Skip to main content

أحاديث الردّة

من المناسب أن نذكر الأحاديث التي وردت في عقوبة المرتد ونعلّق عليها من حيث السند والنص. وأول هذه الأحاديث وأشهرها:

1 - عن عكرمة قال: أتى علي بزنادقة، فأحرقهم. فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال: لو كنتُ أنا لم أحرقهم، لنَهْي رسول الله لا تعذِّبوا بعذاب الله ولقتلتُهم لقول رسول الله مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه. فبَلَغَ ذلك علياً فقال: ويح ابن عباس.

2 - وردت عدة أحاديث في سنن الدارقطني ، تحمل معنى واحداً وهو المرتدة عن الإسلام تُحبَس ولا تُقتَل.

3 - وردت أحاديث أخرى في سنن الدارقطني تحمل معنى مخالفاً وهو كل مرتد عن الإسلام مقتول إذا لم يرجع، ذكراً كان أم أنثى.

وللتعليق نقول:

سنتناول أولاً الأحاديث التي وردت في شأن المرتد في سنن الدارقطني، وقد تكلم محمد شمس الحق شمس الحق ، صاحب التعليق المغني على الدارقطني في بعضها وقال:

1 - حديث 118 لا تُقتَل المرأة إذا ارتدت فيه عبد الله بن عيسى كذاب.

2 - حديث 119 عن ابن عباس في المرأة ترتد، قال تُجبر ولا تُقتَل خالفه جماعة من الحفّاظ في المتن.

3 - حديث 12 المرتدة عن الإسلام تُحبَس ولا تُقتَل فيه محمد بن عبد الملك وضّاع بن عبد الملك وضّاع.

4 - حديث 122 أمر النبي بعرض الإسلام على أم مروان فإن رجعت وإلا قُتِلَتْ فيه معمر بن بكار وفي حديثه وهم.

5 - حديث 125 ارتدّت امرأة فأمر النبي أن تُستتاب وإلا قُتِلت فهو حديث منكر لأن فيه عبد الله بن أذينة.

6 - حديث 128 كل مرتد عن الإسلام مقتول فيه أبو جعفر أبو جعفر سيئ الحفظ. هذا ما قاله صاحب التعليق، بينما سكت عن أحاديث أخرى مما يعني صحة إسنادها. ويعني أيضاً أن لدينا أحاديث بقتل المرتد، وأحاديث أخرى بعدم قتله، وكلها صحيحة. أما الحديث الأول (حديث عكرمة عن ابن عباس) فقد ورد في معظم كتب الصحاح، والمفترض فيه الصحة. ولكن لنفحص هذا الحديث من حيث الراوي والسند والنص.

يقع هذا الحديث في طائفة أحاديث الآحاد (أي رواه راوٍ واحد، هو عكرمة). ومن الممكن أن يكون الحديث صحيحاً ومعتبراً، ولو كان من طريق راوٍ واحد. ولكنه لا يتساوى مع حديث له أكثر من طريق.


عكرمة:

وإذا بحثنا في شخص عكرمة نفسه نجد أنه كان رقيقاً عند ابن عباس وتلميذاً له، ولم يكن تلميذاً متحمساً بشهادته هو، حيث كان يقول إن ابن عباس كان يقيّده من يديه ورجليه ويعلّمه القرآن والسنّة, ويقول الذهبي إن عكرمة كان من المعارضين لعلي ، وكان يميل إلى الخوارج، وكان خارجياً، وروايته مريبة لا يُعتدّ بها. وكان مالك بن أنس يصنّف الأحاديث المروية عن عكرمة في بند الضعيفة الواهية.

ويرى بعض العلماء مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء بن أبي ربيع أن عكرمة كان يميل إلى المبالغة,

ومن طريف ما يُروى عن عبد الله بن الحارث أنه عندما زار علياً بن عبد الله بن عباس وجد عكرمة مقيّداً خارج باب علي ، فقال لعلي : ألا تتّقي الله فيه؟ فأجابه علي بأن عكرمة كان يعزو أقوالاً باطلة إلى أبيه عبد الله بن عباس.

هذا هو الرجل الذي روى الحديث، وهو المرجع الوحيد الذي تتوقف عليه حياة الذين يُغَيّرون.. أو يُتَّهَمون بتغيير عقيدتهم.

موضوع الحديث:

إذا فحصنا موضوع الحديث وجدنا في بعضه أموراً غريبة:

1 - شخص في منزلة علي إسلامياً، هل يجهل منع الإسلام تعذيب الإنسان بالنار؟

2 - جملة مَنْ بَدَّل دينه فاقتلوه يمكن تفسيرها بعدة طرق. وهي على إطلاقها تَصْدق على الرجال والنساء والأطفال. ومع ذلك اختلف كثير من الفقهاء في هل تُقتَل المرأة المرتدة والطفل أم لا.

3 - لفظة دينه لفظة عامة لا تحدد ديناً معيناً. وعلى هذه الدلالة في لغة القانون يُقتَل كلمن يترك دينه لدين آخر.

لقد أطلنا الشرح في عقوبة المرتد في الفقه الإسلامي لنبيّن أن حياة الإنسان إسلامياً يمكن أن تُنهى نتيجة نسيان راوٍ أو ضعفه، وأنه بإمكانك أن تجد مبرراً إسلامياً لكل ما تفعل، سواء قلت بقتل المرتد أم لا.

أين هذا من تعاليم الراعي الصالح الذي يترك التسعة والتسعين ليبحث عن الواحد الضال حتى يُعيده ثانية حاملاً إياه على كتفيه فرِحاً؟ (لوقا 15: 5)

جاء رجلٌ من عند أبي موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فسأله عمر : هل كان فيكم من مغربة خبر؟ (خبر غريب) فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه. فسأل عمر : فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه. فقال عمر: هلا حبستموه ثَلاثاً (أي ثلاثة أيام)، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويرجع لأمر الله؟ ثم قال عمر : اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرضَ إذ بلغني,,

ولنا سؤال: هل كان عمر لا يعلم حديث عكرمة أو لا يعلم أمر محمد بقتل المرتد؟ أم أن هذا الأمر اختُرِع بعد عمر ؟


(قطع الطريق):

جاء في سورة المائدة 5: 33 و34 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

مناسبة هذه الآية أن قوماً قاموا من عرينة بقتل راعي أغنام محمد وسرقوا الغنم. فأرسل محمد مَن يأتي بهم. فلما جيء بهم، أمر أن تُقطع أيديهم وأرجلهم وتُفقأ أعينهم وأن يُتركوا في الصحراء حتى يموتوا1. والواضح من الآية وسبب نزولها أنها تقضي بالجزاء على من يُحارب الله ورسوله. فهل هي بذلك من الآيات الخاصة بشخص النبي، وأنه وحده الذي يوقّع الجزاء على من يحاربه ويحارب الله في شخصه؟

لقد جرى الفقه الإسلامي على اعتبار هذه الآية وهذا الحديث سنداً في إيقاع الحد على مَن يُحارب الجماعة وعلى قطع الطريق4,، مع أن هناك حديثاً يقول مَن حمل علينا السلاح فليس منّا 1. وهناك حديث آخر يقول: مَن خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهلية. ومَن قاتل تحت رعاية عمية يغضب لعصبيَّة، أو يدعو لعصبيَّة أو ينصر عصبيَّة، فقُتل، فقتلةٌ جاهليَّة. ومن خرج على أمتي بسيفه، يضرب برَّها وفاجرها. ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ بعهده. فليس مني ولست منه.

وهذان الحديثان لا يقرران حكماً على من يحمل السلاح على الجماعة أو يخرج عليها. فواضح بذلك أن الجزاء المنصوص عليه في الآية ليس جزاءً لمن يحمل السلاح على الجماعة أو يخرج على طاعتها، ولكنه خاص بشخص النبي. يؤيد ذلك سبب نزول الآية وظروف الحديث نفسه.


فقهٌ بلا فقه:

أوضح مثال للخلط هو توسُّع الفقه الإسلامي في تطبيق الآية على شيء ليست له. ولم يقتصر الأمر على تطبيق الآية والحديث في غير موضوعهما فقط، بل تعدّاهما إلى إعمال اجتهاد الفقهاء أيضاً. وطبقاً لذلك أصبح كل مَن يخالف الحاكم أو الفقيهفي الرأي يُتَّهم بالحرابة والخروج على الجماعة. ولو كان الخروج على أية جماعة كفراً، فسوف نجد أن جميع الأنبياء كفار، لأنهم خرجوا على جماعتهم وأتوا بما يخالف اعتقاد هذه الجماعة! بل أن بعضهم حمل السلاح على جماعته. فهل الخروج علىأي جماعة يُعتبر كفراً، وإن كانت جماعة فاسدة!؟

قد يُرَدُّ على هذا الكلام بأن الحرابة الموجبة للحد هي حمل السلاح على الجماعة المسلمة.

ولكن هذا الكلام لا يخلو من غلط، فالآية والحديث تعاقب مَن يحارب الله ورسوله. وقد يقوم مدعٍ فيقرر أن جميع الأمة خارجة على الله ورسوله، كما تفعل جماعات الإسلام السياسي. فكيف الحل؟ هل تقوم الأمة أيضاً بإلقاء نفس القفّاز في وجوه مخالفيها وتتّهمهم بالخروج على الجماعة، فيستحقون القتل؟ وتكون النتيجة سيولاً من دماء؟

  • عدد الزيارات: 25081