Skip to main content

ميزات التنزيل القرآنى - بحسب الحديث

الصفحة 2 من 2: بحسب الحديث

 

ثانيا : بحسب الحديث

لقد وردت أحاديث عن النبى تزيد الشبهات على " دلائل الاعجاز " فى التنزيل ، و على موقف النبى من التنزيل القرآنى .

1 – جاء فى الصحيح عن أنس : " ان نصرانيا كان يكتب الوحى لمحمد ، و كان هذا النصرانى يقول : لا يريد محمد إلا ما كتبت أنا " !


2 – و جاء فيه عن عبد الله بن سعد بن أبى شرح ، و كان من كتبة الوحى أيضا ، أنه كان يقول : " كنت أصرف محمدا حيث أريد ! كان يملى على ( عزيز حكيم ) ، فأقول ( عليم حكيم ) ، فيقول : نعم ، كل صواب ! حتى قال لى آخر الأمر : اكتب كيف شئت " !

و فى ( اسباب النزول ) ، على الآية 93 من الأنعام : " سأنزل مثل ما أنزل الله " ، نقل السيوطى " أنها نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبى شرح . كان يكتب للنبى ص ، فيملى عليه ( عزيز حكيم ) ، فيكتب ( غفور رحيم ) ، ثم يقرأ عليه ، فيقول : نعم سواء . فرجع عن الاسلام و لحق بقريش " .

3 – و على آية الانعام نفسها ( 93 ) نقل الطبرى (قايل السيوطى أيضا : اسباب النزول على ( الانعام 93 )) ، عن السدى ، نحوه . ثم زاد : " قال : إن كان محمد يوحى اليه ، فقد أوحى إلى ، و إن كان الله ينزله ، فقد أنزلت مثل ما أنزل الله ! قال محمد ( سميعا عليما ) فقلت أنا : ( عليما حكيما ) " .

4 – و كان عبد الله بن مسعود من كتبة الوحى أيضا . و قد روى عنه أن محمدا أملى عليه آية فكتبها . ثم التمسها ثانى يوم فى مصحفه فلم يجدها ، و كانت الصحيفة خالية . فأخبر النبى ص فقال له : " إنها نسخت من ليلتها " .

5 – و على الآية : " و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ، ثم أنشأناه خلقا آخر ... " و طلب النبى فاصلة ....

روى الطبرى عن عبد الله بن سعد بن أبى شرع أيضا أنه قال : " فقلت : ( تبارك الله أحسن الخالقين ) ، فقال محمد : اكتبها ، كذلك نزلت . فشك عبد الله و قال : لئن كان محمد صادقا ، لقد أوحى إلى كما أوحى اليه ! و لئن كان كاذبا ، لقد قلت كما قال " ! و أورد السيوطى فى ( اسباب نزولها ) : " أخرج ابن أبى حاتم عن عمر قال : وافقت ربى فى أربع ، منها ، نزلت ( و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ... ) فلما نزلت ، قلت أنا : تبارمك الله أحسن الخالقين " . و كثرة الطرق دليل على أن للقصة أصلا .

6 – و قصة عمر بن الخطاب فى تنزيل القرآن قصة ذات مغزى كبير . جاء فى الحديث ، عن ابن عمر ، قال : " ما نزل بالناس أمر قط ، فقالوا و قال ، إلا نزل القرآن على

ما قال عمر " ! و أخرج ابن مردويه ، عن مجاهد ، قال : " كان عمر يرى الرأى فينزل به القرآن " ! و هكذا ، إن صحت الاحاديث ، فإنهم يجعلون لعمر بن الخطاب يدا فى معانى القرآن ، و فى تعابيره و الفاظه .

و قد حاول بعضهم حصر دور عمر فى التنزيل فى ثلاث أو أربع موافقات ، كما نقل النجارى و غيره عن عمر : " وافقت ربى فى ثلاث . قلت : لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى ، فنزلت : ( و إتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ) . و قلت : إن نساءك يدخل عليهن البر و الفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ! فنزلت آية الحجاب : ( و اذا سألتموهن متاعا ، فاسألوهن من وراء حجاب ، ذلك أطهر لقلوبكم و قلوبهن ) . و اجتمع على رسول الله ص نساؤه فى الغيرة ، فقلت لهن : عسى ربه ، إن طلقكن ، أن يبدله أزواجا خيرا منكن ! فنزلت كذلك : " عسى ربه ، إن طلقكن ، أن يبدله أزواجا خيرا منكن " !

إن دور عمر فى تنزيل القرآن لم يقتصر على تلك الموافقات الثلاث كما يظهر من الحديثين السابقين . و هذا الدور الثابت من الحديث يترك فى النفس ريبة تكاد لا تنتهى .

7 – و فى قصة أسرى بدر ، و شورى الصحابة فى أمر قتلهم أو فدائهم ، قال عمر بالقتل ، و أشار أبو بكر الصديق بالفداء . فنزل القرآن بالمقالتين معا ، مع تفضيل رأى أبى بكر بقبول الفداء . قابل ( اسباب النزول ) للسيوطى ، فى القصة . و قد تكون المرة الوحيدة التى نزل بها القرآن على خلاف ما قال عمر ، اذا استثنينا قصة صلح الحديبية .

8 – و على الآيتين 13 و 14 من سورة الواقعة : " ثلة من الأولين و قليل من الآخرين " ، نقل السيوطى فى ( اسباب النزول ) : " أخرج أحمد و ابن المنذر و ابن أبى حاتم ، عن أبى هريرة قال : " لما نزلت ( ثلة من الأولين و قليل من الآخرين ) ، شق ذلك على المسلمين فنزلت : " ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين " ( الواقعة 39 – 40 ) .

و أخرج ابن عساكر فى ( تاريخ دمشق ) عن جابر بن عبد الله ، قال : " لما نزل ( ثلة من الأولين ، و قليل من الآخرين ) ، قال عمر : يا رسول الله ، ثلة من الأولين ، و قليل منا ؟ فامسك آخر السورة سنة ، ثم نزلت ( ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين ) . فقال رسول الله ص : يا عمر تعال فاسمع ما قد أنزل الله " !

و أخرجه ابن ابى حاتم عن عروة بن رويم مرسلا " .

و هنا يظهر عمر لسان حال الجماعة فى التنزيل .

9 – جاء فى ( أسباب النزول ) للسيوطى عن آية المحاسبة على الوسوسة ( البقرة 284 ) : روى أحمد و مسلم و غيرهما عن أبى هريرة ، قال : لما نزلت ( و إن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه ، يحاسبكم به الله ) ، اشتد ذلك على الصحابة ، فأتوا رسول الله ص ثم جثوا على الركب فقالوا : قد أنزل عليك هذه الآية و لا نطيقها ! ... فنسخها ، و أنزل : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ) .

" و روى مسلم و غيره عن ابن عباس نحوه " .

و كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا . فإن صحت ، فهذا بلاء عظيم فى التنزيل : أينزل الوحى بما يفرض الله على عباده ، أم بما يشتهون ؟ ! أتنزل الشريعة بما يريد الله أم بما يريدون ؟ !

10 – و فى ( اسباب النزول ) نقل السيوطى أيضا فى الآية : " و امرأة مؤمنة ، إن وهبت نفسها للنبى ، إن أراد النبى أن يستنكحها ، خالصة لك من دون المؤمنين " ( الاحزاب 50 ) ، " ان أم شريك الدوسية عرضت نفسها على النبى صلعم ، و كانت جميلة ، فقبلها . فقالت عائشة : ما فى امرأة حين تهب نفسها لرجل خير ، فنزلت . فلما نزلت هذه الآية ، قالت عائشة : إن الله يسرع لك فى هواك " !

11 – و نقل أيضا فى ( اسباب النزول ) : " أخرج الشيخان عن عائشة أنها كانت تقول : أما تستحى المرأة أن تهب نفسها ؟ فأنزل الله ( ترجىء من تشاء منهن ، و تؤوى اليك من تشاء ) . فقالت عائشة : أرى ربك يسارع لك فى هواك " !

فالله تعالى ، فى التنويل القرآنى ، يسارع فى هوى النبى ، و فى هوى جماعته .

12 – و فى ما أسقط النبى أو الصحابة من القرآن ، قد ورد حتما أكثر من ذلك .
روى المسور بن محزمة أن عبد الرحمان بن عوف قال : " ألم نجد فى ما أنزل علينا ( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ) ، فإنا لا نجدها . قال : أسقطت فى ما أسقط من القرآن " .

(1) 13 – و روى عن ابن عمر : " لا يقولن أحدكم : ( أخذت القرآن كله ) ، و ما يدريه ما كله ! قد ذهب منه قرآن كثير ! و لكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر " (عن دروزة : القرآن الكريم ص 59) !

و النتيجة الحاسمة : أن تلك الميزات و تلك الاحاديث شبهات على الاعجاز فى التنزيل .

و فى الصحيحين ، و فى كتب ( اسباب النزول ) كثير من هذه الأحاديث . و مهما كانت درجتها من الصحة ، فإن فيها شيئا من الواقع التاريخى ، و إلا كان القوم على النبوة و على التنزيل يكذبون .

و النتيجة الحاسمة منها أن للمخلوق ضلعا فى التنزيل القرآنى ، و يدا فى ما بقى من القرآن ، و فى ما أسقط منه .

فمهما رقت شهادة الحديث و ( أسباب النزول ) ، فهل تدل على إعجاز فى التنزيل ؟ و بما أن القرآن قد نزل أحيانا " على ما قال عمر " ، فقد ضاهى عمر اعجاز القرآن .

إن تلك الشبهات من الحديث ، و تلك الميزات فى القرآن ، ليست دلائل على الاعجاز فى التنزيل . إنما هى شبهات تترك المؤمن و غير المؤمن فى حيرة لا تنتهى من أمر التنزيل فى القرآن .

الصفحة
  • عدد الزيارات: 7494