خطية داود - الصفحة الثانية
وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول إن داود النبي حين نظر الى المرأة أوصى صاحب البعث فقال:'إذا حضر العدو فقرِّب فلاناً بين يدي التابوت`, وكان التابوت في ذلك الزمان يُستنصر به، ومن قُدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يُقتل أو يُهزم عنه الجيش، فقُتل زوج المرأة (الكشاف في تفسير سورة ص 21-25),
وقال الزمخشري أيضاً في تفسيره (الكشاف عند تفسير سورة ص): اتفق أن داود وقعت عينه إلى امرأة أوريا فأحبها، فسأله النزول له عنها فاستحى أن يرّده ففعل، فتزوجها وهي أم سليمان، فقيل له إنه مع عِظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلًا ليس له إلا إمرأة واحدة النزول عنها لك، بل كان الواجب مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتُحنت به , قال ابن عباس وغيره: ان داود لما دخل عليه المَلَكان فقضى على نفسه، تحوَّلا في صورتهما وعرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه, فعلم داود أنهما قصداه، فسجد، فمكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، وأكلت الأرض من جبهته وهو يقول في سجوده:'رب، زلَّ داود زلة أبعد ما بين المشرق والمغرب, رب، إن لم ترحم ضعف داود ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلق من بعده`, فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة فقال: 'يا داود، إن الله تعالى قد غفر لك الهمَّ الذي همَمْت به`, فقال:'قد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال:'ربي دمي الذي عند داود؟`, فقال:جبريل:'ما سألتُ ربك عن ذلك، وإن شئتَ لأفعلن`, قال:'نعم`, فعرج جبريل، وسجد داود ما شاء الله تعالى, ثم نزل جبريل فقال:'سألتُ الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود إن الله تعالى يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هَبْ لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب, فيقول الله تعالى: فان لك في الجنة ما شئت ما اشتهيت عوضاً عن دمك` ,
ومع ما في هذه الأقوال من غرابة، إلا أنها تدل على وقوع داود في الخطايا, وقد تواترت هذه القصة في أيام الصحابة، واتخذها الأراذل مسوّغاً لشهواتهم، فزجرهم عليٌّ عن التحدث بها, ولم يكن زجره إنكاراً لحقيقتها بل لصرف الناس عن الاشتغال بالمثالب, وقال علي: مَنْ حدَّثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدتُه مائة وستين، وهي حد الفرية على الأنبياء , ورُوي أنه حدث عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يُلتمس خلافها، وأعظم بأن يُقال غير ذلك, وإن كانت على ما ذكرت وكفَّ الله عنها سَتْرًا على نبيه، فما ينبغي إظهارها عليه , فقال عمر: لسَمَاعي هذا الكلام أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس ,
وقالوا إن القصة التي أتت في القرآن جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح، لكونها أبلغ في التوبيخ, ولكن هذه القصة مذكورة في التوراة ببساطة الحق, وأعرب داود عن توبته في المزمور الحادي والخمسين فاعترف بخطيئته وتاب وندم,
قال المعترض الغير مؤمن : قال الشيخ السنوسي بعد أن أنكر قصة داود إن في كتب بني إسرائيل تخليطاً عظيماً لا يليق أن يُلتفت إليه ,
وللرد نقول: لقد أعمى التعصب الشيخ السنوسي فلم يذكر ما ورد في القرآن عن داود في التسعة وتسعين نعجة، وهو مأخوذ بالحرف الواحد من التوراة, فإنه لما سقط داود في الخطيئة أتاه النبي ناثان ووبخه، وضرب له هذا المثل كما تقدم,
- عدد الزيارات: 11199