Skip to main content

زواج محمد من أمهات المؤمنين - حِكَماً أو أسباباً في زواج محمد بنسائه

الصفحة 2 من 2: حِكَماً أو أسباباً في زواج محمد بنسائه

إن ما يسميه الكتاب المسلمون في العصر الحاضر حِكَماً أو أسباباً في زواج محمد بنسائه، لخصها الصابوني في أربعة أبواب وهي:

أولاً: الحكمة التعليمية.

ثانياً: الحكمة التشريعية.

ثالثاً: الحكمة الاجتماعية.

رابعاً: الحكمة السياسية. (23)

أولاً: الحكمة التعليمية

لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول ص هي تخريج بضع معلمات للنساء، يعلمنهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصف المجتمع، وقد فُرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.

وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي ص عن بعض الأمور الشرعية، وخاصة المتعلقة بهن. كأحكام الحيض، والنفاس، والجنابة، والأمور الزوجية، وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل. ولقد صار من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات، نقلن هديه عليه السلام واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.

ثانياً: الحكمة التشريعية

ونتحدث الآن عن (الحكمة التشريعية) التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول ص، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً (بدعة التبني).

وقد كان زيد (ابنه بالتبني) زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية، وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه، لأنه كان عبداً مملوكاً قبل أن يتبناه الرسول، وهي ذات حسب ونسب.

ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل (بدعة التبني) ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها. ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، في قوله جل وعلا: روتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وكان أمر الله مفعولاً (الأحزاب 33:73).

وهكذا كان هذا الزواج للتشريع، وكان بأمر الحكيم العليم، فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله روما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.

ثالثاً: الحكمة الاجتماعية

أما الحكمة الثالثة فهي (الحكمة الاجتماعية) وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي ص بابنة الصديق الأكبر (أبي بكر) رضي الله عنه وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق (عمر) رضي الله عنه وأرضاه، ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب، وتزوجه العديد منهن، مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.

ورابعاً: الحكمة السياسية

لقد تزوج النبي ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة تصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته. مثل زواجه بجويرية وصفية (24).

يمكن أن نقول في ختام هذا الباب أنه لا يوجد خلاف كبير بين الأصوليين والمسلمين المعتدلين ممن اشتهروا بالإصلاح والانفتاح أو العداء للتعصب، مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا، إذا تعلق الأمر بالحياة الزوجية لمحمد، فهم مجمعون على أن محمداً لم يتزوج واحدة من نسائه - بما ما عدا خديجة - لدوافع أو نوازع إنسانية بل كان غرضه إما مكافأتهن أو حمايتهن من الأخطاء، أو لأسباب سياسية وتشريعية كما مرَّ عند الصابوني. ونلاحظ في محاولات الجانبين أن الرغبة في تصوير الأمور بشكل مثالي أقوى بكثير من الاهتمام بالموضوعية التاريخية (25).

 

1- ابن ماجة، نكاح 1

2- فتاوي الإمام، محمد رشيد رضا، 5:2091 وما يليها

3- القرآن 33:72

4- فتاوي الإمام، 5:4091

5- جامع البيان، 12:651

6- طبقات، 8:231

7- فتاوي الإمام، 5:5091 هذا ما ذهب إليه محمد رشيد رضا أيضاً رغم أنه يجد احتجاج الشيخ الغراب ضعيفاً: ولو كان عليه السلام أراد بتعدد الزواج ما يريده الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط لاختار حسان الأبكار على أولئك الثياب المكتهلات (منهن) كما قال لمن اختار ثيباً: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك (البخاري، جهاد 311) وأذكّر القارئ بأن تعدد الزوجات في ذلك العصر كان من الضروريات لكثرة القتلى من الرجال وحاجة نسائهم إلى من يكلفهن لأن أكثرهن من المشركينذ (المنار، 4:603 فتاوى الإمام، 5:4191 ، الصابوني 2:713).

لم يحدث قط أن اختار زوجة واحدة لأنها مليحة أو وسيمة، ولم يبن بعذراء قط إلا العذراء التي علم قومه جميعاً أنه اختارها لأنها بنت صديقه وصفيه وخليفته من بعده أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

رهذا الرجل الذي يفتري عليه الأثمة الكاذبون أنه الشهوان الغارق في لذات حسه، قد كانت زوجته الأولى تقارب الخمسين وكان هو في عنفوان الشباب لا يجاوز الخامسة والعشرين، وقد اختارته زوجاً لها لأنه الصادق الأمين فيما اشتهر به بين قومه من صفة وسيرة، وفيما لقبه به عارفوه الصدق والأمانة فيه، وعاش معها إلى يوم وفاتها على أحسن حال من السيرة الطاهرة والسمعة النقية، ثم وفى لها بعد موتها فلم يفكر في الزواج حتى عرضته عليه سيدة مسلمة رقت له في عزلته فخطبت له السيدة عائشة بإذنه، ولم تكن هذه الفتاة العزيزة عليه تسمع منه كلمة لا ترضيها غير ثنائه على زوجته الراحلة ووفائه لذكراها.

وما بنى عليه السلام بواحدة من أمهات المسلمين لما وصفت به عنده من جمال ونضارة وإنما كانت صلة الرحم والضن بهن على المهانة هي الباعث الأكبر في نفسه الشريفة على التفكير في الزواج بهن. ومعظمهن كن أرامل مأيمات فقدن الأزواج أو الأولياء، وليس من يتقدم لخطبتهن من الأكفاء لهن إن لم يكفر فيهن رسول الله (العقاد الإسلام وأباطيل خصومه، ص 381 بيروت 4791 ، حسن كامل الملطاوي، رسول الله في القرآن الكريم ص 833-933 ، القاهرة 9791)

8- الصابوني، 2:613

9- حقاً أنهم لحاقدون كاذبون فما كان محمد ص رجلاً شهوانياً، إنما كان نبياً إنسانياً، تزوج كما يتزوج البشر، ليكون قدوة لهم في سلوك الطريق السوي، وليس هو إلهاً ولا ابن إله - كما يعتقد النصارى في نبيهم - إنما هو بشر مثلهم فضله الله عليهم بالوحي، والرسالة قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد (الصابوني، 2:513)

10- فتاوى الإمام (فتوى الشيخ الغراب)، 5:5091

11- تاريخ الطبري، 3:261 ، طبقات، 8:85 وما يليها، أنساب الأشراف، 1:014 ، أسد الغابة 5:105 وما يليها. أجمعت المصادر الموثوق بها على أن محمداً نفسه جاء أبا بكر يخطب عائشة. لا يطلعنا الشيخ الغراب على المصدر الذي عثر فيه على تلك الرواية. يبقىكتاب السيدة عائشة عبد الرحمن نساء النبي الوحيد في هذا الميدان حيث تنقل الكاتبة عن أقدم المصادر بأمانة ما الذي حدث كما هو الحال أيضاً في حياة محمدذ لمحمد حسين هيكل، ص 202 وما يليها وإن لم يكن تفسيرهما مقنعاً لنا.

12- الصابوني، 2:133 ، كذا تفسير محمد عبده، المنار، 4:403

13- المنار، 4:403 ، الصابوني، 2:233 ، فتاوى الإمام، 5:0191

14- المنار، 4:303 وما يليها، فتاوى الإمام، 5:9091 ، الصابوني، 2:،132 الملطاوي، ص 933

15- المنار، 4:403 يجب أن نشاطر هنا المسلمين قولهم بأن محمداً تزوج هذه السيدة صوناً لها من قومها بعد وفاة زوجها في أُحُد. غير أن هذا الزعم ليس واقعياً انطلاقاً من قصتها أن محمداً لم يهدف في زواجه من 21 امرأة إما تشريف صاحبات الخيرات أو حماية العاجزات المعرضات للأخطار. وإنه من الغرابة بمكان أن يدعي الصابوني أنه كانت عمرها ستين سنة عندما تزوجها محمد، الأمر الذي لا برهان عليه. ينقل الصابوني عن محمد محمود الصواف قوله: وكانت قد بلغت الستين من عمرها حينما تزوج بها النبي (ص) ولم تعمر عند النبي الكريم سوى عامين، ثم توفاها الله إليه راضية مرضية. فما رأي الخراصين بهذا الزواج الشريف، وغايته النبيلة؟ وهل يجدون فيه شيئاً مما يأفك الأفاكون؟ أيجدون فيه أثراً للهوى والشهوة؟ أم هو النبل والعفاف، والعظمة والرحمة والفضل والإحسان من رسول الإنسانية الأكبر، الذي جاء رحمة للعالمين. فليتق الله المستشرقون المغرضون، وليؤدوا أمانة العلم ولا يخونوها في سبيل غايات خبيثة استشرقوا ودرسوا العلوم الإسلامية خاصة للدس، والكيد، والنيل من سيد الإنسانية محمد عليه السلام (الصابوني، 2:332)

16- المنار 5:503 ، يدعي محمد رشيد رضا أنها كانت تخرج كل يوم إلى الأبطح تبكي حتى شفع فيها شافع من قومها. فوجدت في محمد كافلاً لنفسها ولأولادها (فتاوى الإمام، 5:1191)

17- لكي تكون بركة على بني قومها (المنار، 4:403 ، فتاوى الإمام، 5:2191) يذكر الصابوني قصة زواجه إياها ضمن النساء اللاتي تزوجهن لحكمة سياسية: لقد تزوج النبي (ص) ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه، وجمع القبائل حوله. فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة (مصاهرة) وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج: تزوج صلوت الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وكانت قد أُسرت مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله ص تستعينه بشيء من المال، فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك فتزوجها. فقال المسلمون: أصهار رسول الله ص تحت أيدينا؟ (أي أنهم في الأسر) فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو، وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعاً ودخلوا في دين الله، وأصبحوا من المؤمنين. فكان زواجه ص بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها، لأنه كان سبباً لإسلامهم وعتقهم، وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها. (الصابوني، 2:423-523)

18- وكذلك تزوجه بالسيدة صفية بنت حُيي بن أخطب التي أُسرت بعد قتل زوجها في غزوة خيبر ووقعت في سهم بعض المسلمين، فقال أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة، لا تصلح إلا لرسول الله ص فعرضوا الأمر على الرسول الكريم، فدعاها وخيَّرها بين أمرين:

أ - إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.

ب - وإما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها.

فاختارت أن يعتقها وتكون له زوجة. وذلك لما رأته من جلالة قدره (نفس المصدر، 2:533)

19- فتاوى الإمام، 5:3191. ليس من السهل أن يصدق أن خوف محمد من إذلالها كان الدافع الوحيد في زواجه إياها. نعرف أنها كانت نصيب دحية بن الكلبي لدى قسم الغنيمة. فعندما قال أصحاب محمد إنها سيدة قومها ولا يجوز لأحد أن يأخذها سوى محمد، تزوجها (طبقات، 8:021-921 ، أنساب الأشراف، 1:224 وما يليها، أسد الغابة، 5:094 وما يليها)

20- فتاوى الإمام، 5:3191 ، المنار، 4:503. يقول الصابوني: ولما بلغ أبا سفيان الخبر أقرَّ ذلك الزواج وقال: هو الفحل لا يقدح أنفه فافتخر الرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله للإسلام. ومن هنا تظهر الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان. فقد كان هذا الزواج سبباً لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين. سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة (الصابوني 2:623-723)

21- فتاوى الإمام، 5:4191 ، المنار، 4:503

22- الصابوني، 2:733

23- الصابوني، 2:813

24- نفس المصدر، 2:813-423

25- Paret, R, Zur Frauenfrage, S. 55 ff

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10593