Skip to main content

دلائل نبوَّة محمد - أوصى بعدم دفنه لأنه سيرفع إلى السماء

الصفحة 3 من 3: أوصى بعدم دفنه لأنه سيرفع إلى السماء

 

ثم أعظم من هذا وأشنع أنه كان يقول لهم في حياته ويوصي إليهم إذا مات ألاّ يدفنوه، فإنه سيُرفع إلى السماء كما ارتفع المسيح، وإنه أكرم على الله أن يتركه على الأرض أكثر من ثلاثة أيام. ولم يزل ذلك عندهم متمكناً في قلوبهم. فلما مات يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة 63 لمولده، وقد مرض 14 يوماً، تركوه ميتاً، يظنون أنه سيُرفع إلى السماء كقوله. فلما أتت عليه ثلاثة أيام وانقطع رجاؤهم من ذلك ويئسوا من تلك المواعيد الباطلة، دفنوه يوم الأربعاء. وحكى بعضهم أنه مرض سبعة أيام بذات الجنُب، وأنه غرب عقله وخلط في كلامه تخليطاً شنيعاً، فغضب لذلك علي بن أبي طالب وأنكره. فلما أفاق أخبره بما كان فقال: لا يبقينَّ في البيت أحدٌ إلا العباس بن عبد المطلب . فلما كان اليوم السابع من مرضه مات، فارتفع بطنه وانعكست إصبعه الشمال وهي الخنصر. وذكر ضمران أنه كان تحته في مرضه شملة حمراء وعليها مات وفيها أُدرج بعد موته ووُوري في التراب بغير غسل ولا أكفان. وروى عمران بن خضير الخزاعي أنه غُسل وأُدرج في ثلاثة أثواب بيض يمانية، وأن الذي تولى ذلك منه علي بن أبي طالب والفضل بن العباس بن عبد المطلب عمه. فلم يبقَ أحدٌ ممن كان تبعه إلا ارتدَّ ورجع عما كان عليه، غير نفرٍ يسير من أخصّ أهله وأقربهم نسباً إليه، طمعاً بما كان فيه من تلك الرئاسة. فكان لأبي بكر (عتيق بن أبي قحافة) في ذلك أعجب تدبير فتولى الأمر بعده. فاغتاظ علي بن أبي طالب غاية الغيظ لأنه لم يكن يشك أن الأمر صائرٌ إليه، فانتُزع من يده. كل ذلك حرصاً على الدنيا ورغبة في الرئاسة. فلم يزل أبو بكر يلطف بالمرتدّين إلى أن رجعوا بضروبٍ من الحيل والرفق والأماني. وكان بعض ذلك بالخوف من السيف، وبعض بالترغيب في سلطان الدنيا وأموالها وإباحة شهواتها ولذاتها. فرجع من رجع في ظاهره لا في باطنه. وما أشك في أنك تذكر ما جرى في مجلس أمير المؤمنين، وقد قيل له في رجلٍ من أجلّ أصحابه إنه إنما يُظهر الإسلام وباطنه المجوسية، فأجاب: والله إني لأعلم أن فلاناً وفلاناً (حتى عدَّد جملة من خواص أصحابه) ليُظهرون الإسلام وهم أبرياء منه، ويراءونني وأعلم أن باطنهم يخالف ما يظهرونه لأنهم قوم دخلوا في الإسلام لا رغبة في ديانتنا هذه، بل أرادوا القرب منا والتعزُّز بسلطان دولتنا. وإني أعلم أن قصتهم كقصة ما يُضرب من مثل العامة أن اليهودي إنما تصحّ يهوديته ويحفظ شرائع توراته إذا أظهر الإسلام! وما قصة هؤلاء في مجوسيتهم وإسلامهم إلا كقصة اليهودي. وإني لأعلم أن فلاناً وفلاناً (حتى عدَّد جماعة من أصحابه) كانوا نصارى فأسلموا كرهاً، فما هم بمسلمين ولا نصارى، ولكنهم مخاتلون: فما حيلتي وكيف أصنع؟ فعليهم جميعاً لعنة الله. ولكن لي قدوة برسول الله. لقد كان أكثر أصحابه وأخصّهم به وأقربهم إليه نسباً يُظهرون أنهم أتباعه وأنصاره، وكان محمد يعلم أنهم منافقون، وأنهم لم يزالوا يريدون به السوء، ويعينون المشركين عليه، حتى أن جماعة منهم كمنوا له تحت العقبة واحتالوا في تنفير بغلته لترمي به فتقتله، فوقاه الله كيدهم. ثم كان يداريهم دائماً إلى أن قبض الله روحه. أفما ينبغي لي أنا أن أشابهه؟ هذا وكان حياً ملء ثيابه، ثم ارتدّوا جميعاً بعد موته، فلم يبق منهم أحد كان يظن به رشداً إلا رجع وارتدّ، إلى أن أيَّده الله وجمع تفرُّقهم وألقى في قلوب بعضهم شهوة الخلافة ومحبة الدنيا، فربط النظام وجمع الشمل وألَّف التشتيت بالحيلة ولطف المداراة، وأتم الله ما أتمه. وما المنّة في ذلك له ولا هو محمود عليه، بل المنّة لله والحمد والشكر له على ذلك بأسره. فلستُ أذكر ما أراه ويبلغني عن أصحابي هؤلاء إلا المداراة والصبر عليهم، إلى أن يحكم الله بيني وبينهم، وهو خير ال

الصفحة
  • عدد الزيارات: 9456