قال : فإنها حرام على أن أمسها ، يا حفصة ، و اكتمى هذا على . فخرجت حتى أتت عائشة فأخبرتها . فأنزل الله " تحلة الايمان " ليستحل هو سريته . لكن الفتنة نجمت فى بيته ، و تحولت الى مأساة ، بسبب اعتزاله نساءه شهرا . قال دروزة ( 1 ) : " و خلاصة الرأى الأقرب الى الصحة من غيره من أسباب نزول الآيات ، أن النبى صلعم كان يطيل المكث عند زوجته زينب و يشرب عسلا ، فتواطأت عائشة و حفصة على الكيد لها ، و اتفقتا على ان تقولا له : ان رائحته رائحة مغافير .. ففشا الحديث . فغضب النبى صلعم و حلف ان لا يقرب زوجاته شهرا و هجرهن ، حتى قيل إنه طلقهن . و هناك رواية تذكر أن النبى صلعم اجتمع بمارية فى بيت حفصة . فلما علمت استرضاها بيمين أن لا يقرب مارية ، و استكتمها الخبر . و لكنها أفشته لعائشة . و مهما يكن من أمر الروايات ، فالآيات تحتوى صورة حادث بيتى وقع بين النبى صلعم و بعض زوجاته . و أنه وقع بسبب الغيرة النسائية ، و أن اثنتين كانتا فيه متآمرتين . و ان هذا آلمه و حز فى نفسه حتى هم بتطليق نسائه ، ثم أوحى الله اليه بالآيات التى اكتفى فيها بالتنديد و الانذار " .
فالروايات تخلط بين حديث العسل ، و حديث مارية . لكن قصة مارية أصح الروايات لأن أكل العسل لا يقتضى يمينا و لا سرا مصونا ، و لا تنزيلا لتحلة اليمين . فشهر العسل مع
مارية سبب شهر هجران لنسائه ، أو طلاق ، تحولت فيه الأزمة البيتية الى مأساة . و هذه ليست صورة مثالية للحياة الزوجية فى بيت النبى . و كان من معالمها تحليل القسم بالكفارة الشخصية . و متى كانت تحلة القسم بيد صاحبه ، فأية حرمة أو قدسية تبقى للقسم بين الناس ؟
المأساة الخامسة : التهديد بالطلاق لنسائه ، بسبب تصرفاتهن
اشتد التحزب و الفتنة فى بيت النبى ، حتى صارا مأساة عائلية . فلم يكن لمحمد من سيطرة على نسائه إلا بتهديدهن بالطلاق : " عسى ربه ، إن طلقهن ، ان يبدله أزواجا خيرا منكن ، مسلمات مؤمنات فاتنات تائبات عابدات سائحات ، ثيبات و أبكارا " ( التحريم 5 ) . هذا تعريض صريح " بأمهات المؤمنين " الاسوة الحسنة لنساء المسلمين .
هل كانت تقع فاحشة فى بيت النبى ؟ يقول : " يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " ( الاحزاب 30 ) .
هل كان بعض نسائه تتوغل بالحديث مع الرجال ؟ يقول : " يا نساء النبى لستن كأحد من النساء ، إن اتقين فلا تخضعن بالقول ، فيطمع الذى فى قلبه مرض ، و قلن قولا معروفا " ( الاحزاب 32 ) .
و كانت نساء محمد كسائر بنات حواء يحببن التبرج أى " اظهار النساء محاسنهن للرجال " ( الجلالان ) . فقال : " وقرن فى بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " ( الاحزاب 33 ) .
لهذه المشاكل كان يهددهن بالطلاق ليحل السلام و الفضيلة فى بيته . فتلك التصرفات كانت سبب مأساة متواصلة .
المأساة السادسة : هل الأعجاز الجنسى دليل النبوة ؟
يقول دروزة ( 1 ) أيضا : " قد ذكرت الروايات أن النبى صلعم كان يجمع فى عصمته حين نزول الآيات ( الاحزاب 50 – 52 ) تسع زوجات بعقد ، ست منهن قريشات ، و ثلاث غير قريشات . أما الاماء أو ملك اليمين فكان له منهن اثنتان .

" و مهما يكن من أمر فآيات ( الاحزاب ) استهدفت : 1 ) استثناء النبى صلعم من التحديد الذى ورد فى سورة ( النساء 3 ) ، 2 ) تحريم زواج جديد عليه ، 3 ) تنظيم علاقاته الزوجية ، أو صلاته الجنسية بأزواجه .
" و النقطة الأخيرة مستلهمة من مضمون الآية ( 51 ) ، إذ تكاد توحى بأنها تتضمن تعليما للنبى صلعم بأن يتصل جنسيا فى وقت واحد بأربع من أزواجه ، و يغير فى هذا الاتصال ... بل تكاد تقول : " إن هذا القصد ظاهر فى مضمون الآية ظهورا قوبا " . و يأتى الحديث فيزيد على التفسير ، قال القاضى عياض فى ( الشفاء ) عن ميزة النبى فى قدرته الخارقة على الجماع الجنسى : " و قد روينا عن انس انه صللعم كان يدور على نسائه فى الساعة ، من الليل و النهار ، و هن احدى عشرة . و قال انس : كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين رجلا – خرجه النسائى . و روى نحوه عن أبى رافع عن طاوس : قوة أربعين رجلا فى الجماع . و فى حديث أنس عنه عليه السلام : فضلت على النساء بأربع : السخاء ، و الشجاعة ، و كثرة الجماع ، و البطش " . و جاء فى السنن : أحب شىء الى من دنياكم العطور و النساء ، و جعلت قرة عينى فى الصلاة " .
فميزات محمد من شريعة الزواج القرآنية كانت مصدر مشاكل و مآس . و هكذا فإن القرآن و الحديث و السيرة تجمع كلها و تقطع بأن حياة محمد البيتية و العائلية و الزوجية لا تحمل براهين الأعجاز فى الشخصية النبوية ، بل دلائل جازمة على " بشرية " النبى فيها .

  • عدد الزيارات: 12459