Skip to main content

سيرة محمد الشخصية - الناحية السلبية التى يشهد لها القرآن

الصفحة 2 من 4: الناحية السلبية التى يشهد لها القرآن

أما الناحية السلبية التى يشهد لها القرآن فهى :
أولا : حب السيطرة و التمتع بطيبات الحياة فطرة فى الإنسان خضع لها محمد
1 – فالقرآن يردعه عن السيطرة على المؤمنين : " فذكر إنما أنت مذكر ! لست عليهم بمصيطر " ( الغاشية 21 – 22 ) . و يأمره : " و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " ( الشعراء 215 ) ، " و من تولى ، فما أرسلناك عليهم حفيظا " ( النساء 80 ) ، " و ما جعلناك عليهم حفيظا ، و ما أنت عليهم بوكيل " ( الانعام 107 ) .
2 – و القرآن يردعه عن الغيرة من سلطان الزعماء و ثرائهم : " لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم ! و لا تحزن عليهم ! و اخفض جناحك للمؤمنين ! " – الحجر 88 ) . فقد كان يريد مثلهم زينة الحياة الدنيا : " و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجهه . و لا تعد عيناك عنهم ، تريد زينة الحياة الدنيا " ( الكهف 28 ) .
3 – أجل كان النبى يدعو الى الزهد بالدنيا فى سبيل الآخرة ، لكنه كان يدعو أيضا إلى أن يأخذ الانسان نصيبه من الحياة الدنيا . فدعوة الزهد فى القرآن " أمة وسط " بين الروحانية المفرطة و بين المادية المفرطة . فهو يسير ما بين افراط و تفريط .
لكن الدعوة القرآنية للتمتع بطيبات الدنيا لا حد لها : " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ، و اشكروا الله ، إن كنتم إياه تعبدون " ( البقرة 172 ) ، " يسألونك : ماذا أحل لهم ؟ قل : أحل لكم الطيبات " ( المائدة 4 ) . فالمبدأ العام فى الدعوة القرآنية : " اليوم أحل لكم الطيبات " ( المائدة 5 ) . و يمن عليهم ان الله بالاسلام " أيدكم بنصره و رزقكم من الطيبات " ( الأنفال 26 ) .
و الدعوة القرآنية للتمتع بطيبات الدنيا تزيد على الدعوة التوراتية يقول : " يا بنى اسرائيل ... كلوا من طيبات ما رزقناكم ، و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى " ( طه 80 – 81 ، قابل البقرة 57 ) ، " و لقد بوأنا بنى اسرائيل مبوأ صدق و رزقناهم من الطيبات " ( يونس 93 ) ، كما " لقد كرمنا بنى آدم ... و رزقناهم من الطيبات " ( الاسراء 70 ) . أجل " و لقد آتينا بنى اسرائيل الكتاب و الحكم ( الحكمة ) و النبوة ، و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على العالمين " ( الجاثية 16 ) . فقد كرم الله بنى إسرائيل بالكتاب و النبوة ،
و الطيبات من الرزق ، و التفصيل على العالمين : فكانوا بذلك مثالا للمسلمين : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ، و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " أى المشركين ( الجاثية 18 ) . فالمبدأ العام فى القرآن : " يا أيها الرسل ، كلوا من الطيبات ، و اعملوا صالحا ، إنى بما تعملون عليم " ( المؤمنون 51 ) .
لذلك من أهداف الدعوة القرآنية على لسان النبى الأمى لأهل الكتاب أنه " يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات ، و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال التى كانت عليهم " ( الأعراف 157 ) ، لأنه " بظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " ( النساء 160 ) . فالقرآن يزيد على التوراة فى تحليل الطيبات و زينة الحياة الدنيا ، و يخصها بالمؤمنين يوم القيامة : " قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده ، و الطيبات من الرزق ؟ قل : هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا ، خالصة يوم القيامة " ( الأعراف 32 ) . لذلك ختم الدعوة القرآنية بقوله : " اليوم أحل لكم الطيبات " على الاطلاق ( المائدة 5 ) .
4 – و القرآن يزخر بمظاهر " بشرية " الرسول العربى : منها تبرم النبى بضعاف المؤمنين : " عبس و تولى أن جاءه الأعمى ... ! أما من استغنى فأنت له تصدى ... ! و أما من جاءك يسعى و هو يخشى فأنت عنه تلهى ! " ( عبس 1 – 10 ) .
و منها طرد فقراء المؤمنين بحضرة صناديد قريش : " و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجهه ! ما عليك من حسابهم من شىء ! و ما من حسابك عليهم من شىء ، فتطردهم ، فتكون من الظالمين " ( الانعام 52 ) . قال الجلالان : كان المشركون طعنوا فى حقارة جماعته الأولى و طلبوا منه أن يطردهم ليجالسوه ، و أراد النبى صلعم ذلك طمعا فى إسلامهم ، فعاتبه ربه هذا العتاب القاسى .
و منها قهر اليتيم و نهر السائل : " فأما اليتيم فلا تقهر ! و أما السائل فلا تنهر ! " ( الضحى 9 – 10 ) . هل حدث ذلك مرة واحدة أم أكثر ؟
و منها الدعاء و الهزء بعمه أبى لهب و زوجه : " تبت يدا أبى لهب ، و تب ! ما أغنى عنه ماله و ما كسب : سيصلى نارا ذات لهب ! و امرأته حمالة الحطب ، فى جيدها حبل من مسد " ( سورة تبت أو اللهب ) .
و منها ما رد شتيمة على قائلها : " إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك و انحر ! إن شانئك هو الأبتر ! " ( الكوثر كلها ) . قال الجلالان : " نزلت فى العاص بن وائل : سمى النبى صلعم أبتر ، عند موت ابنه القاسم " .
5 – و ينقل الاستاذ السمان ( 1 ) ، عن السيرة و الحديث بعض " طبائع و غرائز " .
كان أحيانا يغضب و يدعو على المؤمنين : " اللهم إنما أنا بشر أغضب و آسف ، كما يغضب البشر ! فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعلها له رحمة " .
فى مفاجأته بمعركة بدر يصلى و كأنه يتحدى ربه : " اللهم إن تظهر هذه العصابة ، يظهر الشرك ، و لا يقم لك دين " !
و فى غزوة بئر معونه قتل نحو سبعين من قراء القرآن ، فانفعل كثيرا ، ظل يبدأ صلاة الصبح بضع عشرة ليلة بهذا الدعاء : " اللهم اشدد وطأتك على مضر ! اللهم عليك ببنى لحيان ، و زغب و رعل و ذكوان و عصية ! فإنهم عصوا الله و رسوله " .
و اعتبر عمر بن الخطاب و زعماء المسلمين صلح الحديبية إهانة لكرامتهم . فأخذ عمر يقول للرسول على مشهد من الناس : لم نعطى الدنية فى ديننا ! و حين أمر الرسول بالرحيل ، لزم عمر يرددها عليه ثلاثا ، فأجابه عند الثالثة : " ثكلتك أمك يا عمر ! بدرت رسول الله ثلاث مرات ، و كل ذلك و لا يجيبك " !
فى سرية بنى مرة ، قبل الفتح ، قتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس ، بعد نطقه بالشهادة : لا إله إلا الله . و بلغ الخبر محمدا ، فقال لأسامة ! و قد قال : لا إله إلا الله ؟ فجعل أسامة يقول : انما قالها تعوذا من القتل . فقال الرسول منفعلا : أفلا شققت عن قلبه ، فتعلم أصادق أم كاذب ؟ هذه غضبة للحق !
و حين فتح مكة بعث النبى خالدا بجيش إلى بنى خذيمة بأسفل مكة . فخافوا و أسلموا . لكن خالدا أسرهم و أمر كل مسلم بقتل أسيره . فاختلف الناس و حدثت مشادة عظيمة أمام الرسول بين خالد بن الوليد و عبد الرحمان بن عوف . فانفعل محمد انفعالا شديدا ، و رفع يديه حتى رؤى بياض ابطه ، و هو يقول : اللهم إنى أبرأ اليك مما صنع خالد !

كان بنو قريظة يبالغون فى المؤامرة على الاسلام ، و قد تحالفوا مع احزاب قريش فى غزوة الخندق ، و لولا دبلوماسية النبى للتفريق بينهم ، لأطبقوا من خارج و من داخل على المسلمين . فلما ارتحلت الأحزاب غزا محمد قريظة و هو يقول لهم : يا اخوة القردة و الخنازير ، و عبدة الطواغيت ، أتشتمونى ! ؟
و بعد غزوة حنين ، فضل " المؤلفة قلوبهم " من قريش بالعطاء ، فقال أحدهم : و الله ان هذه القسمة ما عدل فيها ، و ما أريد بها وجه الله ! فبلغ الخبرالنبى ، فانفعل و أجاب مستنكرا : فمن يعدل ، اذالم يعدل الله و رسوله ؟ ! و فى رواية أخرى ، قال له رجل من بنى تميم : يا رسول الله أعدل ! فقال له الرسول : ويلك ، و من يعدل اذا لم أعدل ؟ قد خبت و خسرت إن لم أكن أعدل ! – إنها الوان من الانفعالات و الثورات النفسية ، حين تمس الكرامة الشخصية .
و فى معركة أحد قتل حمزة عم النبى الذى به و بعمر بن الخطاب أعز الله الاسلام . فثار محمد ثورة عارمة ، و جعل يتوعد بأنه فى سبيل حمزة سوف يمثل بسبعين رجلا منهم . و نسى قول القرآن : " و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " . و مضت ست سنوات كاملة لم تهدأ ثورة محمد فى نفسه . و جاء فتح مكة ، فأهدر محمد دماء و حشى بن جرب قاتل حمزة . ففر إلى الطائف . ثم رجع مسلما مع وفدهم . لكن ما رآه محمد حتى صاح فيه : غيب وجهك عنى " !
و قبل وفاته قرر إرسال بعثة لغزو الروم ، و أمر على رأسها الفتى أسامة بن زيد ، فاستاء كبار المهاجرين و الأنصار ، و أخذ نوع من التمرد يجتاح الجماعة . و كان المرض قد بلغ منه مبلغه . فكابر على نفسه و أتى المسجد و صعد المنبر ، و قد عصب رأسه من شدة الوجع ، و خاطب المسلمين : " فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأميرى أسامة ؟ و الله لئن طعنتم فى إمارتى أسامة ، لقد طعنتم فى إمارتى أباه من قبل . و ايم الله ، إن كان للإمارة لخليقا ! و ان ابنه من بعده لخليق للإمارة . و إن كان لمن أحب الناس إلى " . فالنبى يثور و هو على فراش الموت لمخالفة أوامره .
و تلك الانفعالات النفسية الطارئة التى تبلغ حد الغليان و الثورة النفسية ، كانت تتحول أحيانا ، بضغط الظروف ، الى كبت بضيق به صدره ضيقا شديدا . و هنا القرآن

نفسه شاهد عدل . لقد ضايقه المشركون بتحديه المتواصل بآية كالأنبياء الأولين : " فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك ، و ضاق به صدرك ، أن يقولوا : لولا أنزل عليه كنز ! أو جاء معه ملك ! إنما أنت نذير ، و الله على كل شىء وكيل " ( هود 12 ) .
و فى عجزه الدائم عن معجزة كان المعارضون يرشقونه بشتى التهم ، و يعجزه العجز عن معجزة ، فيستسلم الى الكبت و الضيق : " و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ! فسبح بحمد ربك و كن من الساجدين ، و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين " ( الحجر 97 – 99 ) .
و الصورة الكاملة لخلق النبى هى الدعوة أولا " بالحكمة و الموعظة الحسنة " بمكة حيث كان طريدا شريدا بين بنى قومه ، ثم الدعوة بالمدينة ، فى حمى المهاجرين و الأنصار ، بالجهاد ، " و الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس " ( الحديد 25 ) . و قوله : " و انك لعلى خلق عظيم " ، " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " كأنه يقصد بها جماعته لا غيرهم من الناس : " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، و ليجدوا فيكم غلظة ، و اعلموا أن الله مع المتقين " ( التوبة 123 ) . و هو يصور واقع الحال بقوله : " محمد رسول الله ، و الذين معه ، أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ! " ( الفتح 29 ) ، " فلا تطع الكافرين و جاهدهم به جهادا كبيرا " ( الفرقان 52 ) .
و الحديث الذى يصفه خير وصف هو : انه " نبى الملحمة " ! و انه " نبى المرحمة " ! و كلاهما يتعارضان .

أزمات محمد النفسية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9521