Skip to main content

الدوافع التي حملت المسيح على تقديم نفسه

والغاية التي لأجلها عمل ذلك

إن الذي دفع المسيح إلى تقديم نفسه هو المحبة. يعلّم الكتاب المقدس بأن الله محبة (1يوحنا 8:4). وكذلك يقول المسيح عن نفسه: 'ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه' (يوحنا 13:15). وكيف نعرف أن الله يحبنا؟

بهذا نعرف محبته أنه قدم نفسه في ابنه من أجلنا (1يوحنا 16:3). فلا تقتصر محبته على شعب أو جنس معيّن.. إنها محبة عالمية 'لأنه هكذا أحب الله العالم' (يوحنا 16:3). وهذه هي المحبة لكافة بني البشر، لأن الله يريد أن يتجاوب جميع الناس مع محبته ويُقبلوا إلى معرفة الحق (1تيموثاوس 4:2).

 

فمحبة الله غير مشروطة، وهي سابقة لكل محبة أخرى، كما هو مكتوب في الرسالة إلى أهل رومية 8:5 'ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا'، وليس من إنسان، بالطبيعة، أحب الله بل أن الله هو الذي أحبنا أولاً (1يوحنا 19:4).

ومحبته لنا ليست محبة نظرية، بل هي محبة حقيقية وعملية. وهو يبرهن عن محبته ويظهرها في اتخاذه المبادرة لمصالحة الإنسان البعيد، وذلك ببذل نفسه في ابنه على الصليب. ومحبته فعالة في نقض الحواجز واسترداد العلاقات التي قُطعت بينه وبين الإنسان بسبب العصيان الآثم ضده، ومحبته أبدية ولا تُخذل.

ولكن، من ناحية ثانية، فإن محبة الله لا تنفصل عن عدله. فالمسيح مات لأجلنا لأنه يحبنا، وكذلك لأن برّ الله يستلزم ذبيحة مرضية من أجل الخطية... لا بد من معالجة أمر الخطية، لأن الخطية تفسد علاقتنا بالله وبالآخرين، وغضب الله موجّه ضد الخطية لأن الله بار ومحب: وبما أنه بار فلن يقبل بأي تسوية مع الخطية، إلاّ بأن يرى قصاصها العادل منفذاً. وبما أنه محب فلا يرغب للإنسان أن يحطّم نفسه ويفسدها بالخطية، بل يريد أن يحرّرنا من الإثم والدينونة، ومن عبودية الخطية وسلطانها. '.. لأن أجرة الخطية هي موت. وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا' (رومية 23:6). هذه هي الغاية التي من اجلها مات المسيح على الصليب وقام من الأموات. لقد حمل قصاص خطايانا بنفسه بحيث يصبح في يمكننا الآن الحصول على الغفران والقبول عند الله إلى أبد الآبدين.


وبدون موت المسيح وقيامته، لا يمكن لأحد أن يحصل على الغفران، أو تكون له شركة شخصية مع الله. وكما أن طبيعة الله لا تسمح له بارتكاب الكذب، هكذا أيضاً تجعل من المستحيل عليه أن يسامح الخاطئ ويقبله من غير أن يكون ثمن قصاص الخطية قد دُفع، وحاجز الخطية قد رُفع من الوسط. والاعتقاد بأن الله يسامح الخطية بشكل اعتباطيّ يعني التفكير به وكأنه غير بارّ، بل بالحقيقة، ذلك يجعل منه شريكاً للإنسان في شره. وإن كان القاضي يبرّئ المجرم بغير عدل، فإنه يصبح بذلك متورّطاً في جريمته. لا يمكن أن يكون الله غير عادل، فهو يستطيع أن يبرّئ الخاطئ ويعتبره باراً فقط عندما تُنزع خطيته بعدل. هذه هي الطريقة الوحيدة التي بواسطتها يمكن لله أن يكون عادلاً، وفي الوقت ذاته يبرّر الخاطئ – ونحن جميعاً خطاة (رومية 23:3-26).

ولو أن يسوع المسيح كان مجرد إنسان، لكان خاطئاً، لأنه ليس ثمة إنسان بارّ ليس ولا واحد (رومية 10:3). ولو أن المسيح كان خاطئاً لما استطاع أن يقدّم نفسه فدية عن أي واحد منا، إذ كان له إثمه ودينونته التي عليه أن يحتملها، ولكان هو نفسه يحتاج إلى مخلّص. إلا أن شهادة معاصريه المطلقة، الأصدقاء منهم والأعداء، اعترفت بأنه كان بلا خطية. والكتاب المقدس يؤكّد أن المسيح لم يخطئ قط لا بالفكر، ولا بالقول، ولا بالعمل. وحتى أولئك الذين عاشوا معه لمدة ثلاث سنوات أكّدوا ذلك (أعمال 14:3، 1بطرس22:2، 1يوحنا 5:3، 2كورنثوس 21:5).

ولو أن المسيح كان مجرّد إنسان كامل وحسب، أو مجرّد نبي، لما كان ممكنا أن يبذل نفسه فدية عن العالم قاطبة. فالكتاب المقدس يعلّم، كما رأينا، بأن قصاص الخطية قصاص غير محدود لأنه انفصال كلي عن الله اللامحدود، واحتمال غضبه طوال الأبدية (يوحنا 36:3، متى 46:25). فليس هناك من كائن محدود، مهما عظم مركزه أو عمله، وكان ذا أهمية خاصة في الترتيب البشري، يمكنه أن يتمتع بالقيمة الأصيلة (أي بالقيمة غير المكتسبة) في شخصيته لإنجاز عمل المصالحة بين الله والإنسان. وكل كائن غير الله هو مخلوق، وكل مخلوق محدود. ولو لم يكن المسيح جوهراً من الجوهر الإلهي بالحق وبالكلية، لما كان، حينئذ، في وسعه أن يبذل نفسه لفداء الجبلة الإنسانية الساقطة، ولما كان موته يقرّر شكل علاقة الإنسان بالله. ولكن لأنه جوهر من جوهر الله الكلي القدرة والكلي المحبة والذي خلق هذا العالم (يوحنا 1:1-3)، فإن لبذل نفسه على الصليب قيمة مطلقة وغير محدودة.

وغالباً ما يُطرح السؤال التالي: كيف يمكن للمسيح أن يموت ما دام هو الله؟ كلا، الله لا يمكن أن يموت، لكن الإنسان يمكن أن يموت. من أجل ذلك تجسد ابنه - الذي هو أزلاً - في حضنه وأصبح إنساناً حقيقياً من غير أن يتخلى عن لاهوته لحظة واحدة (يوحنا14:1، إشعياء 6:9، فيلبي 5:2-11، كولوسي 9:2). وبهذه الطريقة فقط، استطاع أن يتألم ويموت من أجل الإنسان (عبرانيين 8:1، 14:2-17).

ويمكننا في ضوء الصليب فقط، أن نتمتع بمعرفة حقيقية لمحبة الله وبرّه. ويمكننا أيضاً على أساس موت المسيح وحده أن ندرك عمق وخطورة خطية الإنسان وإثمه. وليس من طريق آخر لمعرفة الله والقبول عنده، إلا بالإيمان بالرب يسوع المسيح. لذلك قال: 'أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي' (يوحنا 14:6).


والسلطان محمد ب. خان يعبّر عن فرادة الإيمان المسيحي بهذه الكلمات في شهادته الشخصية:

'لقد بذل المسيح نفسه لأجلنا نحن الخطاة، وهذه طريقة مدهشة لا يقدر العالم أن يقدّم ما يضارعها. عشرات الأشخاص أسسوا أدياناً في العالم، ولكن لم يدّع واحداً منهم أن في موته مغفرة الخطايا. والمسيح وحده، لم يصرّح بهذا الكلام فحسب، بل نفّذه أيضاً.. فشخصية المسيح ومحبته للبشر، تركت في قلبي أثراً لا يُمحى. ولكن فيما أنا غارق في هذه النشوة، تبادر إلى ذهني سؤال آخر: ما الحاجة إلى تسليم المسيح نفسه ذبيحة وكفارة لأجلنا؟ ألم يكن في وسعه تقديم الخلاص دون بذل نفسه؟ وبعد تفكير أعمق، وجدت الإجابة على هذا السؤال أيضاً: إن الله رحوم وعادل. ولو أن المسيح وعد بإعطاء الخلاص من غير بذل نفسه، فإن مطالب الرحمة تكون بالتأكيد قد تحقّقت، بيد أنه لإرضاء مطالب العدل الإلهي أيضاً، قد دفع المسيح ثمن الفداء بدمه الغالي الثمين. بهذه الطريقة أعلن الله عن محبته لنا. وقد جاء في رسالة يوحنا الرسول الأولى 10:4 'في هذه هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا.

'وبالاختصار، ظللت أواصل بحثي في العهد الجديد، وقد قرأته عدة مرات من البداية إلى النهاية. وخلال قراءتي هذه وجدت مئات الآيات وعشرات الأمثال التي برهنت لي، بما لا يقبل الشك، أن الخلاص (الذي هو قلب الإيمان وغايته) يناله الإنسان فقط بالإيمان بالرب يسوع المسيح' (دار نشر 'خدمة مطبوعات الإنجيل' بومباي – الهند، 'لماذا صرت مسيحياً؟').

ليس سوى المسيح له طبيعة الله وطبيعة الإنسان. طبيعة الله من الأزل وإلى الأبد، وطبيعة الإنسان في التجسُّد. وليس من أحد آخر حمل بنفسه خطايا العالم. وليس من آخر بذل نفسه وسفك دمه كفارة لأجل خطايا العالم. هو وحده الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف (يوحنا 11:10). وليس وسيط آخر بين الله والإنسان إلا يسوع المسيح (1تيموثاوس 5:2). وبناء على ذلك، فإن موقف الإنسان تجاه المسيح، هو المحك الذي يتوقف عليه مصيره الأبدي. فقد جاء في رسالة يوحنا الرسول الأولى 22:2و23 'من هو الكذاب إلاّ الذي ينكر أن يسوع هو المسيح. هذا هو ضدّ المسيح الذي ينكر الآب والابن. كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضاً. ومن يعترف بالابن فله الآب أيضاً'. لذلك من المستحيل أن نتعرّف بالله الحق ونخدمه بمعزل عن الاعتماد الحقيقي على الرب يسوع المسيح، كما أُظهر في الكتاب المقدّس. يقول المسيح نفسه في صلاته إلى الآب السماوي: 'وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته' (يوحنا 3:17).

  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 8259