Skip to main content

اكتشفت المثل الأعلى الحقيقي

عندما كبرت وبدأت شخصيتي تتبلور، وأنا ما زلت في دراستي الثانوية، اكتشفت ثلاثة رجال تأثّرت بحياتهم جداً، وأصبحوا مثلي الأعلى، هم غاندي، ومحمد والمسيح. بدأ اهتمامي بالمسيح نتيجة لاطلاعي على القرآن، حيث عرفت أن المسيح إنساناً طاهراً. وذات مرة سألت عنه أحد الفقهاء قائلاً: 'من مِن الأنبياء يعقب المسيح في الأهمية؟' شرع الفقيه بتعداد سلسلة طويلة من الأنبياء ابتداء من آدم، ولكنه كان يشدد في التأكيد على أنّ محمداً هو أعظم الأنبياء.

ومع ذلك فقد كنت أعاني من مشاعر متضاربة من نحو محمد. فمن ناحية، كنت متأثراً بادعائه أنه رسول سلام، ومن ناحية أخرى كنت أشعر بخيبة أمل بسبب روحه القتالية. كنت أعلم أنه داهية في الاستراتيجية العسكرية والفتوحات، إلا أن ذلك كان يبدو متعارضاً، وبشكل أساسي، مع تأكيده أنه صانع سلام ورسول الله. ففي هذه الناحية، وفي نواح أخرى كذلك، قصر محمد في إتمام متطلبات المثال الأعلى الحقيقي. فإنّ نقائصه، مثل نقائص غاندي، لم يكن في وسعه إخفاؤها ولا إنكارها.

أما بالنسبة للمسيح، فالأمر يختلف. إنّ شخصيته الصالحة، والمحبة، والمتواضعة، واللطيفة، تجعله في مستوى فريد لا يجاريه فيه أحد. ومهما حاولت أفتش في كتب التاريخ، وأراقب الزعماء، والقادة المعاصرين فلم أستطع أن أجد أي إنسان يمكن مقارنته بالمسيح.

أ أتوصّل إلى مثل هذه الاستنتاجات جميعاً، كان في غاية الصعوبة بالنسبة لي. إني ابن عائلة مسلمة بارزة في باكستان، وهي شديدة الحماس في تكريسها للإسلام، تتبع الطقوس المفروضة بحرص لا يكل. في سني حياتي المبكرة رحت أسعى للتفوّق في الحماس الديني والإخلاص للإسلام. كانت هذه حالتي بالرغم من أن أحد اختباراتي الأولى في دراستي الدينية كان بغيضاً عليّ إلى أبعد حدود. فعندما كنت في السادسة من عمري أرسلني أهلي إلى أحد الفقهاء لدراسة القرآن. وطبعاً، كان من المفروض عليّ حفظه باللغة العربية، وهي لغة غريبة وصعبة علي. وما أزال أذكر بوضوح المرة الأولى التي ارتكبت فيها هفوة في تسميعي أحد مقاطع القرآن، إذ أمسك الفقيه بعصاً ضخمة وانبرى ينهال عليَّ ضرباً وهو يعنفني بهذا التهديد الإضافي 'إن كنت تتلو القرآن بطريقة خاطئة فإنك ستجمع لنفسك إثماً لن يغفره لك الله '.

لقد ولّدت فيّ تلك الحادثة امتعاضاً أدّى إلى تغيير جذري في موقفي تجاه الإسلام. حتى طفقت أفكر بالله وكأنه 'غول' يرفع عليّ عصا كبيرة ويراقب كلّ هفوة صغيرة أرتكبها. وصار يتملكني الخوف الشديد من عقاب الله. ولم يطل الوقت حتى تمت عملية انسلاخي عن الإسلام، فانصرفت عن طريقته القاسية في التقيد الحرفي بشرعه إلى تسليات استطعت أن أتمتع بها. فغدت الألعاب الرياضية والمباريات شغلي الشاغل في أيام شبابي. ومن ناحية أخرى، كنت ما أزال أبحث وبعدم استكانة عن معنى وهدف، إذ أنّ الإسلام فقد قابليته. فصورة الله الصارمة التي قابلتها في الإسلام أوقعت في نفسي النفور حتى هذا اليوم. طبعاً قرأت القرآن وعرفت أنه يتكلم عن رحمة الله ولطفه. ولكن الذي تملكني في القرآن، هو الإحساس بغضب الله ودينونته.. هذا الإحساس الذي جعل من فكرة رحمته أمراً ثانوياً.

أذكر مرة في طفولتي أنني كنت أراقب بعض عمال تنظيفات الشوارع، وحاولت مرة أن اقترب منهم، إلا أن جدّتي صدّتني وطلبت منيّ ألاّ أقترب منهم، أو ألمسهم، أو أقيم معهم أي صداقة. شعرت بالأسى من نحوهم إذ بدأت أدرك أنهم أقلية، وصرت أتمنى لنفسي أن أكبر لأمدّ لهم يد العون والمساعدة اقتصادياً واجتماعياً.

لم يمضِ على ذلك الحادث وقت طويل حتى مضت بي جدتي إلى مستشفى تابع لإرسالية دينية. وهناك قابلت طبيباً وهو رجل حكيم ولطيف، ومحور نشاط المستشفى. وعندما قيل لي إنه مسيحي، دهشت إذ سُمح لي أن ألمسه وأتكلم معه: لأن جدتي لم تمانع في ذلك، فتملكتني الحيرة في الأمر. وعندما استوضحت جدتي لماذا المسألة تختلف مع هؤلاء الجماعة، أجابت أنه بالرغم من عدم كون المسيحيين جميعاً مساكين وجهلة، إلاّ أنهم جميعاً كفرة، ونجسون، وعبدة أوثان، وبناء عليه فينبغي ألاّ أقيم صداقات حميمة معهم.

لم يقنعني جواب جدتي، وظلّت تضطرم في فكري أسئلة كثيرة تسببت في إلهاب ضميري باهتمام متوقد لتحقيق العدل الاقتصادي والاجتماعي للطبقات المسكينة والمضطهدة. وقد تضايقت جداً بسبب المظالم وأعمال الجور التي كنت أشاهدها في كل ناحية.

وذات مرة أقدم أحد الفقهاء على قتل فتاة في العاشرة من عمرها، فأخلي سبيله واكتُفي بمجرد توبيخه. وذهبت محاولاتي أدراج الرياح في حمل الناس على المطالبة بالاقتصاص منه. وازداد حدة شعوري بالفشل.. وألفيت أن الفقهاء والقادة الاجتماعيين في غاية المراءات.. يمارسون الشعائر.. ويعيشون حياة مزيفة وشريرة. على الأقل هذا ما كنت أشهده في جميع القضايا التي عرفتها شخصياً.


وأصبح الذهاب إلى الجامع أمراً خالياً من أي قيمة. فلم أعد أحتمل الذهاب إليه إطلاقاً، لأن رجال الفقه يتكلمون عن السلام والمحبة وقد فشلوا في تطبيق ذلك. عندما قرأت التاريخ الإسلامي، قرأت عن سلسلة طويلة متعاقبة من الحملات العسكرية: حروب ومذابح يشجعها ويقرها قادة الإسلام باسم الله والقرآن. أصابني المرض بفعل ما قرأت عن كل هذا العنف والحقد اللذين ما أزال أيضاً أشاهدهما من حولي.

وإذ لم يكن من ألجأ إليه بمشاكلي هذه، فقد شعرت بالوحدة والعزلة. ولم يكن في وسعي اللجوء إلى والدي للمشورة والإرشاد. كان إنساناً قاسياً ومغتماً لأن رجال الإسلام قد فشّلوه بنبذهم له والإستفادة من ثروته. فأصبح عنيفاً ومستبداً يسيء معاملة أمي وبقية أفراد العائلة. وفي الواقع عندما رأيت كم يعاني النساء والأولاد من الألم في مجتمعنا، يأكلني الشوق للقيام بعمل ما يرفع من مكانتهم، فأراهم يحصلون على المزيد من الحرية والسعادة. لم أتمكن من بحث هذه المسائل أو أية مسائل أخرى مع والدي. لقد فقد احترامه عندي، بالإضافة إلى أنه أصبح رجلاً مشوَّشاً ومحطَّماً لا يستطيع أن يفيد أي إنسان بنصائح أو تشجيع.

وحالة الفقر والمرض التي كنت أراها في كل مكان بين بني قومي، حفزتني لأن أصبح عالماً اجتماعيا. فقد كرهت الشعور باللامبالاة وعدم الاهتمام عند أولئك الذين يملكون الثروة والمركز الاجتماعي، لكن رغبتهم قليلة أو منعدمة في عمل شيء ما يرد غائلة الفقر والألم عن أولئك الذين حولهم. وحالة الأوضاع الحزينة هذه وُجدت ضمن إطار الإسلام. فقد بدا أن الدين يقبل بحالة الأوضاع السائدة، وأحياناً يبدو أنه يزيد من حالة البؤس الذي يُرثى له ويعيش فيه ملايين كثيرة في مجتمعنا.

لجأت إلى الشيوعية طمعاً في الحصول على بعض الحلول. على الأقل، تعترف الشيوعية باهتمامها بمشكلة الناس المضطهدين، الذين هم ضحايا الظروف واستغلال أصحاب الثروات. ولمدة واظبت على دراسة الكتب الشيوعية واشتركت بشكل فعّال مع جماعة من الشباب الشيوعيين. وقد تعرّضت زمرة منهم للتعنيف والاضطهاد، وتكثفت عمليات المقاومة حتى قتل قائدنا بإطلاق الرصاص عليه. فقصدت عميلاً روسياً في بلدنا وعرضت عليه أن أضم جماعتي إلى جماعته في السعي من أجل تحقيق الأهداف الشيوعية في مجتمعنا. ولكن، نتيجة للنزاعات الضمنية التي حصلت خلال الأشهر الخمسة التالية، في الصراع من أجل الزعامة، بدأت أوهامي تتبدد حول الإيديولوجية برمتها؛ فقد تبرهن لي أنها سطحية وغير عملية، وفي تشخيصها لحالة الإنسان الحقيقية لم تصل إلى صميم مشاكله.

وهذه السلسلة المتوالية من خيبات الأمل، قادتني من جديد، إلى البحث عن الحق في الدين. فجمعت كتباً كثيرة عن ديانات مختلفة ورحت أدرسها بدقة. صرت أصرف الوقت الطويل وحيداً، أقرأ كتبي وأفكر بمعنى الحياة وحقيقة مستقبلي. وقد قدّم لي أحدهم عدداً من الكتب التي تبحث في المسيحية، فقرأتها بشوق واهتمام شديدين. وقد ولّدت فيّ هذه الكتب أسئلة كثيرة دفعتني بأن أتردّد إلى معلم مسيحي لأجد عنده الأجابة عليها. فقد ساعدني على فهم هذه الإستفسارات: 'لماذا يُدعى يسوع ابن الله؟'، و'لماذا يُعتبر من الخطأ والزيف القول بأن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة؟' وعندما رأى أن اهتمامي بالدين المسيحي يتزايد تملّكه الخوف من أن يعرف أهلي وأقربائي بترددي عليه فيسبّبوا له المشاكل.

ونهاني عن المجيء إليه بعد ذلك، حاثاً إياي على التوجه إلى مدينة كبيرة حيث يوجد فيها مسيحيون يمكنهم مساعدتي بأكثر حرية وبدون خشية من الانتقام. وعندما أطلعت أمي على رغبتي في ترك بلدتنا والتوجّه إلى المدينة بغية تحصيل المعلومات عن يسوع المسيح، استشاطت غضباً وقالت إن والدي سيُقدم على قتلي إن عرف عن تصميمي هذا. وبالرغم من ذلك ذهبت إلى المدينة، وبعد وصولي بوقت قصير، شرعت في العمل لأجل تأمين لقمة عيشي.. ولم أشأ أن أتلقى المال من والدتي إنما أحببت أن أقوم أنا بإرساله لها.

لم أعثر، للفور، على أي مسيحي في المدينة، ومع ذلك فقد واصلت البحث، ورحت أتكلم إلى الله فقلت له إني بقدر ما كنت أبحث عنه بقدر ما كان يبتعد عني. لم أكن أعلم لماذا كانت تتأكلني الرغبة في أن أصبح إنساناً صالحاً، ولكن دون أن أعرف كيف. لجأت إلى الصوم وتعذيب الجسد لإذلال نفسي. وطفقت أحاول العيش على مستويات أخلاقية عالية، ظناً مني أن تلك هي الطريق لإيجاد الله. ابتعت نسخة من الكتاب المقدس وصرت أحاول قراءته بنفسي.

عندما حصلت على مبلغ كبير من المال، شرعت في السفر إلى مناطق مختلفة من باكستان لمقابلة قادة مسيحيين لكي أطلعهم على برنامج اقتصادي، أريد أن أراه محققاً. والأفراد القلائل الذين قابلتهم أبدوا سرورهم لوقوفهم على اهتمامي، ولكن أحداً منهم لم يخبرني كيف يمكنني أن أتعرّف على الله بطريقة شخصية. كنت أعلم أن ثمة شيئاً ما يعوزني ويعوز كذلك برنامجي الإصلاحي.


ثم عدت أتكلم مع الله وقلت له إني أعيش بلا هدف، ولا أحقق في حياتي أي إنجاز، وأن تنقلاتي لم تكن مثمرة. وطلبت منه بشكل جدي، أن يريني الطريق. وقلت أنه إن لم يفعل فسأجد نفسي مضطراً لاعتناق الشيوعية من جديد. كنت أعاني من اضطراب عظيم بحيث أمسكت بالكتاب المقدس بين يدي وتكلمت مع المسيح. قلت: 'إني على استعداد أن أتبعك. أنت قائدي وبطلي، ولكن ليس في وسعي أن أفهم كيف يمكن أن تكون أنت الله'.

وقرأت الكلمات الواردة في بشارة متى 6:5 'طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون'. وقلت له أني بحثت عنه باستمرار وتساءلت لماذا يظل يبتعد عني. ورفعت صوتي بالصلاة 'أيها الرب، أريد أن أرى حقيقتك'.

وذات ليلة قرأت كلمات يسوع الواردة في بشارة يوحنا 37:7و38 وقد أثّرت فيَّ جداً هذه الكلمات : 'إن عطش أحد فليُقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حيّ'، وفيما رحت أتأمل في معنى هذه الكلمات أدركت أن المسيح إنما يدعونا إلى اختبار شخصي. وما صرح به كان بسيطاً وصريحاً للغاية. وعرفت آنذاك أني راغب في اختبار أنهار الماء الحي هذه في حياتي.

وبعد تلك الليلة مباشرة قابلت بعض المسيحيين في المدينة، وطلبت منهم أن يوضّحوا لي المزيد عن المسيح، وماذا يعني أن نضع ثقتنا فيه. فشرع أحدهم يقرأ معي العهد الجديد وأطلعني على اختبار إيمانه في المسيح. ثم رحنا معاً ندرس الرسالة إلى أهل غلاطية، وللمرة الأولى عرفت الفرق الكبير بين ناموس الأعمال والنعمة. كنت أظن أن قبولي عند الله يتوقّف على حفظي لناموس الله وتأديتي بعض الشعائر الدينية المعينة، ولكن أن يقبلنا الله على أساس النعمة فقط، ذلك أمر بدا جديداً عليّ. وكان من المدهش جداً أن أعلم أن النعمة تعني أنّ المسيح، بواسطة موته لأجل خطاياي وقيامته من الأموات، قد عمل عني كل ما هو مطلوب للحصول على غفران خطاياي والخلاص الأبدي. وهذا ما لم أكن أستحقه أو أستطيع تحصيله مهما حاولت جهداً.

وفي غضون شهرين، بينما كنت أدرس الرسالة إلى أهل غلاطية، بدأت أفهم المعنى الحقيقي لإنجيل المسيح الذي وضعت ثقتي فيه واتخذته مخلصاً ورباً على حياتي. وكنت أتأمل كثيراً بالكلمات الواردة في رسالة غلاطية 20:2 'مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ. فما أحياه الآن في الجسد، فإنما أحياه في الإيمان ابن اللهالذي أحبنّي وأسلم نفسه لأجلي'. وبعد ذلك بشهرين تقدّمت للمعمودية. وكان من دواعي فرحي العظيم أن أشهد علناً بمحبة المسيح الذي غيّر حياتي.


 

كان التغيير الذي حصل في حياتي عظيماً للغاية، وذلك نتيجة ثقتي بالمسيح وإعلان إيماني فيه بجرأة دون خجل. تولّدت فيّ رغبة عميقة في إطلاع أقربائي وأصدقائي على حق الله العظيم الذي هو في المسيح. وقد مضى عليّ الآن سنوات عدة وأنا أسعى بكل جهدي لإشارك الآخرين بالخبر السار بأن الله يحبنا وقد أعد لنا وسيلة للحصول على الغفران والحياة الأبدية في مخلصنا الرب يسوع المسيح.

والثقة الأكيدة التي أتمتع بها، هي أنّ الله قبلني، وهي واحدة من أكثر الأمور روعة، نتيجة كوني مؤمناً بالمسيح. فلم أخف بعد من يوم الدينونة، كما أنه لم يعد عليّ أن أنتظر حتى ذلك الحين لأعرف ما إذا كنت سأذهب إلى السماء أم لا. كنت أفتش منذ زمن طويل على مثل هذا النوع من الثقة ولم أستطع أن أجده في الإسلام. لقد حاولت أن أضمن قبولي عند الله عن طريق قيامي بجميع الأعمال الصالحة التي قدرت عليها. ولكن كنت أعلم أيضاً أني لن أفلح في ذلك، إذ في قرارة نفسي كنت أحس بحقيقة تقصيري في بلوغ مستوى الصلاح المطلوب. وهذا الإحساس جعلني في حالة من الشك والخوف، لأنني لم أجد أي طريق للهرب من نتائج إثمي. وعندما آمنت بالمسيح واختبرت محبته الغافرة، فوجئت أيضاً بوعده الرائع في المحافظة عليّ بشكل دائم، الوارد ذكره في بشارة يوحنا 27:10-28 'خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد. ولا يخطفها أحد من يدي'.

لقد نزع مني الرب يسوع روح الكبرياء، والانتقاد، والكراهية، ووضع مكانها المحبة الحقيقية للآخرين. ويستمر الرب في عملية تغييري بطرق أخرى أيضاً، وطبعاً أنا أعلم أنني بعيد جداً عن الكمال، ولكنني أعلم أيضاً أن قوة الله في داخلي، وهو يغيّرني باستمرار. وقد اندهش الناس جداً في بلدتنا عندما رأوا أي إنسان أصبحته، والكثيرون منهم أحبوا أن يكتشفوا كيف المسيح أحدث هذا التغيير في حياتي. كما أصابت الدهشة كلاً من أمي وأخي لصيرورتي شخصاً جديداً. إلا أن أمي ظلت لسنوات تقاوم رسالة المسيح، مدّعية أنها لا تقدر أن تتخلى عن الإسلام الذي تعتبره الطريق الأفضل، ولكنها أخيراً فتحت قلبها وعقلها لحق الله العظيم الذي في المسيح، وآمنت به أيضاً، وهي الآن مؤمنة فرحة، تتمتع بالقبول عند الله والشركة معه. وإني أفرح كذلك بأن عدداً كبيراً من المسلمين يتحولون من طريق الخطيئة إلى التوبة والإيمان بالمسيح.

كان عليّ، في ما مضى، أن أصارع بالنسبة للمسائل التي يواجهها كافة المسلمين عندما يتأملون في الإيمان المسيحي، غير أني شعرت بما يشبه الحرية والإنعتاق عندما وجدت أن ثمة جواباً لكل سؤال يراود فكري. وأدركت أني، في الدرجة الأولى، يجب أن أكون مخلصاً ومتواضعاً، بينما كنت في ما مضى متكبراً جداً ولا أصغى لأي شيء يتعارض مع رأيي. ومضى عليّ وقت طويل قبل أن أدركت أنني أتسبب بالضرر لنفسي بواسطة كبريائي، لأنها كانت تمنعني من القيام بدراسة دقيقة وموضوعية للحقيقة.

عندما شرعت بدراسة الإيمان المسيحي، اجتذبت نحو محوره الأساسي: يسوع المسيح نفسه. وهذا هو السؤال الذي كان ينبغي أن أواجهه: من هو يسوع المسيح؟ كان عليّ أن أصل إلى قرار بالنسبة له. فالقضية المهمة ليست ما تعلمت أن أؤمن به، بل ما يجب أن أؤمن به من جهة المسيح. وكيما أقرر ذلك بطريقة مدركة وواعية، عرفت أنه يجب أن أكون مخلصاً، بما فيه الكفاية للبحث في الدليل الذي هو الكتاب المقدس.


والمسيح يُعتبر في الإسلام أنه أحد أعظم الأنبياء. وصفات النبي هي الصدق والإخلاص والبر. فالنبي الحقيقي لا يكذب إطلاقاً، وبناء على ذلك، فيسوع كان ينطق بالحقيقة عندما قال: 'أنا والآب واحد' (بشارة يوحنا 30:10)، 'والذي رآني فقد رأى الآب' (بشارة يوحنا 9:14). لقد أعلن أنه الله الواحد الحقيقي الذي جاء إلى العالم عن طريق تجسده وولادته من عذراء.

كان عليَّ أن أواجه المعارضة الزاعمة بأن المسيحيين قد غيّروا الكتاب المقدس. طبعاً من السهل الزعم بشيء كهذا، لكنّ إثباته هو أمر آخر: رحت أبحث عن مثل هذا البرهان وأسأل الآخرين ليحققوه لي، ولكن أحداً لم يكن قادراً على ذلك. وأعلمت أصدقائي المسلمين أنهم حالما يتمكنون من إقامة البرهان على أن الكتاب المقدس قد أُلحق به تغيير، فإني سألتحق بهم حينئذ. ولكن، ليس فقط أنه لا يوجد برهان على تغيير الكتاب المقدس، إنما هناك براهين كثيرة على أن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم هو تماماً نفس الكتاب المقدس الأصلي. وإن كان من أحد يشك في ذلك فما عليه إلا أن يدرس آلاف المخطوطات المتطابقة عبر القرون منذ أن تمّ جمع الكتاب المقدس. وحتى القرآن عينه لا يقول بأن الكتاب المقدس قد أُلحق فيه تغيير. إنما يقول إن كان أحد لا يستطيع أن يفهم، فعليه أن يلجأ إلى المسيحيين وكتابهم. وهذا يدل على أن القرآن قَبِلَ بالكتاب المقدس على أنه كلمة الله الحقيقية التي لم يحدث فيها تغيير ولا تحريف، وهذا واضح لكل من يدقّق في البرهان بأن الكتاب المقدس لم يتغيّر لا قبل كتابة القرآن ولا بعد كتابته.

وعندما أدركت كل هذا، بدأت أفهم لماذا لم يكن هناك سوى واحد يستحق أن يكون مَثَلي الأعلى، ليس المثل الأعلى لي أنا فقط، بل المثل الأعلى للعالم قاطبة. لقد كان يسوع المسيح الإنسان الكامل لأنه الإله الأزلي الذي جاء إلى العالم في الجسد، وبرهن عن ذلك بأعماله، وكلماته. وعندما تفهّمت لماذا جاء إلى العالم وعرفت أنه أمين وقد مات لأجل خطاياي، وأنه قام من الأموات وهو حي اليوم، أدركت أنني لا أستطيع أن أتبع أحداً سواه.

إنه مَثَلي الأعلى الحقيقي، ومخلصي وربي، وسيبقى كذلك أبداً.

 

'وأخيراً قلت لنفسي: 'يا سلطان، اعتبر أنك ابن ساعة والعالم يمضي. فعندما تموت لن ينفعك شيء لا بلدك ولا ميراثك. ولن يقدر أحد أن يمدّ لك يد العون لا أهلك ولا أصدقاءك، فجميع هؤلاء يختصون بهذا العالم ليس إلاّ. وليس من شيء يمكن أن يعبر معك إلى القبر سوى إيمانك. لذلك فإنه ليس من الحكمة بشيء أن تتخلى عن الحياة الأبدية والسعادة الروحية من أجل هذه الحياة 'الوقتية العابرة'. حينئذ أحنيت ركبتيّ أمام الله ورفعت إليه هذه الصلاة: 'آه أيها الإله الأزلي، الكلي القدرة وفاحص القلوب، إني أسلّمك نفسي. اقْبَل هذا التسليم واحمني من كافة أحابيل الشيطان، ومن الأخطار الروحية. انزع من قلبي العالم ورغباته. امنحني الشجاعة والقوة بحيث أتمكّن من الاعتراف علناً بيسوع المسيح ابنك الوحيد، قدّام جميع الناس. من أجل يسوع المسيح اقبل صلاتي واستجبها، آمين'.

السلطان محمد ب. خان

  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 10819