دلائل نبوَّة محمد
والآن ما الدليل على دعوى صاحبك؟ إن قلت إنه أخبرنا بأقاصيص الأنبياء الذين كانوا قبله في الزمان السالف كنوحٍ وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى والمسيح وسائر الأولين الذين ذكرهم في كتابه، فجوابنا أنه أخبرنا بما سبقت معرفتنا به، ودرسته صبياننا وأطفالنا في المكاتب. فإن ذكرت قصة عاد وثمود والناقة وأصحاب الفيل ونظائر هذه القصص، قلنا لك: هذه أخبار وخرافات عجائز الحي، وليس ذكرها دليلاً على نبوته، فقد سقط شرط من شرطي النبوة.
فإن قلت إنه أخبر بأمرٍ قبل حدوثه، ألزمناك توضيح ذلك، لأنه قد مضت أكثر من مائتي سنة منذ موت محمد، وكان يجب أن يتحقق عندك شيء مما أخبرك أنه سيكون. ولكنك تعلم أنه لم يأتِ في هذا الباب شيء ولا نطق فيه بكلمة ولا تفوَّه بحرف واحد، فسقط عنه الشرط الثاني من شروط النبوة.
وإذ قد خلا من الشرطين اللذين يوجبان الإيمان بالنبوَّة، نسأل: هل أجرى محمد معجزات باهرات؟ نسمعه يقول: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَّوَلُونَ (سورة الإسراء 17:59).
أي: لولا أن يكذبوا بآياتك كما كذبوا بالآيات التي جاءهم بها الأولون من قبلك، لأعطيناك الآيات! وأنت تعلم أن هذا جواب مرفوض، لا يقنع أحداً!
فإن ادّعيت أن من دلائل نبوته ظفره وظفر أصحابه على ما كانوا عليه من القلَّة والضعف بملك فارس على عظمته وجودة تدبير أصحابه وحسن سياسة ملوكه، مع كثرة العدد والسلاح والرجال، أجبناك بكلام الله وقوله لبني إسرائيل: مَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا، وَطَرَدَ شُعُوباً كَثِيرَةً مِنْ أَمَامِكَ: الْحِثِّيِّينَ والْجِرْجَاشِيِّينَ والْأَمُورِيِّينَ والْكَنْعَانِيِّينَ والْفِرِّزِيِّينَ والْحِّوِيِّينَ والْيَبُوسِيِّينَ، سَبْعَ شُعُوبٍ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكَ، وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ,,, لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ واخْتَارَكُمْ، لِأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ (التثنية 7:1-8).
ولكن عندما طغى بنو إسرائيل وجعلوا لله أنداداً وجحدوا آياته فقلَّ شكرهم لله، سلَّط عليهم شرَّ خلقه بختنصر عابد الصنم المشرك بالله، فقتل الرجال الذين كانوا أولاده وصفوته وخيرته وشعبه، وسبى ذراريهم، وأخرب البيت الذي كان معروفاً باسمه، ونقل الآنية التي كانت فيه إلى بابل النجسة بعبادة الأصنام. فهل نقول إن بختنصر ظفر ببيت المقدس وبلغ منه ومن أهله ما بلغ لأنه كان نبياً؟ أم للسبب الذي ذكرناه آنفاً؟ فكذلك أيضاً كانت قصة صاحبك وأصحابه مع ملك فارس، لأن أهل فارس كانوا مجوساً يعبدون الشمس والنار وادّعوا الربوبية التي لم يجعلها الله لهم، وابتذلوا نعمه كفراً وسعوا في الأرض فساداً، وارتكبوا العظائم، وتوهموا أن الذي هم فيه إنما هو من صحة تدبيرهم وكثرة قوتهم، فسلبهم الله نعمته وسلط عليهم من أخرب بلادهم وقتل رجالهم وأخلى مساكنهم منهم وسبى ذراريهم ونهب أموالهم وبادوا بسخط الله ورجزه. كذلك يفعل الله بالقوم الظالمين.
- عدد الزيارات: 9715