Skip to main content

الأحاديث الموضوعة

أحياناً نتعجب من المسلمين حين نسألهم: ألم يقُل نبيُّكم كذا؟ فيكون الرد أنه موضوع مُختَلَق. فهل بهذه البساطة ينكرون كلام نبيّهم؟ ووجدت جواب ذلك في أنه من كثرة ما طُعن في رواة الحديث أصبحت معظم الأحاديث تحتمل الصحة والغلط في وقت واحد! فالراوي الذي يكذّبه البخاري يوثّقه النَّسائي، والذي يقبله الشيعة تنكره أهل السُنة، حتى وصل الأمر إلى إنكار معظم الأحاديث.

والذي ينظر إلى ما كُتب في الأحاديث الموضوعة يرى كثرتها وشهرتها، ويكفي أن تعرف أن النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكون ذكر أكثر من ستمائة اسم بين وضاع وضعيف ومتروك ومُغْفَل.

وذكر أهل الحديث أسماء مشاهير الرواة، واتهموهم بوضع الحديث كأبي الحامد الغزالي، وعبد القادر الجيلاني ، وأبي طالب المكي (وهم من الصوفية) والسُّدي وأبي إسحاق وقتادة ومجاهد. بل وصل الأمر في عهد الصحابة إلى قيام عمر بن الخطاب بضرب أبي هريرة بدُرَّته ليمنعه عن كثرة رواية الحديث, ومما يُذكر في الكتب من وضع عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه للحديث كثير.

وجاء في بعض الكتب أن هناك 14 ألف حديث وُضعت على النبي، تُحلل الحرام وتُحرِّم الحلال، والذي ساعد على ذلك أن محمداً أمر بألاّ يُكتب عنه غير القرآن، فقال: لا تكتبوا عني غير القرآن. فكانت الأحاديث تُحفظ ويُزاد فيها أو يُنقص منها حسب الهوى، فقد كانت فِرَق الرافضة والخوارج والشيعة إذا اجتمعوا على رأيٍ استحسنوه جعلوه حديثاً وهناك أسباب عديدة أدَّت إلى وضع الحديث، أهمها الأسباب السياسية والعقائدية. فقد حاول كثيرون الترويج لمذهبهم أو تبرير سلطتهم من خلال الأحاديث التي تُروى عن محمد ، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك منها: قيل لمأمون بن أحمد الهراوي : ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ فقال: حدثنا أحمد بن عبد الله. حدثنا عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مرفوعاً: يكون في أمتي رجل يُقال له محمد بن إدريس - الشافعي - أضرّ على أمتي من إبليس. ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة أبو حنيفة ، يكون في أمتي رجل اسمه النعمان (أبو حنيفة) مروياً عن أبي هريرة (!), هو سراج أمتي, وأغرب من ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي ، قال: كنت عند سعد بن طريف، فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي. فقال: مالك؟ قال: ضربني المعلم. قال: لأخزينَّهم اليوم. حدثني عكرمة ابن عباس مرفوعاً: معلّمو صبيانكم شِراركم، أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المسكين, ويذكر عبد الله بن يزيد المقرئ أن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه. فإنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً,

وذكر الأستاذ صبحي الصالح ما فعله الوضّاعون في الحديث فقال: ولو ذهبنا نستقصي ما افتراه الوضّاعون ونسبوه إلى رسول الله لما أمكننا إحصاؤه. فالزنادقة وحدهم وضعوا (كما قال حماد بن يزيد) أربعة عشر ألف حديث. وعبد الكريم بن أبي العوجاء وضع (باعترافه) أربعة آلاف حديث. فإنه لما أُخذ لتُضرب عنقه في خلافة المهدي صاح قائلاً: لقد وضعتُ فيكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأُحلّ الحرام,


البيئة العقائدية لمحمد:

لم تكن الجزيرة العربية خلواً من الديانات، بل كان بها كثير من العقائد الدينية. وكانت إرهاصات النبوة تملأ الجزيرة العربية، فاليهود ينتظرون مجيء المشيح المنتظر ، والمسيحيون ينتظرون المجيء الثاني للمسيح ، والحنفاء ينتظرون نبياً لهم. وفي هذا يقول أمية بن أبي الصلت أمية بن أبي الصلب :

ألا نبي لنا منا فيخبرنا

ما بعد غايتنا من رأس محيانا,

فنشأ محمد في وسط هذه البيئة، يلتقي بقَس بن ساعدة في سوق عكاظ ويسمعه. ويجلس مع زيد بن نفيل عند الكعبة فيما يرويه البخاري: فقُدِّم لهم طعاماً فقال زيد: لستُ آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذُكر اسم الله عليه.

ثم يتزوج محمد من خديجة ويظل خمسة عشر عاماً قبل نبوّته قريباً من ورقة بن ، ابن عم خديجة، وهو على ما تذكر كتب السيرة كان يترجم الإنجيل للعربية، ويدعو للتوحيد الكتابي، ومن المنطقي أن يدعو محمداً إلى ذلك (السيرة النبوية لابن هشام).

ونقرأ في صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله فقال: هل معك من أُمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم، قال: هيه. فأنشدته بيتاً، فقال: هيه. ثم أنشدته بيتاً. فقال: هيه. حتى أنشدته مائة بيت, ثم نجد حديثاً آخر عن أبي هريرة: قال رسول الله: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل, فهذا محمد يطلب أن يسمع شعر الحنفاء، ويحفظ منه، ويلتقي بهم في أسواقهم الثقافية، ويرافق أحدهم خمسة عشر عاماً، ويلتقي بآخر حول الكعبة. بل ذهب الدكتور القمني في كتابه الحزب الهاشمي إلى أن عبد المطلب جد محمد كان أحد زعماء الحنفاء، وذلك بالإضافة إلى جده الأكبركعببن لؤي الذي ابتدع يوم الجمعة، فكان يدعو قريشاً ويعظهم فيه ويدعوهم للتوحيد، ويحملهم على التأمل في خلق السماء والأرض، واختلاف الليل والنهار، وكان يتصدق، ويحفظ العهد، ويفشي السلام. فكل هذا كان متوارثاً في بيئة محمد ولم يكن جديداً عليها.

وكما رأينا أن هذه الأخلاط من الديانات التي نشأ محمد في وسطها واحتك بها لا بد أن يكون لها تأثيرها على موروثه العقائدي، ومِن ثمَّ على دعوته التي لم تختلف كثيراً عن أغلب الدعوات قبلها، إلا في تبنّيها لشريعة الجهاد (كما ترى ذلك في تعليقنا على أحاديث الجهاد، في الجزء الثاني من هذا الكتاب). لقد وُلد محمد في مجتمع يعرف الله، وإن كانت معرفته غير سليمة، ثم عاش في بيئة تنتمي إلى الحنفاء وتوحيدهم. ونعتقد أن أخلاط ديانات الجزيرة هي التي أوجدت محمداً ، وأنه هو الذي نشرها وتبنّاها مضيفاً لها شرع الجهاد مسمياً إياها الإسلام. والواضح أن لهذا الموروث العقائدي أثره حتى على الحديث الصحيح، كما سنرى في الأحاديث التي جاءت بشأن المسيح، أو حتى في أحاديث الحدود.

  • عدد الزيارات: 12119