Skip to main content

خطية نوح

الفصل الثالث

خطية نوح

اعترض المعترض الغير مؤمن على وقوع نوح في السُّكر، واستشهد بما ورد في التكوين 9:18 - 27 : كان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث، وحام أبو كنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح، ومن هؤلاء تشعَّبت كل الأرض وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً، وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجًا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على كتفيهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما فلما استيقظ نوح من خمره علم بما فعل ابنه الأصغر، فقال:'ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته`

شرب محمد للخمر: روى عبد الرحمن عن ابن عباس أن محمداً طاف وهو شاك على بعير ومعه محجن (والمحجن خشبة في طرفها اعوجاج مثل الصولجان) فلما مرَّ بالحجر استلمه بالمحجن، حتى اذا انقضى طوافه نزل فصلى ركعتين، ثم أتى السقاية فقال: اسقوني من هذا فقال له العباس: ألا نسقيك مما يُصنع في البيوت؟ قال: لا، ولكن اسقوني مما يشرب الناس فأتى بقدح من نبيذ فذاقه فقطب وقال: هلموا فصبُّوا فيه الماء ثم قال: زد فيه مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال: إذا صنع أحد بكم هذا فاصنعوا به هكذا , وروى يحيى بن اليماني عن ابن مسعود الأنصاري أن محمداً عطش وهو يطوف بالبيت، فأتى بنبيذ من السقاية فشمه، ثم دعا بذَنوب من ماء زمزم (أي دلو) فصبّ عليه ثم شربه، فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا , (العقد الفريد - ابن عبد ربه - باب احتجاج المحلين للنبيذ)

وعن ابن عباس قال: قَدِم النبيُّ على راحلته وخلفه أسامة، فأتيناه بإناءٍ فيه نبيذ، فشرب وسقى فضلَه أسامة, وقال: أحسنتم وأجملتم، هكذا فاصنعوا قال ابن عباس: فنحن لا نريد أن نغيِّر ما أمَر به , (السيرة النبوية - ابن كثير ج4 وصحيح مسلم كتاب الحج, باب فضل السقاية),

وذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن الله حرم خمر العنب تعبّداً لا لعلة الإسكار، ولا لأنها رجس، ولو كان كذلك لما أحلَّها الله للأنبياء المتقدمين السالفين، ولا شربها نوح بعد خروجه من السفينة، ولا عيسى ليلة رُفع، ولا شربها أصحاب محمد في صدر الإسلام, ورووا أن سفيان الثوري كان يشرب النبيذ الصلب الذي تحمّر منه وجنتاه(العقد الفريد - ابن عبد ربه ج 8),

فمن هذا ترى أن الخمر كانت جائزة، والتوراة والإنجيل يعلّمان أن شُرب الخمر جائز لكن السّكر بها هو الخطأ,

خطايا نوح حسب القرآن: 1 - من الخطايا التي نسبها القرآن الى نوح أنه دعا على المشركين بأن يزيدهم الله ضلالًا, في سورة نوح 71:24 فقال: ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا وفي الآية 26 قال نوح: رب لا تذَرْ على الأرض من الكافرين ديّارًا ، ثم قال: رب اغفر لي وقال المفسرون: إنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر لي من ترك الأفضل أما في الإنجيل فورد في 2بط 2:5 أنه كان كارزاً للبر، فقام بوظيفته، ولم يقل إنه قصَّر في أداء الرسالة، ولا أنه أخذ يدعو على الناس بالإفناء, قال علماؤهم إنه ترك الأَوْلى والأفضل حيث استغفر ربه، وهذه الخطيئة أقبح من السُكر، ولا نعتقد بحصولها لعدم ورود شيء عنها في التوراة

2 - ومن الخطايا التي نسبها القرآن إلى نوح أيضاً طلبه من الله ما لا يجوز طلبه، فورد في هود 11: 45 - 47 ونادى نوح ربه، فقال:' ربي إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق وانت أحكم الحاكمين` قال:' يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين` قال:' رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قال المفسرون: المراد بابنه هنا كنعان، وكان كافراً وقالوا: إنه كان ابن زنا ليس من صُلب نوح فرموا امرأته بالزنا,

وما يؤيد ذلك قوله: ضَرَبَ ا للَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ا مْرَأَتَ نُوحٍ وا مْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَاِدنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا (التحريم 66:10),

ولكن قال بعضهم: إنه ابنه وإن الله يُخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر، ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم، فأخرج الله قابيل من صلب آدم وهو نبي، وكان قابيل كافراً وأخرج إبراهيم من صلب آزر وهو نبي, وكان آزر كافراً فكذلك أخرج كنعان وهو كافر من صلب نوح وهو نبي فهو المتصرف في خلقه كيف يشاء , فالقرآن يقول إن نوحاً سأل المحظور، فنهاه الله بقوله: فلا تسألني ما ليس لك به علم وقوله: إني أعظك بأن تكون من الجاهلين فيه زجر وتهديد، ثم أن طلب المغفرة والرحمة يدل على صدور الذنب منه, واستدل علماء المسلمين بذلك على عدم عصمة الأنبياء, فالحكاية المتقدمة كافية في الدلالة على وقوع نوح في الخطيئة,

حام وكنعان: وقال: إن الذي نظر إلى عورة نوح هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، مع أن أخذ الابن بذنب أبيه خلاف العدل قال النبي حزقيال: النفس التي تخطئ هي تموت الابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون (18:20),

وللرد نقول: من تتبّع تاريخكنعان رأى أنه أقبح من والده حام , فلعْنُ نوح لكنعان كان نبوّة من نوح, ثم إنّ لعن كنعان عقاب شديد لوالده حام لأنه لعَن ولده فلذة كبده, وكل والد في الدنيا يجعل كل عقله وفكره خير ابنه، ويتألم إذا حل به مكروه، ويتمنى أن يفديه بروحه, فلَعْنُ ولده عقاب شديد له، وهو أقسى من عقاب الوالد فقط,

ثم أن كنعان استحسن عمل والده حام - ونوح نبي صالح، ما كان ليلعن حفيده لو لم يكن ذلك الحفيد مشتركاً مع أبيه في فعلته الشنعاء، خصوصاً ونحن نعلم منزلة الحفيد عند جدِّه, نعم كان كنعان شريراً, وقد وضع نوح كل شيء في محله، فلعن حاماً مرتكب الخطية، ولعن ابن حام الذي كان شريراً كوالده وموافقاً على عمله,


وينقسم العقاب إلى قسمين: عقاب في الدنيا وعقاب في الآخرة، والأخطر هو عقاب الآخرة, فعقاب الدنيا هو ما يحل بالابن بسبب خطية والده، فإذا كان فاسقاً أو سكيراً أو لصاً تجرع أولاده وامرأته غُصص الفقر والضيق، وهو أمر طبيعي, مع أنه لا ذنب للابن في هذه الحالة غير انحراف والده فإذا فرضنا أن كنعان كان رجلًا صالحاً (وهو خلاف الحقيقة) فعقابه هو عقاب الدنيا، وهو لا ينافي أن الله سيجازي كل إنسان حسب عمله، خيراً كان أو شراً في الآخرة, وكثيراً ما يحل بالأمة كروب لانحراف ملكها، فيسلط الله على الملك العاصي من يخرب بلاده بسبب انحراف ملكها عن الصراط المستقيم, وصحيح أن القرآن يتفق مع ما جاء في حزقيال 18:20 ، غير ان به الكثير مما عابه المعترض الغير مؤمن على عقاب كنعان,

الأبناء يُؤخذون بذنوب آبائهم: من العقائد الإسلامية المهمة أن الابن يؤخذ بذنب أبيه, ورد في الحديث: يا داود، أنا الله الودود, أنا الله ذو بكة، آخذ الأبناء بما فعله الجدود , وورد في الأنفال 8:25 : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة يعني تتعدى إليكم جميعاً، وتصل إلى الصالح والطالح, وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار, وقال ابن عباس: أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم الله بالعذاب، فيصيب الظالم وغير الظالم , ومن الأحاديث: إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعل ذلك عذب الله العامة والخاصة , وقال ابن الأثير في الأصول إن محمداً قال: إذا خلت الخطيئة في الأرض، كان مَن شهدها فأنكرها كمَن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كمَن شهدها , قال علماؤهم: فإن قلت ظاهر قوله 'واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ` يشمل الظالم وغير الظالم، فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصّل الفتنة إلى من لم يذنب؟ قلت: إنه تعالى مالك الملك وخالق الخلق، وهم عبيده وفي ملكه، يتصرف فيهم كيف يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فيحسن منه على سبيل المالكية، أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع من أنواع المصلحة ,

وقال ابن حزم: إن قوله: ليس للإنسان إلا ما سعى (النجم 53:39) نُسخت بقوله: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان (الطور 52:21) فيجعل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه، ويشفع الله الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء ,

وجرت العادة أنه إذا اقترف الأب ذنباً نُسب إلى ابنه مع أنه لم يفعله حقيقة، لكنه كان يقتدي بأبيه، فإن من شابه أباه فما ظلم، كان كأنه فعل ذنبه, كان محمد يشنّع في يهود عصره ويتهمهم بأنهم عبدوا العجل، مع أن آباءهم هم الذين عبدوه، فقال: إن الذين اتخذوا العجل، سينالهم غضبٌ من ربهم وذلة في الحياة الدنيا (الأعراف 7:152), (القرطبي في تفسير البقرة 2:76), فقال علماء المسلمين: المراد بالذين اتخذوا العجل اليهود الذين كانوا في زمن محمد قال ابن عباس: هم الذين أدركوا النبي، وآباؤهم هم الذين عبدوا العجل , وقال عطية العوفي: سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد محمد, وأراد بالغضب والذلة ما أصاب بني النضير وبني قريظة من القتل والجلاء ,

وعلى هذا القول ففي تقرير الآية وجهان:

(1) تُعيِّر العرب الأبناء بقبائح أفعال الأباء كما تفعل ذلك في المناقب، فتقول للأبناء: فعلتم كذا وفعلتم كذا وإنما فعل ذلك من مضى من آبائهم, فكذلك هنا وُصف اليهود الذين كانوا على زمن محمد بأنهم اتخذوا العجل، وإن كان آباؤهم فعلوا ذلك, ثم حكم على اليهود الذين كانوا في زمنه بأنهم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذِلة في الحياة الدنيا

(2) أن تكون الآية من باب حذف المضاف، والمعنى أن الذين اتخذوا العجل وباشروا عبادته سينال أولادهم الغضب، ثم حُذف المضاف لدلالة الكلام عليه (الرازي في تفسير الأعراف 7:152),

وعلى هذا القياس اقترف حام الخطيئة فلعن نوح كنعان ابن حام لأنه كان شريراً مثل والده, فالله العادل الحكيم العليم لا يظلم أحداً، بل وسيجازي كل إنسان حسب عمله خيراً كان أم شراً, لقد كان كنعان شريراً استوجب اللعنة,

كنعان عبد لغيره: قال المعترض الغير مؤمن : وما سُمع أن كنعان ولا بنوه كانوا عبيداً ولا في وقت من الأوقات، بل كانوا سادة وملوكاً وجبابرة في فلسطين ,

وللرد نقول: التاريخ ناطق بأن كنعان صار عبداً لإخوته، كما هو واضح من تاريخ بني إسرائيل، فاستولى الإسرائيليون على بلادهم وأذلُّوهم، كما جاء في سفر يشوع, وقد فلق الله نهر الأردن لبني اسرائيل وأوقع أسوار أريحا وأذلَّ الكنعانيين,

  • عدد الزيارات: 14911