Skip to main content

الخلاص - جاء المسيح مخلِّصاً للإنسان

الصفحة 2 من 2: جاء المسيح مخلِّصاً للإنسان

ولقد جاء المسيح مخلِّصاً للإنسان ينقذه ويحرره من سطوة تلك المخاطر جميعاً. جاء يغفر الخطايا ويُظهر للخطاة أن محبة الله أعظم من خطاياهم. وجاء يُظهر بأقواله وأعماله أن الخطاة والغرباء والفقراء هم أقرب إلى قلب الله من الفريسيين والمتسلطين والأغنياء، ويؤكد أن محبة الله تشمل جميع الناس على السواء. وجاء يشفي المرضى، ويُنهِض المخلَّعين ويُقيم الموتى، مظهراً أن محبة الله أقوى من مخاطر المرض والموت.

المحبة وحدها هي التي تخلّص الإنسان في جميع أبعاده: في ذاته وفي علاقته بالآخرين وفي ارتباطه بالحياة والكون. وقد أظهر لنا يسوع في حياته وأعماله عمق تلك المحبة التي ليست محبة إنسانٍ لآخر، بل محبة الله نفسه التي تنسكب على جميع الناس، فتُحيي نفوسهم وتخلِّصهم من عبوديتهم (رومية 5:5).

وإذا كانت أعمال المسيح قد حقَّقت الخلاص للإنسان، فإن موته على الصليب هو قمَّة عمله الخلاصي.

كان الشعب اليهودي ينتظر مجيء مسيحٍ ملكٍ يُخلِّصه من عبوديته ويحرره من سيطرة الرومان، ويُعيد مملكة داود، مُنشِئاً مملكةً دنيوية كسائر الممالك مؤسَّسة على القوة والسيادة، لذلك رفض الاعتراف بأن يسوع هو المسيح المنتظر. ولقد حقق يسوع رغبة الأجيال السابقة ونبوات الأنبياء، وجاء ليخلِّص الإنسان ويحرر الشعب. لكنه رفض تحقيق ذلك باللجوء إلى طرقٍ ملّوَثةٍ بالذنوب، لأن الذنب لا يزيله ذنبٌ آخر. فالحقد لا يزيله الحقد، والإثم لا يمحوه الإثم، والقتل لا يبطله القتل. المحبة وحدها تستطيع أن تزيل الحقد، والمغفرة وحدها تستطيع أن تمحو الإثم، والموت في سبيل القاتل يستطيع وحده أن يبطل القتل.

لقد استطاع الحقد أن يعلّق المسيح على الصليب، لكنه وقف عاجزاً أمام المغفرة التي منحها يسوع لصالبيه يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ (لوقا 23: 34).

أوصى المسيح تلاميذه بأن تكون محبة الأعداء هي العلامة المميِّزة لهم، لأنها العلامة المميِّزة للآب السماوي أحبوا أعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات، فإنه يُطلِع شمسه على الأشرار والصالحين، ويَمْطُر على الأبرار والأثمة (متى 5: 43-48). تلك المحبة التي تقوم لا على إقامة الحواجز وتدمير الآخرين بحُجَّة أنهم أعداء أو فُسَّاق أو زنادقة أو مشركين كفرة، بل على رفع كل حاجزٍ يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان، والإنسان عن خالقه الله، ولقد حققها المسيح في حياته عندما غفر للخطاة وحققها إلى أقصى حدّ في موته عندما غفر لقاتليه!

قرأت بعض التفسيرات لموت المخلِّص الفادي تظهره عملاً قام به المسيح ليسكّن غضب الله، أو فدية دفعها المسيح عن الإنسان لتحريره من عبودية الشيطان. لكني أعتقد أن غضب الله على الخطاة وعبودية الخطاة للشيطان هما صورتان أدبيتان هدفهما إظهار البُعد الحقيقي والتناقض العميق بين الخطيّة والله. وذبائح الحيوانات التي كان بنو إسرائيل يقدمونها لله كانت تعبّر عن إدراك الإنسان لهذا البُعد الذي تنشئه الخطية بينه وبين الله، وعن اقتناع الإنسان بأن الموت وحده يمكنه التكفير عن الخطية، لأن الخطية إهانة قصوى لله.

ولقد أتت المبادرة من الله نفسه، فالله هو الذي يبادر برحمته إلى تبرير من كان خاطئاً وإحياء من كان ميتاً. لا يقول العهد الجديد إن الإنسان هو الذي يتصالح مع الله، بل الله صالح في المسيح العالم مع نفسه (2 كورنثوس 5: 19). ويعبّر العهد الجديد عن هذه الفكرة بأمثال وتشابيه متنوعة: فالله هو الراعي الصالح الذي يمضي بنفسه في طلب الخروف الضال حتى يجده (لوقا 15: 1-10). والله هو الذي أَحَبَّ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ (يوحنا 3: 16).

إن تقديم يسوع ذاته أنشأ عهداً جديداً. فالعهد القديم أنشأ بين الله وشعبه على يد موسى عهداً بواسطة دم الحيوانات وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: "هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْأَقْوَالِ" (خروج 24: 8).

أما يسوع فأنشأ عهداً جديداً مع المؤمنين به بدم نفسه.

وكان العهد القديم مبنياً على شريعة الله التي أُعطيت لموسى، أما العهد الجديد فمبنيٌّ على نعمة المسيح لِأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا" (يوحنا 1: 17). فإن نعمة المسيح ومحبته جعلتاه يسكب دمه على أحبائه. وفي العهد القديم كان العهد مع موسى يضم شعب الله المكوَّن من الشعب اليهودي، نسل إبراهيم الجسدي. أما العهد الجديد فهو عهد الله بالمسيح مع شعب الله من كل قبيلة وشعب."كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ اللّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 12:1).

وخلاصة القول، إن الكتاب بتعاليمه هذه يدخل بنا زمن العهد الجديد مانحاً إيّانا هذا الخلاص الأكيد المضمون، الذي بغيره يحيا الإنسان في قلق ينتهي بالهلاك.

الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 6468