Skip to main content

نجــــاح و فشــــل - إسألوا أهل الذكر

الصفحة 5 من 5: إسألوا أهل الذكر

إسألوا أهل الذكر

يعز على إتهام الآخرين بالخطأ والضلال كما يعز على إدعاء المعرفة ولكن التهمة

والادعاء يهونان أمام واقع تاريخي لازمه الخداع والمكر منذ نشأته إلى اليوم

وجميعنا كنا ضحية بلبلة في الإسلام لا حدود لها ولا نهاية وليس من مسلم متدين استطاع الافراج عن الحقيقة وليس من باحث محقق تمكن من قول الحقيقة وليس من جرئ مغامر هانت عليه حياته ليعلن ما يضمر

وأخشى أن تكون قضايا الإسلام تسيست وعروبة المسلمين استغلت وثروة العرب استبيحت ليبقى الضلال ضلالا وتظل الحقيقة تائهة ضائعة

لا عجب في ذلك فمعظم عجائب الله حدثت في البوادي لقد أنزل الله على موسى ناموسه في صحراء سيناء والروح القدس يكلم أحباءه في سكون البادية الرهيب والمسيح خضع لامتحانات الشيطان في البرية والله يطيب له السبى مع المسبيين إلى بابل

وأرواح الجن ترقص تيها على الرمال وأبواب السماء جميعها تتصدع في ليالي القدر

والملائكة نازلة صاعدة على الأنبياء في ظلمات الليل والقديسون يترنحون في نجواهم في مناسكهم البعيدة في سكون الغابات ورؤوس الجبال ... إن هول الصحراء لعظيم

لا عائق في البادية يحول دون الايمان لا شك عند البدوي في ايمـان غاصت جذوره في أعماق القلب والوجدان في البادية يسرح النظر إلى اللامحدود وإلى اللامتناهي

إلى البعيد البعيد إلى اللــــــــــــه واللامحدود في الصحراء ينبسط تحت القدمين ويمتد فوق الرأس الصحراء مترامية وكذلك السمـــاء أيضا وكل شئ بين الأثنين لامحدود القبيلة تنشق على ذاتها إلى ما لا يحد من بطـــون وفخوذ وتشعبات

والعيـــلة تعتز بكثرة الأفراد فيها والزعيم بما يملك من إبل وأرض وبشر والعربي أمين بمـــا لا يحد ومؤمن بدون شكـــوك وكريم الأخــلاق حتى التضحية بنفسه وسخى الكفـــين حتى بقلذة كبده الوحيد ... كل شئ في البادية مدفوع إلى تمامه وكمـــاله

لا استقرار في الصحراء ولكن لا بد من شئ يعوض عن التيـــه الدائم هو الماضي وكل شـــئ منوط بالماضي والبدوي أمين على الماضي بدون أى تحفظ كلما ارتد النسب في التاريخ الماضي السحيق استقر البدوي في الحاضر والمستقبل

والعربي الذي لا ينتمي لأنساب فضفاضة الفروع فمصيره الموت شـأنه شأن الأغصان التي لا جذور لها هذا هو مستقره وعز مجده وفخر مقامه بين البشر وهذه تبقي عصبيته التي تشده إلى الزمان الغابر كما إلى أفراد عائلته وهو مثل الذرة التي لا توجد في الكون إلا ملتصقة بأختها

إن عرفت ماضي البدوي عرفت كل شئ عنه شخصيته وعلمه ودينه وتقاليده وأخلاقه واجتماعياته ... لا تعرف شيئا عنه إن لم تلم بالفخذ الذي قد منه انتماؤه إلى الماضي هو الدعامة الثالثة اللامتناهية وهذ تحميه من هول الدعامتين اللامتناهيتين

تحميه من لا محدودية الصحراء ومن السماء المترامية الأطراف .. فالمبدأ الجوهري للحياة أن يكون البدوي أمينا على ماضيه وكل ما فيه وخوف البدوي من هذه الأبعاد الثلاثة هائل فهو يخاف السماء إن أمطرت ويخافها إن صحت يخاف الاستقرار كما يخاف الترحال يخاف الماضي كما يخاف المستقبل يخاف الرمال تحت قدميه ويخاف النجوم فوق رأسه يخاف السكون كما يخاف العواصف يخاف الغريب كما يخاف أخــــه وأبنه .....

هذا الخوف من كل شئ شدد عزائم الايمان عنده ويخشى أن يبدل شيئا في ايمانه ولشدة الخوف يخشى أن يفرط بشئ مما عنده ومما عند سواه فدينه دين ابراهيم وموسى وعيسى وايمانه ايمان أهل الكتاب بلا تفريق وألهه إله بني إسرائيل قبل أن يتحزبوا

وشريعته شريعة الأنبياء الأقدمين بلا تبديل وكتابه التوراة والانجيل وما أنزل إليه ... وما الإسلام العربي في حقيقته وجوهره إلا دين التوحيد الذي لا يفرق بين الرسل والأنبياء وما المسلمون إلا القائلون أبدا لا نفرق بين أحد من رسله ونحن له مسلمون

والبدوي الذي لا يخاف لا يعد من المسلمين الطيبين وأكثر خوف المسلم على الله من أن لا يكون إلها لهذا فهو يصلي باستمرار اللـــــــــــه أكبر اللــــــــــــه أكبـــــــــر خوفا عليه من أن لا يكون كذلك

وكل مرة يتلفظ بأسم الله عليه أن يتبعه بأوصاف الاكرام والتجلة فالله عنده مصحوب أبدا بسبحانه عز وجل و بسبحانه تعالى وبجل جلاله ... وعنما لا ينعت أسم الله بذلك يخشى المسلم عليه أن يفقد هويته ... والخوف على الله _ أنتبـــه : لا من الله

يٌحتم بعده وتعاليته وكبـــره وصمدانيته ..... ففخر إله المسلمين أن يكون وراء السماء السابعة وإذا ما ذكر أسمه كيفما كان وأينما كان

تهتز أركان الكون لهذا الاستهتار المشين

والمعروف عن الخائف أبدا أنه لا يشك أبدا ف الحـــــر وحده يمكنه أن يشك بينما الخائف مقيد بمخاوفه بألف ألف قيد والمكبل بالقيود لا يداخله شك ولا ريبة كل شئ عنده ثابت موفور الحصانة لا تنتابه هزة ولا يناله بلبال كل جولات العقل تقف عنده وجميع بحوث الباحثين لا فائدة فيها ولا نفع منها

وانعدام البحث عند الخائف وفر له الطمأنينة والطمأنينة عوضت عليه أهوال مخاوفه والمطمئن لا يبحث بل يرى لا فائدة في البحث ولا يشك أبدا لأن الحقيقة كلها في متناوله وهـــو لا يخاف شئ بل يخاف على كل شئ ...

وأعظم الأمور أن يخاف المؤمن على الله قيثبته ما وراء الكون

وأن يخاف على الوحي فينيطــه بالأزل

وأن يخاف على كتابه فيربطــــه ب الأفق الأعلى

وأن يخاف على النبوة فيثبتها بشهادة من الملائكة والكتب السابقة والأنبياء الأقدمين والملوك والأحبار والجـــن

وأن يخاف على الشريعة فيردها إلى نوح وابراهيم وموسى وعيسى وأن يخاف على مصيره فيدعمـــه بقضاء الله وقدره وأن يخاف على أن لا يكون خــــائفا على شئ وهــــذا منتهى الطمأنينة

ولحق بالطمأنينة الماورائية هذه طمأنينة تامة في أحـــوال المجتمع وفي أمور الدنيا وسياسة الحياة وأكمل نظام للمجتمع عنده هو النظام الذي فرضه الكتاب وكل بحث عن نظام جديد هو إمعان في الغيب وكل نهضة علمية لا تنطلق من الكتاب المنزل تحمـــل عجـــز نهوضها في نفسها لآنها سائرة لا محالة إلى الزوال

وهكذا أراحت تلك الطمأنينة أصحابها من كل عناء فهم يعرفون أحوال الجنة وأفراحها بالتمام بل ويعرفون لذاتها لذة لذة ويعرفون المصير المحتم كيف يكون ويعرفون الله بكل صفاته ويعرفون آياته كلها ...

وبفضل معرفتهم تلك هم مطمئنون إلى كل شئ فهم لا يشكون ولا يرتابون ولا يرفضون وبالتالي هم لا يبحثون عن ضالة فكل شئ لديهم ظــــاهر للعيـــــــــان وهم يملكون ملفات الحقيقة في جيوبهم كما يملكون عن كل سؤال جوابــــــا ... وعجبي !

لأجل هذا الارتياح التام غزت البادية شعوب تقلقها الحقيقة فهزتها هزة عنيفة ووضعتها في مسيرة التاريخ فكنت ترى فيها منذ القديم سياسة الرومان وآثار الأحباش وسيطرة الفرس وعلم بني آرام وفلسفة اليونان وتكنولوجيا الشرق والغرب معا واختراعات جميع شعوب الأرض ... كلها غزت البادية والبدو لهذا الغزو مرتاحـــــون مطمئنون

فيما هم يعوضون عن شدة غزو الآخرين لهم في غزو بعضهم بعضا إلى الأبد .. وأن سياسة المضطربين مع المطمئنين أن يبقى شعب البادية مطمئنا أبدا

سبب الطمأنينة التعلق بالماضي وكلما أمعن الماضي في القــدم صارت الطمأنينة أثبت وأمتن وما أدراك إذا تعلق الماضي باللوح المحفوظ في الأفق الأعلى !

كل شئ في البادية ثابت على ما يبدو إلا الانسان وعوض الانسان عن عدم استقراره بكل شئ مستقر وفي ذلك لم يجد مثل سدرة المنتـــــــــــــهى يربط فيها طرف حبله

وليس كالسماء شئ يتعلق التائهون بعـمـــــــــــــده وليس كجبرائيل يثبت النــــبوة بعـمـــد السـمـاء ويثبت الكتـــاب بالأزل ويثبت الشريعة بالأبد وإلى الأبد ..

فلهذا لا تستطيع أن تهز مطمئنا ولا تستطيع أن ترى بين الله ونبيه أية واسطة ولا بين الكتاب واللـــوح المحفــوظ كتابا آخر

ولا بين فردوس عدن وجنة حور العين فردوسا وسيطا ولا بين الملاك جبرائيل والرســـول أى جبريل بشري ... لا شئ في التاريخ أو من التاريخ يستطيع أن يكون بين الأزل والأبد

وعليه أيضا يصعب عليك أن تجد ملامح القس ورقة بن نوفل وراء محمد

أو أن تجد وراء القرآن العربي الانجيل العبراني ووراء الإسلام إسلاما كان من قبل

ووراء المتقبن من العرب طائفة من أهل الكتـاب ...

كل ما في القرآن العربي من دعوة إلى سؤال أهل الكتاب لا منفعة فيه مــرارا قال الكتاب إن كنت في شك مما أنزلنا إليك ف اسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك وقال أيضا اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ... ومرارا قال القرآنيون تنزيل من رب العالمين ..

بين كتاب القس والنبي وكتاب القرآنيون تدور كل حكاية التاريخ لا هؤلاء حادوا عن اطمئنانهم ولا عثمــــان بن عفـــان ترك لنا مجالا لمعرفة الحقيقة

وما يـــــــــــــزال المطمئنون يحرمــــون علينا سـؤال أهل الذكــــــــــــــر

الصفحة
  • عدد الزيارات: 12839