Skip to main content

الإعجاز في العلم - الاعتدال قديما وحديثا

الصفحة 3 من 7: الاعتدال قديما وحديثا

 

ثانيا : الاعتدال قديما وحديثا

القرآن مثل الكتاب والانجيل ، كتاب دين ، لا كتاب علم . فهو صريح كل الصراحة في اقتصار وحيه على الدين : "قل : إنما يوحى إليَّ إنما إلهكم اله واحد ، فهل أنتم مسلمون"؟ (الأنبياء 108) . فليس من وحي في القرآن سوى التوحيد وأحكام الدين والشريعة : "إنما أعظكم بواحدة : أن تقوموا لله" ! (سبأ 46) . ويركّز دعوته كلها على حصر الوحي القرآني في التوحيد وعقيدته وشريعته : "قل : إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إليَّ إنما الهكم اله واحد ، فاستقيموا إليه واستغفروه" (فصلت 6) .

1 – وقديما رأى ذلك بعض العلماء ، مثل الإمام الشاطبي الغرناطي ، قال : "إن كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد ، فأضافوا إليه كل علم يُذكر للمتقدمين والمتأخرين ، من علوم الطبيعيات ، والتعاليم – أي العلوم الرياضية – والمنطق ، وعلم الحروف ، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأسبابها . "وهذا اذا عرضناه على ما تقدم (من أن القرآن إنما خاطب العرب بما كان واقعا في حياتهم) ، لم يصح . والى هذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه ، وما أودع فيه . ولم يبلغنا أنه تكلّم أحد منهم في شئ من هذا المدّعى سوى ما تقدم ، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة ... ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدل على أصل المسألة ... إلاّ أن ذلك لم يكن ، فدلّ على أنه غير موجود عندهم ... وذلك دليل على أن القرآن لم يُقصد فيه تقرير شئ ممّا زعموا . نعم ، تضمّن علوما هي من جنس علوم العرب ، أو ما يُبنى على معهودها" .

2 – وحديثا أبدى بعض العلماء رأيهم كذلك :

يقول عبد المتعال الصعيدي في مقاصد القرآن : "مقاصد القرآن لا تخرج عن الوظيفة الدينية للقرآن ، لأنه نزل لتشريع العقائد والأحكام . فيجب أن يقف عند حدودها . فلا يُقصد منه غير هذا من بيان مسائل التاريخ أو الطب أو غيرها من العلوم ،

لأنه لم ينزل لغرض من هذه الأغراض . وإنما نزل للأغراض السابقة التي لا سبيل الى معرفتها إلا بالوحي . أما هذه الأغراض العلمية فإنها تُعرف بالعقل ، ولا تتوقف معرفتها على الوحي . فلا يصح أن يخلط بينها وبين الأغراض السابقة في كتاب ديني كالقرآن أو غيره" .

والأستاذ دروزة يرى أن "الكونيات" في القرآن هي من المتشابه فيه ، لا من اعجازه ، واستخراج النظريات العلمية منها إنما هو تمحّل لا يليق بقدسية القرآن . قال : "لعلَّ في تعبير الأوتاد عن الجبال ، والسقف المبني عن السماء ، والمصابيح المضيئة التي زينت بها السماء عن النجوم ، وجريان الشمس ومنازل القمر ، والسراج الوهّاج للأولى ، والمصباح المنير للثاني ، وفي ذكر انزال الماء من السماء ، وتسيير السحاب وتصريف الرياح ، وارسال البرق والرعد والصواعق ، وإثبات مختلف الزرع والأشجار ، وتسخير الدواب والأنعام ، وتسيير البحار والأنهار والفلك ، وجعل الأرض بساطا، وتصويرها مركزا للكون ، والانسان قطبا للأرض ، حيث سخّر له كل ما في السماوات والأرض ، وسوّاه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ... ما جاءَ متّسقا مع مشاهد ومدركات مختلف فئات الناس الذين يوجه اليهم الكلام . وان ما ورد في القرآن من مشاهد الكون ونواميسه قد استهدف العظة والتدعيم دون أن ينطوي على قصد تعزيز ماهية الكون ، وأطوار الخلق والتكوين ونواميس الوجود من الناحية العلمية والفنيّة ... وهذه النقطة متصلة بالمبدأ العام الذي ما فتئنا نقرّره من أن القرآن خاطب الناس بما يتّسق في أذهانهم إجمالا من صور ومعارف ، لما يكون من قوة أثر الخطاب فيهم بمثل هذا الأسلوب . وملاحظة ذلك جوهرية جدا ، لأنها تحول دون التكلّف والتجوّز والتخمين ، ومحاولة استخراج النظريات العلمية والفنّية ، في حقائق الكون ونواميسه وأطواره منها ، والتمحّل والتوفيق والتطبيق ، ممّا يخرج بالقرآن عن نطاق قدسيته" .

فالقرآن كتاب دين – وكفاه ذلك فخرا – لا كتاب علم . ومن انتهاك حرمته ، جعله كتاب علم ، والكلام فيه عن الاعجاز في العلم .

العلم و أولو العلم في اصطلاح القرآن
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12024