كيف جُمع القرآن؟ - اختلافهم في القرآن وإحراق عثمان نسخه
اختلافهم في القرآن وإحراق عثمان نسخه:
لما رأى حذيفة اختلاف الناس في القراءة، حثَّ عثمان على أن يتلافى الأمر، فأمر بعضهم أن يجمعوه، وأمر بإحراق غيره. روى البخاري عن أنس، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال لعثمان: أدرِك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى . فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك، فأرسلتها إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للقريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم . ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق. قال زيد: فُقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فألحقناها في سورتها في المصحف . قال ابن حِجْر: وكان ذلك في سنة 25 . وذهب بعضهم إلى أنه في سنة 30 (صحيح البخاري باب جمع القرآن).
وأخرج ابن أشْته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدّثني رجل من بني عامر يُقال له ابن مالك، قال: اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون، فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه! فمن نأى عني كان أشد تكذيباً وأكثر لحناً. يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً . فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا في أي آية قالوا: هذه أقْرأها رسول الله فلاناً، فيرسل إليه وهو على رأس ثلاثة من المدينة، فيُقال له: كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا، فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكاناً . وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح، قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها. وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا اختلفوا في شيء أخّروه. فظنَنْتُ إنما كانوا يؤخّرونه لينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة، فيكتبونه على قوله ( المصاحف للساجستاني باب جمع عثمان للمصحف).
يتضح من هذه الأحاديث أنه لما رأى عثمان أنه كادت تقع فتنة أو حرب داخلية بسبب اختلاف الناس في القرآن، عقد جمعية ليكتبوا للناس إماماً. وهذه هي نتيجة عدم التبصُّر، فأنبياء الله الحقيقيون كانوا يكتبونكتبهم، ويحثون الناس على تلاوتها وتعليمهالأولادهم وأحفادهم، ويحرصون عليها أن تكون دستوراً لقضاتهم وحكامهم وملوكهم. ولم يكتب نبي من الأنبياء كتابه بالطريقة التي كُتب بها القرآن، ولا بالكيفية التي جُمع بها. ومع أن كتب العهد القديم 39 كتاباً، لكن تولى ضمّها إلى بعضها عزرا النبي. ومع أن كتب العهد الجديد 27 كتاباً ولكنها جُمعت في سفر واحد تحت ملاحظة يوحنا اللاهوتي. وكلٌّ من عزرا ويوحنا نبي كريم، يقدر أن يميِّز الأرواح يعني يميز الكتاب الموحى به من غيره. فكانت الكتب المقدسة سالمة من أي عيب.
- 1 - تولّى جمع القرآن أناس اشتهروا بالغدر والكذب. فعثمان مات مقتولاً بعد أن ثبت عليه الغدر والكذب. والذين تولّوا جمع القرآن لم يقدروا أن يميّزوا الأقوال التي بوحيٍ من غيرها، فكانوا يستشهدون بالعرب المجرَّدين عن المعارف الإلهية والدنيوية، الذين يقول القرآن عنهم: “الأَعْرَابُ أَشدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ! ; (التوبة 9: 97).
- 2 - لم يختلف أحد على وحي التوراة والإنجيل، ولا اقتتل الغلمان بسببهما، بل بالعكس كانتا سبب بركة لهم، لأنهما لم يكونا مبعثرَيْن مفرَّقين. ولما رأى علماء المسلمين أن هذا يحط بقدر القرآن قالوا إنه كثُر الاختلاف في عصر عثمان في وجوه القراءة، فقرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدَّى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي عثمان من تفاقم الأمر في ذلك، فنسَخ تلك الصحف في مصحف واحد، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش.
ولو سلمنا بذلك لقلنا إن الكتب المقدسة منزّهة عن هذه الاختلافات، فلما نزلت كانت باللغة الفصيحة المفهومة عند الناس.
- 3 - لا يمكن أن ينكر علماء المسلمين وقوع الخلاف الشديد في القرآن. وقد اختلفوا في المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق، والمشهور أنها خمسة، وقيل إنها أربعة، وقيل سبعة. فأرسل إلى مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة، وأبقى بالمدينة واحداً.
وقيل: لما رأى عثمان اختلاف القرّاء واستفحال الشرّ، بعث فأرسل ما أمكن جمعه من الرقاع. ولم يتعرّض أحدٌ لمصحف علي بن أبي طالب، ولا لمن كان يقرأ بقرائته. وقد مات أُبيّ بن كعب قبل جمع القرآن. ولما طلبوا من عبد الله بن مسعود أن يعطيهم مصحفه رفض، فصرفوه عن الكوفة واستخدموا أبا موسى الأشعري. وأمروا زيد بن ثابت الأنصاري وعبد الله بن عباس (وقيل محمد بن أبي بكر) بجمع القرآن، وكانا حديثي السن. وقال لهما عثمان: إذا اختلفتما في شيءٍ فاكتباه بلغة قريش . ولما جمعوه أرسلوا نسخة منه إلى مكة (احترقت سنة 200هـ) ونسخة للمدينة (فُقدت أيام يزيد بن معاوية) ونسخة إلى العراق (فُقدت أيام المختار) وأرسلوا نسخة أخرى إلى الشام. وأمر عثمان الولاة أن يجمعوا ما عندهم من المصاحف ويغلوا لها الخل ويسرحوها فيه ويتركوها حتى تتقطع وتهترىء، ولا يبقى شيء منها، وتوعَّد من يخالف أمره (الإتقان للسيوطي كتاب المصاحف).
- عدد الزيارات: 14934