Skip to main content

المعجزة دليل النبوة الأوحد - مابين الاعجاز و المعجزة

الصفحة 4 من 4: مابين الاعجاز و المعجزة

 

ثالثا : مابين الاعجاز و المعجزة
فى كتابنا " نظم القرآن و الكتاب – الكتاب الأول : اعجاز القرآن " درسنا واقع القرآن فى اعجازه . و فى هذا " الكتاب الثانى :معجزة القرآن " ندرس هل يصح اعجاز القرآن معجزة له ؟
لقد قسم اهل الاعجاز المعجزة غلى نوعين :حسية و عقلية . المعجزة الحسية هى كل عمل الهى يفعله الله تعالى على يد نبيه يشهد له بالنبوة ، و العقلية هى اعجاز القرآن فى النظم و البيان . و قالوا : إن اعجاز القرآن فى النظم و البيان معجزة عقلية تفوق جميع معجزات الانبياء السابقين الحسية ، لذلك فنبؤة محمد تفوق جميع النبؤات .
1 – لكن الواقع القرآنى يشهد ، كما سنرى ، بوقف القرآن السلبى من كل معجزة ! لذلك كل ما جاء في الحديث و السيرة من معجزة حسية منسوبة إلى محمد ينقضها موقف القرآن السلبى الصريح من كل معجزة له و لنبيه ، و كل ما رأوه من معجزات فى " آياته المتشابهات " ينقضها صريح " آياته المحكمات " .
2 – فليس من القرآن من معجزة حسية . و الواقع القرآنى يشهد بإن محمدا لم يأتى بمعجزة : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله " ( الانعام 124 ) ، " فلياتنا بآية كما أرسل الأولون " ( الأنبياء 5 ) ، " و أقسموا بالله جهد إيمانهم : لئن جائتهم آية ليؤمنن بها " ( الأنعام 109 ) ، " و ما منع الناس أن يؤمنوا ... الا أن تأتيهم سنة الأوليين " ( الكهف 55 ) . فالمعجزة هى سنة النبوة ، و القرآت يشهد صراحة نحو خمس و عشرين مرة ، غير الشهادات
الضمنية المتواترة ، أن ليس فى القرآن و السيرة من معجزة . و يشهد القرآن أيضا ، كما سنرى ، أن المعجزة قد منعت عن محمد منعا مطلقا ، من حيث المبدأ : " و ما منعنا أن نرسل بالآيات الا أن كذب بها الأولون " . ( الاسراء 59 ) ، فمهما كان السبب ، إن المعجزة قد منعت عن محمد منعا مبدئيا ، و من حيث الواقع : " و إن كان كبر عليك اعراضهم فإن استطاعت أن تبتغى نفقا فى الأرض ، أو سلما فى السماء ، فتأتيهم بآية " ( الانعام 35 ) – " فافعل : المعنى أنك لا تستطيع ذلك ، فاصبر حتى يحكم الله " ( الجلالان ) . فالمعجزة على أطلاقها منعت أيضا عن محمد منعا واقعيا . فإن امتناع المعجزة على محمد هو مبدأ وواقع ، و هذا بنص القرآن القاطع .
3 – لكن القرآن يتحدى باعجازه ، و هذه هى معجزته العقلية . و شهادة القرآن خير جواب . بما أنه يشهد بمنع المعجزة عن محمد ، فليس اعجاز القرآن المشهود بمعجزة له . و سنرى أن اختلافهم فى وجه الاعجاز يجعله ايضا معجزة متشابهة . و القرآن يقسم نفسه إلى محكم و متشابه ، و المحكم فيه هو بالاجماع احكامه الشرعية . ففى " متشابه القرآن " ، و هو أكثره ، حكم القرآن نفسه على نفسه أن اعجازه ليس بمعجزة : " منه ايات محكمات ، هن أم الكتاب ، و أخر متشابهات ... و ما يعلم تأويله إلا الله ، الراسخون فى العلم يقولون : أمنا به ، كل من عند ربنا " ( ال عمران 7 ) . كما فى " محكم القرآن " حكم على نفسه بوجود الناسخ و المنسوخ فى أحكامه ( البقرة 106 ) ، و قيام " التبديل " فى آية ( النحل 101 ) . و سنرى أيضا ، من حيث الجدالية ، أن الدين للعامة ، و الاعجاز البيانى للخاصة من العرب : فلا يصح اعجاز للخاصة من العرب معجزة للعالمين ، و حاشا لله أن يعجز العالمين بما لا طاقة لهم فيه . ففى ذلك يصح قول السيوطى : " ما لا يمكن الوقوف عليه ، لا يتصور التحدى به " ( لاتقان 2 : 117 ) ، فكيف و هو " ما يعلم تأويله الا الله " ، و يكتفى الراسخوان فى العلم بالتسليم به !
4 – و القرآن نفسه شاهد عدل على أنه لا يعتبر اعجازه معجزة له . و الاعجاز الحق الوحيد الذى يقول به هو الاعجاز فى الهدى : " فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا : لولا أوتى مثل موسى ! ... قل : فأتوا بكتاب من عند الله أهدى منهما أتبعه ، إن كنتم صادقين " ( القصص 48 – 49 ) . فالقرآن و الكتاب هما فى الهدى سواء ، بل يعتبر الكتاب " إمام " القرآن فى الهدى ( هود 17 ، الاحقاف 12 ) . فتحدى القرآن لإعجازه موجه للمشركين ، لا للكتاب و أهله . لذلك فهو لا يعتبر اعجازه معجزة له على الاطلاق .
5 – و فى القرآن شهادة ناطقة غفل عنها القوم حتى اليوم . ففيما هو يتحدى المشركين بقوله : قل : لئن اجتمعت الأنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( الاسراء 88 ) ، نراه يشهد شهادة قاطعة بوجود " مثل " القرآن فى زمانه ، عند النصارة من بنى اسرائيل : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله" ( الاحقاف 10 ) . لاحظ وحدة التعبير ، " مثله " ، فى التحدى و فى شهادة الواقع التى لا يمكن لأحد ان يمارى فيها – و هذه الشهادة القاطعة حجة ناطقة على أن القرآن لا يعتبر اعجازه معجزة له .
6 – و نحن لا نقتصر المعجزة على خاصية و عقلية . بل نستجمع فى هذا الكتاب وجوه المعجزة جميعها ، لأستكمال النظر فيها أبعد من المتقدمين و المتأخرين .
ففى القسم الأول ، نرى المعجزات الحقيقية : المعجزة الحسية ( أى الافعال المعجزة ) ، و المعجزة الغيبية ( أى الإنباء بالغيب ) ، و المعجزة الشخصية فى السيرة و النبوة و الرسالة ، و المعجزة الظرفية من حيث البيئة و شمول الدعوة " حفظ " القرآن ، و المعجزة الذاتية فى التنزيل و فى التأليف ، و المعجزة الموضوعية فى الهدى و الشريعة و" العلم " و التاريخ ( القصص القرآنى ) . تلك أنواع ستة تشمل المعجزة من كل وجوهها .
و فى القسم الثانى نرى المعجزة البيانية ، من الأسس الضعيفة لأعتبار الأعجاز معجزة ( أمية محمد ، القرآن كلام الله فهو معجز بذاته ، وجه الاعجاز مجهول ) ، إلى حقيقة شهادة القرآن لاعجازه ، إلى الإعجاز فى فصاحة لغته مع " غريب القرآن " فيها ، إلى الإعجاز فى بيانه مع متشابهاته ، إلى الإعجاز فى بلاغته مع " متشابه القرآن " ، و ناسخه و منسوخه ، إلى الاعجاز فى جدليته ، مع " مشكلة و موهم الاختلاف و التناقض فيه " ، إلى الاعجاز في أسلوبه و نظمه ، و هو نظم الكتاب بحسب الاسلوب الآرامى ، لا العربى . و يأتى فصل الخطاب : ايصح هذا الاعجاز معجزة الهية ؟
7 – و اننا نستفتح كتابنا بهذا التصريح : اننا نؤمن ايمانا علميا باعجاز القرآن .
هذا هو موقفنا الذى يجب أن يفهمه كل من يطالع هذا الكتاب . لكن بما أن المعجزة على أنواعها هى برهان النبوة الأوحد ، يظل السؤال المحرج الذى حير العلماء من مسلمين
و غير مسلمين قائما : هل يشهد القرآن لمحمد بمعجزة ؟ هذا ما نراه فى القسم الأول ؟ هل يعتبر القرآن إعجازه المشهود معجزة له ؟ هذا ما نراه فى القسم الثانى . هدانا الله إلى السراط المستقيم .

الصفحة
  • عدد الزيارات: 12405