Skip to main content

مأزقٌ مِن معادلةٍ صعبة - تطبيق هذا التجمع للمنهج الإسلامي مستحيل في ظل الهيمنة الجاهلية

الصفحة 3 من 3: تطبيق هذا التجمع للمنهج الإسلامي مستحيل في ظل الهيمنة الجاهلية

إلا أنه يعود فيؤكد في كتابه هذا الدين أن تطبيق هذا التجمع للمنهج الإسلامي مستحيل في ظل الهيمنة الجاهلية على المجتمع، فيقول في كتابه هذا الدين : الذين يظنون أن أخلاقية الإسلام تجعل منه عبئاً ثقيلاً على البشرية إنما يستمدّون هذا الشعور مما يعانيه الفرد المسلم حين يعيش في مجتمع لا يهيمن عليه الإسلام. وحين يكون الأمر كذلك يكون الإسلام بأخلاقياته عبئاً فادحاً بالفعل يقصم ظهور الأفراد الذين يعيشون بإسلامهم النظيف في مجتمع جاهلي يكاد يسحقهم سحقاً. إن الإسلام نظام واقعي، يفترض أن الناس الذين يعيشون بمنهجه يعيشون في مجتمع يهيمن عليه الإسلام.

فلا بد إذاً من وسط خاص يعيش فيه هذا التصّور بكل قِيَمه الخاصة، غير الوسط الجاهلي، ولابد له من بيئة غير البيئة الجاهلية! ومن هنا ينبغي أن يعلم من يريد أن يكون مسلماً أنه لا يستطيع أن يزاول إسلامه إلا في وسطٍ مسلم يهيمن عليه الإسلام، وإلا فهو واهم إذا ظن أنه يملك أن يحقق إسلامه وهو فردٌ ضائع مطارَد في المجتمعات الجاهلية .

وكاتب آخر من كبار أساتذة كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة هو الشيخ محمد الغزالي. وقد وقع في كتابه فقه الحركة فريسة نفس التناقض، فقد أكد مراراً أن المجتمع الإسلامي لا يخرج إلا من القاعدة الإسلامية التي تربَّت على خُلُق الإسلام ومبادئه، ولا بد من وجود مسلمين حقيقيين قبل ظهور المجتمع الإسلامي. ثم نراه ينفي إمكانية ذلك في مؤلَّفين: أحدهما معركة مصحف فيقول: تتَّجه أوامر الله ونواهيه إلى البيئة التي يعيش فيها الإنسان، كما تتجه إلى الإنسان نفسه. تتجه إلى البيئة لتشكّلها على صورة معيّنة، وتفرغها في قالب محدد. كما تتجه إلى الإنسان بالمحو والإثبات فيما يفعل ويترك. والحكمة من ذلك واضحة، فإن العين القوية لا تستطيع الرؤية في الجو المظلم، فلا بد من وَسَطٍ يعين على الإبصار حتى تستطيع استبانة ما تريد . ويقول في بحثه نظرات في القرآن : "إن أثر البيئة في السلوك الإنساني غير منكور، بل الرأي الراجح أنها أقوى من الوراثة في تكوين الخلق وفي توجيه المرء إلى مستقبله. وأي نظام ينشد للفرد وجهة خاصة لا يمكن البتة أن يتجاهل ضغط البيئة على الفرد، ووحيها الخفي والجلي الذي يسيّره كيف يشاء. السيطرة على البيئة إذاً ضرورة لا بد منها لكل رسالة جادة، ولذلك كان الإسلام ديناً يشرّع للنفس والمجتمع والدولة على حدّ سواء".

إذاً لا سبيل للوصول إلى هذا المجتمع المنشود! ولكن هل أدرك شباب الصحوة الإسلامية أبعاد التناقض في هذه المعادلة الصعبة؟

الحركة الإسلامية تطالبه بأن يترفّع بنفسه عن أدناس الواقع، والبيئة تفرض عليه واقعاً لا يستطيع الفرار منه! ويصبح أمام أبناء الحركة الإسلامية أن يختاروا بين ثلاثة بدائل:

إما أن يثوروا على هذا الواقع وهذه البيئة لتصبح متفقة مع المنهج المطلوب تطبيقه.

وإما أن ينعزلوا خارج المجتمع ويتقوقعوا في أحد الكهوف أو بطون الصحراء والجبال، ليتمكنوا من ممارسة إسلامهم بعيداً عن ضغط الواقع الجاهلي.

وإما أن يستسلموا ويتخلّوا عن الإسلام كلية.

وهذه بدائل بالرغم من أنها مورست من بعض أبناء الحركة الإسلامية إلا أنها لم ولن تؤدّي إلى نتيجة أو توصّل إلى هدفٍ إيجابي. واختيار أحدها له أضراره وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع، والتي قد تصل في النهاية إلى تدمير الفرد والمجتمع على حدٍ سواء.

الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 7680