Skip to main content

بل إكراه في الدين

وإجابتي عليك يا صديقي أن إثبات عكس ما تقول لا يستدعي التحدي وإجهاد العقل، فالقرآن يورد العديد من الآيات الواضحة التي تؤكد وجوب القتال كوسيلة مشروعة لنشر الإسلام ومحاربة الكفار والمشركين والمنافقين حتى يكون الدين كله لله.. ليس ذلك بحسب بل وقتال المؤمنين أيضاً من أهل الكتاب حتى يؤمنوا بالإسلام، أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما يقول القرآن ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يدفعوا الجزية، صغاراً ونقمة لهم.

وسيرة الإسلام حافلة بقصص هذا القتال الذي بدأ بحملات مكونة من سرايا قليلة العدد كان من مهامها السطو على القوافل المارّة وسلب غنائمها، ثم تطورت السرايا إلى غزوات حربية بها أعداد أكبر من المحاربين، وسوف نشير إلى هذه السرايا والغزوات، وأخيراً الفتوحات وهي التطور والتوسع في مفهوم القتال وأهدافه.. ولنبدأ أولاً بتحريض القرآن للمسلمين على القتال واعتباره مكتوباً عليهم:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ (سورة البقرة 2: 216)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ (سورة الأنفال 8: 65)

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (سورة الأنفال 8: 39)

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا ا سْتَطَعْتُمْ مِنْ قُّوَةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُّوَ اللَّهِ وَعَدُّوَكُمْ (سورة الأنفال 8: 60)

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (سورة البقرة 2: 191)

فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ (سورة النساء 4: 76)

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ (سورة النساء 4: 84)

فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الذِينَ يَشْرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (سورة النساء 4: 74)

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (سورة البقرة 2: 190)

فَإِذَا لَقِيتُمُ الذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ (سورة محمد 47: 4)

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (سورة النساء 4: 89)

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ (سورة البقرة 2: 193)

وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً (سورة التوبة 9: 36)

فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ (سورة التوبة 9: 12)

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ (سورة الأنفال8: 12-13)

أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ (سورة التوبة 9: 14)

َاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (سورة التوبة 9: 5)

قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ... وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (سورة التوبة 9: 13)

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (سورة البقرة 2: 244)

جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ (سورة المائدة 5: 33).

ولم يقتصر القرآن على التحريض بقتال الكافرين فقط، بل تعداه التحريض على قتال المؤمنين من أهل الكتاب اليهود والمسيحيين وذلك من قوله:

قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (سورة التوبة 9: 29).

وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (سورة التوبة 9: 29).

ليس قتالهم بحسب، بل تعداه إلى نهب ممتلكاتهم وسلب أراضيهم وسبي نساءهم وأولادهم، وذلك من قوله:

وَأَنْزَلَ الذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ (سورة الأحزاب 33: 26 و27).


ويقول الإمام مسلم:

قسم رسول الله أموالهم ونساءهم بين المسلمين -

ويقول القرآن في تصوير هذا الاعتداء الظالم:

هُوَ الذِي أَخْرَجَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ وَلَوْلاَ أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ (سورة الحشر 59: 2-4).

وبدون حساسية يا صديقي ألا ترى معي صعوبة تقبّل العقل والضمير معاً أن يكون مثل هذا الاعتداء الوحشي وهذا السلب هما تعاليم دينية من عند الله؟

أنت يا صديقي ادّعيت بأن الإسلام لم يعتد على أحد، ولم يسلب مال احد، ولم يسفك دماء أحد، ولم يسب النساء والغلمان، فكيف يتفق هذا مع واقع القرآن والسيرة؟ وهما زاخرين بمثل هذه الجرائم الخطيرة في حق البشرية لا شيء سوى لمخالفتهم في الدين.

وهل هذا سبب كاف لسفك دمائهم ونهب بيوتهم وأراضيهم وسبي نسائهم؟

لقد بدأ الإسلام دعوته سلمياً، ولم يكن سلاماً نابعاً من قوة، بل كان سلاماً ظاهرياً تمليه عليه حالة الضعف والوهن الذي كان عليه قبل اتجاهه للقوة والإعداد للحرب القتالي. وهذا أسلوب بشري صرف وليس له أدنى صلة بأساليب وتدابير الله الذي ليس من مشيئته قهر الشعوب بل إقناعهم ، والاقناع لا يتم بالسيف بل بالكلمة - وقد حاول الإسلام التشبه بالرسالات السماوية فبدأ بالكلمة.. لكنه لم يأت بتعاليم جديدة تجذب الناس إليه - وظل لمدة تزيد عن عشر سنوات دون أن يحقق أي نجاح في انتشار دعوته بين الناس - ولولا حماية عمه أبو طالب وزوجته خديجة ما كان النبي صاحب هذه الدعوة استطاع البقاء طوال هذه السنين. وهي عوامل بشرية لا تمت للتأييد الإلهي بأدنى صلة فتقول المصادر الإسلامية:

كان أبو طالب والسيدة خديجة خير عون لرسول الله وكان لهم فضل حمايته من كثير مما يتعرض له وقد اعترف النبي بهذه الحماية البشرية حينما قال:

ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب.

ومعلوم تماماً أن الله هو الوحيد المتكفل بحماية رسله - الله وليس خديجة وأبو طالب، فلو كان محمد آتياً من عند الله لكان حماه الله - لكن هناك عوامل بشرية ساعدت النبي على انتشار دعوته:

ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه.

وأن إسلام عمر كان فتحاً وأن هجرته كانت نصراً.. ولقد كنا ما نصلي الكعبة حتى أسلم عمر.

كان إسلام أبي بكر تعضيداً للنبي وأمراً هاماً بالنسبة للدعوة الإسلامية... وعلى يد أبي بكر آمن عدد من الرجال ممن كان لهم دور بارز في التاريخ الإسلامي وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وطليحة بن عبد الله.

وعندما أرادت قريش نهي النبي عن ما يدعو إليه والتحرش به لإيذائه تدخل عمه أبو طالب لما كان له من نفوذ وقوة ومنع أي إيذاء عن النبي وحدث أن القريشين سألوا النبي عدة أسئلة دينية للتأكد من صدق رسالته لكن النبي ارتبك ولم يتمكن من الإجابة مباشرة.

مما تأكد لسائليه أنه ليس نبياً بل مدعي النبوة وليس له رسالة دينية حقيقية ولا علم له بالأديان، لذلك تصلب موقفهم الرافض لدعوته أكثر، نتج عن ذلك أنهم تحرشوا بأتباع محمد المسلمين الجدد وكانوا قلة آنذاك - ولم يقدروا إلا على العبيد والموالي منهم، وتركوا الأقوياء والأثرياء أصحاب النفوذ، وبالطبع لم ينالوا من محمد خوفاً من عمه أبي طالب، وخوفاً من عشيرته بني هاشم.. ولم يقدم العون للمسلمين الأوائل إلا المسيحيون!

نعم المسيحيون الذين قاتلهم الإسلام فيما بعد! وهو موقف عجيب يدعو للتأمل وكان الإسلام آنذاك يقول عن المسيح إنه كلمة الله وروح منه - وإنه منفرد بقدرته على الخلق وإحياء الموتى والعلم بالغيب وتفتح أعين العميان وشفاء البرص الخ. ولم يكن قد تجرأ بعد ويعلن هذه الفرية - إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب. لذلك رأينا المسيحيين متمثلين في شخص النجاشي ملك الحبشة العادل، الرحيم، المؤمن بالمسيح يرحب باستضافة هؤلاء المسلمين، الهاربين من بطش قريش ويحسن إليهم وهو موقف نبيل وذو فضل من المسيحيين على المسلمين ، لكن من يذكر ذلك؟ إن المسلمين يتغاضون عن عرفانهم للمسيحيين ويقولون عنهم أنهم كفار مشركين بالله لا بد من قتالهم حتى يتركوا المسيحية ويسلموا أو يعطوا الجزية صغاراً نقمة لهم! لم يكن يدرك الملك المسيحي أن هؤلاء الذين مدّ لهم يد العون والرحمة سوف ينقلبون على دينه ويحلون دم أتباعه، فلقد بالغ في إكرام المسلمين وله موقف كريم جداً مع النبي، لما دفع مهر عروس محمد أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت متزوجة من عبد الله بن جحش الذي كان وثنياً - ثم صار حنيفاً من أتباع ملة إبراهيم - فلما جاء محمد بدعوته صار مسلماً، وهاجر هو وزوجته إلى الحبشة واهتدى إلى المسيحية، وثار النبي وطلب زوجة عبد الله ليتزوجها هو، ولم يمانع ملك الحبشة المسيحي، ولم يتدخل لإرهاب أم حبيبة ولم يكرهها على المسيحية، بل أكرمها ووفر لها الرعاية الكافية، وأعادها إلى النبي سالمة مكرمة وتزوجها النبي. تحية لهذا الملك المسيحي العادل الذي بسلوكه الكريم هذا يوضّح الفرق ما بين تعاليم السماء المنادية بالمحبة والسلام واحترام حرية الإنسان وما بين التعاليم الأرضية البشرية التي تنادي بالبغضاء والاقتتال وإلغاء حرية الإنسان بحجة أنه لا دين غير الإسلام، ولا بد من محاربة غير المسلمين حتى يسلموا أو يعطوا الجزية صغاراً ونقمة لهم.


كان الإسلام حتى ذلك الوقت (قبل الهجرة إلى يثرب) لم يكن قد شرع القتال كوسيلة مشروعة لمحاربة غير المؤمنين به، ولنشر دعوته وللدفاع عن أتباعه، ولم يكن يملك آنذاك سوى الكلمة. ولأنها لم تكن مؤيدة من الله فلذلك لم تكون قوية ولم تستطع النفاذ إلى عقول وقلوب الناس، التي لم تر في هذه الدعوة إلا كلمات مبهمة مسجوعة لها رنين، لكنها من داخل خاوية من أي معنى ديني، والسجع والشعر والنثر لا يهدي البشر ولا يصنع ديناً - لذلك كان رفض قريش لهذه الدعوة رفضاً قاطعاً وكانوا على درجة من الوعي يميزون بها ما هو أتٍ من عند الله وما هو آتٍ من اختراع البشر، لذلك أعلنوا رفضهم لدعوة محمد، مما جعله يفكر في نقل ميدان دعوته بعيداً عن قريش، وبعيداً عن مكة بأسرها فذهب ومعه مولاه زيد بن حارثة إلى الطائف يلتمس من أهلها الحماية - ويدعوهم إلى نصرته... وطالبهم بالاتحاد معه لمقاتلة مخالفيه! فردوا عليه رداً غير كريم، حتى قال احدهم: أنه سيسرق ثياب الكعبة إن كان الله قد بعثه!؟ وقال آخر: أَعَجز الله على أن يرسل غيرك؟

وألقوه بالحجارة حتى أدموا رجليه... إلى أن رق أحدهم وأعطاه عنقوداً من العنب! ولم يستطع دخول مكة إلا في حماية ابن عدي.

ولم ييأس النبي وحاول دعوة القبائل أثناء موسم الحج لكن رفضت دعوته ومُني بالفشل الذريع.

كان للناس آنذاك حرية الرفض فرفضوا، وعندما سلبهم سيف الإسلام هذه الحرية أذعنوا!؟ فعندما يعجز العقل على الإقناع يتولى السيف عمله، فالعقل والاقناع بالحوار أشياء صعبة ومكلفة.. لكن ما أسهل إكراه الناس بالسيف؟ فهؤلاء يرفضون قبول هذا الدين بالكلمة فلا بديل سوى استعمال السيف لإرغامهم بقبول هذه الدعوة التي فشلت في جذب الناس إليها على مدى 13 سنة، نعم 13 سنة وهو يدعو الناس لدخول الإسلام بلا فائدة - ولم تحصد هذه الدعوة إلا الخذلان والفشل والهوان، فلماذا لا يجرب استعمال القوة لإكراه هؤلاء الرافضين الساخرين منه ومما يدعو إليه؟

لكن كيف يحصل على هذه القوة؟ وقريش معاندة لدعوته؟ لا سبيل آخر سوى أن يتم عمل تحالف حربي بينه وبين أناس من خارج مكة. وهكذا كانت بيعة العقبة - التي تم فيها عمل التحالف السري تحت جنح الظلام مع وفد من يثرب جاء إلى مكة ليؤدي مناسك الحج، وتمت المؤامرة وأناس مكة نيام. وكان هذا الوفد مكوناً من الخزرج والأوس من أهل المدينة يثرب وكانوا يحقدون على اليهود أثرياء المدينة، ويبغون التخلص منهم، وقد قال لهم النبي:

الدم! الدم! الهدم! الهدم! أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتهم! - ومن العجيب في الأمر أن يتوسط في إتمام هذا الحلف السري هو عم النبي الوثني (العباس)، نبي مرسل من عند الله يتآمر على شعبه تحت جنح الظلام ويكون وسيطه العباس عابد الأصنام! لقد كان لهذه البيعة تأثير عظيم في بنيان القوة الحربية للإسلام وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الدعوة الإسلامية وهي مرحلة الانطلاق لبناء الدولة الإسلامية في ظل من الحماية والمنعة من أهل المدينة كما أن أرضهم سوف تصبح أرض إسلام، وترتب على ذلك أن سمح النبي بالهجرة للمسلمين من مكة إلى المدينة والتي كان بها أكبر تجمع لليهود، وكانوا ينقسمون إلى ثلاث قبائل رئيسية: 1 - بنو قينقاع 2 - بنو النضير 3 - بنو قريظة. واستطاع النبي أن يهادن اليهود ويصنع معهم سلاماً مؤقتاً حتى يفرغ من إعداد جيشه الحربي الواعد، ثم يلتفت إليهم ويقاتلهم وينهب ممتلكاتهم ويستولي على أراضيهم بعدما يطردهم منها وهو المعروف _ بالإجلاء - وسوف نشير إليه في حينه.. وبدأ عصر تكوين السرايا الحربية.. كان من مهام هذه السرايا السطو على قوافل قريش التجارية وسلب غنائمها لتمويل نفقات الجيش والمقاتلين المرتزقة الطامعين في الثراء السريع وسفك دماء الآمنين.. وهذه السرقة - الغنائم أمر محلل في الإسلام وَمَغَانِمَ كَثِيرةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ.

فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً.

وبالطبع كان للنبي حق معلوم من هذه الغنائم:

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ.

وليس الغنائم فقط بل والأنفال أيضاً، وهي الأموال التي يتم الاستيلاء عليها بدون قتال كأن يتركها أصحابها ويفروا بحياتهم.. هذه الأموال حق خالص للنبي: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.

وطبعاً الله لم يقسم مع النبي هذه الأنفال، فكان النبي يستولي عليها كلها لملذاته وإعداد جيشه - هكذا أصبحت السرقة والسلب والنهب أموراً مشروعة وحلالاً للمسلمين؟ ألم يحن الوقت ليستيقظ المسلمون من سباتهم الطويل؟ كيف تتقبل ضمائرهم هذه الجرائم الأخلاقية التي ينهى عنها الله؟ الله الذي يتباهون أنهم فقط الذين يعرفونه حق المعرفة، بالطبع يتبعون إلهاً آخر غير الذي نعرفه، فالله الذي نعرفه ينهى عن قتل الناس وسرقتهم وسبي نسائهم واغتصابهن. الله قدوس، وديع، مترفق، ينبوع رحمة وسلام، هذا هو الله الذي عرفه البشر، وهو غير الله الذي يعرفه محمد وأتباعه.. فإلههم سفاح ماكر متحجر قاس.

ظل النبي يدعو بالكلمة 13 سنة لكن فشلت دعوته وها هو السيف يحسم الموقف وينجح فيما فشل فيه العقل. وعمل سيف الإسلام في رقاب البشر والاستيلاء على ما معهم من مال ومتاع خاص بهم. تماماً كما كان يفعل قراصنة البحار، وقطاع الطريق مع فرق أن المسلمين أضفوا على فعلهم مسحة دينية وزجوا باسم الله في جرائمهم. والعجيب أن المؤرخين المسلمين لا ينكرون هذا ويعطونه أسماء براقة مبهمة وأطرف ما قيل: إنها كانت حرباً اقتصادية بين النبي والكفار من قريش! ويقول أحدهم: أخذ النبي... يترصد قوافل قريش كنوع من الحرب الاقتصادية، إذ أن عماد الحياة في قريش في تجارتها - وقوافلها التجارية - فإذا ما أصيبت قريش في تجارتها سهل على النبي إخضاعها ونشر الإسلام في القبائل العربية، وبذلك بدأت فترة من المعارك بين النبي صلعم،)لاعم( وبعضها غزوات وهي التي شارك فيها النبي.


ويقول آخر:

قلنا أن القتال المشروع لا بد أن يكون في سبيل الله، لأن الدين هو القيمة الأعلى التي يقاتل المسلمون دفاعاً عنها... لكن الإسلام لا يمنع أن توجد بواعث أخرى من حظوظ الدنيا، على نحو ثانوي، إلى جانب الباعث الديني، لأن كثيراً من البشر لا يستطيعون الوصول إلى ذلك التجرد المطلق الذي يتطلبه الإخلاص في صورته الكاملة. والإسلام يأخذ قدرات الإنسان في الاعتبار، ولهذا أحل الله تعالى الأنفال، وأحل صاحب الشريعة للمقاتل أن يأخذ - السلب - ممن يقتل من رجال العدو (من قتل قتيلاً فله سلبه).. وخمس الأنفال يأخذها النبي، وإعطاء السلب - الخاص بالقتيل لمن قتله يشبه الأنفال، لأنه يقوي (الترغيب في مصالح القتال ، فهو من - الوجهة النفسية - ينشئ باعثاً إضافياً إلى جانب الباعث الديني.

ثم يدافع عن مشروعية الاستيلاء على مال الغير قائلاً:

إن أحداً لم يحرم أخذ الأنفال أو السلب أو الغنائم أو الجزية أو الخراج فالقرآن أباح ذلك والنبي نفسه أعطى الأنفال بيده الشريفة وأخذ نصيبه من الغنائم. وكانت أول سرية أرسلها النبي مكونة من ثمانين مقاتلاً وبعدها توالت السرايا، وتورطت إحدى هذه السرايا في القتال أثناء الشهر الحرام - المحرم فيه القتال كعادة العرب، ولكن النبي عالج المشكلة وادعى أن الوحي أحل له القتال في الشهر الحرام (سورة البقرة 2: 217) وحانت له فرصة ذهبية للإستيلاء على أكبر وأضخم غنيمة، فتقول المصادر الإسلامية:

كانت الأنباء قد بلغت النبي... عن طريق العيون والجواسيس أن قافلة ضخمة محملة بالمتاجر يقودها أبو سفيان قد أقبلت من الشام، وقد وجدها النبي فرصة سانحة للقضاء على هيبة قريش، فضلاً عن حرمانها من أموالها وبضائعها. ومن ناحية أخرى سيجد المهاجرون الذين تركوا أموالهم وعقارهم بمكة تعويضاً لهم مما فقدوه ومن ثم استحث النبي أصحابه للخروج لمقابلة القافلة والاستيلاء عليها. يقول ابن اسحق: إن الرسول عندما علم أن أبا سفيان مقبل من الشام في قافلة لقريش عظيمة فندب المسلمين إليهم وقال:

هذه قافلة قريش فيها أموالهم فأخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها أي يجعلها غنيمة لكم

وتوالت السرايا والغزوات وكثرت الثروات في يدي النبي.. وصار له جيش قوي، فاستدار إلى أهل الكتاب ليتخلص منهم ولا سيما اليهود كما سبق ووعد بذلك في بيعة العقبة، وبدأ يعرض الإسلام عليهم - فرفضوا بالطبع - فكان البديل جاهزاً، إنه السيف، وليس سواه وعمل مذبحة مروعة يصفها القرآن كالآتي:

وَأَنْزَلَ الذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتأْسِرُونَ فَرِيقاً.

واستولى النبي على ممتلكاتهم وسبى نساءهم وأولادهم وقام بتوزيعهم على المسلمين مما اضطر بعضهم إلى إعلان إسلامه هرباً من القتل والأسر. وقال النبي مقولته الشهيرة:

لا يجتمع بجزيرة العرب دينان وقال أيضاً - لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً.

وهكذا كشف الإسلام عن حقيقة دعوته وأهدافه.. فهو يدعو إلى إلغاء كل الأديان السابقة عليه، حتى لا يبقى إلا هو فقط، واستطاع اقتلاع أتباع هذه الديانات من جذور أراضيها وأوطانهم العربية، لكنه بالطبع لم يستطع أن يمحو أهل الكتاب من الوجود، فهذا شيء أكبر من أن تقوم به أي قوة بشرية مهما كان جبروتها، فكم نزل على أهل الكتاب من ويلات وكم جرت لهم من مذابح حصدت الملايين فيهم.. رغم ذلك لم ينجح أحد في محوهم من الوجود لأنهم مؤيدون من عند الله. وها هم رغم ما تعرضوا له، سادة العالم وأرقى وأقوى شعوب العالم قاطبة، لأن الذي يأتي من عند الله يثبت ويبقى ويزدهر، وما يأتي من عند غير الله يتلاشى ويضمحل، وهو ما نراه بوضوح في ديار وشعوب المسلمين.

وبدأ الإسلام بعد إجلاء اليهود من ديارهم يصفّي خصومه، سواء بالقتال الحربي أو حتى بالاغتيال والغدر، وكما هو معروف فالاغتيال شيء بغيض وفعل خسيس لا يقوم به إلا القتلة المجرمون. ولا يمكن أن يكون نبياً من عند الله يتصف بهذه الصفة لكن نبي الإسلام أباح الاغتيال وأهدر دماء خصومه نذكر منهم:

كعب ابن الأشرف اليهودي أبا عفك اليهودي، ابن الأخطل، أنس بن زينم، النصراني، أبا سفيان بن الحارث، الحويرث بن تفيد، عقبة بن أبي معيط، كعب بن زهير، ابن أبي الحقيق، الأسود العبسي، وغيرهم كثيرون.

ولم يقتصر النبي على اغتيال الرجال بل تعداه باغتيال النساء أيضاً! نذكر منهن:

السيدة العصماء بنت مروان الحطمية، السيدة سارة مولاة عمرو بن هاشم، السيدة هند بنت عتبة بن ربيعة، وفتاتي أبي الأخطل وغيرهن كثيرات 40.

وهكذا يا صديقي تفوح رائحة الدم والغدر من قصة الإسلام الذي تدعي أنه دين السلام! فأي سلام هذا يا صديقي الذي تعنيه؟ وإذا كان أمر القتال مرفوضاً، فكم وكم يكون الرفض للإغتيالات الغادرة؟ فالاغتيال فعل كريه، ومن يأمر به يتصف بالخسة وهي صفة قبيحة لا تليق بصفات الأنبياء.. فما بالك بنبي الإسلام الذي يقول المسلمون عنه أنه سيد بني البشر وخاتم المرسلين ونبي الهدى للعالمين!؟

أخيراً استطاع النبي غزو مكة بعد إعداد حربي في يثرب دام ثمانية أعوام على رأس جيشه القوي الذي تم إعداده بشكل جيد، والذي اكتسب خبرات قتالية نتيجة كثرة غزواته السابقة انطلاقاً من يثرب، وقد أصبح تعداد الجيش الآن اثني عشر ألف مقاتل، وهو عدد ضخم بالنسبة لإمكانيات قريش الحربية.. وعمل سيف الغزاة في رقاب المكيين، ولم ينقذهم سوى توسل أبي سفيان للنبي ، وبعد غزو مكة خيَّر النبي ما تبقى من سكانها ما بين الإسلام والقتال ولا ثالث ونهى النبي أهل قريش من تأدية مناسك الحج والطواف لأنهم نجس وما لم يسلموا أولاً وعلى الفور ادعى النبي أنه أوحي إليه قائلاً.


إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا.

وبعدما قام النبي بغزوة حنين وغنم غنائمها ولم يكتف بذلك، فشهوة القتل وسفك الدماء كانت متأصلة فيه، وحبه للمال والغنائم لم يكن له حدود، فقام بغزوة ثالثة هي غزوة تبوك 46 (42) وأجبر أهلها على دفع الجزية - الإتاوة بلغة العامة، وشاء الله أن تكون هذه الغزوة آخر غزواته التي شارك فيها، وكان قد أعد جيشاً ضخماً لغزو سوريا - الشام - ووضع فيه كبار صحابته السفاحين، ولكنه مات مسموماً، إذ وضعت امرأة يهودية السم له في ذراع الشاة بعد شيها ليأكلها. وهكذا لم ير بنفسه فتح الشام الذي كان من أعظم أمانيه بعد إخضاع الجزيرة العربية لدعوته. وبعدما هزم القبائل العربية المسيحية، وأراد التوسع والخروج تجاه البلدان الأخرى لا سيما الشام الذي عجز عن فتحه من قبل بعدما أرسل لها جيشاً فيما عرف بغزوة مؤتة. وقد هزم جيشه هناك فأراد الإنتقام لقتلاه من الغزاة لكنه مات بعد تجهيز هذا الجيش، وتزلزت الجزيرة العربية ووجدت القبائل فرصة للتحرر من سطوة النبي فأعلنت خلع نير الاستعباد الذي فرضه عليهم محمد بسيفه المسلول وأعلنت الارتداد عن الإسلام الذي أُكرهت عليه. ولو كانوا قبلوا الإسلام عن اقتناع كما يدعي المسلمون فلماذا ارتدوا بمجرد موت النبي؟ إن الإسلام لا يملك وسائل الإقناع بل يملك سيفاً، والسيف لا يصنع ديناً.. قد يصنع إرهاباً وبطشاً مؤقتاً، ومتى اختفى السيف تعود الناس وتعلن العصيان والتمرد وتطالب بحقها أن تعتنق ما تشاء من أديان. وهذا ما حدث تماماً فور موت النبي. وتصف السيدة عائشة زوجة النبي ما حدث فور موت زوجها قائلة:

ولما توفي رسول الله - ارتعد العرب - واشرأبت اليهود والنصرانية، ونجم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، حتى جمعهم الله على يد أبي بكر.

ترى ماذا فعل أبو بكر لتجميع هؤلاء؟ هل دعاهم بالحسنى في العدول عن ارتدادهم؟ هل تحاور معهم سلمياً؟ لا لم يفعل ذلك البتة، بل فعل كما فعل النبي معهم أول مرة حينما أخضعهم ببطش السيف.. وهكذا عاد سيف الإسلام يحصد هؤلاء حصداً لا هوادة فيه، لقد كان ارتداد العرب شاملاً وقد أخذت هذه الردة ثلاث صور:

أ - ارتداد كامل عن الإسلام

ب - امتناع عن دفع الزكاة والصدقة

ج - اتساع حركة المتنبئين.

وحاول بعض الصحابة العقلاء التفرقة بين من ارتد عن الإسلام وبين ما بقي مسلماً لكن امتنع عن دفع الزكاة والصدقة اللذين كانا يدفعانها مكرهين للنبي، لكن أبا بكر رفض ذلك وقاتل المسلمين أنفسهم حتى يعودوا ويدفعوا ما كانوا يدفعونه للنبي، وهو ما يؤكد أن الباعث الديني لم يكن موجوداً إنما بواعث الدنيا وأطماعها، لذلك قال أبو بكر:

والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقاً أو عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها.

وها نحن نرى مرة أخرى عمل السيف في تقوية مركز الإسلام، فهو الحل السهل والعلاج الحاسم الذي يواجه به الإسلام مشاكله.. وكان أبو بكر الصديق - أول الخلفاء الذين تولوا قيادة المسلمين بعد رحيل النبي - وهو من المسلمين الأوائل الذين تبعوا محمداً، وكان من المقربين له.. وقد ارتضى أبو بكر لأجل المصالح الدنيوية وكسب ود النبي ومشاركته في المغانم أن يزوج ابنته عائشة وكانت طفلة صغيرة وقد خطبها النبي وعمرها 9 سنوات وتزوجها وهي في الحادية عشرة من عمرها! فهي جريمة إنسانية أخرى ممن ارتكبها النبي وما أكثرها، وقد أعمت المصالح عين أبي بكر فألقى بطفلته الصغيرة عائشة في أحضان النبي وهو في مثل عمر أبيها، محب للنكاح كما كان يعلن ذلك بلا خجل، وبهذا الزواج الصفقة احتلّ أبو بكر مكانة مرموقة عند النبي، أهّلته ليقود المسلمين بعد النبي. وكان شأنه شأن النبي وبقية الصحابة متعطشاً للدماء ومحباً للمال والشهوة ولا يعرف الرحمة، فقاد مذابح مروعة ضد العرب المرتدين وحصد الآلاف منهم، وكان قد أعد عشرة جيوش لإتمام هذا الغرض ومعاركه الداخلية لم تمنعه من إيفاد الجيش الضخم الذي أعده النبي لغزو الشام بقيادة - أسامة. ليس ذلك فحسب بل واستطاع أيضاً محاربة الفرس، وهكذا كان يقاتل على ثلاث جهات قتالاً عنيفاً، وداخلياً استطاع إخضاع المرتدين بعدما حصد عدداً هائلاً منهم وجرت دماؤهم كالأنهار.

ولم تمض سوى عدة أشهر حتى تمكنت جيوشه من إعادة توحيد شبه الجزيرة العربية والدخول في طاعته.

وخارجياً حارب العراقيين والفرس والشاميين ودارت معارك رهيبة سفكت فيها الدماء بحجة الدفاع عن الإسلام ونشره في البلدان. ومن المضحك المبكي أن يدّعي أحد المخبولين في عقولهم وهو الأب الروحي للإرهابيين الجدد من المسلمين (الجماعات الإرهابية الإسلامية) أن مجموع ضحايا حروب المسلمين لا يزيد عن ألف وبضع مائة رجل من كلا الجانبين طبعاً محنة عقلية شاذة وتزييف فاضح للتاريخ والحق، إن مثل هؤلاء معزولون تماماً عن العالم المتحضر، وذهب أبو بكر، وجاء سفاح آخر هو الخليفة الثاني: عمر بن الخطاب، الذي شهدت خلافته غزو العديد من البلدان وكل غزوة لها ضحاياها، ففي عهده استولى على بلاد الفرس وبلاد الشام والقدس 55 ومصر وليبيا.

حتى اقتصّت منه العدالة الإلهية وتم قتله بيد أبي لؤلؤة المجوسي.

وبدأت الصراعات تدب بين الصحابة أنفسهم طمعاً في الزعامة والسلطة المتمثلين في الخلافة - وتآمروا بعضهم على بعض، فقام المسلمون بقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وهو شخصية بارزة في التاريخ الإسلامي، فكان يكتب الوحي للنبي، وهو الذي جمع القرآن، وانفرد بزواجه من ابنتي النبي السيدة رقية والسيدة أم كلثوم، لذلك عرف عنه - بذي النورين! لأنه تزوج اثنتين من بنات النبي! وقد قال النبي: لو كان لنا ثالثة لزوجناك إياها! وقال عنه أيضاً: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي في الجنة عثمان رغم كل هذا، اغتاله المسلمون بمباركة الخليفة الرابع الإمام علي، وهو ابن عم النبي وكان عليه مراعاة علاقة عثمان بالنبي، لكنه كان يغار منه، وثارت عائشة زوجة النبي وتآمرت مع معاوية ضد علي بن أبي طالب وخرجت ومعها الصحابيان طلحة، والزبير على رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل، وأعلنت الحرب ضد علي انتقاماً لمقتل عثمان، وجرت موقعة حربية معروفة في التاريخ الإسلامي بموقعة الجمل، وسبب تسميتها بهذا الاسم أن الجمل الذي كانت تمتطيه عائشة زوجة النبي أصيب بسهم وسقط وسقطت زوجة النبي من عليه، وكادت تُقتل، ولكنها وقعت أسيرة، زوجة نبي المسلمين تقع أسيرة في يد خليفة المسلمين، وقتل الصحابيان اللذان كانا معها، وتم تدمير جيشها، وبعد ذلك أُطلق سراحها وعادت إلى مكة كسيرة منهزمة. وأين هي هيبة النبي التي كانت في حياته بعد موته حتى تُهان زوجته هكذا؟ لكن ما يزرعه الإنساه إياه يحصد - وانشق عن المسلمين جماعة قوية تُدعى - الخوارج - التي قررت اغتيال الخليفة علي واغتيال معاوية واغتيال عمرو بن العاص، وذلك ليستريح المسلمين منهم، وقتلوا علي بن أبي طالب بينما نجا معاوية بن أبي سفيان من القتل وأصيب فقط وأما عمرو بن العاص فقد قُتل بدلاً منه قائد الشرطة خارجة بن حذاقة. وبعد اغتيال علي بن أبي طالب على يد المسلمين كما اغتيل عثمان بن عفان على يد المسلمين ايضاً، تولى الخلافة معاوية بن أبي سفيان وهو من عتاة الإجرام والإرهاب وتاريخ خلافته حافل بالمآسي في حق الشعوب والإنسانية. فعلى عهده شن حروب طاحنة لأجل نشر الإسلام في البلدان. وسفك دمائها وقد بلغت جيوشه حتى قبرص، وفرض عليها الجزية، وكذلك فتح كل شمال أفريقيا، ومات أخيراً بعد أن قتل مئات الآلاف من البشر ومعظمهم من المسيحيين. فمعظم البلاد التي خربها الإسلام وغزاها كانت بلدات مسيحية، لأن المسيحية كانت قد انتشرت في كل ربوع الأرض، وكان الشرق المسيحي له نصيب وافر من هذه المحن والاعتداءات قد أخضعها الإسلام تحت سيطرته وضرب عليها الجزية.

مات معاوية، وورث ابنه الخلافة، وكان يزيد بن معاوية عربيداً ماجناً، تآمر على الحسين بن علي بن أبي طالب - الذي كان يرى أحقيته في الخلافة بدلاً من يزيد. ولكن يزيد أمر بقتله فقُطعت رأسه ورؤوس أتباعه ومؤيديه، وتم إرسال هذه الرؤوس المقطوعة إلى الخليفة في قصره كهدايا، ومعهم بالطبع السبايا من النساء. وهذا أثمن الأشياء عند خليفة المسلمين، الدم، الجنس، المال، هذا هو تراث الإسلام وهذا هو تاريخه، تاريخه المجرد بدون تجميلات وتهذيبات، قد يستطيع المسلمون خداع العالم اليوم بأن دينهم دين المحبة والسلام والنقاء، وقد يخدعون البسطاء لكن أبداً لن يخدعوا الذين قدر لهم بالاطلاع على تاريخ الإسلام وكشف زيف دعواه.

هذا الخليفة - خليفة المسلمين - وأمير المؤمنين - أرسل جيوشه للهجوم على مدينة النبي المدينة المنورة! كما يدعوها المسلمون، واقتحم جنوده المسجد الذي يرقد جثمان النبي بداخله لتبول خيولهم عليه!!، وقام جيش خليفة المسلمين بذبح المسلمين! واغتصاب نسائهن!! هكذا كان المسلمون يأكلون بعضهم البعض!! وزحف جيش أمير المؤمنين تجاه مكة بعد أن خربوا مدينة النبي وألقوا النار على الكعبة - بيت الله الحرام كما يدعي المسلمون، وقامت جيوشهم بهدم وحرق هذه الكعبة بعد أن ألقوها بالحجارة والنار.

فأين هو الدين من كل هذه الصراعات والموبقات؟ أنه تاريخ دموي وليس تاريخاً دينياً، والدين من كل هذه التجاوزات براء. والتاريخ العسكري العادي لا يخلو من فروسية وبطولة في الدفاع عن تراب الوطن من المعتدين لكن التاريخ العسكري للإسلام لم تكن له أي أمجاد بطولية، فهو لم يخض حرباً دفاعية واحدة.. بل كانت معاركه كلها عدائية تستهدف البلدان الخارجية لغنم ثرواتها وفرض الجزية عليها، فبدأت جيوش المسلمين في غزو مصر وليبيا وقبرص ورودس وكل شمال أفريقيا منذ عام 634 م، حتى 638 م، ثم غزو مصر وليبيا عام 711 م، وزحفوا حتى جنوب فرنسا لكن أوقف الملك شارل مارتل زحفهم تجاه اوروبا الغربية بعد معركة بواتيه عام 717 م. ولولا ذلك لكان المسلمون غزوا كل أوروبا. وظل زحفهم يغزو صقلية وسردينيا وكورسيكا حتى عام 809 م، بل وزحفوا حتى حدود روما عام 935 م بعد غارات طويلة بدأت منذ 868 م، حتى اضطر البابا جون الثامن (872-883) بأن يشتري السلام لقاء دفعه مبلغ 25000 قطعة فضية، وقام المسلمون كذلك بغزو بلغاريا، ثم زحفوا اتجاه القسطنطينية واحتلوها نهائياً عام 1453 م وكذلك قاموا بغزو أرمينيا والمجر وكرواتيا ومولدافيا وبولندا حتى عام 1503 م وزحفوا تجاه النمسا وقاموا بمحاصرة فينا عام 1529.


فأين ادعاءات المسلمين بأن إسلامهم لم ينتشر بحد السيف؟

ألا يكفيهم كل هذه البلدان التي غزوها بحجة نشر دينهم، وكأن العالم كله وثني بحاجة لنشر دين جديد. وليته أي دين، بل دين العنف والسلب، هل كان يظن هؤلاء البربر أن أوروبا المسيحية ستترك مسيحيتها وتتبع دينهم؟ إن أي دين ينشر بالفتوحات العسكرية ليس ديناً سماوياً، وليس عملاً محموداً، بل هو شيء كريه وبغيض، تسفك فيه الدماء وتسلب فيه ثروات الشعوب. ثم يتباكى المسلمون اليوم على ضياع الأندلس - إسبانيا الحرة التي كانت محتلة وتحررت، يملأون الدنيا صياحاً على تحرر الأندلس، وكأن أسبانيا كانت وقفاً عليهم، ويتهمون الدول الأوروبية المسيحية بأنها استعمرت أراضيهم، وكانوا هم البادئين.

هناك فرق كبير بين النبوة الصادقة والنبوة الكاذبة، فالأولى تسعى بالإنسان إلى معرفة الله الحقيقي بالسلم والموعظة والاقناع والقدوة الصالحة، والثانية تسعى لتحقيق مكاسب دنيوية وتزيد الإنسان ضلالاً وشقاءً وتستعمل الأساليب الإنسانية كالسيف لقهر الشعوب وسلب حريتهم وأملاكهم، وكم من أنبياء كذبة خرجت إلى العالم بعدما بعثهم إبليس لتحقيق أهدافه في دمار الإنسان.. عن هؤلاء الكذبة المضلين تكلم السيد المسيح محذراً أتباعه منهم قائلاً:

اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ الذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الحُمْلَانِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.

وأعمال النبي معروفة وثماره واضحة وهي تحكم على زيف رسالته وبطلان دعواه. هذا التحذير من المسيح تحقق في نبي الإسلام، وتطابق عليه تمام الانطباق وبعد مضي ما يزيد عن خمسة قرون من تحذير المسيح ظهر محمد بدعوته التي تخفّت في ثياب الحملان طوال 13 عاماً بمكة ثم خلع ثياب الحملان في المدينة وظهر الذئب ومعه عصبة الذئاب. يقول الإنجيل:

أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللّهِ؟ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى العَالَمِ.

ومن الغريب أن المسلمين يتباهون بهذه الوحشية ويعطونها تبريراً سخيفاً يرفضه الضمير والعقل معاً، فيقول أحدهم:

نحن - أي المسلمين - نعتز بهذه الأعمال التي مورست ضد الوثنية، لتفتح كل الأبواب أمام البشر كي يعرفوا الإسلام وتزيل من الوجود كل صنم وتحطم كل طاغوت.

وفات هذا الكاتب أن الإسلام لم يزل من الوجود كل الأصنام لأن تحطيم الأصنام ليس بالسيف بل بالتعليم والوعظ. ورغم ادعاء الإسلام بأنه أزال الأصنام، فلا تزال الأصنام موجودة وتكاثرت، والواقع أن الإسلام أضاف إلى هذه الأصنام صنماً آخر، وهو الإسلام ذاته وشعائره بالطواف حول الكعبة وهي حجر لا يسمع ولا يتكلم ويلثمون الحجر الأسود وهي عبادات صنمية بحتة.

والغريب أن هذا الكاتب وهو يحمل مؤهلاً علمياً مرموقاً يعطي فلسفة للإكراه ويحللها قائلاً:

إذا قيل أن إكراه المشركين على النفاق يضاد حرية الاعتقاد، قلنا: أن الإسلام يفضل: الإكراه على معرفة التوحيد، علة الحرية في عبادة الأوثان.

هل كان محمد زاهداً

تقول يا صديقي:

أن النبي كان عفيفاً زاهداً، ولم يأخذ صدقة من أحد. وقلت أن هذا علامة على صدق رسالته، وأعطيت دليلاً على ذلك بواقعة المنافق الكبير سلمان الفارسي وحفنة التمر التي رفضها النبي، فهتف سلمان قائلاً بنفاق:

صدقت يا رسول الله - وقال إن من صدق النبوة أن لا يأخذ النبي صدقة من أحد. وقد يكون النبي قد رفض صدقة سلمان فعلاً، لكن ليس بسبب أنه لا يقبل الصدقة إنما لأنها صدقة متواضعة، فهي مجرد حفنة تمر تقدم للنبي ملك العرب؟ وأما الدليل على أن النبي كان يأخذ الصدقة فهو ما يقوله القرآن:

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا.

فإذا كان دليلك على برهان صدق رسالة نبيك بأنه لا يأخذ الصدقة، فماذا يكون الأمر لو كان قد أخذها فعلاً؟

لم يقتصر نبيك على أخذ الصدقة فقط بل تعداه أنه كان يتحصل لنفسه على خمس الغنائم بل وكان يأخذ الأنفال أيضاً وثلث أجور الغزاة من كل سرية أو غزوة بجانب العديد من المزايا الأخرى، فهو الوحيد من جنس البشر الذي أحل له الله - كما يدّعي القرآن - أن ينكح أية امرأة تدعوه لذلك!! ولا يشترط أن تكون زوجته أو من جواريه، بل يشترط أن تكون مؤمنة فقط!! وتهب جسدها له فيعاشرها بدون حساب من الله!! يقول القرآن في ذلك:

... وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

بالطبع هذا كلام جارح يخدش الحياء. ومن الكفر أن ننسب مثل هذه الخطايا إلى الله كلي القداسة. والعجيب أن السماح له بمعاشرة النساء بالهبة يأتي بعد قائمة طويلة من النساء المسموح له بمعاشرتهن، أي أنه لم يكن محتاجاً للمزيد. لكن ماذا نقول للشراهة المَرَضية في الشهوة لديه، والتي كانت خروجاً على كل ما هو مألوف لدى البشر، والعجيب أن الله الخاص به - يشجعه على ذلك! ويقول أن هذا فرض إلهي عليك ولا داعي للخجل أو الحرج، وكان الله غفوراً رحيماً!! وأما قائمة المسموح له بمعاشرتهن من النساء كما يوردها القرآن كالتالي:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ - علماً بأنهن كن تسع زوجات - اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ،الخ - وكان ينفرد عن سائر المسلمين بالسماح له بالنكاح وهو محرم، أي وهو يؤدي مناسك الحج، وهو محظور عمله للمسلمين العاديين، وكثير من المزايا التي انفرد بها دون سائر المسلمين (امتيازات النبي تجدها في السيرة الحلبية جزء 3 ص 44). بل لقد بلغ تجاوزات هذا النبي أنه تزوج من زوجة ابنه زيد بن محمد. وقصة هذا الزواج المشين تجدها في سورة الأحزاب عدد 37-38، وهي سورة مليئة بمغامرات النبي النسائية، وهي أحداث لا يليق أن توضع في كتاب ديني. ونعود إلى قصة هذا الزواج الشاذ، مجمل القصة أن النبي ذهب لزيارة ابنه زيد، فلم يجده، واستقبلته زوجة ابنه السيدة زينب بنت جحش الأسدية، وهي ابنة عم محمد، وكانت تتطلع للزواج منه وليس من مولاه زيد بن حارثة الذي تبناه محمد ورباه وصار أباه، ولم يعد يُسمى زيد بن حارثة بل زيد بن محمد. وكان العرب يعتبرون الابن بالتبني كالابن الحقيقي، فلا يجوز الزواج بزوجته. وكانت زينب ترتدي جلباباً شفافاً فهف قلبه بها، فقرر النبي أن يتزوجها!! لكن كيف يتزوجها وهي زوجة رجل آخر لا تزال في عصمته؟ وليست زوجة أي شخص عادي، بل زوجة ابنه؟ وجد النبي نفسه في حيرة، فما عساه أن يفعل لإتمام هذا الزواج؟ آه لقد وجد النبي الحل، وهل هناك حل غيره، إنه الوحي القرآني؟!! فهو الحل السريع السهل الذي لا يجرء أن يعارضه أحد لأنه آتٍ من عند الله. وأنزل الوحي قائلا:

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ - زيد - وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ - رغبة في الزواج من زوجته - مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً.


هكذا تفتق ذهن النبي وأوجد هذا الحل الغريب، فالله يأمره بإلغاء عادة التبني في الإسلام وحتى يتأكد الناس من ذلك يقوم الله بتزويج نبيه بزوجة ابنه بالتبني. وقد يتساءل اللبيب: ألم يكن الله قادراً على إنزال حكم بهذا الإلغاء بدون أن يعرض نبيه للحرج؟

وهل يعتبر التبني جرماً وجب إلغاءه؟ فالتبني كما هو معروف قمة الرحمة والمشاعر الإنسانية النبيلة، وكان مقبولاً لو أنه الله ألغى زواج الهبة، وكان معقولاً لو أنه ألغى القتال والكراهية، لكنه ألغى تقليداً إنسانياً عظيماً هو التبني! إن هذا الموقف يذكرني بحادث أغرب..

ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رجليه اثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الأنس والجان - وليس بمزامير الشيطان.

مزامير داود المليئة تسبحياً وتعظيماً لله صارت مزامير الشيطان، وغناء عاهرات الجنة من الحوريات صارت أحسن! يا الله ألهذا الحد يعكس الإسلام الأشياء؟ تعالوا لنرى ما تقول مزامير الشيطان ولنقارنه بما يغني به حوريات جنة الإسلام ولنقارن ما بينهما لنعرف من هو الشيطان الحقيقي، تقول المزامير:

أُبَارِكُ الرَّبَّ فِي كُلِّ حِينٍ. دَائِماً تَسْبِيحُهُ فِي فَمِي (مزمور 34: 1).

اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ (مزمور 19: 1).

لَكَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ يَا اَللّهُ (مزمور 65: 1).

اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ (مزمور100: 1).

ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ المُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ (مزمور 34: 8).

أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ وَغَفُورٌ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ... كُلُّ الأُمَمِ الذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُونَ ا سْمَكَ. لِأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللّهُ وَحْدَكَ (مزمور 86: 5-10).

بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلَا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ (مزمور 103: 2 و3، 8).

اِحْفَظْنِي يَا اَللّهُ لِأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. قُلْتُ لِلرَّبِّ: أَنْتَ سَيِّدِي (مزمور 16: 1 و2).

لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. المَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا (مزمور 24: 1).

يَا قُّوَتِي لَكَ أُرَنِّمُ، لِأَنَّ اللّهَ مَلْجَإِي إِلهُ رَحْمَتِي (مزمور 59: 17).

رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ (مزمور63: 3).

سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا كُلَّ الأُمَمِ. حَمِّدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ. لِأَنَّ رَحْمَتَهُ قَدْ قَوِيَتْ عَلَيْنَا، وَأَمَانَةُ الرَّبِّ إِلَى الدَّهْرِ (مزمور 117).

اِحْمَدُوا الرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. الا حْتِمَاءُ بِالرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ التَّوَكُّلِ عَلَى إِنْسَانٍ (مزمور 118: 1 و8).

هذا بعض من المزامير. كلمات روحانية عميقة تعطي المجد والعزة والتسبيح لله فهل يليق أن تُسمى بمزامير الشيطان؟ قبل أن تعطي جواباً تعالى لنرى أغاني الحور العين في الجنة وهم يستقبلن رجالهن:

نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام. ينظرون بقرة أعيان وأن ما يفنين به نحن الخالدات فلا تمتنه، فنحن الأمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا تطغنه.

طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط، والمقيمات فلا نظعن، والخالدات فلا نموت بأحسن أصوات سمعت. وتقول أنت حبي وأنا حبك ليس دونك مقصر ولا وراء معدل. ويقول أحد المخبولين:

هذا هو الطرب والغناء بتقديس لرب الأرض والسماء.. فالذين طهروا آذانهم من سماع الخلاعة! وخافوا ربهم وابتعدوا عن مزامير الشيطان!! أكرمهم الله الإله الذي لا يغفل ولا ينام. فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (سورة الرحمن 55: 60 و61)

قالت عائشة زوجة محمد له في سخرية وتهكم:

عجباً يا محمد أرى إلهك يسرع في هواك (73).

قالت له ذلك بعدما انقلب محمد على زوجاته التسع، وقال إنه لن يعدل بينهن من الآن وصاعداً، وقد كان لكل زوجة يوماً معيناً خاص بها، ولكن فيما يبدو أن النبي أراد التغيير! ولا سيما وقد أحضرت إليه جارية حسناء شابة هي مارية القبطية التي اهداها له المقوقس، أعجب بها محمد إعجاباً كبيراً حتى أنه عاشرها في اليوم المخصص لإحدى زوجاته وهي حفصة بنت عمر، وكان والدها عمر مريضاً فذهبت لزيارته وعادت مسرعة لتجد زوجها مع جاريته في منزلها وعلى فراشها وكادت أن تصرخ، ولكن النبي هدأ من ورعها واعتذر لها وقال: إن مارية محرمة عليه بعد اليوم، قال ذلك ليرضي زوجته حفصة. ولكن الله غضب من محمد لمرضاته لزوجته وتحريمه لمارية!

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة التحريم 66: 1). وتوسل لزوجته حفصة عدم إخبار عائشة وبقية زوجاته، وطلب منها أن تحفظ السر، لكن حفصة أسرعت إلى عائشة وباحت لها بهذا السر، فتجمهرت عليه نساؤه بعدما باحت حفصة بالمستور. وعلى الفور تدخل إله محمد لإنقاذه ويكشف له مؤامرة أزواجه! فيقول القرآن:

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ... قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيٌر عَسَى رَبُّهُ إِنْطَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ... ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً 78.

ومع هذا التهديد بطلاقهن جميعهن وباستعراض قوة مؤيديه، تلاشت مظاهرة نسائه عليه، ولم تكن هناك مشكلة في التحلل من قسمه بأنه لن يقرب مارية وأنها محرمة عليه فلقد أحل له الله التحلل من أي قسم وذلك من قوله:

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ.

ويؤكد له الله أنه أصبح متحرراً من مسألة العدل بين زوجاته، وأنه لم يعد مقيداً بل يختار من يشاء منهم فيقول القرآن:

تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ.


ويقول أيضاً:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً.

ولعل محمد خاف أن تخونه إحدى زوجاته نتيجة الأسلوب التهديدي لهن، فتدخَّل الوحي يقول من جديد:

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.

ثم شدد عليهن بعدم إتيان الفاحشة فقال لهن الوحي:

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً. ثم قال:

وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً.

إلى هذا الحد بلغ صراع النبي مع نسائه وأتباعه... وواضح من أسلوب هذا الحديث معاناة النبي لكن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد.

ووسط كل هذا الزحام مرّ موضوع زواجه من زوجة ابنه، وتبرأ تماماً من أبوته لزيد فيقول القرآن:

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (81).

وكأن الأبوة تتعارض مع النبوّة! وكأنها فعل شيطاني وجب أن يتخلص محمد منه!! وقال أيضاً ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ.

هكذا كان محمد في غاية الدهاء وسعة الحيلة، فلكل عقدة تجد لها حلاً عنده - لا يقدر أن يطعن فيه أحد لأنه وحي منزل من السماء!

لقد عرضت عليك جانباً من الوجه الآخر للإسلام الذي لا تعرفه أنت ولا يعرفه غالبية المسلمين، لأنهم يكتفون بقرآنهم ولا يطلعون على أديان الآخرين وكتبهم المقدسة، فلم يتمكنوا من المقارنة والاختيار. والمعرفة لا تكمل إلا بطرح الرأي والرأي المخالف له ليقارن ويفاضل بينهما، وقد عرضت عليك هذا الرأي الآخر ولم أقل كلاماً من عندي، بل شواهدي كلها من المصادر الإسلامية، القرآن والأحاديث وكتبة المسلمين من الأئمة والمؤرخين والمفكرين وكلهم مسلمون.. ويمكنك الرجوع إلى مصادري لمعرفة الحق وإذا كانت لديك رغبة في الانطلاق للحياة الأفضل وقد جاء المسيح ليكون للناس حياة ويكون لهم الأفضل. مسيح المحبة والسلام الذي لم يحمل سيفاً ولم يهدر دم أحد، بل يطالب أتباعه بمحبة الأعداء وكان هو يحب الجميع ويشفق عليهم حتى الأعداء منهم. هذا المسيح النازل من السماء لم يأت من زرع بشر ونتاج الشهوة بل جاء من الله فهو كلمة الله وروحه، وقد تجسد في شكل إنساني بمعجزة فريدة من نوعها. وأصبح صورة الله غير المنظور وليجعله منظوراً في شخصه المبارك. ولن يستطيع أحد من البشر أن يتوصل لمعرفة الله إلا بالمسيح لأنه هو والله واحد. هذا المسيح سوف يغير مجرى حياتك لو سلمت له نفسك، سيجعلك أسعد إنساناً في الوجود، سوف يصالحك على ذاتك فلن تعاني من الانقسام الداخلي بعد.. إني أسأله لأجلك أن يضيء بصيرتك لتبصر الحق، والذي أخرجني من الظلمة لهو قادر أن يخرجك أيضاً - لك مني تحياتي ومحبتي.

أخوك
صموئيل عبد المسيح
الشيخ محمد النجار سابقاً


وفيما يلي رسالة صديقي احتراماً للرأي الآخر:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الأستاذ والأخ الكريم محمد النجار

رداً على أفكارك التي هي نتيجة محصلة بحث طويل اهتداء إلى الحق، نود أن نعبر عن أفكارنا تجاه ما ناقشتمونا إياه، فإن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن عند الله تعالى يهدي من يشاء.

مقدمة تمهيدية

في الحياة يوجد خطان في القوة المستمدة التي تجسم الأصالة الحتمية.. والأصالة الحتمية معناها إما أن يكون الإنسان في ظلمات، وإما أن يكون في نور.. فالذي يستورد أصول معرفته من أصول غير ثابتة فإن صعوده الفكري يكون سفلي أرضي، والذي يستورد علوم معرفته من مورد ديني فمنطلق صعوده الفكري يكون تصاعدياً - من الكعبة - من أن بانيها جد الأنبياء إبراهيم، وهذا واقع يوضح أسباب الخلاف في العقائد والاختلاف في المعرفة.

ولا توجد قوة ثالثة تعرف فقط، نور، ظلمات، كفر، إيمان.

وحقيقة الأشياء تبقى كما هي، إلا أن الإنسان يتجه إما للعلم، وإما للجهل، والعلم ليس كلاماً منزلاً من السماء، وما علوم الإنسان إلا معرفة مكتسبة بالتجربة والخطأ.

فالجاهل يرى العلم جهلاً، والعالم يرى الجهل في الجاهل وأما عن الإسلام وغزواته فهذا له معنى آخر في التكوين المعرفي العقائدي للإنسان، كما سبق أن قلت أن الجاهل يرى في العلم جهلاً.. وعهد الرسول ص عرف شركاً ظلمانياً على أشده تبعاً لعادات الأجداد التعصبية.

إذ لا يمكن إرجاعهم عما هم عليه - بالمجادلة والنقاش السلمي - وخصوصاً وأنهم - بالإسلام - سيفقدون الشيء الكثير من الجاه. فكان الغزو والسيف كوسيلة للإسلام الجماعي القبائلي مع إذعان القوة العلطوية وبعد ذلك تأتي المرحلة الثانية من المحاجة والإقناع مع الإيضاح، بعيداً عن كل شعور بالقوة. فالإنسان بطبعه لا يتنازل عما يعتقده بسهولة وهو في مركز قوة. فالشعور بالقوة يعمي البصيرة، ويصيبه بالغرور، وهذا ما يؤكده الله تعالى:

وَرَدَّ اللَّهُ الذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ، لَمْ يَنَالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ. وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (سورة الأحزاب 33: 25). صدق الله العظيم.

أما عن تطرقك لبعض الآيات والعجز الذي تراه فيها أو التناقض الخاص في وسائل التعبير وطرقها، لا سيما إذا كان المراد منها العبث بما قيل في الكتب المنزلة، فالفقر ليس في الإسلام، بل في المسلمين. إن حياة الإنسان فانية، ومشاكل الإنسان باقية مرارتها عند انكشاف أخطائها، ولنرجع إلى الآية 49 من سورة الحج:

هذه الآية التي لم يتقبلها العقل مشكلتها في عدم إعطائها صيغة تفسيرية صحيحة، إذ لا وجود لآيات يلقيها الشيطان في القرآن الآية:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ (سورة الحج 22: 52).

إلى هنا فالله تعالى يتحدث إلى رسل وأنبياء مضت فالجملة هنا بصيغة الماضي، إذ لا يتحدث عن القرآن، إذ ما من رسول أرسله الله إلا وتمنى أو ادّعى مستغلاً الشيطان الفرصة ليلقي في أمنيته، فآدم وزوجه تمنيا بعد تنبؤ من الله تعالى أن لا يأكلا من الشجرة فألقى الشيطان في أمنيتهما فأكلا.. ونوح دعا على قومه فغرقوا، وموسى ألقى الشيطان في أمنيته فوكز منافسه فعيره فقتله. وهكذا دائماً مع الأنبياء، ولكن الله تعالى - ينسخ - ما يلقي الشيطان، ثم يحكم آياته والله غفور رحيم، وما من بشر إلا ويعبئ وسيلة دفاع عن نفسه إذا قامت القيامة. ربما يصف لخالقه وضعه ويظهر شقاءه دون أن يطلب رحمة، كأن الرحمة إجبارية، والمغفرة واجبة.. فهذا كلام الإنسان هو قائله، مجرد كلام، كما اعتبر الأشياء مجرد أشياء ظناً أنه خَُلقت عبثاً فلا غريب أن يعصبك بالإنسان، إذ كيف ينتظر الإنسان الخير وهو فاعل الشر وكيف تكون المغفرة والإنسان ينكر وجود الذنب (مبرراً الخلاص على يد المسيح).

مدعياً أن المسيح تحمل عقاب خطيئة الإنسان، تاركاً المجال مفتوحاً لارتكاب معاصي أكثر، كيف يهدأ الإنسان من الذنوب وهو يعلم أنه لا عقاب ولا نار طالما أن المسيح خلصه من كل هذا بصلبه، وأي خطيئة تحملها المسيح خطيئة الإنسان منذ خلقه أي خطيئة آدم، فآدم عوقب بإخراجه من الجنة وإنزاله الأرض.

الإنسان بطبعه شرير يميل إلى الدم وسفكه، فكان عيد الأضحى، حتى تنزاح انفعالات العقل البشري تجاه سفك الدم، سلوك الإنسان بدون خوف من عقاب المستقبل له يجعل فيه الطغيان والغرور طالما أن المسيح خلصه من قبل. فأنت يا صديقي محمد، متفق معي أن الله عادل،عدالته شملت كل البشر، كل الشعوب، فأنزل وأرسل الرسل إلى كل الشعوب بحسب لغتها. أفلا يعقل أن يبعث الله إلى هذا الشعب العربي ديناً على رسول عربي وكتاب عربي؟ فحتى الصينين بُعث فيهم (شيتاً) عليه السلام بعبادة سرّها في الحركات وحرفت وغيرت وأبدلت من بعد ذلك كوسيلة دفاعية عنيفة، مجرد رياضة إلى أن جاء الرسول عليه السلام مجدداً لعلم الحركات للعبادة. فكانت الصلاة بأربع حركات وقوف، ركوع، سجود، جلوس للاستمداد من قوى الطبيعة الأربعة الماء، الهواء، التراب، النار، ولن تجد قوة خامسة أبداً فكانت عبادة الطبيعة شركاً. وهذا نجده في الكعبة بأربعة أوجه مكعبة - لحصر قوى الطبيعة الأربعة.

والكعبة مغطاة برداء حتى لا يستمد الإنسان قواه من حجر الكعبة، وكذلك بالنسبة للزواج من أربع زوجات ليصارع بهن الرجل المسلم القوى الأربعة لطبيعته.

أتعتقد يا صديقي أن كل هذا مجرد صدفة؟

وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى.

أرجو أن تعطيني اهتماماً لكل ما كتبت، وإن شاء الله تعالى سأحاول أن أجاوبك على كل أسئلتك الباقية.

أخوك

أ. ع


 

إلى الأخ الحبيب والصديق العزيز أ. ا. ع

تحية دقيقة وبعد

سعدت جداً برسالتك الاجتهادية في دفاعك عن صحة الدين الإسلامي. وبالطبع يا صديقي سوف أعطيك كل اهتمامي في كل ما كتبته، وأني فخور جداً بصداقتك وأحيي فيك أسلوبك المهذب في الحوار واجتهادك الشاق في الدفاع عن صحة معتقدات دينك. سعدت قبل ما كتبته، وسوف أهتم بالتعقيب على رسالتك وأعلن وجهة نظري نحو كل ما حواها، وإن كنت منتظراً احتواء رسالتك على إجابات أسئلتي سواء التي طرحتها عليك خلال مناقشاتنا الودية، أو التي سطرتها لك، وظللت أنتظر إجاباتك دون جدوى حتى جاء يوم نقلك إلى مكان آخر، ولا زلت أذكر آخر كلمات قلتها لي: أخ محمد، أنت درست 19 سنة، لكن أنا لم أدرس بما فيه الكفاية، لكن أعدك أني سوف أدرس حتى أتمكن من الإجابة على كل أسئلتك.

وطبعاً أنا أثق في وعدك يا صديقي. لكن ثق أنك لو درست بعناية وأعطيت إجابات منطقية يتقبلها العقل، فستكون قد بلغت بذلك مرفأ الحقيقة، وأدركت أن الإسلام لم ولن يكون أبداً من عند الله.

لقد ألغيت كل مصادر المعرفة وحصرت المعرفة داخل الكعبة فقط، وكأن الكعبة هي كل العالم، وهي وحدها التي أتى منها التصاعد الفكري، وبداخلها فقط تتجمع وتنحصر كل القوى الطبيعية. بالطبع فأنت تقصد تلك الكعبة الموجودة في مكة، ذلك البناء الحجري المربع الشكل ويرقد في زواياه اليمنى - الحجر الأسود - والذي يكسوه رداءاً أسود اللون لتغطيته لحجب كوامن قوته عن البشر.

هذا كلام طريف قد يكون دعابة - لكنه لا يمس للواقع المعروف بأدنى صلة، لأن هذا البناء الحجري من مخلفات الوثنية وعبادة الأحجار والأصنام، شيء بمثل هذه الصفات لا يعقل أن يكون مبعثاً للتصاعد الفكري في الكون، بل على العكس من ذلك، كانت الكعبة ولم تزل مبعثاً للتخلف الفكري والحضاري. فما هو حجر أبكم وأصم تطوف من حوله الناس وتتمسح به، وتلثمه! فأي رمز ديني يحمله، وأية علاقة لله بهذه الأصنام؟ هل تدعو الوثنية الصنمية فكراً تصاعدياً؟ إذن فالعبادة التوحيدية لله ماذا تكون؟ تدّعي أن هذا البناء الحجري يحوي كوامن القوى، فهل عجزت يا ترى هذه القوى المزعومة عن حماية الكعبة من الهدم والحرق؟ كم من مرات يتم هدم الكعبة وإعادة بنائها؟ الذي فعل ذلك هو الإنسان وليس الله، فالذين هدموا الكعبة بشر، والذين يعيدون بناءها بشر. وقد ظلت الكعبة منذ نشأتها تحت رعاية الوثنيين وعلى مدى قرون طويلة حتى ظهر الإسلام وتولى رعايتها امتداداً لعصر الوثنية، وأبقى على كل شعائر الطواف من حولها كما كان يفعل الوثنيون لأنه مشورع تجاري رابح، وليس بيتاً لله، لان الله لا يسكن في بيوت تُصنع بأيدي الناس. الله لا يحتاج بيتاً له، فهو روح يملأ العالمين، وقد كان العرب أذكياء في بناء هذا البيت الحجري والادعاء بأنه بيت الله الحرام ليأتي الحجاج من مختلف الأصقاع، وتنشط الحركة التجارية وكلها منافع دنيوية ليس لها أدنى صلة بالدين أو العبادة الحقيقية لله، فالله ليس موجوداً في الكعبة فقط، بل في كل مكان، وأما الادعاء بأن سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل - من جاريته - هاجر، هما اللذان قاما ببناء هذا البيت، وأن العرب والنبي هم أبناء إسماعيل، فهذه محض افتراءات ليس لها أدنى أساس من الصحة بحسب كل المراجع التاريخية، لأن العرب كانوا موجودين قبل إبراهيم وإسماعيل، مما يؤكد بطلان مزاعم المسلمين العرب أنهم أبناء إسماعيل. وتقول المصادر الإسلامية:

قيل إن جميع المسلمين العرب ينتسبون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام.

والصحيح المشهور أن العرب قبل إسماعيل.. فهم عاد وثمود وكسم وجديس وأميم وجرهم والعمالقة، وأمم آخرون لا يعلمهم إلا الله كانواقبل الخليل - إبراهيم - عليه السلام وفي زمانه أيضاً.

وأقدم قبيلة عربية معروفة كانت تتولى الإشراف على الكعبة هي قبيلة جرهم حتى تمكنت قبيلة خزاعة من نزول المكان وطرد الجرهميين وإقامتهم مكانهم. وتزوج قصي بن كلاب زعيم قبيلة - قريش - من ابنة جليل بن حبشية الخزاعي زعيم خزاعة الذي استولى على الكعبة من الجرهميين وصار يملك مفاتيح الكعبة، وأوصى قبل موته بولاية الكعبة لزوج ابنته قصي بن كلاب، ودخل في صراع مع قبيلة خزاعة حتى انتصر في النهاية، وجمع قبائل قريش التي ينتسب إليها نبي الإسلام محمد، وجعل قصي بني قريش يسكنون في مكة بعدما كانوا مشردين في الشعاب ورؤوس الجبال فقسم منازلهم فسمى (مجمعاً) وفيهم يقول الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مجمعاً به جمع القبائل من فهر

وبدأ بذلك نجم قريش في الارتفاع. وقام قصي بتجميعها وأسكنها مكة، وهو أول من أعز قريش وظهر به فخرها ومجدها 90.

وقصي هذا هو الجد الخامس لمحمد، والرابع لورقة بن نوفل 91 بن الأسد بن عبد العزى. إن قصي ومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.. ولا يوجد نسب معروف لمحمد سوى قصي بن كلاب وهو دخيل على مكة ولا يمت بأدنى صلة لإسماعيل، وقد قام قصي بهدم الكعبة وإعادة بنيانها بناء لم يبنه أحد.

فأين هي صلة إبراهيم بالكعبة أو بقصي جد محمد؟ بل أين هي قبيلة محمد - قريش - من بقية القبائل العربية الأصيلة مثل جرهم وخزاعة؟

وهذه الكعبة التي تدّعي أنها مبعث الفكر التصاعدي أمر خليفة المسلمين بحرقها وهدمها.

إن كعبة اليوم هي ذات كعبة الأمس حيث كان يطوف حولها الوثنيون العرب، ويؤَدّون ويقومون بكل شعائر الحج والطواف التي يقوم بها مسلمو اليوم، فما هو الجديد في الأمر؟ لا جديد. مجرد امتداد للوثنية القديمة ليس أكثر، نقلها الإسلام كما هي وادعى أنها وحي منزل من السماء رغم وجودها قبل الإسلام بمئات السنين! نعم كانت موجودة قبل هذا الوحي بقرون طويلة، لكن أخذها الإسلام كما أخذ عن العرب الأقدمين سائر عاداتهم وادعى أنه وحي تشريع إسلامي بينما هي عادات الأقدمين، نذكر منها عادة الطلاق وتعدد الزواج:

عرفت الأسرة العربية فيما قبل الإسلام - تعدد الزواج والطلاق.

هذا البناء الحجري الذي تحصر فيه التصاعد الكفري والقوى الأربع الكونية كان مرتعاً خصباً للوثنية والأصنام حيث مملكة الشيطان وجنوده، والرداء الذي يغطيها وتدعي أنه ليحجب القوة عن البشر، هذا الرداء كان يرسل إلى الكعبة - كصدقة 0 وتعرّض للحريق مرات كثيرة. فأي بيت هذا الذي تتحدث عنه وتضفي عليه من الصفات الأسطورية ليبدو مقدساً وهو كان عبثاً للعابثين.

بل هل تعلم يا صديقي أن مكة التي تحتوي على الكعبة كان يقدسها الهنود الوثنيون القدامي، وكانوا يطلقون عليها (موكشاشانا) أي بيت الله! إنه نفس بيت الله الذي كان عند الوثنيين العرب، ثم بيت الله عند مسلمي اليوم، امتداد وثني عبر القرون. والله لا يسكن في بيوت من حجارة. فهذا فكر وثني متخلف ولا يتفق مع ألوهية الله، وسيدنا إبراهيم بريء تماماً من بناء هذا البيت الشيطاني الذي تطوف حوله نماذج من البشر بلا معنى وبلا هدف روحي، مجرد عادات وثنية بالية اندثرت من العالم المتقدم، وبقيت أسيرة مكة، ولم يزل لها روّاد يأتون إليها من كل فج عميق - بحسب التعبيرات الإسلامية، ويظنون أنهم بهذا الحج والطواف يغفر الله لهم ذنوبهم وآثامهم. إبراهيم بريء تماماً من الكعبة وليست له أية صلة بالمسلمين، وأقدم المصادر التاريخية التي تكلمت عن أصول العرب لا تذكر أدنى علاقة لإبراهيم بالعرب والمسلمين وتنفي ذهابه إلى مكة من الأساس ، مثل - السجلات الأشورية - التي ترجع إلى عهد شلمنصر الثالث - 858 - 834 ق. م - ولا بالسجلات البابلية التي ترجع إلى عهد - نابونيد 555 - 539 ق. م - ولا في بقية السجلات الأخرى القديمة، ولا الكتب الدينية التاريخية ولا سيما - الكتاب المقدس - أقدم كتاب ديني في الوجود - وهو عمدة كل الكتب الدينية الصحيحة ومرجعها الأوحد، والموجود قبل ظهور الإسلام بمئات السنين.

بل أول مصدر عربي يستخدم لفظ العرب للدلالة على الجنس العربي هو القرآن. مما يدل على شمول هذه التسمية وجودها قبل الإسلام - وإن كان من الصعب علينا تحديد التاريخ الذي بدأ فيه استخدام هذه الكلمة للدلالة على الجنس العربي الخ.

أي لا يوجد مصدر عربي واحد - قبل القرآن - يشير إلى التاريخ الحقيقي للعرب، وبالتالي مدى علاقتهم بإبراهيم، وكما هو معروف فالقرآن أحدث كتاب ديني، وعمره لا يتعدى 1500 عام فقط، بعد التوراة بعشرات القرون، وبعد الإنجيل بخمسة قرون، والقرآن لم يكن كتاباً بالمعنى المعروف للكتاب، بل كان مجرد كلمات مبعثرة يحفظها الناس، وقيلت هذه الكلمات على مدى 23 سنة كاملة! منذ بداية الدعوة بمكة حتى هجرة النبي للمدينة بعد مضي 14 سنة من بدء الدعوة، حتى موته في العام الحادي عشر لهجرته عن عمر يناهز ثلاثة وستين عاماً. فإذا كانت أول كلمات القرآن يرددها النبي وعمره 40 سنة فيتضح من ذلك أن عمر هذه الكلمات 23 سنة، قيلت للناس شفاهاً يعتمد على الحفظ في الصدور ولم يظهر القرآن الحالي في شكل كتاب - المصحف - إلا في عهد عثمان بن عفان ثالث الخلفاء، أي بعد مضي 48 سنة من قيل هذه الكلمات، وتم تجميعه من صدور الناس - وكان عدد كبير من حفظة القرآن قد ماتوا سواء في الحروب أو بعامل السن واستطاع عثمان بما حصل عليه - طبخ مصحفه - فجاء مبتوراً ومشوهاً. ينقصه التنسيق ليتماشى مع مجريات الأحداث التي يرويها، ويلزمه تصحيح الأخطاء التي احتواها. كتاب مثل هذا لا يعتد به ولا سيما في تحقيق أحداث سابقة عنه بعشرات القرون، وحتى لو فرضنا أن العرب هم من نسل إسماعيل، فما هو إسماعيل وما يكون؟ مجرد إنسان وحشي يده على كل أحد، ولم يتميز بشيء عن بقية الناس سوى أنه ابن جارية سيدتنا سارة زوجة إبراهيم الشرعية الحرة... ومعلوم أن ابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة، فمن الحرة جاء سيدنا اسحق ابن الموعد الإلهي، الذي جاء من نسله الأنبياء العظام مثل سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف، وسيدنا موسى، وسيدنا داود، وسليمان وجاء المسيح بحسب الجسد، تكريماً وتعظيماً لنسل اسحق. أما إسماعيل فلم يؤت من الكرامة أدنى نصيب.. ولم يحظ نسله بأي مجد، ولم يكن لهم دور في حياة البشر ولم تكن لهم رسالة أو نبوة أو كتاب كما كان جدهم إسماعيل - الذي جاء من نسله بنايوت، وقيدار، ومبسام، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدار، وتيما، ويطور ونافيش وقدمة الخ، كل هؤلاء بشر عاديون لا يعرفهم أحد ولم يكن لهم أدنى دور تجاه الدين، بل على العكس كانوا من عباد الأصنام.. وحتى القرآن يعطي كل المجد لإسحق وليس لإسماعيل، ويقول أن من ذرية إسحق أهل النبوة وأهل الكتاب:

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ (أين ذكر إسماعيل) وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُُّبُّوَةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.

وقوله أيضاً:

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ (ولا ذكر هنا لإسماعيل) نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ.

وقوله أيضاً:

وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ.

وهو حديث موجه ليوسف، ويقول أيضاً مؤكداً عدم وضع إسماعيل في أصحاب النبوة:

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ.

وتمتع يعقوب بن اسحق ونسله بمزايا ثمينة لا تُقدر، إذ يقول:

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (يعقوب) الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ.

وقوله أيضاً:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ (103). وتجد هذا القول مكرراً أيضاً في نفس السورة (104).

وهكذا أخذ بنو إسرائيل - اسحق ويعقوب - كل المجد وكل البركة من الله باعتراف القرآن ذاته، بينما لم يأخذ إسماعيل وبنوه أي مجد، ولم يكن له أي نصيب من القداسة، ونسل إسماعيل لم يأت من امرأة عربية بل من امرأة مصرية، وعاش هو وأمه هاجر في بئر سبع ولم يذهبا إلى الكعبة، ولو افترضنا جزافاً أنه ذهب إلى الكعبة، وهناك أصبح أباً للعرب، ثم جداً لمحمد، لنفترض حدوث ذلك جدلاً، فأي شرف يحمله إسماعيل؟ لا شيء بالمرة، لا شيء أكثر من كونه ابن جارية، ولم يكن مؤيداً بأي رسالة سماوية، ولم يكن نبياً، وكانت حياته وحشية ولم يؤت من المجد نصيب وهو ليس مدعاة للفخر أن ينتسب إليه أحد، ورغم ذلك فهو لم يذهب إلى الكعبة كما يدعي الإسلام، لذلك يرفض العقل تصديق أن يكون البناء الحجري المسمى بالكعبة هو بيت الله الذي بناه إبراهيم بمساعدة إسماعيل، فهي أسطورية وثنية لا تمس للدين الحقيقي بأدنى صلة.

والعجيب أنكم صرحتم بأن الخلاف في العقائد مرجعه إلى القوة الآتية من الكعبة التي تمثل العلم والنور والقوة الثانية هي من الوثنية وعلم العالم وتمثل الجهل والظلام، وإجابتي ببساطة شديدة هي عكس قولك تماماً، فالعلم والنور والمدنية والإيمان الحقيقي بالله هم خارج الكعبة وليس داخلها، تراهم في الهيئات الإنسانية العملاقة التي تمد يد العون والرحمة لجميع المقهورين في الأرض من بينهم الشعوب الإسلامية، وهذه الهيئات قامت على الإيمان الواقعي بوجود إله ينادي بالرحمة والمحبة بين البشر، وهؤلاء قاموا بترجمة إيمانهم إلى واقع حي ملموس يفيد البشر.. كل البشر.. وليس مجرد إيمان دعائي يحث على العداء والضغائن لأصحاب الديانات الأخرى، وليس إيماناً عاطلاً متكاسلاً متراخياً له شكل ومظاهر التدين وهو بعيد عن جوهر سماحة الدين.

  • عدد الزيارات: 25937