حاجتنا القصوى هي إلى مغفرة خطايانا
حاجتنا القصوى هي إلى مغفرة خطايانا ونزع شعورنا بالذنب والمصالحة مع الله
فكيف تُغفَر خطايانا وذنوبنا؟ وكيف نتخلّص من الشعور بالذنب؟ وكيف نتصالح مع الله؟ إن الكتاب المقدس يقدّم لنا جواباً واضحاً عن هذه التساؤلات.
أولا: إنه يشدد بأنه ليس بمقدور أحد أن يبلغ مستوى الأهلية أو الاستحقاق للحصول على هذه الأمور من الله، لأنه ليس من أعمال أو مجهودات بشرية، وإلا فسيكون ثمة مجال للإنسان أن يفتخر أمام الله (أفسس 8:2و9). وهذا الشكل من الكبرياء هو خبيث ويُدعى 'البر الذاتي'، والله يرفض الكبرياء. فإن كان الإنسان يضع ثقته في قيمته الشخصية، إذا، فهو متكبّر وغبيّ. هو متكبّر لأنه يظن أن عنده من الصلاح ما يكفيه للقبول عند الله القدوس. وهو غبيّ لأنه يظن أنه صالح في نظر الله. وضلاله ظاهر في أنه يتخذ من تقييمه لنفسه أو تقييم الآخرين له مقياساً لتقرير حكم الله من نحوه (2كورنثوس 12:10و18)، ولكن بغض النظر عما يظنه الآخرون فينا أو نظنه نحن في أنفسنا فإن حكم الله هو بحسب الحق والبر وهو نهائي. ولا شيء يمنعنا من معرفة الحقيقة من نحو نفوسنا ومن نحو الله أكثر مما تفعل كبرياؤنا – التي لا يفتأ الله يدينها باستمرار (يعقوب 6:4).
وبينما ينخدع الكثيرون بكبرياء برّهم الذاتي، التي تُظهر قيمة الإنسان الخلقية أمام الله أنها مستحقة القبول عنده، هناك آخرون ممن يضعون ثقتهم المطلقة في أعمال التقوى. ويخطئون إذ يظنون أن تحاشي الأعمال الشريرة، وممارسة الأعمال الحسنة، بالإضافة إلى بعض الممارسات الدينية التعبدية سوف تعود عليهم بالغفران وتجعلهم مقبولين عند الله. لقد أخبرنا الرب يسوع، ذات مرة، عن شخصين أرادا أن يصليا لله. أحدهما كان فريسياً، والفريسيون معروفون بتزمتهم وتعصبهم الشديد للدين، والآخر كان عشاراً، والعشارون مكروهون من غالبية أهل بلادهم. 'أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا: اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع وأعشِّر كل ما أقتنيه. وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلاً: اللهم ارحمني أنا الخاطئ' (لوقا 11:18 و12 و13). قال يسوع إن الفريسي لم يُقْبَل عند الله لأنه وضع ثقته في نفسه وفي أعماله. وإذ ظن أنه بار أخذ في ترفيع نفسه أمام الله بكبرياء (لوقا 14:18).
وهكذا أيضاً، قد يكون للإنسان ثمة انسجام خارجي مع المتطلبات الدينية (حتى ولو كانت هذه المتطلبات معيّنة من الله)، ولكن قلبه قد يكون بعيداً عن الله. كان المسيح يتكلم عن أناس مثل هؤلاء عندما قال: 'يقترب إليّ هذا الشعب بفمه، ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً' (متى 8:15).
إنه لمن المستحيل على الصوم، والصلاة، والزكاة، والأعمال الحسنة، أن تجعل الإنسان مقبولاً عند الله، لأن الكتاب المقدس يقول: '... وكثوب عدة كل أعمال برنا' (إشعياء 6:64). فالغفران لا يمكن أن يُشترى، والمحبة لا يمكن أن تُكتسب اكتسابا، والقبول عند الله لا يمكن تحصيله بالجدارة والاستحقاق؛ ورفض الإنسان الإقرار بهذا الواقع هو بحد ذاته شكل من أشكال الكبرياء. ومع ذلك فإن الناس في كل أنحاء العالم يجاهدون في تكديس أعمال صالحة من أجل تأمين الدخول إلى محضر الله، مستمرين في وضع ثقتهم برحلات الحج، وممارسة الأصوام، والصلوات، والشعائر الدينية، وزيارة الأماكن المقدسة، وترديد الأناشيد الدينية. إنهم يحاولون أن يرجحوا 'كفة الحسنات' على 'كفة السيئات'، آملين، من وراء ذلك، أن يحظوا بالدخول إلى الجنة في يوم الدين. بيد أن هذا يمثل سوء فهم لله، والبر، والخطية، والغفران، والطبيعة الإنسانية، والقضاء الإلهي.
كل إنسان منا بحاجة إلى الغفران، لأننا جميعنا قد أخطأنا إلى الله بارتكابنا ما كان يجب أن لا نرتكبه من أعمال، وبإهمالنا ما كان ينبغي أن نقوم به. فالذين يعترفون فعلاً، بحاجتهم إلى الغفران، هم فقط المُخْلِصون مع أنفسهم والمتواضعون بما فيه الكفاية للإقرار بفشلهم. أما أولئك الذين يتمتعون بالبر الذاتي، فعندهم الرضى الشخصي الذي لا مبرر له، ومن الصعب عليهم رؤية حالتهم المزرية أمام الله وحاجتهم إليه. فعندما يحس الإنسان فعلاً بمذنوبيته، ويؤمن بإخلاص بأنه خاطئ تجاه الله، حينئذ يكون على استعداد أن يدرك حقيقة غفران الله.
إن أردنا أن نعرف الله، وأن يكون لنا شركة معه، الآن وفي الأبدية، يجب أن ننال عفوه.. على الصعيد البشري، المسامحة ضرورية عندما نسيء إلى أحدهم، لأنه لا مجال أن يكون هناك قبول وشركة حقيقيتان بينما العلاقة مقطوعة بسبب الإساءة – والخطية هي ضد الله. والمعنى الأعمق للخطية، ليس أننا تعدينا على ناموس الله، بل أننا قد أسأنا إليه برفضنا لمحبته وسلطانه.
وبما أن الله هو كلي القداسة والبر، فلا يقدر أن يتغاضى عن الخطية. يجب أن يدينها ويقتص من فاعلها، لإنها العقبة التي يجب أن تزول قبل أن يدخل الإنسان في علاقة شخصية مع الله. وإن كان الغفران غير الممكن للخاطئ حتى يوم الدين، إذاً، ليس في وسع أي إنسان أن تكون له علاقة مع الله في الوقت الحاضر، وبذلك لا يسمع الله صلواته في هذه الحياة.
وسيفرِّط الله ببرِّه إن قَبِل الخاطئ على حالته التي لا تتمتّع بالغفران. علاوة على ذلك، وبما أن الله لا يقدر أن يقبل مجهودات الإنسان وأعماله للحصول على الغفران، إذن، فليس هناك من أساس، لتوقُّعنا أن الغفران يمكن نيله في يوم الدين. وإن كان اللجوء إلى الأعمال الصالحة على أنها جديرة بالمكافأة والتقدير، فإن هذا إظهار للكبرياء البشرية في هذه الحياة، والأمر لا يختلف عن ذلك بشيء أمام عرش الله يوم الدينونة.
وبينما هو صحيح أن الله كلي القدرة، فهو صحيح أيضاً أن الله كلي البر. وسيكون من الخطأ التعريض ببر الله بقدر ما سيكون من الخطأ التعريض بقدرته. لأنه عندما يسامح الله الخطية من غير أن يثبت برّه، فإنه يصبح مشاركاً للخاطئ في خطيته. وسيكون الله قاضياً غير عادل إذا ما برر الخاطئ دون أن يقتصّ من خطاياه. فمن المستحيل على إله كلي البر أن يعتبر الخاطئ باراً ما لم يُدفع أولاً ثمن القصاص، ويؤمَّن الأساس للحصول على البر.
فكيف إذن يؤمَّن الأساس للحصول على الغفران،
من غير التعريض ببر الله؟
- أنشأ بتاريخ .
- عدد الزيارات: 7625