اكتشفت خلاصاً حقيقياً
مع أني نشأت كمسلم، فقد وجدتني أصارع ضد مسألة وجود الله.
لم يكن ليدور في خلدي قط أني سأصل إلى الدرجة التي فيها أشك في وجود الله...
كانت جذوري الإسلامية عميقة. ولدت في عائلة شيعية تقية في 'لاكناو' بالهند. تلقيت تعليمي الأول في مدرسة قرآنية حيث درست العربية.
وقد تعلمت من أفراد عائلتي ومن معلمي أن أكون مجتهداً في حفظ القرآن والقيام بواجب الصلاة. وبانتظام حريص كنت أتردّد إلى المسجد للصلاة الجماعية. لقد تغلغلت المبادئ والممارسات الإسلامية في حياتي وفي مجتمعي، ولم تكن تتاح لي الفرصة لأرتاب في ادعاءاتها ووصاياها.
كان من الطبيعي، بالنسبة لي، أن أتورّط في التوتر العاطفي الذي تولّده المصادمات التي كانت تقع بين أهل السنة وأهل الشيعة من حين لآخر.
أذكر أن السنة كانوا يتأكلون غيظاً عندما تنزل الطائفة الأخرى لعنات على أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان. هذا ما كان يحدث في غضون الاحتفالات بذكرى استشهاد الإمام عليّ بن أبي طالب الذي، بحسب اعتقاد الشيعة، من المفروض أن يكون خليفة محمد من البداية.
تنتسب عائلتنا إلى فئة الأقلية ضمن الأقلية المسلمة. ومن بين ما يزيد عن بليون إنسان في الهند يوجد حوالي 120 مليون مسلم فقط. وربما لا يوجد أكثر من 25 مليون مسلم من أهل الشيعة. وبينما يعيش السنة والشيعة، بشكل عام، في صداقة، فإنه توجد اختلافات تجعل العلاقة بينهما علاقة متوترة. وفي الواقع يرفض الشيعة جميعهم الفكرة بأن القرآن الحالي هو الكتاب الكامل المنزل من السماء. فهم يؤمنون أن ثمة حذفاً مهماً في القرآن لجأت إليه السنة، وبخاصة ما يتعلق منه بعليّ كخليفة شرعي لمحمد. من هذه الزاوية كنت أنظر إلى العالم من حولي.
وحان وقت دخولي الكلية، فعقدت النية على الذهاب إلى رامبور لدراسة الفارسية والدين الإسلامي بشكل أعمق من ذي قبل. وخلال سنتي الأولى شغفت للغاية بأحد أساتذتي وقد كان ملحداً. توصل إلى القناعة بأن المادة أزلية، ولا يرى حاجة إلى الإيمان بالله. وفي الحقيقة كانت فكرة وجود الله في رأيه غير علمية وقد تخطاها الزمن. وتأثيره على الطلاب كان حاداً وقوياً، فوقعت تحت سيطرة آرائه مدة من الزمن، بيد أن الإلحاد جعلني قلق البال، وكانت هناك أسئلة كثيرة جداً تركها بدون جواب.
ومن جهة ثانية فإن الكثيرين من التلامذة الذين وجدوا آراءه جذابة، عندما يرجعون إلى بيوتهم كانوا يعيشون وفق النهج الحياتي الإسلامي بسبب ضغط القوانين الاجتماعية الطاغي.
أما بالنسبة لي فكان عليّ أن أتغلب على هكذا تردد ونفاق بواسطة أعمال الفكر للوصول إلى حل عقلاني للمشكلة وإذ تعلمت أن ثمة برهاناً جلياً بأن الكون ليس أزلياً، فقد تيقنت أنه لا بد من وجود كائن عاقل وقادر قد خلقه. لأني فكرت أن ذلك الكائن الخالق، لو كان غير عاقل لما أمكن وجود نظام للكون. غير أن ثمة نظاماً للكون وهذا يعني ضمناً أن القوة التي خلقت كل الأشياء، لا بدّ، عاقلة. فمن المفترض، حتماً، وجود كائن شخصي قد خلق النظام، ولهذا السبب النظام موجود في كل مكان، وذلك الكائن نفسه يسود على العالم وبذلك يبقي على النظام. وتفكيري التأملي في التصميم الظاهر في هندسة كافة مستويات الوجود قد ساعدني على استعادة قناعتي بحقيقة الله.
وحتى تلك اللحظة من حياتي لم أكن اتصلت عن كثب بأي مؤمن مسيحي. كانت أمي، وهي حسنة الثقافة، أول شخص تحدّث إليّ عن المسيح. ومع كونها مسلمة فإنها تكنّ ليسوع المسيح احتراماً فريداً. وأنا بعد طفل كانت تروي لي قصصاً مختلفة عنه. وإعجابي به أخذ يزداد. طبعاً كنت ما برحت أؤمن أن محمداً هو خاتمة الأنبياء، ولكن بالرغم من ذلك وجدت نفسي في سني حياتي الأولى أفكر بالمسيح كأعظم نبي جاء إلى العالم على الإطلاق. وأنا واثق أن أحد الأسباب التي دفعتني لهذا التفكير قوته على صنع العجائب حيث لم يقدر على صنعها كما يقال لنا في القرآن.
وبعد نيلي شهادة في اللغات الشرقية من 'رامبور' ذهبت لأعلم في إحدى المدارس في 'الله آباد'. وفي طريقي إلى هناك أمضيت بعض الوقت في 'نايتي تل' حيث حضرت اجتماعا للشعراء. في ذلك الاجتماع قابلت رجلاً شاركني اهتمامي الشديد في الشعر، وأصبحنا صديقين حميمين. كان المسيحي الأول الذي حدث أن عرفته جيداً. قدّم لي كتاب 'العهد الجديد' الذي أثار في أهم التأملات جدية حول الدين المسيحي حتى ذلك الحين. وهذه الرغبة أضرمت من جديد في 'الله آباد'، لأني وأنا في طريقي إلى المدرسة كل يوم كنت أمر بمكتبة مسيحية دخلتها في نهاية الأمر. لم أجد فيها كتباً رائعة في الأخلاق والأدب وحسب، بل وجدت أيضاً في مدير المكتبة صديقاً صدوقاً، كان هندياً ومسيحياً حقيقياًً.
وعن طريق مدير المكتبة قابلت مؤمناً مسيحياً آخر، أثّرت فيّ كثيراً حياته الشبيهة بحياة المسيح. كان يوزّع كل مدخوله تقريباً على المساكين ولا يستخدم سريراً، بل ينام على حصير فوق الأرض. وعندما كنت أقصده، كنت عادة أجده يصلي ساجداً على ركبتيه. كان لطيفاً جدّاً معي، حتى إنه دعاني لأمكث معه في بيته. عشت معه حوالي ثلاث سنين. وبينما رحت أواصل عملي في التدريس شرع يعلمني العهد الجديد. وفي الحقيقة صرف وقته في تعليمي العهد الجديد من البداية إلى النهاية.
كنت فيما مضى من حياتي قد توصّلت إلى الإيمان بأنّ المسيح هو أعظم وأفضل نبي، لكني لم أتوصل إلى الإيمان به رباً ومخلصاً لحياتي، إلا بعد نهاية دراستي للعهد الجديد بكامله. حينئذ أدركت أنه مخلّص العالم والرجاء الوحيد لقبولنا عند الله.
- أنشأ بتاريخ .
- عدد الزيارات: 8425