Skip to main content

الإيضاحات المختصة بهذا السر الإلهي

في بعض الإيضاحات المختصة بهذا السر الإلهي سر الثالوث الأقدس

بعد كل ما ذكرناه من الآيات المختصة بتعليم الثالوث في الفصل السابق وجب على كل إنسان يؤمن بكلام الله أن يقبل أن في وحدة الذات الإلهية ثلاثة أقانيم ولكن يوجد كثيرون لا يؤمنون بالكتاب المقدس ولهذا يرفضون تعاليمه أولئك الذين أعماهم التعصب الناتج من عدم فهمهم هذا التعليم فقالوا أنه محض افتراء منا مناقض للعقل ولكنا سنوضح بمشيئة الله في هذا الفصل أن هذا التعليم عندما يُفهم لا يكون بعد مناقضاً للعقل لأن العقل يحتاج إلى تعاليم كهذه تنزع من أمامه الصعوبات التي تعترضه في سبيل الإيمان بوحدة الله فيصبح الإنسان قادراً أن يحصل على معرفة الله معرفة حقيقية شخصية إذ لا دين ولا تقوى بدون هذه المعرفة.
فمن الاعتراضات التي قامت ضد هذا التعليم قول البعض "كيف يكون في الذات الإلهية الواحدة ثلاثة أقانيم مع وجود التمييز بين كل منها وكيف يكون في الأحدية جمع؟"
ورداً على هذا الاعتراض نزيد على ما ذكرنا من الإيضاحات لنظهر أن لا اختلاف ولا تناقض في تعليم الثالوث في الوحدة ورغبتنا الشديدة أن يتبع حضرات القراء الكرام بكل روية وإمعان كل ما يقال في هذه العجالة قبل أن يبتوا في هذا الموضوع ولنا ملء الثقة أنهم بذلك وبطلب الإرشاد من الله الرحيم يعلمون ويؤمنون بصحة تعليم الكتاب المقدس عن ذات الله.
وسنرى ونحن في طريق بحثنا أن ما يزعمه البعض بأن المسيحيين يؤمنون بثلاثة أقانيم هي ثلاثة وحدات عددية منفصلة عن بعضها أن هذا الزعم مناقض لتعاليم المسيحية كل التناقض.
نعم لو كنا نعتقد أن الوحدة هي وحدة عددية منفصلة ففي تلك الحالة لا تجتمع الأحدية والجمعية وكذلك لا يوافق تعليم الثالوث الأقدس القول بوحدة الذات الإلهية- لكنا لم ولن نقول بثلاث وحدات عددية منفصلة وإنما هذا الزعم الباطل هو العامل الأقوى في سوء فهم الغير لتعليم الثالوث الأقدس( )
ولا يخفى على ذوي الألباب أن الله أعلن نفسه في أعمال الخليقة وفي كتابه المقدس أيضاً وحيث أن الخليقة صدرت من نفس مصدر الوحي الإلهي فإنها نوعاً ما تشرح معناه لنا كما أنه من الجهة الأخرى يحل الكتاب المقدس بعض الغاز الطبيعة (أي الموجودات) ومن يمعن النظر في هذه الموجودات ويدرس تأثير الواحدة على الأخرى ويدرس خاصيتها واتحادها مع غيرها يجد سهولة نوعاً ما في فهم تعليم الكتاب المقدس وعلى هذا المثال تعليم الثالوث في الوحدة لأننا سنرى في الخليقة بعض المشابهات بهذا السر العظيم فأعمال الله كلها والأشياء التي صنعها تمثل لنا أفكار الله مسبب الأسباب حتى يراها الإنسان فيدرك بواسطة هذه الأشياء المنظورة ما هو غير منظور أمامه. وكل من يبحث عن الحق يرى أمامه العالم بنظامه العجيب كأنه مدرسة يتعلم فيها مبادئ معرفة العالم الروحي الأبدي ولو لم يسقط الإنسان في الخطية ويبتعد عن الله ولو لم يكن إدراكه الروحي قد اظلم وضعف لحصل على معرفة حقيقية من جهة نفسه ومن جهة الله بواسطة معرفة العالم ودرس قوانينه. وربما كان لا يعوزنا كلام الله المكتوب لأجل تعليمنا ولكن حالتنا الحاضرة حالة الظلمة التي سقطنا فيها بواسطة الخطية جعلتنا محتاجين كل الحاجة إلى كلام الله المدون ليكون لنا مرشداً وشاهداً على كلمة الله الواحد المتجسد الذي بدونه لا يمكن للإنسان أن يحصل على معرفة ذلك الذي "به نحيا ونتحرك ونُوجد" (أعمال 17: 28).
ولنرجع الآن إلى الطبيعة عمل يدي الخالق ولنظهر منها أن الجمع لا يناقض الوحدة وقبل أن نبسط هذا نرجو من حضرات القراء الكرام أن يتذكروا أننا نسلم بأمرين تمام التسليم (أولهما) أنه لا يوجد بين الله وبين أحد مخلوقاته مشابهة تامة من كل جهة (وثانيهما) أننا لا نريد بهذه الأمثال أن نبرهن على حقيقة تعليم الثالوث ويجب أن نعلم أن هذا التعليم لا يمكن إثباته إلا بما أعلنه الله في كتابه ومهما جد الإنسان واجتهد لا يمكنه ولن يمكنه. وقد أثبتنا صحته من الكتاب المقدس وفي هذا كفاية لكل من يؤمن أن الكتاب المقدس موحى به من الله تعالى.


أما غرضنا الآن فهو أن نبين أن التعليم متفق مع ما نتصفحه من موجودات العالم التي حولنا ومن طبيعة الإنسان الداخلية وإذا وجد أحد القراء أنه عاجز عن فهم بعض الإيضاحات التي سنذكرها أو وجدها شيئاً لا يُعتد به فنكون قد حاولنا عبثاً أن نزيل هذه الصعوبات التي تعترضه في سبيل فهم هذا التعليم ولكن فشلنا هذا لا يمنعه من أن يعتقد أن الكتاب المقدس يعلم هذا التعليم. إننا الآن لا نتكلم عما جاء في الكتاب ولكننا نريد أن نبين أن الطبيعة تعلمنا عن هذا السر الإلهي العظيم وإن اعترض بعضهم بقوله أن الطبيعة لا تعلمنا هذا السر بصراحة تامة فنحن نوافقهم على ذلك لأن غرضنا هنا كما قلنا هو أن نشرح مثله من الطبيعة الحقائق التي أعلنها الله لنا في كتابه.
أجمع الفلاسفة أن كل موجود له ثلاث نسب أو درجات وهذه النسب أو الدرجات هي الذات والصورة والقوة ( ) وعلى ذلك يمكنا أن نقول أن كل شيء منظور لدينا أو مدرك بحواسنا ينحصر تحت ثلاث مقولات وهي الكم والكيف والنسبة أو الإضافة ( ). إذن فمعرفتنا بهذا الشيء هي معرفتنا لثلاثة أشياء. ولو تركنا كل هذه الأفكار وتأملنا مثلاُ في النار نجد أنها تحتوي على ثلاثة أشياء وهي الحرارة والنور واللهيب وإن كانت هذه الأشياء الثلاثة تختلف عن بعضها البعض ولكنها تكون معاً ناراً واحدة ولا يمكنا أبداً أن نجد ناراً ينقضها شيء من هذه الأشياء الثلاثة. نجد أيضاً أن الشعاعة الواحدة من الشمس تتكون من ثلاثة ألوان وهي الحمرة والخضرة والزرقة ولكن جمع هذه الألوان لا تفقد وحدتها في الشعاعة الواحدة وفي هذه الشعاعة أيضاً نجد نوراً وحرارة وقوة كيماوية ولكن وجود هذه الأشياء الثلاثة لا يحول الشعاعة الواحدة ثلاثاً.
إن الإنسان يحتوي على جسد ونفس وروح (1تسالونيكي 5: 23) ولكن هذه الثلاثة لا تجعله ثلاثة أشخاص ولا تغير وحدة ذاتيته فروح الإنسان هي النسمة الداخلية التي يمكن أن تكون بواسطتها علاقة مع الله ويقدر أن يستمد منه الإرشاد والقوة التي يحتاجها حتى يعرف ويعمل واجبه الذي عليه أما النفس فهي الحلقة المتوسطة بين الجسم والروح وهي جوهر الحياة Vital principle .
يقول بعض فلاسفة المسلمين عن الروح أنها النفس الناطقة والعقل المدرك وقالوا عن النفس أنها الروح الحيوانية ولكن يسهل علينا معرفة الفرق بين الروح والنفس بأن نقول أن للحيوانات أنفساً وليست لها أرواح وأن الإنسان سيحيا بعد الموت لأن فيه روحاً ومن تعاليم الكتاب المقدس عن القيامة يتضح أن علاقتنا بالجسد غير وقتية (أي باقية بعد قيامة الأجساد) فيجوز لنا والحالة هذه أن نتكلم هكذا عن طبيعة الإنسان الثلاثية ولكننا حتى ولو تركنا الجسد جانباً نجد أن في ذات الإنسان الداخلية الغير منظورة ثلاث وجودات وهي الروح والنفس والعقل ولا ضرورة بنا أن نذكر الفرق بينها فكلنا مسلم بذلك إنما المهم هنا أن نبين أن التعدد لا يناقض وحدة الإنسان ولفظة "أنا" تُطلق على كل منها.
يقول الإنسان "أنا أؤمن بالله" يكون المتكلم حينئذ هو الروح ويكون الضمير "أنا" هنا عائداً عليها. ولما يقول "أنا أعيش" تكون النفس حينئذ ناطقة بالضمير عينه "أنا" ولما يقول "أنا أفكر" يكون المتكلم هنا العقل. من هنا يظهر أن ذاتية الإنسان لا تتغير أبداً فهي واحدة على الدوام. إن إخواننا المسلمين يسلمون بالقول أن تعدد الصفات متفقة مع وحدة الجوهر. ولكنا لا نتكلم الآن عن صفات الإنسان وإنما وجد أن تعدد الإنسان الداخلي أي (روحه ونفسه وعقله) لا يخالف وحدة شخصيته فمن الخطأ أن يقول أحد أن وجود تعدد مع وحدة مستحيل ويناقض العقل.


يعتقد عقلاء المسلمين كما يعتقد المسيحيون أنه يستحيل إدراك الله كوحدة محضة مطلقة بلا صفات والصفات السامية الكثيرة التي ينسبونها لله تفيد تعدد هذه الصفات فيه وفي هذا يتفق المسلمون والمسيحيون معاً كما أن جميعهم متفقون على وحدة ذاته تعالى ونسلم أيضاً أن تعدد صفات الله لا يغير أبداً في وحدته. فإن سلمنا بتعدد صفاته لم نستبعد هذا التعليم الذي نحن بصدده أن نؤمن بوجود ثلاثة أقانيم في الوحدة الإلهية. قال بعض الفلاسفة في اعتقاداتهم المختصة بوحدة الذات الإلهية أن لا صفات لله وبذلك ينكرون صفات الله الحسنى كمعرفة نفسه وإرادته وقوته لإعلان ذاته.
وهذا التجديف هو نتيجة التمسك الشديد بتعليم الوحدة الإلهية ذات التعليم الذي منع المسلمين من قبول تعليم الكتاب المقدس عن الثالوث الأقدس.
ظن البعض أن ديناً من الديانات الوثنية يقول أنه يمكن للإنسان بإرشاد عقله أن يدرك وجود ثلاثة أقانيم في الوحدة الإلهية فقال البعض أن هذه حجة راهنة على حقيقة الثالوث. أما أعداء المسيحية فقالوا أنه برهان على أن تعليم الثالوث مأخوذ من أصل وثني وأخيراً أظهر بعض الباحثين أن بعض التعاليم المشابهة لتعليم التوراة ذكرت في الكتب الوثنية وبعد البحث والتنقيب ظهر أن كثيراً من الديانات قد اعتقدت في ثلاثة آلهة هي غالباً أب وأم وابن ولكن الكتاب المقدس يعلمنا أن الله واحد لا إلا هو وأن هذا الإله كائن في ثلاثة أقانيم هم الآب والابن والروح القدس.
ولكي تظهر حقيقة ما ذكرناه يحسن بنا أن نشير باختصار إلى ديانة الهنود. قالت أوبينكهات التي يُقال أنها ترجمة الأوبانشاد السنسكرتية أن الفيدا (أي الأشعار الهندية المقدسة) تصرح بوجود إله واحد وأن هذا الإله أعلن نفسه للعالم في ثلاثة آلهة هي إله برهما ووشنو وسيفا وأن برهما هو أصل هذه الآلهة وخالق جميع الأشياء ووشنو هو حافظ كيانها، أما سيفا فهو مخربها ولكن حقيقة هذا الكتاب أنه أُلف لأجل داراشوكوه Dara Shekuh أحد أمراء الإسلام ابن الامبراطور شاه جاهان Shah Jahan سنة 1656 م أو 1067 هـ. وأما دعواهم بأن هذا الكتاب ترجمة الأوبانشاد هو كذب محض والحقيقة التي لا مراء فيها أنه كتب لكي يظهر للإسلام اعتقادات الهندوس وهو ظاهر من العبارات الإسلامية المدونة في هذا الكتاب والنتيجة أن التعاليم التي حواها هذا الكتاب لا هي ترجمة الأوباناشاد ولا ترجمة فيدا بل هي عبارة عن تعاليم حديثة جداً قامت بين بعض قبائل الهنود وكان الفيدا في ذلك الحين يصرح بوجود ثلاثة وثلاثين إلهاً على أقل تقدير وذلك علاوة على بعض الآلاهات أما الديانة التي قامت فيهم بعد هذا الزمن كانت تعلم عن ثلاثة آلهة مستقلة تمام الاستقلال هي برهما ووشنو وسيفا. وكان كل من هذه الآلهة يمثل آلهة كثيرة العدد لبعضها صفات الشر تصحبها زوجة واحدة على الأقل ومجموع هذه الآلهة يُسمى Trimurti (أو الإله المثلث) وهذا الاسم لم يوجد إلا في السنسكريتية المتأخرة ويقال أنه يوجد في جزيرة اليفانتا Elephantaقرب بمباي هيكل Cave Temple فيه تمثال عظيم له ثلاثة رؤوس ويُظن أن هذه الصورة تمثل هذا الإله المثلث Trimurti ولكن يقول بعضهم أن هذه الصورة تمثل الإله سيفا الذي له ثلاثة رؤوس وهذه الثلاثة آلهة مركبة في بعضها لاعتقاد فلاسفة الهند أن كل الأشياء واحد فقط وكان أساس دينهم حلول الله في كل شيء (أي وحدة الكائنات) وهذا يناقض الإيمان بالله الواحد.


ظن البعض أنه من الممكن استخراج تعليم من ديانة قدماء المصريين يشابه تعليم الثالوث في الوحدة ولكنهم بعد أن طالعوا ودرسوا الكتابات الهيروغليفية وجدوا أنه قد خاب ظنهم إذ أن المصريين كانوا يعبدون آلهة كثيرة ولم تكن عبادتهم قاصرة على الحيوانات فقط وكانوا يعتقدون أن كل هذه الآلهة تفرعت من أصلين هما الأرض أبوها والجو أمها- أما أشهر آلهتهم فهي تسعة ولكنهم بعد زمن وجدوا أن هذه الآلهة زادت عن اللازم فاختاروا لأنفسهم منها ثلاثة آلهة عظيمة في ثلاثة أماكن مختلفة ففي هيليوبوليس كان معرفاً بتوم Tum ورع Ra وحورم خوتي Horem Khuti وهذه الثلاثة تمثل الشمس عند غروبها والشمس وقت النهار والشمس عند شروقها فكانوا يعبدون شمساً واحدة في ثلاثة أشكال مختلفة وفي ثيبا كان عمون Amonوموت Mut وبتح أوخوفو Ptah or Khonsu وهنا نجد أيضاً ثلاثة آلهة وهي الأب والأم والابن كما الحال في أوزيريس وإزيس وحورس ويحكي عن هؤلاء الثلاثة الآلهة خرافة مشهورة لكنها بلا فائدة.
وكان المصريون يعتقدون أن آلهتهم لها جسم هيولي فمن أناشيدهم التي كانت تُنشد للإله أوزيريس قولهم "أن جسمك من معدن جميل لامع ورأسك زرقاء كزرقة السماء وجمال وبهاء الفيروز يكللانك" وربما كان هذا الإله يمثل الشمس أيضاً والآن قد ظهر أن للمصريين آلهة كثيرة كل منها قائم بذاته فمن الخطأ إذاً أن نقول بوجود توحيد في ديانة المصريين القديمة وجود تعليم يشابه تعليم الثالوث في الديانة المسيحية ولا يوجد ما يشابه أيضاً في ديانة عبدة (لاما) في تبيت. قيل أن بعض فلاسفة اليونان وفلاسفة الأمم القديمة الأخرى توصلوا إلى الإيمان بعقيدة "الثالوث في الوحدانية" وكان من بين هؤلاء أفلاطون الفيلسوف اليوناني المشهور الذي عاش قبل المسيح بأربعمائة سنة، ففي كتبه شيء كثير من الحكمة يستحق الاعتبار ولكنا لم نر له معرفة صريحة بوحدة الله ولم يذكر شيئاً عن تعليم الثالوث وقد بين في كتابه المسمى "طيميوس" أن الخالق الذي يسميه صانع أو أب هذا الكون خلق العالم من المادة التي كانت فيه قبلاً ونظمه ورتبه وجعل كل الأشياء فيه طبقاً لأنموذج كائن من قبل لا يتغير وبما أن العالم حي لوجود العقل والنفس فيه فيسميه أفلاطون "إلهاً ثانياً" وهنا أظهر فكراً سامياً أفضل من قول الوثنيين بتعدد الآلهة ولكنه يصعُب جداً أن نقول أنه كان يؤمن بإله واحد لأنه كان يسلم بوجود آلهة الوثنيين ولم يظهر أنه كان يؤمن بخالق ذي ذاتية وكان يعتقد بقول وثني اليونان أن الآلهة هي أبناء السموات والأرض وكان يقول أن الخالق يعتبرها آلهة الآلهة. وفي الغالب أنه من وجهة لم يعبد هذه الآلهة ومن الوجهة الأخرى لم يعتبر الخالق مالك وحافظ العالم الذي خلقه لأنه قال بعدئذ أن الخالق بعد أن أرسل الآلهة رجع إلى حالة السكينة التي كان عليها قبل الخليقة وأن عقل ونفس العالم يشبهان تماماً عقل ونفس الإنسان وأن السيارات لا شك أنها ذات نفس حية لما لها من الحركة الدائمة.
كان يوجد في الإسكندرية فيلسوف يهودي اسمه فيلون وكانت آراؤه التي اقتبسها من حكمة المصريين متفقة بعض الاتفاق مع آراء أفلاطون وقد زعم بعضهم أن هذا الفيلسوف علم تعليم الثالوث ولكن ليس الأمر كذلك، بل كان يؤمن بوحدة الله لأنه كان يهودياً وتعلم ذلك من الكتاب المقدس وبما أنه كان شاعراً باطنياً، فكان يستعمل عبارات مجازية لا حقيقية فيشرك بالله بعض صفاته أو أفعاله وبهذه الكيفية أورد التثليث ثم اقتداء بالثلاثة آلة المصرية أوزيريس وازيس وحورس التي كان يريد شرحها قال أن الخالق كأب والمعرفة كأم ومنهما خرج الكون كابن وتكلم عن الله كأنه قائم بين قواته المبدعة وقواته الحاكمة وأنه سيظهر في زمن ما واحداً وفي زمن آخر ثلاثة ولكن هذه الكتابة التصويرية الخيالية لا تعني وجود ثلاثة أقانيم في إله واحد، فشتان الفرق بينهما. ولما كان يذكر عبارة "كلمة الله" كان يعني بها تدبيراً إلهياً به خلق الله العالم أو العلاقة الرمزية التي بها يتحد جميع أجزاء الكون معاً وفي أقواله الصوفية يشبه عقل الله بابنه البكر ولكن لا يفهم من قرائن الأحوال ومن سياق كلامه أنه يقصد بذلك أن العقل أقنوم في الوحدة الإلهية ولم يذكر فيلون أن الروح القدس أقنوم وعلى كل حال فقد ختم كلامه بأن الجمع في بعض الأمور لا يخالف الوحدة.
وقد جرى بعض فلاسفة المسلمين مجرى فيلون في ما يختص بهذا الموضوع ولكن كل ما كتبوه في الغالب كان نتيجة تعمق في الفكر تعمقاً أبعدهم عن الحق أو عدم معرفة تعليم الثالوث في الديانة المسيحية معرفة تامة. ولما كان عندهم من التشامخ والكبر وما فيهم من التعصب الذي منعهم عن قبول تعليم الله بكل احترام وخضوع رأوا أنهم مضطرون أن يسلموا بأن ذات الله ليست واحدة محضة بل فيها بعض التعدد وقد جاء ذلك صريحاً في كتبهم.
ففي كتاب الاصطلاحات، قال الكاشاني عن ذات الله "التجلي الأول هو التجلي الذاتي وه تجلي الذات وحدها لذاتها وهي الحضرة الأحدية التي لا نعت فيها ولا رسم إذ أن الذات التي هي الوجود الحق المحض ووحدته عينه لأن ما سوى الوجود من حيث هو وجود ليس إلا العدم المطلق- التجلي الثاني هو الذي يظهر به أعيان الممكنات الثابتة التي هي شيوع الذات لذاته وهو التعين الأول بصفته العالمية القابلية" (باب تفصيل الذات).
لا بد من اعتراضات كثيرة ضد نظرية الصوفيين هذه ولكن أقوالهم أظهرت أنه لو كانت وحدة الله مجردة عن الصفات التعددية فألوهيته تعجز عن إعلان نفسها فالنتيجة المنطقية لتوحيد كهذا هي اللا أدرية المطلقة (أي أن الإنسان لا يعرف عن الله وعن الكائنات أدنى المعرفة) ومن آرائهم في خليقة الكون أنه حصل تغيير في الذات الإلهية الغير متغيرة. وطبقاً لهذا الزعم الفاسد تكون الكائنات ليست عمل يدي الله بل هي منبثقة منه وهذا هو الاعتقاد بألوهية الكون لأنه يفيد أن جميع الكائنات مشتركة في الطبيعة الإلهية. وهذا التجديف هو نتيجة السعي لرفض تعليم الكتاب المقدس عن الثالوث الأقدس ولذلك وجد الصوفيون أنهم مضطرون بالتسليم بالتعدد في الذات الإلهية ولكن هذا الجمع يفسد الوحدة ويقود إلى الإيمان بتعدد الآلهة المستقلين الذي هو ضد تعليم الثالوث الأقدس على خط مستقيم.
كتب أحد علماء الإسلام في كتابه (الاصطلاحات المستعملة في علم الفقه) "التعين الأول يعنون به الوحدة التي انتشت عنها الأحدية والواحدية وهي (أي الواحدة) أول رتب الذات وأول اعتباراتها وهي القابلية الأولى يكون نسبة الظهور والبطون الياء على الواو ( ) - يعتبر بالتعين الأول عن النسبة العلمية الذاتية باعتبار تمييزها عن الذات الامتياز النسبي لا الحقيقي. فإما أن الوحدة هي أول التعينات للذات من جهة أنه لا يصح أن يعقل وراءها إلا الغيب والاطلاق- التعيين الثاني هي رتبة الذات وهي الرتبة التي تظهر فيها الأشياء ظهوراً وتمييزاً علمياً ولهذا تسمى هذه الحضرة حضرة المعاني- وهذا التعيين الثاني هو صورة التعيين الأول وذلك أنه لما وجب انتقاء الكثرة في التعين الأول وكذا التمييز والغيرية لكون التعين الأول هو حقيقة الوحدة الحقيقة النافية جميع ذلك مع أنها (أعني الوحدة) لكونها متضمنة لنسب الواحدية واعتباراتها التي لا تتناهى تعينات أبديتها لزم من ذلك أن يكون التعين القابل الكثرة (التي هي صورة ظلالات الاعتبارات المندرجة في الوحدة) تعيناً ثانياً لها فذلك هو التعين الثاني لا محالة- فجميع الأسماء الإلهية المنتهى التأثير والفعال وجميع الشئون والاعتبارات مندرجة في الوحدة فجملة وحدانية ( )- فإنما تصير مفعولة متميزة في هذا التعين الثاني الذي يُسمى بالمرتبة الثانية وتسمى هذه المرتبة بمرتبة الألوهية وبالنفس الرحماني وبعالم المعاني وبحضرة الارتسام وبحضرة العلم الأزلي وبالحضرة العمائية وبحقيقة الإنسانية الكمالية وبحضرة الأماكن- فكل ذلك إنما هذا التجلي حسب الاعتبارات الثابتة فيه مع توحد عينه.
وأما تسميته بالمرتبة الثانية فلكون صورة التعين الأول الذي هو مرتبته الذات الأقدس- وإنما تسميته بمرتبة الألوهية فذلك لما عرفته من كون التجلي الثاني الظاهرية وفيه هو أصل جميع الأسماء الإلهية التي جمعها الاسم الجامع وهو اسم الله تعالى ولهذا يسمى هذا التجلي الكائن في هذه المرتبة باسم الله ولا إله إلا الله لرجوع جميع العابدين إلى هذه المرتبة المتجلي فيها وكونها مقصدهم الذي تسكن إليه نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم" (انتهى).
وقد قال الجيلاني في شرحه لجلثان الراز المحمودي "أصبح جوهر الأحدية في حاجة إلى التعين الأول الذي هو الخليج الفاصل بين الوجوب والإمكان صارت الأحدية بمناسبة هذه الأحوال أسماء مقدسة لا شبيه لها (وهم يسمون التعين العقل والقلم والروح الأعظم) وأما كثرة الأسماء فهو راجع لتعدد الصفات وقد ثبت مصدر كل الموجودات المنظورة وغير المنظورة (التي سموها الوجودين) في صورة هذا التعين الأول بواسطة تفاوت وامتياز علم الله وفي هذا التجلي ظهرت النفس الرحيمة التي معناها ظهور الحقيقة في صورة الموجودات وهذا التجلي نفسه سبب وجود جميع الكائنات والمرتبة الأولى التي قبلت هذه النعمة هي التعين الأول" وقد ذكر الشاعر جامي في كتابه "تحفة الأحرار" ما يفيد هذا المعنى أيضاً.


ويمكنا هنا أن نذكر كثيراً من الأقوال المأخوذة من الكتب العربية والفارسية ولكن ظاهر مما جئنا به أن بعض عقلاء الإسلام وعلمائهم وأئمتهم يسلمون بوجود تعدد في وحدة الذات الإلهية وتتضح لنا أيضاً هذه النتيجة:
أولاً - أن المؤلفين المقتبس عنهم يميزون الذات الفائقة المطلقة الغير مدركة في كلا التجلي الأول والتجلي الثاني وهم معترفون بأن هذه الذات لا يمكن إدراكها بالفكر والتأمل.
ثانياً - أنهم يميزون التجلي الأول أو التعين الأول عن هذه الذات الغير مدركة بطريقة تجعل الذات ظاهرة للذات عينها ويفرقون بين إدراك الذات وبين الذات كما قال جامي. وخلاصة ما تقدم حسب قول الجيلاني أن التعين الأول يسمى الإدراك العام وقد قال الكاشاني أيضاً في هذا المقام أن التجلي الأول هو الحضرة الإلهية أو الحضرة الأحدية.
ثالثاً - قد ميزوا بين التجلي الثاني أو التعين الثاني وبين التجلي الأول بأن قالوا أن أعيان الممكنات الثابتة (أي أصول وحقائق الأشياء المخبية في ذات الله) تظهر فقط في معرفة الله ومعنى ذلك أن الله لما أراد أن يخلق الأشياء ادخلها لأول مرة في حيز علمه وأرادته. فالتجلي إذاً معناه قوة الفعل وإرادة الذات كما أن معنى التجلي الأول هو المعرفة الايدية للذات هكذا قد رأينا بعض علماء المسلمين سعوا في توضيح الذات المقدسة بكونها نوعاً من تثليب لأنهم يفصلون الذات عن العلم والعلم عن قوة الإرادة والفعل ويقولون أن الله لا يعرف إلا من التجلي الأول أو الثاني وبهذا التجلي الثاني ينال عبدة الله راحة وسلاماً في قلوبهم. والحقيقة أن كل هذه النظريات الفلسفية بعيدة عن الإسلام نفسه وإنما أفسح لها مفكرو الإسلام مجالاً لعلمهم أن الإيمان بوحدة الله المطلقة المجردة لا يبرهن على خلق الله للعالم بل ينافي عمل الله ويبطل تنزيهه عز وجل وإذ لم يكن لأولئك المفكرين رغبة لتعلم كلمة الله عمدوا إلى الاسترشاد في فلاسفة الوثنيين الذين لم يتوصلوا إلى معرفة الله الحقة. ولنأت هنا بمثالين لبيان وجه الشبة بين النظريات الإسلامية السالف ذكرها والنظريات اليونانية قديماً، فقد قال ارسطاطاليس الفيلسوف اليوناني "إن أسمى مظاهر الفلسفة أو علم اللاهوت هي التي تبحث عن ذلك الكائن الأبدي الغير متغير المنزه ومما لا شك فيه أنه يوجد كائن أبدي مبدع كل حركة لا يتغير بل هو مصدر كل تغيير وهو قوة أبدية ضرورية وعليه تتوقف السماء والطبيعة وحيث أن الله منبع الخير ومستقل بذاته، فينشغل بالتأمل لأن هذا هو أسمى مظهر من مظاهر الحياة. وحيث لا يوجد من هو أحسن منه فهو يتأمل في نفسه أيضاً." وتكلم بن هلال الفيلسوف السوري الأصل وكان يكتب باليونانية ما يوافق أقوال ارسطاطاليس .
وللفلاسفة الهنود القدماء آراء أخرى عن الذات الإلهية وعن كيفية تكوين العالم. وقد اختلفت آراؤهم عن علماء المسلمين لأن هؤلاء اعتقدوا بوجود إله ذاتي ولكن إذا أمعنا النظر في زعمهم أن الوجود الأصلي يجب اعتباره كوحدة مجردة وأن التعدد نشأ عن الوحدة شيئاً فشيئاً فنجد مشابهة ليست بقليلة بين أقوال فلاسفة الهند واليونان وبين علماء الإسلام وهذا يتضح مما يأتي:
قيل في الريج فيبرا "ذلك الشيء الواحد تنفس بدون نسمة وبغيره لم يكن شيء."
وفي الأبانشاد قيل "في البدء لم يكن إلا الكائن الوحيد لا ثاني له فتفكر وقال: دعني أصير كثيرين دعني أنشأ فعند ذلك أخرج ناراً (اهـ) ثم يقول أنه بهذه الكيفية صدر الماء من النار وكذلك صدرت الأرض من الماء وهكذا صار الواحد كثيراً.
(يقول المؤلف) أراد جميع هؤلاء الفلاسفة أن يوضحوا ذات الله ووجود الكون بطرق مختلفة وأشكال متنوعة ولكنها كلها تقريباً على نمط واحد وكلهم أرادوا أن يعلموا ما لا يقدرون على فهمه وكانت معرفتهم ناقصة بل هي الجهل بعينه وكانوا كلهم يتخبطون في ظلمات جهلهم وكان مثلهم مثل الثلاثة عميان الذين وصف كل منهم الفيل بقدر ما لمست يده فصارت حكاياتهم مضحكة وقد طمست بصيرة جميع الناس من حيث معرفة الله سبحانه وتعالى ولو لم يعلن الله لهم نفسه ولو لم يفتح أعين أرواحهم ليروا نور العالم يستحيل عليهم أن يدركوا الآلهة الغير منظورة- نعتقد نحن المسيحيين وكذا أخواتنا المسلمين أن الله أرسل كلامه إعلاناً لنا فمن الحكمة أن نقبل الحقائق المختصة بذات الله التي يكلمنا عنها الكتاب المقدس ولا يجب أن نسمح للتعصب أن يعمي قلوبنا ويطمس أبصارنا فنبتعد عن النور ونستبدل فلسفة الإنسان بإعلان الله. إن الله قد أعلن لنا كتابة لأن الإنسان عاجز عن إدراكه ومعرفته "ألم يجهل الله حكمة هذا العالم لأن إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة فأما للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله" (1كورنثوس 1: 20-24). فتعليم الثالوث الأقدس في الوحدة الإلهية هو بلا شك سر ولكن بمقارنته مع سفسطة الفلاسفة نجده أسهل بكثير منها، نعم وربما يكون في تعاليم الكتاب المختصة بذات الله أمور فوق عقولنا ولكنها ليست مناقضة للعقل أبداً كالنظريات الفلسفية التي نجدها في كتب الفلاسفة. ومن جهة أخرى هل تعليم الكتاب المقدس عن الثالوث في الوحدة يقودنا إلى الاعتقاد بوحدة الكائنات أو يقودنا إلى مذهب "اللاأدرية" كما تفعل الآراء البشرية التي تجعل عبادة الله سخافة أمام أعيننا لأنه منَ من الناس يقدر أن يزين الكون كما زينه الله أو يعبد إلهاً مجهولاً؟ إن عقيدة الحلول تضرب بعصا من حديد على التمييز بين الخير والشر وكذا عقيدة نكران الله وبذلك تمحي الآداب. إن تعليم الثالوث يقود الإنسان إلى معرفة الله بواسطة كلامه وروحه القدوس ويرشده إلى الحق فيكره الخطية ويرغب في القداسة ويعبد الله بالروح والحق ولا يجعلنا بعد ذلك أن نعتقد في القضاء والقدر، بل نعرف أن كل شيء بمشيئة معمولاً بمشيئة الإله الكلي الحكمة والخير والقداسة والمحبة، الآب السماوي. إذاً فالحكمة المستمدة من فوق هي الحكمة التي ترشدنا لقبول ما علمنا الله إياه عن ذاته المقدسة والتي تجعلنا ننبذ النظريات الفلسفية الأرضية التي لا أساس لها والتي لا يقبلها لا العقل ولا الضمير.
من هنا يتضح لحضرات القراء أنه لم ينجح فيلسوف واحد بما له من الذكاء وقوة الإدراك في حل ذلك السر العظيم المختص بذات الله تعالى والجميع قد خابت آمالهم ومجهوداتهم في الوصول إلى معرفة الله لأن المحدود لا يمكنه أبداً أن يدرك الغير المحدود ولا يمكن للإنسان أن يتعلم عن ذات الله إلا ما أعلنه الله في كتابه وفي ذلك الذي هو كلمة الله المتجسد وكما أن أشعة الشمس لا تحتاج إلى مشعل من نار يزيد من نورها، كذلك تعاليم الله وكلامه لا يحتاج إلى نظريات الفلاسفة وآرائهم والسبب الذي حداً بنا إلى ذكر بعض أقوال الفلاسفة هو لكي نظهر أنهم شعروا أن الإيمان بوحدة الله المحضة مخالف للعقل فاضطروا أن يسلموا بوجود الكثرة في الذات الإلهية وليفهم القراء الكرام أن تعليم العهد الجديد لا يخالف العقل ولكنه ضروري لإرواء ظمأه واشتياقه للمعرفة. والآن لا يجب أن يبقى شك لدى كل مؤمن عاقل يدرس الكتاب بفكر خلو من التعصب في الإيمان بحقيقة تعليم الثالوث الأقدس خصوصاً إذا كنا نعتبر هذا التعليم واحداً من التعاليم الكثيرة الغير المدركة المعلنة في الكتاب المقدس. إن كلام الله يظهر لنا أن الله واحد وأن وحدة الذات الإلهية كائنة في ثلاثة أقانيم متحدة في الذات والقوة والأبدية وهذه الثلاثة هم الآب والابن والروح القدس والمسيحيون بقبولهم هذا التعليم يؤمنون بأن المسيح ابن الله المخلص الوحيد والوسيط الواحد هو واحد مع الآب وأيضاً يقبلون تعاليم الأنبياء والرسل الذين تكلموا بقوة الروح القدس ويعرفون الله ويحبونه ويعبدونه ويخدمونه وينبذون التعاليم القائلة بوحدة الكائنات وبمذهب اللاادرية ويكونون بعيدين عن اليأس الذي يعمي قلوب وحياة أولئك الذين يعتقدون في القضاء والقدر ويثقون بالآب السماوي المعلن في يسوع المسيح بل وأكثر من ذلك، يتقدمون في معرفة الله العلي وذاته مسبب الأسباب ويسيرون في هذه الحياة بصبر وإيمان حتى تنتهي أيام حياتهم القصيرة هنا على الأرض قائلين مع الرسول "لأننا نعلم بعض العلم… فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كورنثوس 13: 9و12). إن تعليم الثالوث الأقدس في الوحدة يجعلنا نؤمن بتجسد كلمة الله الذي هو واحد مع الآب ولو لم يكن ابن الله قد تجسد لكان الله قد تركنا نحتمل الآلام والأحزان والموت كالآلهة التي تكلم عنها ابيكورس الفيلسوف الوثني. نعم وحتى الإسلام مائل إلى ذلك أيضاً كما يظهر من الحديث المنسوب لله في قوله "ولا أبالي". أما المسيحيون فلا ييأسون أبداً ما دام الإنجيل الذي يتكلم عن سر الثالوث في الوحدة يظهر لنا محبة الله في كلمات انبه التي تفوه بها المسيح إذ قال "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية."

  • عدد الزيارات: 11924