مشروعية القتال في الإسلام
فتقول يا صديقي (أما عن الإسلام وغزواته فهذا شيء آخر له معنى عن التكوين المعرفي العقائدي للإنسان).
يا صديقي الغزو هو الغزو، ويخلف قتالاً ودماراً ونهباً واسترقاقاً، لذلك فهو مرفوض تماماً تحت أي مُسمَّى، حتى لو كان كما يدّعي الإسلام - في سبيل الله - وليس في الغزو أي معنى في التكوين المعرفي للإنسان، فالقتال شيء والفكر شيئاً آخر، ولكل منهما أدواته، فالسيف والقلم لا يلتقيان، وشتان ما بينهما،
فبينما يعتمد القتال على المهارة القتالية في وضع الخطط الحربية للتدمير والبطش لإحراز النصر، يعتمد القلم على الفكر والإقناع بالبرهان ويسعى لرقي الشعوب وسلامتها، فكيف تخلط الأمور وتسمي الغزو فكراً؟ وليته أي فكر، بل فكر معرفي عقائدي! إنكم بذلك تشوهون الدين وتزجون باسم الله في النزاعات والمطامع الخاصة. ألا يعتبر هذا القول نموذجاً لمحنة العقل في الإسلام؟ والغريب أنك تسخر من أهل العلم المتحضرين المؤمنين بحقوق الإنسان عباقرة وصفوة مفكري العالم وتقول عنهم متهكماً:
الجاهل يرى في العلم جهلاً.
صار الإنسان المثقف العالم الرافض للإرهاب لفرض الدين جاهلاً! وكأنه كان ينبغي أن يصير الإنسان سفاحاً قاتلاً ليكون بحسب مفهوم الإسلام عالماً!
فأي علم هذا الذي تقصده؟ هل تسمي غزو البلدان علماً؟ هل تسمي سبي واغتصاب النساء والغلمان علماً؟ هل تسمي نهب ثروات الشعوب علماً؟
إذاً مرحبا بهذا الجهل الرافض لهذه الموبقات!
تقول (عهد الرسول عرف شركاً ظلمانياً على أشده تبعاً لعادات الأجداد التعصبية، إذ لا يمكن إرجاعهم بالمجادلة والنقاش، فكان الغزو والسيف كوسيلة للإسلام الجماعي الخ).
أولاً - أشكر الله أنك عدت واعترفت بحقيقة الوسيلة التي انتشر بها الإسلام - السيف - لكنك بدلاً من استنكارك للعنف تبرره تبريراً ساذجاً، فأي محاربات تلك التي واجهها الإسلام؟ وكم احتمل هذه الحروب؟ وهذه المضايقات؟ ليس أكثر من 13 سنة، بينما واجهت المسيحية حرباً عنيفاً من أقوى دولة عسكرية ظهرت في التاريخ، المسيحية كان يحاربها العالم أجمع، ليس لمدة 13 سنة، بل ما يزيد عن 300 سنة، 300 سنة والمسيحيون يعذبون ويُنشرون بالمناشير ويُلقون للوحوش ويُصلبون ويُحرقون، ويُساقون كالعبيد ويطرحون تحت أقدام وحوش الرومان الوثنية، رغم ذلك لم يستعملوا السيف ليس للإغارة على أعدائهم بل لمجرد الدفاع عن أنفسهم، وقدموا ملايين الشهداء المسالمين، لإيمانهم بالله الحقيقي الداعي إلى السلام ومحبة الأعداء وعدم مقاومة الشر بالشر، ولثقتهم فإن لا شيء يبرر القتل سوى الشر والكراهية وهما أدوات السيف. لكن السيف هو رمز الإسلام، حتى قيل عن نبي الإسلام أنه سيف الله المسلول!
ثم أن المعاناة التي قابلها محمد وأتباعه هي أقل معاناة يمكن أن يواجهها اي دين جديد. وقد توافرت لمحمد عوامل كثيرة من صنع البشر ساعدته على الوقوف ضد أعدائه.
والذي واجهه الإسلام في نشأته الأولى لا يبرر المذابح التي عملها في البشر من بلدان كثيرة، لم تعلن له العداء، ولم تغز مكة!
الأديان يا صديقي تنتشر بالمحبة والسلام والإقناع لهداية البشر بمزايا هذا الدين الجديد وذلك كله بالموعظة الحسنة، وليس بالمكر والخداع الحربي.
مثل هذا لا يليق أن يتصف بدين يدعي أنه نازلاً من السماء، بل ويشطح إلى ما هو أبعد من ذلك إذ يدعي أنه أفضل أديان السماء قاطبة، بل يلغي كل الأديان ولا يبقى ديناً آخر سواه وذلك ما يقوله القرآن:
هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ.
كما يشنّ القرآن هجوماً عنيفاً ضد أصحاب الديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية على سواء وذلك من قوله:
وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ... سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ... يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ... فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
هكذا بدأ الإسلام بالحرب ضد أهل الديانات السماوية واستباح أموالهم وأرواحهم وألغى ديانتهم، كل هذا بالسيف والأحقاد والكراهية، ولم يحترم حرية الإنسان كأن يختار أن يعتنق ما يشاء من أديان، وجعل القتل جزاء كل مسلم يشاء أن يترك الإسلام ليعتنق ديناً آخر رآه مناسباً ويتفق مع عقله وضميره. والذي يسفك دم هذا الإنسان لا يُعاقب بحجة أنه قتل مرتداً كافراً أهدر دمه.
حاشا لله أن يأمر بهذه التعاليم البغيضة التي يرفضها كل البشر الأحرار. وإني من بين هؤلاء البشر الرافضين قتل الإنسان الحر الساعي للحق التارك الإسلام بحثاً عن الله الحقيقي. ولقد أهدر الإسلام دمي لأني مرتد عنه، ولي عظيم الشرف لذلك، لأن الموت دفاعأً عن الحق أفضل من العيش لأجل الباطل - إن الدين الحقيقي لا يؤثر فيه خروج بعض أتباعه عنه - لأنه دين حق، يستمد قوة بقائه من الله، أما الدين المزيف فهو يستمد قوته من البشر الأتباع، وخروج أتباعه عنه يهدد بنيانه الهش لذلك قال النبي من بدل دينه اقتلوه.
فقتل المرتد من صميم الإسلام ، وتقول به كل المذاهب الإسلامية ليس قتل المرتد فقط بل وأيضاً من يتجرأ وينتقد شخصية النبي ويطعن في رسالته فهذا أيضاً يقتل.
فأهلاً بهذا القتل، ألست أنا مسيحياً؟ ألم تقدم المسيحية ملايين الشهداء دفاعاً عن الحق؟ فما ينطبق على المسيحية ينطبق علي تماماً، وأين أنا من هؤلاء الشهداء الأبرار الذين واجهوا سيف الإسلام بالحب وعدم المقاومة. ولعل كثير من المسيحيين لا يعرفون شيئاً عن المرتدين الشهداء؟ أعني المسيحيين الذين كانوا مسلمين ثم اعتنقوا المسيحية بعد ارتدادهم عن الإسلام، وعادوا لمسيحهم معترفين بإيمانهم، فتم ذبحهم وهم كثيرون جداً لعل أشهر هؤلاء المعروفين في وطني مصر القديس نيقام.
وغيره كثيرين ممن أهملهم التاريخ المسيحي للشهداء، لكم أتمنى إعداد كتاب خاص بهؤلاء الشهداء الأبطال المجهولين، وتكون مصادره التاريخية من مؤرخين المسلمين أنفسهم والتي لا تنفي قتل هؤلاء الأسالمة المرتدين.
ويدور حالياً جدال واسع في وطني حول عقوبة المرتد وهي القتل بعد استتابته، ووافق الأزهر على ذلك وبينما يشترط أن يقوم بقتل المرتد الحاكم فقط، يرى الداعية الإسلامي المعروف محمد الغزالي بعدم أهمية هذا الشرط. يكفي أن يقوم به أية مجموعة من المسلمين.
وبالطبع فكلا الرأيين خطأ وجرم في حق حرية الإنسان أن يعتنق ما يشاء من أديان.
واغتيال الإسلام لهذه الحرية يمثل اعتداءً صارخاً على أهم حقوق الإنسان. ورغم الإرهاب الإسلامي بقتل كل من يجرء على تركه أو الطعن فيه لم يفلح في عدم ارتداد المسلمين عن الأسلام في أنحاء كثيرة من العالم وحتى داخل العالم الإسلامي ذاته وهو يؤكد زيف ادعاء ودعايات المسلمين على أن الإسلام ينتشر والملايين يعتنقونه، وأنه بلغ أمريكا وأوروبا، ومعتبرين أن سماح هذه الدول الكبرى في بناء المساجد للمسلمين الوافدين من أوطانهم الإسلامية هو انتشار للإسلام، والواقع أن المسلمين في أوروبا وأميركا، ليسوا أروبيين أو أمريكان، بل أناس من دول العالم الإسلامي وصار لهم حق الإقامة أو الجنسية المكتسبة، وقليل جداً من يعتنق الإسلام من الأصول الأوروبية، وحتى هؤلاء إما لا يعرفون حقيقة الإسلام لعدم درايتهم بنصوص القرآن واللغة العربية. وإما أناس غير طبيعيين ولهم أهداف أخرى غير الإسلام كدين، لأن الأوروبي لا يفرط بسهولة في انجازاته الحضارية وإيمانه المطلق بحرية الإنسان أن يعتنق ما يشاء دون حجز على رأيه ودون إلغاء إرادته بالقتل. وقد كنت مبشراً في مصر لمدة تزيد عن خمس سنوات، وكنت أرى بعيني كثيرين من المسلمين يعتنقون المسيحية سراً ويرتدون عن الإسلام، ومن يُكتشف أمره يكون مصيره الاعتقال على أحسن الأحوال! ولو علمت به الجماعات الإرهابية الإسلامية فتقتله على الفور! فهؤلاء التتار الجدد يقتلون ليس المرتد فقط بل والمسلمين أنفسم أصحاب الفكر المستنير، مثلما قتلوا المفكر المصري الكبير أ. د. فرج فودة، وفي الجزائر يقوم هؤلاء الإرهابيون بذبح المفكرين المسلمين، إنهم يقتلون كل من يخالفهم الرأي، وما يحدث في مصر والجزائر دليل حي على أصالة هؤلاء القتلة أحفاد الأصولين الإسلاميين الأولى، التي شرعت سيوفها في رقاب البشر لنشر دعوتهم. هم أعداء الإنسانية، ويعانون من محنة عقلية وانفصام شخصي رهيب، لا يحلو لهم سوى العيش في الظلام بعيداً عن نور المدنية والحضارة. هؤلاء ما كانوا يغتالون البشر إلا بوجود سند ديني يستندون إليه في تنفيذ جرائمهم. إنهم يقتادون بنبيهم الذي أباح الاغتيال وقتل المرتدين، لقد تجرأ أحد المفكرين المسلمين وهو الأستاذ مصطفى جحا وتكلم عن محنة العقل في الإسلام. وهو عنوان أحد كتبه، فكان مصيره القتل والاغتيال، الذي هو سلاح الضعفاء والجبناء. مثل هذه الخسة لا يمكن أن تنسب إلا للشيطان مؤسس الإسلام الحقيقي والعامل بنشاط في نبيه وأتباعه منذ 14 قرناً وحتى اليوم وإلى أن تقوم الساعة ويأتي يوم المجازاة الرهيب.
تقول يا صديقي (الإنسان القوي لا يتنازل بسهولة عما يعتقده، لأن الشعور بالقوة يعمي البصيرة الخ) ما هذا يا صديقي الذي تقوله؟ فهل يعتبر الإسلام أن الإنسان الحر القوي عدو له ينبغي كسر قوته أولاً حتى يذعن للأمر الواقع ويقبل الإسلام مرغماً مقهوراً؟ إنه رأي إرهابي مكشوف لأن الشعور بالقوة يمنح للإنسان - حرية - أن يتقبل ما يشاء عقله قبوله من أفكار ومعتقدات، ومصادرة قوته عنه تسلب منه حريته حيث لا يبقى مجال للاختيار بل بالحري للإرغام والإذعان. أما قولك أنشعور الإنسان بقوته يعمي بصيرته ويصيب عقله بالغرور، فهذا يؤكد أن الإسلام يسعى إلى قهر الإنسان واستعباده وإلغاء معتقداته بحجة أنه قوي، وقوته تصيبه بالعمى والغرور فلا يعتنق الإسلام، لذلك يجب كسر قوته أولاً حتى يرضخ مستسلماً للإسلام؟!
إن العمى والغرور انطبق على الغزاة القتلة وليس أصحاب الأرض المسالمين، ثم من حق أي إنسان أن يكون قوياً حراً واثقاً بنفسه، يملك حرية إبداء الرأي والتعبير عنه. أم يريد الإسلام نوعاً من البشر الضعفاء مسلوبي القوة والحرية حتى يستعبدهم بدعوته ويرغمهم عليها؟!
اعلم يا صديقي أن القوة متى توافرت للإنسان فلن يقبل الإسلام أبداً ديناً وذلك ليس غروراً فيه، بقدر ما هو تصرف طبيعي يحتمه عليه الاختيار للأفضل. والإسلام لم ولن يكون الاختيار الأفضل للإنسان. إذ لا يمكن لإنسان مثقف متحضر يحترم عقله وضميره أن يعتنق الإسلام، وكل من ارتضى قبول الإسلام كان يعاني ضعفاً فكرياً أو نفسياً، ومن يتبع سيرة هؤلاء المسلمين الجدد يتأكد لديه هذه الحقيقة، وقد قُدر لي الاحتكاك ببعض هؤلاء المقبلين على الإسلام ليعتنقوه هرباً من جرائم ارتكبوها، أو سعياً لغنائم ينهبونها أو تطلعاً للزواج بأربع نسوة وتطليق زوجاتهم، تعددت الأسباب ولكن ليس من بينها الرغبة الصادقة في اعتناقهم الإسلام. عشت مع هؤلاء سنوات طويلة وأنا شيخ مسلم، وعشت معهم خمس سنوات متتالية وأنا مبشر مسيحي يسعى لإرشاد هؤلاء وإعادتهم إلى الحق الذي تركوه وسيأتي يوم أتكلم فيه عن هؤلاء الداخلين في الإسلام أفواجاً، سيكون ذلك في كتاب يحمل عنواناً (لماذا أسلم هؤلاء) من مذكرات مبشر خدم في مجال ربح النفوس الضالة وإعادتها إلى الإيمان. ليرى العالم سر هؤلاء وسر جاذبية الإسلام لهم، وكيف يرتدون عن الإسلام ويرجعون مرة أخرى إلى الحق الذي تركوه من أجل تحقيق أغراض دنيوية ليس لها أدنى صلة بالدين.
ويبقى أمامنا نموذج فريد في بطولة الإيمان واحتمال الأهوال حفاظاً على إيمانهم هو شعب الأقباط الأبطال الذي عانى من أشد أنواع الإضطهادات طوال تاريخه، سواء من الوثنيين، أو سواء ممن يخالفهم في عقيدتهم في المسيح، أو سواء من الوافدين الجدد من المسلمين الذي غزوهم واحتلوا أراضيهم وخربوا ونهبوا كنائسهم وأديرتهم، وحتى الراهبات العذارى تم اغتصابهن بوحشية من جنود المسلمين، وقد ابتلى الأقباط بالعنف الإسلامي منذ القرن السادس وحتى اليوم، بعدما حولهم الإسلام من مواطنين أصحاب البلد إلى مواطنين من الدرجة الثانية، ويحلو لهم تسميتهم بالأقلية أو أهل الذمة. وبقي الأقباط يدفعون الجزية للمسلمين قرون طويلة حتى تم إلغاؤها حديثاً وإن كانت ترتفع الأصوات حالياً بإعادتها. وقد كان تعداد الأقباط المستحق عنهم دفع الجزية حوالي 24 مليون قبطي، ثم ذبح ملايين منهم، ووصل الذبح إلى أديرة الرهبان التي كانت عامرة وعلى طول القطر المصري شماله وجنوبه، وتعرض الأقباط لمذابح مروعة، ولكن رغم ذلك بقوا محافظين على إيمانهم المسيحي، وحملوا الصليب بكل فرح، ولم يدافعوا عن أنفسهم بل حملوا كل الحب للمسلمين عملاً بوصية المسيح أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم.
وقد عجز السيف في اقتلاع جذورهم بعدما نجح في اقتلاع لغتهم القبطية من دواوين الحكومة، وبقيت اللغة القبطية داخل ما تبقى من الكنائس والأديرة، وحالياً تشهد اللغة القبطية إحياءاً كبيراً لها من قبل الكنيسة القبطية، ولا يزال حتى اليوم عصر الشهداء باقياً في مصر، رغم اختفائه من معظم بلدان العالم، لكن لا يزال يسقط شهداء الأقباط.
وفي ذلك تقول المصادر الإسلامية:
أمر الله الرسول بالعفو والصفح عن الكفار إلى أن يظهر الله دينه ويعز جنده، فكان أول العز وقعة بدر، فإنها أذلت رقاب أكبر الكفار بالمدينة وأرهبت سائر الكفار.
وتقول أيضاً:
إن الأمر بالصبر على أذى الكفار وبتقوى الله لا يمنع قتالهم عند الاستطاعة والمكنة. وإقامة حد الله عليهم عند القدرة.
وتقول أيضاً:
وتعلّمنا خبرة عصر النبوة متى نكف أيدينا، ومتى نجاهد وكيف نجاهد، وقد قدم المفسرون أسباباً عديدة لكف المسلمين عن القتال في تلك الفترة الباكرة من تاريخ الدعوة، لكن السبب الأساسي.. هو قلة عدد المؤمنين بالمقارنة بأعداد المشركين.
وقد يأتي القتل عليهم لو تعرضوا لقتال المشركين في صورة جماعية ذات قيادة حربية ظاهرة فشاء الله أن يكثر عدد المسلمين، وأن يتميزوا في قاعدة آمنة (بعد الهجرة، في المدينة المنورة) ثم أذن لهم بعد ذلك في القتال ، فلم يكن المجتمع الإسلامي الصغير قد استعد للقتال، وكان الدخول في أية معركة كفيلاً بتحطيمه واستئصاله، والنبي القائد هو القائل شر الرعاء الحطمة فما كان ليقود رعيته إلى التحكم أبداً، وكانت هذه هي سياسته الحكيمة على الدوام ، هل هناك خداع أبلغ من هذا؟
وفي وطني مثل شعبي شائع يصف هذه الحالة وصفاً بليغاً، إذ يقول المثل: يتمسكن لغاية ما يتمكن.
ويقال هذا المثل في الشخص المخادع الذي يتظاهر بالمسكنة والدعة وحينما يصير قوياً ينزع قناع المسكنة الزائف ويظهر وجهه الحقيقي الدموي. ومنذ ألفي عام - وقبل ظهور الإسلام بنحو ستمائة عاماً، قال السيد المسيح:
اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الحُمْلَانِ، وَل كِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!... مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.
إن الخداع مهما طال، فالحقائق حتماً سوف تظهر، وقد كانت حقيقة الإسلام خافية لمدة 13 سنة داخل مكة، ولكنها أظهرت بوضوح بعد الهجرة إلى المدينة بعدما سقط قناع الحملان وكشف عن أنياب الذئاب، التي كانت تتنكر في ثياب الحملان وقالت كلاماً معسولاً نذكر منه:
وَا عْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ (سورة المائدة 5: 13).
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بَمُصَيْطِرٍ (سورة الغاشية 88: 22).
وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ (سورة الأنعام 6: 106).
َإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة التغابن 64: 14).
هذا وغيره كثيراً قيل في مكة لمدة 13 سنة، وخرج من تحت ثياب الحملان، ولنرى الآن ماذا قيل بعد نزع ثياب الحملان وإعلان أنياب ومخالب الذئب:
وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً (سورة التوبة 9: 35).
فَإِذَا لَقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ (سورة محمد 47: 4).
قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ (سورة التوبة 9: 29).
جَاهِدِ الكُفَّارَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (سورة التوبة 9: 73).
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (سورة التوبة 9: 14).
وَأَنْزَلَ الذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ... فَرِيقاً تَقْتُلُونَ... وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ (سورة الأحزاب33: 25-26).
قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (سورة التوبة 9: 38).
بهذه المقولة الأخيرة وضحت الرؤيا أمامنا تماماً، واتضح هدف الإسلام، فهو يشن حرباً عشوائية ضد أهل الكتاب، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية أذلاء محتقرين، كما يقول شيخ الإسلام: أبن تيمية 125.
أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى - يسلموا - أو يدفعو الجزية صغاراً ونقمة لهم 126.
وهكذا انتهى عهد الحملان الزائف إلى غير رجعة، فكل ما قيل من مسالمة الأعداء قد تم نسخه بالبراءة التي أعطت الرخصة للإسلام بأن يقاتل أعدائه ويجاهد في سبيل نشر الإسلام بالسرايا، والغزوات والفتوحات، ومحاربة كل الناس المحاربين والمسالمين على حد سواء، وهذا ما تصرّح به المصادر الإسلامية:
إن النبي لم يكن يقاتل من كفَّ عن قتاله، كقوله تعالى:
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً 128.
إلى أن نزلت براءة وجملة ذلك أنه لما نزلت براءة أمر أن يبتدئ جميع الكفار بالقتال - وثنيهم وكتابيهم - سواء كفّوا عنه أو لم يكفّوا، أن ينبذ إليهم تلك العهود المطلقة التي كانت بينه وبينهم، وقيل له فيها:
جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 129 (125).
وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ. وقد قال النبي: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة فقتله.
ويشجع الإسلام الخداع والتظاهر بالمسالمة فيقول:
فمن كان من المسلمين بأرض هو فيها مستضعفاً أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله - من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، أما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
يا الله كيف يمكن نسب كل هذا الخداع إلى دين يدّعي أنه دين سماوي؟
كلا فهذا فكر إنساني انتهازي، ويسلك في سبيل ذلك مسالك ملتوية، ظاهرها يختلف عن باطنها، وأساليب الله غير ذلك البتة، فعندما يأمر الله بالسلام فهو لا يتراجع عنه ويستبدله بالقتال، إن مبدأ النسخ والتبديل هو أمر مرفوض ولا سيما لو كان استبدال السلام بالحرب، وحاشا لله أن يتراجع عن تعاليمه الصالحة وهل هناك أصلح من السلام؟ نعم الله ليس له أدنى صلة لا بالنسخ ولا حتى بالإسلام ذاته، إنما الإسلام وجد نفسه متورطاً، فهو أمر بالعفو عندما كان بدون جيوش حربية فلما صارت له هذه الجيوش أمر بالقتال. وحتى لا تكون تعاليمه متضاربة ومتناقضة اخترع مسألة الناسخ والمنسوخ، أي إلغاء الأحكام المتعارضة مع أهدافه بعد زوال المرحلة التي استعان بها بهذه الأحكام، والذي تم نسخه وإلغاؤه من الإسلام هو الحد الأدنى من تعاليم السلام والسماحة، وتم استبدالها بأحكام القتال بعد نسخ كل آيات السلم وجاءت بآيات البطش فيما يسمى - بالبراءة من الله - في بدء سورة التوبة، ونحن نسأل ضمائرهم: أي براءة هذه التي تجيز سفك دماء البشر بحجة مخالفتهم في الدين؟
إنها ليست براءة، بل إدانة سيعطون عنها حساباً يوم الحساب، يوم تصرخ الدماء البريئة التي سفكت ظلماً وعدواناً.. فدماء هؤلاء الشهداء سوف تدينهم يوم الدينونة العظيم - وما كلمة براءة هذه إلا محاولة لتخدير الضمير وتغييب العقل، إنها مجرد هلوسة دينية تعمي البصيرة وتصيب بالانفصام.
يقول الإنجيل:
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللّهِ؟ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى العَالَمِ
( 1 يوحنا 4: 1).
ومستحيل أن يخرج روح الإسلام الدموي من عند الله، لأنه رب السلام، رب المحبة، رب التسامح، رب الغفران. هذا هو الله الذي يعرفه كل البشر، وهو يختلف اختلافاً جوهرياً كبيراً عن رب الإسلام.
- عدد الزيارات: 16738