Skip to main content

التأييدات الربانية للنصر فى الحرب - فلسفة القرآن فى الجهاد و النصر و الفتح

الصفحة 3 من 3: فلسفة القرآن فى الجهاد و النصر و الفتح

 

ثانيا : فلسفة القرآن فى الجهاد و النصر و الفتح

و هكذا فالنصوص القرآنية فى البطولات الجهادية ، حيث " نصرهم الله فى مواطن كثيرة " ، تشهد من ذاتها أنه لا معجزة فيها تحدى بها النبى للبرهان على صحة رسالته و صدق دعوته .
1 – لكن ميل القرآن إلى إسناد كل عمل إلى الله ، و هو المصدر و المعاد ، حمل بعض القوم الى رؤية معجزات فى موقف البطولات . و فلسفة القرآن فى الجهاد و النصر و الفتح تشابهت عليهم . فالقرآن نفسه أخذ نصر بدر ، بعد عجز محمد عن كل معجزة حسية ، و بعد نسخ اعجاز القرآن كمعجزة ( آل عمران 7 ) يعتبر آية " الحديد " أى السيف ( الحديد 25 ) آيته الكبرى فى رسالته .
لكن " من الجدير بالتنبيه أن آيات وقائع الجهاد النبوى قد نزلت بعد الوقائع ، مما يسوغ القول : ان الوقائع قد كانت بأمر النبى صلعم و رأيه ، و بدون وحى قرآنى كما هو شأن أكثر احداث السيرة النبوية " ( 1 ) . و هذا يخرج وقائع الجهاد من شروط المعجزة : التحدى بها قبل وقوعها .
كانت الدعوة بمكة ، على طريقة الأنبياء الأولين ، " بالحكمة و الموعظة الحسنة " ، فصارت الدعوة بالمدينة عسكرية بالجهاد . و تشريع الجهاد مع المبدأ : " لا اكراه فى الدين " لا ينسجمان . لنا على ذلك اسلام أهل مكة أنفسهم : فلم يسلموا إلا بالفتح العسكرى . لكن بعد ذلك صح إسلامهم و فتحوا الدنيا للإسلام .
2 – و فلسفة الجهاد فى القرآن ، لا تسمح أن نرى فيه معجزة .
يقول : " كتب عليكم القتال ، و هو كره لكم ! و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم ، و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم ، و الله يعلم و أنتم لا تعلمون " ( البقرة 216 ) . فكانوا يكرهون قتال قومهم .
و يقول : " فلما كتب عليهم القتال ، إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ، أو أشد خشية ! و قالوا : ربنا ، لم كتبت علينا القتال ؟ لولا أخرتنا إلى أجل قريب " ؟ ( النساء 77 ) . فلو كان فى الجهاد معجزة إلهية لما خشى بعضهم الناس كخشية الله أو أشد خشية !
و يقول و يكرر : " و الفتنة أشد من القتل " ( البقرة 191 و 217 ) ، " و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله " ( البقرة 193 ) . إن اتقاء الفتنة فى الدين يكون بالإيمان لا بالقتال .
بدأ العهد فى المدينة بقوله : " لا اكراه فى الدين " ( البقرة 256 ) ، و ختمه بعد الفتح مكة بقوله : " براءة من الله و رسوله الى الذين عاهدتم من المشركين : فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر ، و اعلموا أنكم غير معجزى الله ، و أن الله مخزى الكافرين ... فإذا انسلخ الأشهر الحرام ، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ... " ( التوبة – براءة 1 – 2 و 5 ) . فلم يشرع الجهاد للدفاع فقط ، بل للهجوم أيضا و فرض الدين ، حتى التبرئة من كل عهد مع المشركين .
فقد فرض القتال ليظهر الاسلام على الدين كله : " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و كفى بالله شهيدا " ( الفتح 28 ) ، " هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ، و لو كره المشركون " ( الصف 9 ، التوبة 33 ) . يتم هذا الاظهار بالجهاد و الفتح ، مع الدعوة بالقرآن . هذه هى فلسفة الجهاد فى القرآن : فهل فيها معجزة إلهية ؟
3 – ثم يقرن فلسفة الجهاد بفلسفة النصر و الفتح : " يا أيها الذين آمنوا ، هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؟ تؤمنون بالله و رسوله ، و تجاهدون فى سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ... يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ، و مساكن طيبة فى جنات عدن . ذلك الفوز العظيم . و أخرى تحبونها نصر من الله ، و فتح قريب . و بشر المؤمنين " ( الصف 10 – 13 ) . الجهاد يفتح السماء ، و يفتح الأرض ، مع غنائم فى الدارين . هذه هى البشرى للمؤمنين . فالغنائم كانت هدفا من أهداف الجهاد ، و تجارة دينية رابحة .
و يقول : " و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة : فاتقوا الله لعلكم تشكرون " ( آل عمران 123 ) . فالنصر من الله يرفع الذل عن المسلمين ، و يوجب " الرضاء عليهم بقسمة الغنائم ، أو بتعبير أدق بفرز الخمس منها " لله والرسول 1 ، " و ان الآيات تلهم أن الخلاف فى صدد لغنائم ، إنما كان على فرز الخمس أكثر منه على طريقة التوزيع و مقداره ، لأن الكلام فيها مصبوب على ذلك ، و أكثر ما جاء فى صدد نصر الله و تأييده قد استهدف تشريع الخمس و ايجاب قبوله و الرضاء به " . و يظل الفىء كله – أى ما استحوذوا عليه بدون قتال – الرسول وحده .
و يقول : " لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة " ( التوبة 25 ) . لكن نصر الله لهم مقرون بنصرهم لله : " إن تنصروا الله ينصركم " ( 47 : 7 ) ، " و لينصرن الله من ينصره " ( 22 : 40 ) ، " و ليعلم الله من ينصره " ( 57 : 25 ) .
و الفتح مقرون بمغفرة ذنوب النبى : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ز ما تأخر " ( الفتح 1 – 2 ) . مهما كان الذنب المتقدم و الذنب المتأخر ، فإن الغفران منه مقرون بالفتح : فهل فى الفتح من ذنب يقتضى الغفران ؟
و فى ( اسباب نزول ) آية التوبة : " و منهم من يقول : ائذن لى و لا تفتنى " ( 49 ) نقل السيوطى : " أخرج الطبرانى عن ابن عباس أن النبى صلعم قال : أغزوا تغنموا بنات الأصفر ! فقال ناس من المنافقين : إنه ليفتنكم بالنساء ! فنزلت " .
و آخر ما نزل من القرآن على قول بعضهم سورة النصر : " إذا جاء نصر الله و الفتح ، و رأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك ، و استغفره ، إنه كان توابا " . نفهم الأمر بالتسبيح لله إذا جاء نصر الله و الفتح ، لكن لا نفهم الأمر بالاستغفار بعد نصر الله و الفتح ؟ و هذا الأمر بالاسغفار ، بعد النصر و الفتح ، له فى آخر القرآن ، يجعل آية الحديد و السيف مشبوهة . فليس فى فلسفة الجهاد و النصر و الفتح من معجزة إلهية : " قل : يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم " ( السجدة 29 ) .
أجل إن الفتوحات النبوية كانت بطولات : لكن " التأييدات الربانية " فيها لم تكن معجزات .
و المبدأ القرآنى القاطع أن المعجزات منعت عن محمد منعا مبدئيا وواقعيا ، يمنع أن نرى فى إشارة القرآن إلى تلك " التأييدات الربانية " معجزة . قال الاستاذ دروزة ( 1 ) : " أما التأييدات الربانية للنبى صلعم و المسلمين التى تضمنت اخبارها آيات قرآنية عدة ، مثل آيات سورة الانفال ( 9 – 13 ) و مثل الذى جاء فى سورة الاحزاب ( 9 ) فإنها ، كما هو ظاهر من نصوصها و روحها ، لا تدخل فى عداد معجزات التحدى . و بالتالى فإنها ليس من شأنها نقض الموقف السلبى العام الذى تمثله الآيات القرآنية " .
فليس فى الوقائع الجهادية ، و لا فى " التأييدات الربانية " للنصر فى الحرب ، من معجزة أعطيت برهانا على صحة النبوة و الدعوة . و الواقع القرآنى المتواتر أن السور التى تذكرها نزلت بعد الوقائع الجهادية ، فارتفعت بذلك صفة التحدى بالمعجزة .
إن الجهاد آية محمد ، و فيه تأييد ربانى ، لكن ليس فيه معجزة من الله تشهد للنبوة .

الصفحة
  • عدد الزيارات: 9595