الإعجاز في الشريعة - الشريعة القرآنية مدنية : لا تحدّي فيها بإعجازها
بحث أوّل
إن الإجماع منعقد على أن الشريعة القرآنية نزلت بالمدينة . وهذا أمر مشهود في القرآن المكي . فلا تشريع في مكة . "أخرج البخاري عن عائشة قالت : إنما نزل أول ما نزل منه سور من (المفصّل) فيها ذكر الجنة والنار ؛ حتى إذا ثاب الناس الى الاسلام نزل الحلال
والحرام" . ولم يثب الناس الى الاسلام إلاّ في المدينة ، ولم يدخلوا في دين الله أفواجا إلاّ في آخر العهد بالمدينة . فالتشريع القرآني من زمن متأخر في الدعوة ، وقد نزل من القرآن أكثره . وظاهرة كبرى أخرى في التشريع القرآني ، ما قاله ابن حزم : "إعلم أن نزول المنسوخ بمكة كثير ، ونزول الناسخ بالمدينة كثير"
نستنتج من هاتين الظاهرتين :
أولا : أنه لا تشريع بمكة . وبما أن "أقوى وجوه إعجاز القرآن في شريعته" ، فليس من اعجاز في القرآن المكي .
ثانيا : إن القرآن يتحدّى "بسورة مثله" (يونس 38) "بسورة من مثله" (البقرة 23) ؛ وبما أن أكثر القرآن لا تشريع فيه ، فليس اعجاز القرآن في تشريعه وشريعته .
ثالثا : إن أكثر المنسوخ بمكة ، وإن الناسخ من المدينة : فالقرآن المدني ينسخ من القرآن المكي . والنسخ ليس دليلا على الاعجاز في التشريع . فالناسخ والمنسوخ في القرآن كله شبهة قائمة على الاعجاز في التشريع القرآني .
رابعا : وهكذا ، فإن تأخر نزول الشريعة القرآنية حتى المدنية ، وهي وجه الاعجاز الأقوى ، وربما الأوحد ، في القرآن ؛ فإن الاعجاز في القرآن ليس من أصل التنزيل فيه ومن غايته .
خامسا : بما أن التحدي بإعجاز القرآن ، كما هو مشهود فيه ، كان من أواخر العهد بمكة ، بعد أن عجز عن معجزة كالأنبياء الأولين ، وفي مطلع العهد بالمدينة (البقرة 23) ، ثم سكت عنه في العهد المدني كله في مجابهة أهل الكتاب ، أي في زمن نزول الشريعة القرآنية ؛ فليس في القرآن من تحدّ بإعجاز الشريعة على الاطلاق .
- عدد الزيارات: 29020