Skip to main content

زواج محمد من أمهات المؤمنين

الصفحة 1 من 2

الفصل السابع والعشرون

زواج محمد من أمهات المؤمنين

في الجدل الإسلامي المعاصر

 

من الطبيعي أن يتحير المسلم في أمره ويسأل نفسه كيف تزوج نبيُّه إحدى عشرة سيدة بينما يبيح القرآن تعدد الأزواج إلى أربع كأقصى حد، ويشترط في ذلك العدل الذي يستبعده أكثر الفقهاء والكتّاب خاصة في العصر الحاضر، ويطلب من كل مسلم أن يتخذ نبيه أسوة حسنة، فيتَّبع سنته الشريفة لا سيما في ميدان الزواج إذ روى عنه قوله: النكاح من سنتي (1).

سألت فتاة مصرية في الستينات الشيخ محمود الغراب: ما هي الحكمة في أن الله تعالى أباح للنبي عليه السلام التزوج بأكثر من أربع؟ إن عللنا ذلك بكثرة النسل فإنه لم يرزق من بعضهن بولد، وإن عللناه بأن الله أراد أن يمتعه (ولا مؤاخذة) قلنا إن مقام النبوة أرفع من ذلك. إني أعرف سبب زواجه بواحدة كانت زوج شخص تبناه إذ جاء ذكر زواجها في القرآن الكريم: زوَّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم الخ. وأما غيرها فلا أعرف سبب زواجه بهن وحكمته، وأنّى لمثلي أن تدركه، وهذا النوع من البحث لا يدركه إلا العلماء والباحثون، فلعلكم مجيبون ببيان وافٍ ولفضيلتكم عظيم احترامي (2).

يتحدث الشيخ محمود الغراب في مستهل جوابه عن مسألة كثر فيها الكلام وزلت فيها أقدام، فيقول: كل عمل يصدر منه (محمد) لا يكون إلا عن حكمة علمناها أو عجزنا عن إدراكها. هذه المسألة يا سيدتي من خصوصياته عليه السلام، بمعنى أنه عليه السلام بعد أن شرَّع قصر الرجال على أربع من النساء كان يحل له التزوج من غير أن يتقيد بهذا العدد، ولكن يا سيدتي من تتبع أصل التشريع في ذلك يرى أن النبي كان مضيقاً عليه في هذا أكثر من أمته، ولم يكن له تشريع خاص لقصر التوسعة عليه في هذا الأمر. دعونا نقرأ أولاً الغراب وهو يشرح حجته الغريبة هذه:

من المعلوم أنه قبل أن يشرع تحديد الزوجات بأربع كان يحل لكل رجل أن يجمع في عصمته من النساء ما شاء من العدد، لا فرق بين نبي وغيره، بل الكل كان في ذلك سواء. فلما جاء التشريع الخاص بالعدد أمر النبي من عنده زيادة على أربع أن يمسك أربعاً ويفارق الباقي، وشرع الطلاق وحل استبدال المرأة بغيرها، أما بالنسبة للنبي عليه السلام، فجاء التخيير من الله لزوجاته: يا أيها النبي قُل لأزواجك إن كنتُن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً (3) فاخترن الطرف الثاني، فأُكرمن بأن اعتُبرن أمهات المؤمنين، وقصر عليه السلام عليهن فقط من بين نساء المؤمنين كزوجات، وحرم عليه طلاقهن ومنع استبدالهن بغيرهن، وفي ذلك تضييق شديد بالنسبة لما أُجيز لأمته، وفي ذلك يقول الله تعالى: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن، وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك، وبنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي... لا يحل لك النساء من بعد، ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن، إلا ما ملكت يمينك (4).

نرى أن الشيخ محمود الغراب يخلط أموراً لا يمت بعضها لبعض بصلة. فبالنسبة لآية التخيير مثلاً فإنها لم تنزل قصراً على محمد وتحديداً لأزواجه، بل إنذاراً وتحذيراً لهن حتى لا يثقلن على رسول الله طلباً لعرض الدنيا (5). وبغض النظر عن أن الآية (33:82-23) لا تشكل أي تدخل تشريعي في الحياة الزوجية لمحمد، فإن الشيح الغراب يجهل أو يتجاهل أن محمداً نكح زوجته الأخيرة في عام الحج أي بعد نزول هذه الآية بأعوام (6). فإن قضاء محمد سنين شبابه مع الأرملة خديجة بجانب كون زوجاته ما عدا عائشة ثيبات من أقوى الحجج عند المسلمين المعاصرين على أن النساء لم يكنّ همّ الرسول الشاغل (7). ويتحدث الصابوني عن نقطتين هامتين لعبتا الدور الأساسي في زواج محمد من نسائه تدفعان الشبهة عن النبي الكريم، وتلقمان الحجر لكل مفتر أثيم وهما:

أولاً: لم يعدد الرسول الكريم زوجاته إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة، أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين.

ثانياً: جميع زوجاته الطاهرات ثيبات أرامل، ما عدا السيدة عائشة فهي بكر، وهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوجها وهي في حالة الصبا والبكارة. ومن هاتين النقطيتن ندرك - بكل بساطة - تفاهة هذه التهمة وبطلان ذلك الادعاءالذي ألصقه به المستشرقون الحاقدون (8).

فرغم أن العلماء المسلمين فخورون بأن رسول الله بشر حقيقي كما يظهر ذلك من حياته الزوجية (9) فإنهم يقدمون لدى ذكرهم قصص زواجه من نسائه صورة لا تتوافق والواقع ولا طبيعة محمد البشرية؟ فإن سلمنا بما يكتبون في هذا السياق، وصدقنا الأسباب التي يسردونها تفسيراً لتعدد الزوجات في بيت النبوة، فإن زواجه من خديجة هو الوحيد الذي تم من نتيجة دوافع إنسانية. يدعون أنه لم يكن ليتزوج عائشة لو لم يكن أبوها أبو بكر عرضها عليه (10) الأمر الذي يعني تحريف ما وصل إلينا من أقدم الروايات بهذا الشأن (11). ويعتقد الآخرون أن محمداً سعى من وراء زواجه بعائشة عقد علاقة قرابة بينه وبين أبي بكر: لقد كانت مصاهرة الرسول للصدّيق أبي بكر أعظم منة ومكافأة له في هذه الحياة الدنيا، كما كانت خير وسيلة لنشر سننه المطهرة وفضائله الزوجية وأحكام شريعته، ولا سيما ما يتعلق منها بالنساء (12). تأسيس المصاهرة كان أيضاً سبب زواجه من حفصة بنت عمر حيث أراد أن يكافئ وزيره الآخر (عمر) (13).

أما ما يتعلق بزواجه بحفصة فقد أقدم عليه شفقة وخوفاً عليها من قومها (14). وأما تزوجه من زينب بنت خزيمة فكان مكافأة لخدماتها الخيرية للفقراء (15). لقد اتخذ محمد أم سلمة - في زعم الكتّاب المعاصرين - زوجة تقديراً لتفانيها من أجل أولادها ورأيها الحسن يوم الحديبية الخ (16). أما السر الكامن في زواجه بجويرية فكان رَغْبَتَه في إعتاق قومها حيث وقعوا في الأسر بعد فتح المسلمين حصونهم. فتزوجها لكي يكون مهرها إطلاق سراحهم، فكانت أعظم امرأة بركة على قومها (17). تنتمي صفية بنت حيي أيضاً إلى هذا الصنف من النساء اللاتي تم زواجه بهن لأسباب استراتيجية (18). يقول محمد رشيد رضا إنه تزوجها إشفاقاً من إذلالها وهي سيدة قومها: فقال أهل الرأي من الصحابة: يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك. فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة بالرق عند من تراه دونها، فاصطفاها وأعتقها وتزوجها، كراهة لرق مثلها في نسبها وقومها، ووصل سببه ببني إسرائيل، لعله يخفف مما كان من عداوتهم له (19).

أما أم حبيبة فتزوجها لكي يكافئ إيمانها (20).

يعترف محمد رشيد رضا أنه لم يعثر على أية حكمة تزوج محمد من أجلها بميمونة: ولم أقف على سبب ولا حكمة لتزوجه بها، ولكن ورد أن عمه العباس رغَّبه فيها، وهي أخت زوجة لبابة الكبرى أم الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها (21). ولكن الحكمة في زواج محمد بميمونة التي لم يقف عليها محمد رشيد رضا لم تفت الصابوني: ولا يخفَى ما في زواجه بها من البر وحسن الصلة وإكرام عشيرتها الذين آزروا الرسول ونصروه (22).

وأما ما يتعلق بالأَمَتين ماريا وريحانة فلا يخبرنا الكتّاب المسلمون بالأسباب ولا بالحِكَم التي أدَّت بزواج الرسول بهما.

حِكَماً أو أسباباً في زواج محمد بنسائه
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10577