Skip to main content

مقدمة لدراسة القرآن

مقدمة لدراسة القرآن


قال المعترض الغير مؤمن: لا مجال لأهل الكتاب أن يدَّعوا أن كل كتب العهد القديم والجديد كُتبت بالإلهام، وأن كل حال من الأحوال المندرجة فيه إلهاميّ .

وللرد نقول:

(1) كُتب العهدان القديم والجديد بإلهام الروح القدس. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ الله، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ (2تيموثاوس 3: 16). لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُّوَةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (2بطرس 1: 21). فترى من هذه الشهادة الصادقة أن كل كُتب العهدين القديم والجديد كُتبت بإلهام الروح القدس، لأن هذه الكتب تورد نبوّاتٍ إلهية تمّ أغلبها فعلاً. وشهادات المؤرخين المنزَّهين عن الأغراض، سواء كانوا من الوثنيين أو غيرهم، تدل على أن أغلبها تمّ حقيقةً، والبعض الآخر سيتم بمجيء المسيح ثانيةً. وهذا من أقوى الأدلة على أنها وحيٌ إلهيّ.

(2) تأيدت بالمعجزات الباهرة. وهذا يبرهن أن مصدرها هو الذي بيده الحركة والسكون، فموسى شقّ البحر الأحمر وجعل العصا حيّة، وجعل يده بيضاء، وضرب المصريين بعشر ضربات. والمسيح شفى المرضى وأقام الموتى، وكذلك فعل رسُله. فلا نتصور أن تكون بلاغات هؤلاء الأنبياء والمرسَلين غير مُوحَى بها.

(3) أوحى الله بها لأنبياء بَرَرة صالحين.

(4) لم يتمسّك بها أحد إلا وكانت سبباً في سعادته ورفاهيته في هذه الدنيا، فهذَّبت الأغبياء، وبدَّدت غياهب الجهالة والضلالة، وأوردت المتوحِّشين موارد التمدُّن.

(5) لا تشتمل على شيء منافٍ للعقل والذوق.

(6) تشتمل على حقائق مهمة لا يمكن التوصُّل إليها بمجرد نور الطبيعة أو العقل البشري مهما أوتي من الذكاء.

(7) طهارة تعاليمها وقداسة وصاياها.

(8) موافقتها لبعضها بعضاً.

(9) ملائمتها لحالتنا.

(10) توضيحها طريق الخلاص، وقوتها على إيقاظ الضمير وتنبيهه ليطلب التوبة والغفران. ولا عجب في هذا، فإن الله أنار عقول الأنبياء الصادقين بروحه القدوس فيما قالوه أو كتبوه، وعصمهم عن الزلل والنسيان في البلاغات الإلهية، فكان هو المتكلم على ألسنتهم، وأيَّدهم بالمعجزات الباهرة.

وعل هذا القياس يكون القرآن غير موحى به من الله فإنه:

(1) لم يتأيّد بمعجزةٍ ولا آية.(وسنناقش في كتابنا نوعية معجزات محمد).

(2) لم تكن حالة صاحبه لائقة ليتّخذه الله آلةً في البلاغات الإلهية.

(3) تنافي طرق وحيه طرق وحي الأنبياء الصادقين.


 

حالة وحي محمد:

ورد في الأحاديث الصحيحة أنه كان إذا نزل عليه الوحي يُغشى عليه، وفي رواية يصير كهيئة السكران (السيرة النبوية لابن كثير ج1 فصل كيفية إتيان الوحي). يعني يقرب من حال المغشي عليه، لتغيّره عن حالته المعهودة تغيُّراً شديداً، حتى تصير صورته صورة السكران.

وقال علماء المسلمين إنه كان يُؤخذ من الدنيا (القرآن المجيد لدَرْوزة). وعن أبي هريرة: كان محمد إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة وفي رواية كرُب لذلك وتزبَّد له وجهه وغمّض عينيه، وربما غطَّ كغطيط البَكَر (صحيح البخاري باب كيفية نزول الوحي). وعن عمر بن الخطاب: كان إذا نزل عليه الوحي يُسمع عند وجهه دوي كدوي النحل. (عن القرآن لمحمد صبيح) وسُئل محمد: كيف يأتيك الوحي؟ (قال علماء المسلمين المراد بالوحي هنا حامل الوحي جبريل) فقال: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليَّ، فيُفصم (أي يقلع) عني وقد وعيت ما قال" (صحيح البخاري باب كيفية نزول الوحي). وأجمع علماؤهم ومحدثوهم على أن محمداً كان يجد ثقلاً عند نزول الوحي، ويتحدَّر جبينه عرقاً في البرد كأنه الجُمان، وربما غطّ كغطيط البَكَر (أي: كهدير الإبل) ، محمرَّة عيناه . وعن زيد بن ثابت: كان إذا نزل الوحي على محمد ثقل لذلك. ومرة وقع فخذه على فخذي، فوالله ما وجدت شيئاً أثقل من فخذ محمد (صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة النساء). وربما أُوحي إليه وهو على راحلته فترعد حتى يظن أن ذراعها ينقسم وربما بَرَكت. وعن أسماء بنت عميس: كان محمد إذا نزل عليه الوحي يكاد يُغشى عليه وعن أبي هريرة: كان محمد إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء (السيرة النبوية لابن كثير ج1 باب كيفية إتيان الوحي). وفي مسلم عن أبي هريرة: "كان محمد إذا نزل عليه الوحي لم يستطع أحد منا أن يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي"


 

المكان المفضَّل للوحي:

جاء في صحيح البخاري (ج 3 كتاب الهبة وفضلها) : عن عائشة أن نساء رسول الله كنَّ حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر فيه أم سلَمة وسائر نساء رسول الله. وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إليه أخّرها، حتى إذا كان في بيت عائشة بعث إليه بها. فقال حزب أم سلَمة لها: كلّمي رسول الله أن يكلم الناس فيقول: من أراد أن يُهدي إلى رسول الله هدية، فليُهدها إليه حيث كان من نسائه. فكلَّمته أم سلَمة بما قلن لها، فلم يقل لها شيئاً. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً. فقلن لها: فكلميه. فكلَّمته حين دار إليها، فلم يقل لها شيئاً، فسألنها؟ فقالت: ما قال لي شيئاً. فقلن لها: كلميه حتى يكلمك. فدار إليها فكلمته فقال لها: "لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني، وأنا في ثوب إمرأة إلا عائشة. قالت: فقلتُ: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله" (ورد الحديث أيضاً في مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث رقم 6180).

فهذا غير حال أنبياء التوراة الكرام، الذين تكلموا بالحِكَم الإلهية، وأعلنوا الحق أمام الملوك والأمراء والعلماء والفهماء والفلاسفة، وهم بصحة عقلٍ وجسمٍ وفهم. ولم يرِدْ أن نبياً منهم كان عند نزول الوحي يُغشى عليه، أو يصير كالسكران، أو تحمرّ عيناه، أو تجزع الناس من منظره، أو يغط كغطيط البَكَر.

وقد كان حال محمد قبل الوحي كذلك. روى ابن اسحق أنه كان يُرقَى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك. فكان يصيبه قبل نزول القرآن ما يشبه الإغماء بعد حلول الرعدة به وتغميض عينيه وتزبُّد وجهه، أي تغيُّره، وغطيطه كغطيط البَكَر. فقالت له خديجة: "أوجّه إليك من يرقيك" قال: "أما الآن فلا" وقرر علماء المسلمين أن آمنة أم محمد رقَتْهُ من العَيْن. وقيل لما كانت حاملاً به جاءها الملَك وقال لها قولي إذا ولدتيه: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد (سيرة ابن هشام). وقال مفسّرو المسلمين إنه كان لمحمد عدوّ من شياطين الجن يقال له الأبيض، كان يأتيه في صورة جبريل. واعترض بعضهم بأن هذا يعني عدم الوثوق بالوحي (وهو اعتراض في محله). ولكنهم أجابوا عن ذلك بأن الله جعل في محمد عِلماً ضرورياً يميّز به بين جبريل وبين هذا الشيطان. قالوا: ولعل هذا الشيطان غَيْر قرينه الذي أسلم . وفي كلام ابن العماد: وشيطان الأنبياء يُسمَّى الأبيض. قالوا: وهذا الشيطان هو الذي أغوى صيصا الراهب العابد بعد عبادته 500 سنة، وقيل 70 سنة. وهو المعنيُّ بقوله في القرآن: "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ" (سورة الحشر 59: 16). وقال الخازن: إن الشيطان المُسمَّى الأبيض تصدّى لمحمد وجاءه في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فلحقه جبريل فدفعه إلى أقصى الهند (الرازي في تفسيره للحج 22: 52 ، وتفسيره للتكوير 81: 20).

ولنا التعليق التالي:

() أحوال الأنبياء الصادقين منافية لهذا، فإنهم تربّوا في مهد التقوى وعبادة الله الصحيحة. لما وُلد صموئيل النبي كرَّستْهُ أمه لخدمة هيكل الله. فتربَّى عند عالي الكاهن، وتعلم الشريعة، وأوحى الله إليه إرادته الصالحة، فتنبأ عن الشر الذي يحل بالفجار. فلا رقَتْه أمه من الحاسد أو العين، لأنها كانت من شعب الله، وتعرف أن الحركة والسكون والمرض والموت هي بيد الله فقط. وهذا بخلاف الأمهات اللواتي يعتقدن بالعين وغيرها من الخرافات.

(2) لم يرد في كتاب الله أن نبياً كان له قرينٌ من الجنّ أو شيطان من الشياطين، فإن الشيطان لا يكون قريناً إلا لمن خلا من النعمة الإلهية! أما الذي فيه نعمة الله فيسكن فيه الروح القدس، فالإنجيل يقول لكل مؤمن: "جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ" (1كورنثوس 6: 19) فما بالك بأنبيائه؟ وهل يُعقل أن الله يأتمن من له قرين من الجن أو شيطان من الشياطين على كلمته الإلهية وإعلان إرادته للناس؟

(3) من تأمل التوراة والإنجيل رأى أن أنبياء الله منزَّهون عن الاعتقادات والخرافات الفاسدة، مؤيَّدون بالروح القدس، الذي كان يرشدهم إلى ما يقولون ويفعلون. لقد تهذَّب موسى النبي في أعظم مدارس مصر، التي انفردت بالعلوم في ذلك العصر. وكان بولس الرسول تلميذاً لأشهر أساتذة عصره. وبصرف النظر عن ذلك فكان الروح القدس هو الهادي لهم، فلا ينطقون إلا بإرادة الله، ولم تكن للشياطين والأبالسة سلطة عليهم في شيء، بل كان الأبالسة يجزعون منهم لأن قوة الله كانت فيهم.


 

 

عدم تأكد محمد من وحيه

ومن نظر في الأحاديث المحمدية، رأى أن محمداً كان غير متأكد من وحيه. ورد عن اسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير، أنه حدّث عن خديجة، إنها قالت لمحمد: أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. فجاءه جبريل، فقال لها محمد: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني . قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي . فقام فجلس على فخذها. فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحوَّل فاجلس في حجري. فتحوّل محمد فجلس في حجرها. قالت: هل تراه؟ قال: نعم. فألقت خِمارها، ومحمد جالس في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: يا ابن عم اثبُت وابشِر، فوالله إنه لملاك وما هذا بشيطان (السيرة النبوية ابن كثير باب كيفية إتيان الوحي).

قال علماؤهم إن خديجة أزالت غطاء رأسها لتعلم هل هذا جبريل الذي كان يأتي الأنبياء قبله، أو هل هو الإغماء الناشيء عن لِمَّة الجن، فيكون محمد من الكهّان لا من الأنبياء. وقال محمد بسببه لخديجة: "لقد خشيتُ على نفسي" وقد أجمع علماؤهم على أنه كان يعتريه الإغماء وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، كما كان يعتريه عند نزول الوحي عليه. فبسبب إزالتها غطاء رأسها عنها اختفى، فلم يعُدْ إلى أن أعادت غطاء رأسها عليه. فاستنتجت أن ما يعرض له هو الوحي، لأنّ الملاك لا يرى رأس المرأة المكشوف، بخلاف الجن! وهو استنتاج غريب. فهل ترَّبتْ خديجة بين الأنبياء، أو هل كان في عشيرتها نبيٌّ، تعتريه مثل هذه الحالة، فتقيس عليها حالة محمد؟


 

شروع محمد في الانتحار

ومن الغرائب أن محمداً كاد ينتحر بأن يلقي بنفسه من أعلى الجبال. وفي رواية أنه "لما فتر الوحي عنه حزن حزناً شديداً حتى كان يغدو إلى جبل ثبير مرة، وإلى حراء مرة أخرى، يريد أن يلقي نفسه منه. فكلما وافى ذروة جبل منهما كي يلقي نفسه تبدّى له جبريل، فقال له: يا محمد أنت رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه وتقرّ عينه ويرجع" فإذا طالت عليه فترة انقطاع الوحي عاد لمثل ذلك (السيرة الحلبية باب بدء الوحي والقرآن المجيد لدَرْوَزة). واختلفوا في مدة هذه الفترة. وفي فتح الباري جزم ابن اسحق بأنها ثلاث سنين، وقال أبو القاسم السهيلي: جاء في بعض الأحاديث المسنَدة أن مدة هذه الفترة كانت سنتين ونصف سنة . وقال الحافظ السيوطي: "إنها كانت سنتين" .

والظاهر أنه لما كان ينقطع المصدر الذي كان يقتطف منه بعض القصص التاريخية والروايات الكتابية والأحكام الشرعية كان يدَّعي بأن الملاك انقطع عنه، فإن محمداً كان يلتقط من أهل الكتاب كثيراً من أقوالهم. وكثيراً ما أفحمه أهل الكتاب من اليهود أو المسيحيين، فكان تارة يعجز عن مجاوبتهم، وأخرى يطلب منهم الإمهال إلى أن يتروّى ويتحرّى ويستفهم.

والحاصل أن كيفية الوحي لمحمد كانت منافية لكيفية الوحي الحقيقي

(1) كان إذا أتاه الوحي استلقى على ظهره.

(2) كان يتوهم أن جبريل يأتيه في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكان جميلاً وسيماً، إذا قَدِم لتجارةٍ خرجت النساء لتراه.

(3) كان يأتيه مخاطباً له بصوت في مثل صلصلة الجرس. وقيل في الصلصلة المذكورة إنها صوت المَلَك بالوحي وقيل صوت المَلَك .

(4) ادّعوا أنه كان يرى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، كل جناح منها يسدّ أفق السماء.

(5) كاد أن يتردّى (أي يلقي بنفسه في مهواة).

(6) كثيراً ما أفحمه أعداؤه فلم يجبهم بما يشفي غليلاً. وكثيراً ما أخذ مهلة للتروّي في كيفية الجواب وللاستفهام من أهل الكتاب. (راجع كيفية نزول الوحي في البخاري، ومسلم، والسيرة الحلبية، والبداية والنهاية، والإتقان في علوم القرآن ).

  • عدد الزيارات: 9638