Skip to main content

أحاديث أُمّية محمد

لاقت مقولة أُميّة محمد رواجاً في الفكر الإسلامي، رغم أنها ليست فضيلةً لمحمد. ولكن المسلمين رأوا في أُميّة محمد زيادة في إعجاز القرآن، وتأكيداً على الصلة الغيبية بين القرآن والله، ونفي تدخل محمد في الوحي بأي صورة.

فهل صحيح أن محمداً كان أمياً؟

كلمة أُمي لغةً تحمل معنيين: الأول هو الجهل بالقراءة والكتابة، والثاني هو أن صاحبها ليس من أهل الكتاب. ورد في القرآن قل لأهل الكتاب والأُميين: أأسلمتم؟ (سورة آل عمران 3: 2 ) 3 سورة آل عمران. فأي المعنيين هو المقصود بأُمية النبي؟


أدلة المتخالفين:

لم يعترف كثير من المفكرين بأُمية محمد، وقرروا أنه كان يكتب ويقرأ، واستندوا في رأيهم هذا على عدة أمور نذكر منها:

1 - صلح الحديبية: روى الشيخان (البخاري ومسلم) عن البَرَاء، قال: لما اعتمر النبي في ذي القعدة، أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قالوا لا نُقرُّ لك بهذا. لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً، ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. ثم قال لعليّ: امحُ رسول الله. قال علي: لا والله لا أمحوك أبداً. فأخذ رسول الله الكتاب وليس يُحسن يكتب، فكتب هذا ما قضى محمد بن عبد الله

هذا هو الحديث الذي يحتج به من يقول بعدم أُمية محمد، وقد أورد الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم آراء المحتجّين والمخالفين لأُمية محمد، ونورد هنا نصَّها لشمولها على الرأيين:

قال القاضي عياض: احتج بهذا الحديث بعض الناس على أن النبي (ص) كتب بيده على ظاهر اللفظ وذكر البخاري نحوه (وهو الحديث الذي أوردنا لفظه). وقال أصحاب هذا المذهب إن الله أجرى ذلك على يده، إما بأن كتب ذلك والقلم بيده وهو غير عالم بما يكتب، أو أن الله علَّمه ذلك حين كتب، وجعل هذا زيادةً في معجزاته. فإن كان أُمياً فكما علّمه ما لم يعلم من العلم، وجعله يقرأ ما لم يقرأ، ويتلو ما لم يكن يتلوه، كذلك علَّمه أن يكتب ما لم يكن يكتب، وخطّ ما لم يكن يخط بعد النبوة، أو أجرى ذلك على يده. قالوا: وهذا لا يقدح في وصفه بالأُمية. واحتجوا بآثارٍ جاءت في هذا عن الشعبي وبعض السلف أن النبي لم يمت حتى كتب. قال القاضي: ذهب أبو الوليد الباجي، وحكاه عن السمعاني وأبي ذر وغيره، وذهب الأكثرون إلى منع هذا كله، قالوا: وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الأول يبطله وصف الله تعالى إياه بالنبي الأُمي، وقوله: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ (سورة العنكبوت 29: 48) وقول النبي: إنّا أمة أُمّية لا نكتب ولا نحسب. قالوا: وقوله في هذا الحديث معناه أمر بالكتابة، كما يقال رجم ماعز، وقطع السارق، وحد الشارب، أي أمر بذلك. واحتجوا بالرواية الأخرى: (فقال لعليّ: أُكتب محمد بن عبد الله). قال القاضي: وأجاب الأوّلون عن قوله تعالى إنه لم يتْلُ ولم يخط، أي من قبل تعليمه، كما قال (من قبله) فكما جاز أن يتلو جاز أن يكتب، ولا يقدح هذا في كونه أُمياً إذ ليست المعجزة مجرد كونه أُمياً، فإن المعجزة حاصلة بكونه كان أولاً كذلك، ثم جاء بالقرآن، وبعلوم لا يعلمها الأُميون. قال القاضي: وهذا الذي قالوه ظاهر. قال: وقوله في الرواية التي ذكرناها (ولا يُحسن أن يكتب) فكتب كالنص أنه كتب بنفسه، قال: والعدول إلى غيره مجاز، ولا ضرورة إليه. قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة، وشنَّعت كل فرقة على الأخرى في هذا. والله أعلم,

وهكذا انتهوا إلى: الله أعلم ! ولكن هناك رأياً آخر في الموضوع، وهو رأي القرآن. فالقرآن لم يُسَمِّ محمداً النبي الأُمي (سورة الأعراف 7: 156) إلا اصطلاحاً لا لغةً، فقد كان المصطلح الشائع لهذه الكلمة هو ما أشاعه اليهود في مهاجرهم والحجاز: فكل ماعداهم من الناس أُميون أي من الأمم الذين لا كتاب مُنزَل لهم. فالعرب كتابيون وأُميون وقل للذين أوتوا الكتاب والأُميين: أأسلمتم (سورة آل عمران 3: 2 ). لذا فمحمد نبي أُمي أي من الأُميين العرب. فالقرآن لا يقول إن محمداً كان أُمياً لا يقرأ ولا يكتب، بل إنه النبي الأُمي أي العربي الذي ليس له كتاب من قبل. والمنطق السليم يفترض أن محمداً قد تثقَّف بكل ثقافة الأرستقراطية القُرَشية، مثل ابن عمه وربيبه، علي بن أبي طالب. وتشهد سيرة محمد أنه كان تاجراً ناجحاً، مما حمل خديجة بنت خويلد أن تدفع له تجارتها، ثم تتزوجه. فهل يُعقل أن تدفع خديجة كل أموالها وبعد ذلك نفسها إلى راعي غنم، وهي سيدة أرستقراطية لها مكانتها في قريش!

وهناك رواية أخرى وردت في الجامع في علوم القرآن الذي صدر محققاً للمرة الأولى عام 1992 بعناية المستشرق الألماني ? Miklos Muranyi تدعم رأينا أن أمية محمد لم يكن المقصود منها عدم معرفته بالكتابة والقراءة,

قال أبو الأسود، وقال عروة بن الزبير: إن الناس اختلفوا في قراءة لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب, فدخل عمر بن الخطاب على حفصة بأديم، فقال إذا دخل عليك رسول الله فاسأليه يعلمك: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، قولي له يكتب لك في هذا الأديم, ففعلت فكتب لها,


ثقافة محمد:

بالرغم من كل ما سبق من قرائن على عدم أُمية محمد، فإننا سندع هذا جانباً، لنتناول ثقافة محمد النبي الأُمي ، وسوف نعرض بعض أحاديثَ في هذا الأمر، تبيّن أن محمداً كان عالماً مثقّفاً يعرف أديان عصره، متقناً لفن الاستماع، وهو الأمر الذي ينفي عنه الأمية الثقافية. ثم نُعلق على هذه الأحاديث.

1 - أخرج الطبري عن ابن عباس قال: كان رسول الله يعلم قيناً (غلاماً) بمكة اسمه بلعام، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (سورة النحل 16: 1 3) (وهذا الحديث سنده ضعيف ولكن له عدة طرق يقوي بعضها بعضاً).

2 - عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان: أحدهما يقال له يسار، والآخر جبر، وكانا صقليين، فكانا يقرآن كتابهما ويعلمان علمهما، وكان النبي يمرّ بهما فيستمع قراءتهما، فقالوا: إنما يتعلم منهما

3 - عن زيد بن ثابت قال: قال النبي: أتُحسن السريانية فإنها تأتيني كتب قلت: لا. قال: فتعلَّمْتُها في تسعة عشر يوماً ، وفي رواية للبخاري أن النبي أمره أن يتعلم كتابة اليهود ليقرأ عليه إذا كتبوا إليه

4 - عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله (ص) مع أبي وعَليَّ قميص أصفر فقال رسول الله: سناه ، قال عبد الله: وهي بالحبشية حسنة

5 - عن أبي هريرة، أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فمه، فقال النبي بالفارسية: كخ كخ، أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة

6 - عن أبي هريرة، قال: هجَّر النبي فهجَّرت. فصلّيت ثم جلست، فالتفت إليَّ النبيُّ فقال: أشكمت درد؟ (فارسية معناها: تشتكي بطنك) قلت: نعم يا رسول الله، قال: قم فصلِّ، فإن في الصلاة شفاء

وللتعليق نقول:

هذه الأحاديث التي رويناها عن محمد، بغضّ النظر عن معرفته الكتابة من عدمها، تؤكد أنه كان يقف ويستمع إلى غلامين صقليين وهما يقرآن كتابهما، وأنه أمر زيداً أن يتعلم السريانية (وفي رواية لغة اليهود) وأن محمداً تكلم بالحبشية والفارسية. ولعل هذه الأحاديث لا تتفق والقول بأُمّية محمد.

المعروف لنا جميعاً والثابت في كتب السيرة النبوية أن محمداً كان تاجراً ناجحاً، وكانت تجارته رائجة في اليمن والشام، مما دفع بخديجة لأن تتزوجه. ومن المعروف منطقياً لنا أنه إذا أراد تاجر أن ينجح فلا بد وأن يعرف عادات وتقاليد وبعض ثقافة من يتعامل معهم، فكان احتكاك محمد بأهل اليمن والشام دافعاً له لأن يتعلّم الكثير عنهم. وكذلك فإنه من غير المعقول أن يقف محمد ليستمع لغلامين أعجميين دون أن يفهم ما يقولان، خصوصاً وأن هذا الوقوف إليهما تكرر، مما دفع بقريش أن يقولوا إن محمداً يتعلم منهما. هذا بالإضافة إلى الجُمَل أو الكلمات التي كان يقولها محمد أحياناً بالحبشية والفارسية. والقرآن يشتمل على كلماتٍ كثيرة غير عربية. وقد كان محمد (على عكس ما يصوّرون لنا) مهتماً بالثقافة الشخصية والأدب، وكان يحضر سوق عكاظ أحياناً وذلك فيما يرويه ابن كثير عن عبادة بن الصامت. قال: لما قدِم وفد إياد على النبي قال: يا معشر وفد إياد، ما فعل قس بن ساعدة؟ قالوا: هلك يا رسول الله. قال: لقد شهدتُه يوماً بسوق عكاظ على جمل أحمر يتكلم بكلام مُعْجِب مُونِق لا أجدني أحفظه (السيرة النبوية لابن هشام - باب ذكر قس بن ساعدة).

وكل هذا لا يقدح في أُمية محمد، ففي رأينا أن محمداً كان واسع الاطلاع، غزير الثقافة بغضّ النظر عن أميته. ولم يكن من الصعب على شخص مثله أن يصبح ملمّاً بأخبار أهل الديانات الأخرى الذين كان يحتك بهم كثيراً. ونتيجةً لهذا الاحتكاك تعلّق قلبه وروحه بالله، فحاول البحث عنه، ولأن كل من كانوا حوله مِن يهود ومسيحيين كانوا إما هراطقة أو زائغين عن الحق فقد حاول أن يكتشف طريقاً آخر غير طريقهم، فحاد عن الصواب.

ولعل الأحاديث السابقة توضح أن محمداً كان باحثاً مخلصاً عن الله، ولكن المثير للعجب هو موقف المسلمين من هذا الرأي، فإنهم يصرّون على أن محمداً لم يكن يكتب ولا يقرأ، وليس لديه أي علم سابق عن أية ديانة حتى هبط عليه الوحى فجأة بغار حراء، ومن ثم تعلم كل شيء فوراً. وهذا الرأي لا يستقيم عقلياً أو تاريخياً، وإلا فليفسّروا لنا أحاديثهم حول علاقة محمد بأهل الكتاب قبل هبوط الوحي عليه في غار حراء فجأة.


أحاديث الفضائل

هناك عدة أبواب في كتب الحديث تحت عنوان الفضائل والمناقب مثل فضائل القرآن، وفضائل النبي، وفضائل الصحابة. وسنتناول هذه الأبواب كلها تحت العنوان نفسه، مبتدئين بفضائل النبي.

(أ) فضائل النبي:

1 - عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله، متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد 19.

2 - عن عبد الله بن سلام، قال: مكتوب في التوراة: صفة محمد، وعيسى بن مريم يُدفن معه. قال أبو مودود (أحد رُواة الحديث): وقد بقي في البيت (حجرة عائشة) موضع قبره

3 - عن أبي هريرة، قال: يا رسول الله، ادعُ على المشركين. قال: إني لم أُبعث لعّاناً؛ وإنما بُعثت رحمة

4 - عن عبد الله بن مسعود، قال: إن النبي قال: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد ثم قال النبي: وأَتْبِع أصحاب القليب (مكان بالقرب من بئر بدر) لعنة

5 - روى البخاري عن عائشة أنه لما فتر الوحي عن النبي حزن حزناً شديداً جعله يذهب مراراً ليلقي بنفسه من شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل ليُلقِي نفسه منه، تبدَّى له جبريل، يقول: يا محمد، إنك رسول الله حقاً

للتعليق نقول:

قلنا في فصل علاقة محمد بأديان الجزيرة العربية قبل الإسلام وفصل أُمّية محمد إن النبي لم يكن يجهل ما كُتب قبله، وإن هذه القصص كانت منتشرة في كل مكة والحجاز. ومن هذه القصص والأخبار معجزات الأنبياء قبله، فكان لابد أن تكون معجزات محمد أكثر وأعجب من كل معجزة سبقته، لأنه خاتم الأنبياء. فكان أن رُويت عنه عدة أحاديث حول إيمان الذئب به، وحواره مع غزالة وضبّ، وقصة حماره يعفور الذي كان يذهب لينادي الصحابة من منازلهم، والشجر الذي كلَّمهُ، وغيرها,والأغلب أن المسلمين أرادوا أن يضعوا محمداً في مرتبة أعلى من المسيح. فقد قال المسيح: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ (يوحنا 8: 58) 5,4، فيجب أن تُكتب النبوّة لمحمد، وآدم بين الروح والجسد! وإذا كان المسيح رُفع إلى السماء ولا يزال حياً، فيجب أن يُهبَط ويتزوج ويموت ويُدفَن إلى جوار محمد! ويجب أيضاً أن يصعد محمد إلى السماء حياً ويرى الله ثم يهبط ثانية للأرض (قصة المعراج).

وفي بعض الأحيان تجد محمداً يقول قولاً ثم يفعل عكسه تماماً، فتجده يقول إنه لم يُبعث لعّاناً، ثم تجده يقول: اللهم العَن فلاناً وفلاناً.

ولنا سؤال: لقد حاول محمد عدة مرات أن ينتحر. فهل ثقته بالله هي التي دفعته لمحاولة الانتحار، أم ماذا؟

(ب) فضائل قريش والقبائل:

1 - عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله يقول: لا يزال هذا الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، كلهم من قريش وفي رواية لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يقوم عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش

2 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: المُلك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد (اليمن)

3 - عن ابن عبَّاس، قال: رسول الله: أحِبُّوا العرب لثلاث: لأني عربيُّ، والقرآن عربيُّ، وكلام أهل الجنة عربيُّ وقد قال الألباني بوضعه.

وللتعليق نقول:

إذا كان الله قد بعث محمداً نبياً، فلماذا كان يقوم بتقسيمات هي محض مُلكٍ وإمارة؟ ولماذا لم يلتزم بقوله: لا فضل لعربيٍّ على أعجميّ إلا بالتقوى؟ ثم ما ذنب من لا يعرف العربية؟ وهل تحَوَّل الله إلى إله إقليمي للعرب فقط؟ أم يجب على العالم كله أن يتعلم العربية ليعرف الله؟

(ج) فضائل الصحابة:

أول ما يُلفت نظرنا في هذا الباب، حديث أنس عن النبي قال: مثل أصحابي في أمّتي كالملح في الطعام، لا يصلح الطعام إلا بالملح وهذا الحديث وحديث آخر يقول: أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم يوضحان رأينا السابق في فصل أمية محمد من أنه كان ملمّاً ببعض ما في الإنجيل، لأنه نقل قول المسيح أَنْتُمْ مِلْحُ الْأَرْضِ, أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ (متى 5: 13 و14).

(د) فضائل الخلفاء الأربعة:

1 - عن ابن عمر، قال : كنا في زمن النبي لا نعدِل بأبي بكرٍ أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي، لا نفاضل بينهم 2.

وللتعليق نقول:

ورغم أن هذا الحديث، وحديثاً آخر يقول: من رمى مسلماً بكفرٍ فقد باء به أحدهما 2,فإننا نجد عائشة زوج النبي ترمي عثمان ثالث الخلفاء بالكفر وتقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. وتجد الحديث يسكت عن ذكر علي، رغم أنه من محمد بمنزلة هارون من موسى. فهل كان هارون هو الرابع بعد موسى؟

2 - عن ابن عمر، قال: إن عُمراً قال: وافقتُ ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت. وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البَرُّ والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي في الغيرة، فقلت: عسى ربَّه إن طلَّقكنَّ أن يبدله الله أزواجاً خيراً منكنَّ فنزلت كذلك.

وللتعليق نقول:

لعل هذا الحديث - وغيره - يوضح من أين كان يأتي الوحي. فالواضح أن محمداً كان يسمع أقوال معاصريه، فإذا استصوب رأياً جعله قرآناً.

(ه ) فضائل القرآن:

المطَّلع على كتب الحديث يرى مئات الأحاديث التي كُتِبَت في فضائل القرآن، سورة سورة، وآية آية، بعضها مرفوع للنبي، والآخر موقوف على الصحابة والتابعين. وقد طعن كثير من علماء الحديث في أغلب الأحاديث الواردة في فضائل القرآن، واتهموا رُواتها بوضعها. ولن نناقش هنا هذه الأحاديث، لكننا سنسأل: هل اتَّفق المسلمون على القرآن قبل أن يعدّدوا فضائله؟

1 - أورد ابن أشتة في كتابه المصاحف أن في مصحف أُبيّ سورتين صغيرتين زائدتين عن سور المصحف، واحدة اسمها الحفد والثانية اسمها الخلع. وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي اسحق أن أُمية بن خالد أمَّ الناس في خراسان، فقرأ في صلاته بسورتي الحفد والخلع. وكان هذا بعد عثمان بمدة طويلة.

2 - أورد السيوطي في كتابه الإتقان أن سورتى الفيل و قريش في مصحف أُبيّ سورة واحدة، وأن سورتي الضحى و الشرح في مصحف بعض الصحابة سورة واحدة أيضاً.

3 - كان ابن مسعود يحكّ الفاتحة والمعوَّذتين من مصحفه ويقول: لا تكتبوا في كتاب الله ما ليس منه.

4 - عن عائشة، قالت: إن سورة الأحزاب كانت تُقرأ في زمن النبي مئتي آية. فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا ما هو الآن وهو اثنتان وسبعون آية.

5 - عن حميدة بنت أويس، قالت: قرأ عليَّ أبي وهو ابن ثمانين، في مصحف عائشة إن الله وملائكته يصلّون على النبي. يا أيها الذين آمَنوا صلوا عليه وسلِّموا تسليماً، وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى. وذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف.

6 - عن المسوَّد بن محزمة، أن عبد الرحمن بن عوف قال : لم نجد في ما أُنزِل علينا جاهدوا كما جاهدتم أول مرّة فإنا لا نجدها، قال: أُسقطت فيما أُسقط من القرآن.

7 - عن ابن عمر، قال: لا يقولن أحدكم أخذتُ القرآن كله، وما يدريه ما كله، فقد ذهب قرآن كثير (يقصد آيات كثيرة). ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر

8 - عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله يقول: لو جُعل القرآن في إهاب (درجٍ من الجلد) ثم أُلقي في النار ما احترق.

9 - عن عبد الله، قال: ما مِن بيت تُقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضريط.

1 - عن الشعبي، قال: قال عبد الله بن مسعود لقي رجلٌ من أصحاب النبي رجلاً من الجن فصارعه، فصرعه الإنس، فقال له الإنس: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً (مهزولاً) كأن ذريعتيك (ذراعيك) ذريعتي كلب، فكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت منهم كذلك؟ قال: لا والله إني منهم لضليع (جيد الأضلاع). ولكن عاوِدْني الثانية، فإن صرعتَني علَّمتُك شيئاً ينفعك، قال: نعم. قال (الجن): تقرأ الله لا إله إلا هو الحي القيوم فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خيخ كخيخ (أي ضِراط) الحمار.

11 - عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله: من قرأ (قُل هو الله أحد) خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة.

12 - عن أبي سعيد الخدري، قال: من قرأ في ليلة عشر آيات كُتب من الذاكرين، ومن قرأ بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قرأ بخمس مائة آية إلى الألف أصبح وله قنطارٌ من الأجر، قيل وما القنطار؟ قال: ملء مسك (براز) الثور ذهباً.

13 - عن ابن عباس، قال: سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجنُّ والإنس.

وللتعليق نقول:

هذه أقوالهم عن القرآن، وهذا هو اتفاقهم حول ما هو مكتوب فيه. ونحن نسأل: إذا كانوا لم يتفقوا على ما هو مكتوب في القرآن، فهل سيتفقون على فضائله؟ وكيف يطلب أن نعرف فضائل القرآن، قبل أن نعرف ما هو القرآن الذي سنعرف فضائله؟

  • عدد الزيارات: 10580