Skip to main content

مصادر السلطة والعقيدة - الإنجيل

الصفحة 4 من 4: الإنجيل

الإنجيل:
كما ذكرنا سابقا، يختلف مفهوم الوحي في المسحية عنه في الإسلام. ففي الإسلام يشير الوحي إلى شخص جبريل الذي كان الواسطة التي استخدمها الله لتوصيل القرآن إلى محمد مع ما كان يصيب محمدا من الأعراض الجسدية التي سبق وذكرناها.
في المسيحية لا يوجد مثل ذلك الوحي , لذلك لا يوجد تنزيل في المسيحية بالمفهوم القرآني والإسلامي، فالإنجيل ليس بمنزل كتنزيل القرآن. لا بد من التنويه أن كلمة إنجيل ليست كلمة عربية، وإنما هي مأخوذة من الكلمة اليونانية "أيوانجيلون" وتعني الأخبار السارة. لقد كانت اللغة اليونانية هي اللغة التي كتب بها الإنجيل، والسبب في ذلك هو أن فلسطين كانت تحت سلطة الرومان وكانت اللغة اليونانية هي لغة الإمبراطورية الرومانية والتي ورثت الإمبراطورية اليونانية من قبلها. لقد وصلت اللغة اليونانية إلى جميع الأنحاء التي وصلت إليها الإمبراطورية اليونانية والتي وصلت إليها الإمبراطورية الرومانية من بعدها. وبذلك تعتبر اللغة اليونانية في ذلك الحين لغة عالمية تعادل اللغة الإنجليزية في عصرنا الحاضر.
إن المسيح لم يكتب الإنجيل ولم يُروَ عنه أنه كتب أي شيء. لكن المسيح هو محور الإنجيل. الإنجيل هو الأخبار السارة التي جاء بها المسيح ويشمل ذلك ما علّم به المسيح وما عمله. تعليم المسيح هو أخبار سارة. أعمال المسيح هي أخبار سارة. ما جاء به المسيح من تعليم وأعمال سمى بالنفس البشرية إلى أقصى درجات السمو. وهكذا لم يكن و لن يكون هناك مثيل في التاريخ البشري لتعليم المسيح وأعماله التي تتضمن في الحقيقة أن الإنسان خاطئ لا يستطيع ان يخلّص نفسه من الخطية ولا يستطيع ان يشتري خلاصه بأمواله ولا يستطيع أن يكتسب ذلك الخلاص بأعماله الحسنة وصدقاته، لأن عمل المسيح هو ان يدفع دَيْن خطايانا بكفارة نفسه بديلا عنا كمخلص للعالم ، وهكذا يستطيع ان يقدم لنا الخلاص الابدي هبة مجانية ، مع أننا لا نستحقها ، على شرط أن نطلبها بتوبة حقيقية. هذه هي الأخبار السارة.
وهكذا يمكن القول أن الإنجيل لم يُنزل على المسيح بل هو المسيح ذاته. كلمة إنجيل أحيانا تستعمل مكان عبارة العهد الجديد. فالإنجيل أو العهد الجديد يتكون من سبعة وعشرين سفرا أو كتابا. تقسم هذه الأسفار إلى أربعة أقسام عامة وهي الإناجيل الأربعة وسفر الأعمال والرسائل وسفر الرؤيا. كُتبت هذه الأسفار في وقت لاحق لموت المسيح وقيامته. وقد ساهم أكثر من كاتب في كتابة هذه الأسفار في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك وحدة تربط جميع هذه الأسفار لا يمكن أن تتأتى لبشر.
إن الذين كتبوا الإنجيل أو العهد الجديد كانوا من رسل (الحواريون) المسيح والذين كانوا شهود عيان لما عمل المسيح وعلم أو كانوا من تلاميذ الرسل مثل لوقا ومرقس.
يذكر لنا يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: "الذي كان في البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت (إشارة للمسيح) وقد رأيناه ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا ليكون فرحكم كاملا". (يوحنا الأولى 1: 1-4). ويذكر لنا لوقا كاتب إنجيل لوقا وسفر الأعمال: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة. رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي عُلمت به" (لوقا 1: 1-4).
لم يكتب هؤلاء الكتّاب بطريقة ميكانيكية بحيث كان يلقى في روعهم وهم في غياب كامل أو شبه غياب عن الوعي. لم يكن الوحي تلقينا ميكانيكيا كمالم يكن قط في حال أي نبي من الأنبياء من موسى حتى المسيح. لقد كتب هؤلاء الكتّاب ما كتبوا وهم منقادين بالوحي الإلهي. لقد كتب هؤلاء الكتّاب وهم في حالة طبيعية عادية دون أن يطرأ أي تغيير ظاهري عليهم، ولم يصابوا بأي أعراض جسدية. وإنما قادهم الله مستخدما قواهم وقدراتهم العقلية والفكرية لتدوين ما أراده من إعلان الحق للبشرية.
يذكر الإنجيل أن: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا مُتأهبا لكل عمل صالح" (تيموثاوس الثانية 16:3). ويؤكد الإنجيل كذلك: "عالمين هذا أولا أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأت قط نبوة بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بطرس 1: 20-21).
بعد أن كُتبت أسفار العهد الجديد (الإنجيل) المختلفة، كانت الكنائس تتداول هذه الأسفار عن طريق التبادل والنسخ وتستخدمها في العبادة والتعليم. وهكذا انتشرت هذه الأسفار المقدسة في جميع الكنائس المتواجدة في كافة أنحاء الإمبراطورية الرومانية آنذاك.
ولقد مضى زمن وهذه الأسفار منتشرة بين الكنائس دون أن تكون مدونة في مجلد واحد كما هو موجود بين أيدي المسيحيين اليوم. وكانت الكنائس شرقيها وغربيها تعتبر هذه الأسفار كلمة الله الموحى بها. ونجد ذلك واضحا في كتابات الآباء الأولين الذين جاءوا بعد الرسل مباشرة مثل ترتوليان وأوريجانوس وأغناطيوس الأنطاكي كليمنضس الإسكندري وغيرهم.
لقد جرت عدة محاولات فردية بمبادرات شخصية لتجميع أسفار العهد الجديد في مجلد واحد قبل القرن الرابع الميلادي ولكن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح. في أواسط القرن الرابع ابتدأت تُعقد المجامع الكنسية وهي تجمعات لقادة الكنائس في جميع أنحاء العالم أنذاك. وبدأ القادة يشعرون بالحاجة لتجميع أسفار العهد الجديد كلها في كتاب واحد. وهكذا تم الإتفاق الجماعي بين قادة الكنائس على وضع أسفار العهد الجديد كلها في كتاب واحد كما هو موجود بين أيدينا اليوم. واليوم توجد مخطوطات قديمة في المتاحف للعهد الجديد باللغات اليونانية واللاتينية والسريانية. لم يتم جمع أسفار العهد الجديد بمبادرة خليفة أو أحد الأفراد. وإنما كانت المبادرات جماعية اشتركت فيها الكنائس المسيحية عامة (HURLUT ص 46).
لا بد هنا من التنويه أنه بجانب الأسفار الموجودة في العهد الجديد اليوم والتي تعتبر أسفارا قانونية، كانت وما تزال توجد كتابات تعتبر أدبا دينيا وتعرف بإسم الأبوكريفا أو الكتابات غير القانونية مثل رؤيا بطرس ورسالة برنابا وتعليم الإثني عشر. قد تكون هذه الكتابات نافعة وجيدة ولكنها لا تصل إلى مستوى الأسفار الموحى بها.
وهذه الكتابات موجودة حتى يومنا هذا، ويمكن أن يطلع عليها من يرغب في ذلك. فهي كتابات لم تتلف ولم تحرق حيث لم يكن هناك عثمان مسيحي يأمر بحرقها وإتلافها.
عزيزي القارئ، بعد أن ذكرنا ما ذكرنا من خلفيات مختلفة في الفصول السابقة ننتقل بك في الفصول التالية إلى مسائل تعليمية وتطبيقية في الرسالتين الإسلامية والمسيحية وذلك في مواصلة بحثنا عما هو أفضل وأسمى وأرفع وأجل.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 9974