Skip to main content

الناسخ والمنسوخ

الناسخ والمنسوخ

ينفرد الإسلام بمسألة الناسخ والمنسوخ، فلا تكاد تخلو سورة في القرآن منه، فكان ذلك موجباً لتشويش الفكر. فإذا طالع الإنسان بقصد الفائدة تاه في الالتباسات، وصعُب عليه التمييز بين الأحكام واجبة التنفيذ والأحكام التي لا يجوز الاعتماد عليها. وقد رُوي عن عليّ بن أبي طالب أنه دخل يوماً مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلاً يُعرف بعبد الرحمن، وقد اجتمع عليه الناس يسألونه وهو يخلط الأمر بالنهي والإباحة بالحظر، فسأله عليّ: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا . قال: هلكت وأهلكت . أخذ أذنه ففتلها، وقال: لا تقضِ في مسجدنا بعد . وعبد الرحمن هذا كان صاحباً لأبي موسى الأشعري. فإذا كان هذا الرجل مع تقدمه في العلم وقربه من الصحابة جهل الناسخ والمنسوخ، حتى كاد أن يقع في الضلالة ويُضل غيره، أو كما قال عليّ: يَهلك ويُهلك غيره فما بالك بمن لم يكن عالماً أو لم يكن قريب عهد بالصحابة؟ (كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس باب الترغيب في تعلم الناسخ والمنسوخ).

أنّ الناسخ والمنسوخ إذا وُجدا في قانون أو دستور كانا أعظم وصمة عار له، ولذا كانت الديانة الصحيحة الحقيقية وكُتبها المُنزَّلة مُنزّهة عن هذه الوصمة، لأنه لما كان الله سبحانه عالماً بالماضي والحاضر والمستقبل، ويعلم السر والجهر، وما استتر وظهر من عواطف الناس وأميالهم وأقوالهم وأفعالهم، أنزل كتابه المقدس منزَّهاً عن الناسخ والمنسوخ. ومن أتى في قوله وفعله بالناسخ والمنسوخ كان من أقوى الأدلة على جهله وعدم اختباره وعدم معرفته بالضار من النافع. فماذا نقول في ملك أرضي سنّ قانوناً وأمر رعاياه أن يطيعوا أوامره، وبعد أشهر سنّ قانوناً آخر ينسخ أحكام القانون الأول، وأمرهم أيضاً بطاعته، وهكذا كانت أعماله دائرة بين ناسخ ومنسوخ ونقض وإبرام. ولما اعترض الناس عليه قال لهم: ما ننسخ من قانون أو ننساه نأت بخير منه أو مثله .

أما كان يجب عليه قبل أن يُقدِم على سنّ قانون أن يتروّى ويتحرّى حتى يكون قانونه محبوك الطرفين. فماذا نقول في ملك الملوك ورب الأرباب العليم الحكيم؟ هل يُعقل أن يأتي بقانون قابل للنسخ والنقض والتغيير والتبديل؟ لئن جاز هذا من ملك فهو معذور، لأنه إنسان قاصر، ولكن لا يجوز أن نقول ذلك عن العليم الحكيم، لأنه هو العارف بالكليات والجزئيات، وهو الذي خلق الإنسان وكل شيء، ويعرف المناسب وغير المناسب له.

فيتضح من هذا الاعتقاد بأن الناسخ والمنسوخ منافٍ لحكمة الله وعلمه وكمالاته، بل نقول إنه أقوى مساعد لكل من ادّعى النبوة، فساعد الجاهل والكذاب والمحتال. ونعذر المختار بن عبيد على دعواه النبوة لأنه كان من مذهبه أنه يجوز البدء على الله تعالى. والبدء له معانٍ، منها البدء في العلم وهو أن يَظهر له خلاف ما علم، ومنها البدء في الإرادة وهو أن يَظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم. ومنها البدء في الأمر، وهو أن يأمر بشيء ثم يأمر بعده بخلاف ذلك. وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبدء لأنه كان يدَّعي علم ما يحدث من الأحوال، إما بوحي إليه يوحَى إليه، وإما برسالة من قِبَل الإمام محمد بن الحنفية. فكان إذا وعد أصحابه بحدوث شيء، وحدث، جعله دليلاً على صدق دعواه، وإن لم يحدث قال: قد بدا لربكم . وكان لا يفرّق بين النسخ والبدء. قال: إذا جاز النسخ في الأحكام جاز البدء في الأخبار.

وكان للمختار كرسي قديم غشاه بالديباج وزيَّنه بأنواع الزينة، وقال: هذا من ذخائر عليّ، وهو عندنا بمنزلة التابوت لبني إسرائيل . فكان إذا حارب خصومه يضعه في براح الصف ويقول: قاتلوا ولكم الظفر والنصرة، وهذا الكرسي محله فيكم محل التابوت في بني إسرائيل، وفيه السكينة والبقية، والملائكة من فوقكم ينزلون مدداً لكم . وحديث الحمامات البيض التي ظهرت في الهواء وقد أخبرهم قبل ذلك بأن الملائكة تنزل على صورة الحمامات البيض معروف. والأسجاع التي ألّفها مشهور أمرها. وسبب ادّعاء الكذبة بالنبوة هو الناسخ والمنسوخ، فإن الكاذب إذا تنبأ عن حادثة ولم تحصل اعتذر بالنسخ، كما فعل المختار ولذا أنكر اليهود في عصر محمد الناسخ والمنسوخ وقالوا: إنه بدا كالذي يرى الرأي، ثم يبدو له . وهم مصيبون أيضاً (الملل والنحل للشهرستاني فصل المختاريه).


 

عدم وجود نَسْخ في اليهودية والمسيحية:

إذا نظرنا إلى الديانة اليهودية والمسيحية رأيناهما منزَّهتين عن الناسخ والمنسوخ، فلم يأت موسى بأمر ثم نسخه، وكذلك لم يأت المسيح كلمة الله ولا الرسل بأمر ثم أتوا بخلافه. بل نقول إنه لم ينسخ نبي ديانة نبي آخر، فإن أعمال الله منذ الأزل منزَّهة عن التناقض والتشويش، فكُتب موسى وكُتب المسيح هي إعلانات لحقائق واحدة، ففي كتب موسى اُعلنت هذه الحقائق برموز وإشارات، وأُعلنت في الثاني بصريح الكلام بطريقة أوضح وأفصح وأبلغ. قال احد القديسين : العهد القديم هو نبوة عن العهد الجديد، وكان العالم يستعد لمجيء المسيح قبل ظهوره بزمان طويل، وكان العهد القديم نبوة سامية ورمزاً جليلاً إلى المسيح المزمع أن يأتي، وقد أتى . وقال أيضاً: من يقدر أن ينكر أن الأنبياء المقدسين في العهد القديم رأوا بالروح مجيء المسيح قبل مجيئه بزمان طويل، ووضعوا التعليم الإنجيلي بروح النبوة بكلام متفاوت في الوضوح، مثل كُمُون الورق والثمر في البذرة التي كانت محتاجة إلى الشمس الإلهية لتُظهرها .

وإذا تأملنا نبوات العهد القديم عن المسيح وصفاته وكمالاته وأعماله وموته وصلبه وقيامته، وعن سلطانه وقوته وجبروته، وعن رسله وكنيسته، ظهر لنا توافق الوحي في العهدين. وقالت رسالة العبرانيين إن الناموس اليهودي الطقسي، مع كل فرائضة وغسلاته وذبائحه، كان رمزاً إلى النظام الإنجيلي. بل إن مشاهير العهد القديم كملكي صادق وموسى وداود وسليمان كانوا يرمزون إلى المسيح، وكثير من حوادث التاريخ اليهودي كعبور البحر الأحمر وخروف الفصح والحية النحاسية والمن من السماء والماء من الصخرة، كانت مثلاً عن الحوادث الإنجيلية. قال كايل: ارتقت النبوة بواسطة المسيح من صورتها الزمنية إلى جوهرها، وبه كل الأرض تصير أرض كنعان . ونختم كلامنا بقول المسيح: “لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتّى يَكُونَ الْكُلُّ ; (متى 5: 17 - 18).


 

معنى النَّسْخ:

النسخ بمعنى الإزالة كقوله في الحج (22: 52) “فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ “فإن الشيطان عندهم له دَخْل في الوحي، وقد أوحى إلى محمد عبادة اللات والعُزَّى، حتى قال إنها الغرانيق العُلى . ثم نسخها، (أسباب النزول للواحدي سبب نزول الحج 22 : 52).

ومعنى النسخ التبديل، ومنه “وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ; (النحل 16: 101) أي بالنسخ، فجعلنا الآية الناسخة مكان المنسوخة لفظاً أو حكماً.

وأجمع علماء المسلمين على أن النسخ مما خصّ الله به الأمة الإسلامية لحِكَم، منها التيسير. كأنه سبحانه لم يدْرِ أن الأحكام التي أنزلها أول الأمر لا تلائم الناس، ثم خفّفها عنهم.

(1) واختلف العلماء فقيل: لا يُنسخ القرآن إلا بقرآنٍ، لقوله: “مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ; (بقرة 2: 106). فقالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيراً منه إلا قرآن . بل قد نُسخ القرآن بالسُنّة.

(2) قالوا: لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي مثل: افعلوا، ولا تفعلوا، وعلى الأخبار التي معناها الأمر والنهي كقوله في النور 24: 3 “ا لّزَانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالّزَانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ “يعني لا تنكحوا زانية ولا مُشركة. والأخبار التي معناها الأمر كقوله في يوسف 12: 47 “تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً “بمعنى: ازرعوا. فالأوامر والنواهي والأخبار التي بهذه الصفة يجوز نسخها. أما الأخبار بمعنى رواية الحوادث وذكرها فلا يجوز نسخها. غير أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي قالا: يدخل النسخ على الأمر والنهي وجميع الأخبار . وتابعهما على هذا القول جماعة. وعلى هذا الرأي يكون النسخ في أوامر القرآن ونواهيه وأخباره وقصصه! (راجع كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس).

(3) كان محمد إذا رأى أن أمراً من الأوامر لم يُرْضِ الصحابة يغيّره في الحال ويقول إنه منسوخ. فمن ذلك تغييره القِبْلة، فكان محمد وأصحابه يصلّون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس بعد الهجرة 16 أو 17 شهراً يأتلف بذلك اليهود. فقال اليهود: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قِبلتنا! . فلما رأى أن ذلك يضر بطريقته تحوَّل إلى قِبلة الكعبة، فرجع كثير من العقلاء إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه وترك قِبلة اليهود التي هي حق . وقال بعضهم في عصره: لا يخلو محمد من أمرين: إما أن يكون على حق فقد رجع عنه، وإما أن يكون على باطل فما كان ينبغي أن يكون عليه (الرازي في تفسير البقرة 2: 142).

ومن ذلك مسألة القتال، فلما كان محمد في مبدأ أمره ضعيفاً أمر أصحابه بالصفح عن أعدائه، ولما تقوّى حضّهم على قتالهم. قال ابن العربي: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف (التوبة 9 : 5) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . فهذه الآية نسخت 124 آية في حُسن معاملة المشركين .

ومن ذلك قوله في البقرة 2: 284 “وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ “فقال المسلمون في عصر محمد إنه يجول الأمر في نفوسنا. لو سقطنا من السماء إلى الأرض لكان ذلك أهون علينا. وقالوا لمحمد: لا نطيق. فقال محمد لهم: لا تقولوا سمعنا وعصينا، ولكن قولوا سمعنا وأطعنا . ثم قال إن الله أنزل عليه “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّاوُسْعَهَا ; (البقرة 2: 286). ولم يكتفوا بذلك، فخفف الوسع أيضاً بقوله: يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر (البقرة 2: 185).

ورُوي عن محمدقوله: إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه . ومما يشبه ذلك قوله: يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله حق تُقاته . فقال العرب: يارسول الله، ما حق تقاته؟ قال: أن يُطاع فلا يعصَى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر . فشقَّ عليهم ذلك، فنزلت: وجاهدوا في الله حق جهاده . فكان هذا أعظم من الأول ومعناها اعملوا حق عمله. وكادت عقولهم تُذهل فخفف عنهم ذلك بقوله: فاتّقوا الله ما استطعتم . فصارت ناسخة لما قبلها (أسباب النزول للواحدي سبب نزول البقرة 2: 284).

ألم يكن عارفاً في أول الأمر بما يوافق الطبيعة البشرية فيأتي من أول وهلة بما يلائمها؟ وهل البشر أحكم من المولى حتى إذا طلبوا تغيير الوحي أجابهم إلى طلبهم؟ أو هل تلبية محمد لهم هو من باب المداراة، لأنه كان يخشى نفورهم منه وتفرُّقهم عنه، وهم كانوا يحبون ديانةً سهلةً على الطبيعة البشرية؟

ورد في النساء 4: 17 “إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ “فسُئل محمد: ما حدّ التائبين؟ قال: من تاب قبل موته بسنة قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل موته بنصف سنة قَبِل الله تعالى توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل موته بشهر قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن الشهر كثير . ثم قال: من تاب قبل موته بجُمعة قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك كثير . ثم قال: من تاب قبل موته بيوم قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل موته بساعة قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل أن يغرغر قَبِل الله توبته . ثم تلا قوله: ثم يتوبون من قريب (راجع تفسير النساء 4: 17).

(4) قال علماء المسلمين إن النسخ في القرآن على ثلاثة أنواع:

(أ) أحدها ما نُسخ تلاوته وحكمه معاً. قالت عائشة: كان فيما أُنزل عشر رضعات معلومات، فنُسخت بخمسٍ معلومات، فتوفي محمد وهن مما يُقرأ من القرآن (رواه الشيخان). وقد تكلموا في قولها وهن مما يُقرأ من القرآن فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك، فهذه العبارة سقطت من القرآن كغيرها، واعتذر العلماء قائلين: إن التلاوة نُسخت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة محمد، فتوفي وبعض الناس يقرأها . وقال أبو موسى الأشعري: نزلت ثم رُفعت . وقال مكي: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضاً غير متلو، ولا أعلم له نظيراً .

(ب) ما نُسخ حكمه دون تلاوته، وهذا النوع هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وكان الأقرب للصواب نسخ تلاوته أيضاً. لكنهم قالوا إنهم أبقوا تلاوته لأنه كلام الله ليُثابوا عليه. فإذا أُلغي ولم يراعَ جانبه كان وجوده وعدمه على حد سواء. وكيف يكون كلام الله ملغى ومنسوخاً؟ وما هو الثواب الذي يحصل للإنسان من كلام منقوض ملغى لا عمل له؟

(ج) ما نُسخ تلاوته دون حكمه. وقد سأل بعضهم: ما الحكمة من رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهل أُبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ فأجاب صاحب الفنون: إن ذلك ليظهر مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى الطاعة من غير استفصال . وقد أفرد علماؤهم الكتب في هذا الموضوع، فراجعها إن شئت.

كيف يأمر الله بأمرٍ لا وجود له في كتابه؟ وهل يُعقَل أن ملكاً يحاسب رعاياه بدون قانون مدوّن مسطور؟ إن الحاكم الذي يفعل هذا يكون مستبداً ظالماً، وحاشا لله من ذلك.


 

الناسخ يجيء قبل المنسوخ!
ومن الغريب أن يجيء الناسخ قبل المنسوخ! جاء في البقرة 2: 234 “وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً “وهذه الآية نسخت البقرة 2: 240 (الواردة بعدها) والذين يُتَوفَّون منكم ويَذَرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم مَتاعاً إلى الحَوْل غيرَ إِخراجٍ . وهناك مثالٌ آخر، فقد جاء في الأحزاب 33: 50 “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ,,, وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ,,, وَبَنَاتِ عَمِّكَ,,, وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً “هذه الآية نسخت آية جاءت بعدها هي الأحزاب 33: 52 “لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ;.

أمثلة ما نُسخ تلاوته مع بقاء حكمه:

قال السيوطي: أمثلة هذا كثيرة

(1) قال ابن عمر: ليقولُنَّ أحدكم قد أخذتُ القرآن كله، وما يدريه ما كله. قد ذهب منه قرآنٌ كثير، ولكن ليقل قد أخذتُ منه ما ظهر .

(2) ورد في الأحاديث عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تُقرأ زمن محمد مائتي آية. فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا على ما هو الآن .

(3) سورة الأحزاب وهي 72 آية كانت تعدل سورة البقرة، وكانوا يقرأون فيها الرجم وهي إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم .

(4) أَقْرَأ محمد الصحابة آية الرجم، وهي إذا زنى الشيخ والشيخة.. فارجموهما البتة ..بما قضيا من اللذة .

(5) ورد في مصحف عائشة: إن الله وملائكته يصلّون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى . قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف .

(6) ورد أيضاً: قال محمد إن الله يقول: إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو أن لابن آدم وادياً لأحبَّ أن يكون إليه الثاني، ولو كان له الثاني لأحبَّ أن يكون إليهما الثالث. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب .

(7) قال محمد لأُبيّ بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ: ألم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين . ومن بقيّتها لو ابن آدم سأل وادياً من مال فأُعطيه، سأل ثانياً. وإن سأل ثانياً فأعطيه، سأل ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية. من يعمل خيراً فلن يكفره .

(8) نزلت سورة نحو التوبة ثم رُفعت، وحُفظ منها أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوامٍ لا خِلاق لهم، ولو أن لابن آدم وَادِيَيْن من مال لتمنى وادياً ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب .

(9) رُوي عن أبي موسى الأشعري قال: كنا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبحات ما نسيناها، غير أني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتُكتَب شهادة في أعناقكم فتُسألون عنها في يوم القيامة .

(10) قال عمر: كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك؟ قال: نعم.

(11) قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة، فإنّا لا نجدها. قال: أُسقطت فيما أُسقط من القرآن.

(12) استفهم مسلم بن مخلد الأنصاري آيتين في القرآن لم يُكتبا في المصحف، فقال مسلمة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا وأنتم المفلحون، والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون .

(13) عن ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما محمد، فكانا يقرآن بها. فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف واحد، فأصبحا غاديين على محمد، فذكرا ذلك له فقال: إنها مما نُسخ فألهوا عنها .

(14) وفي الصحيحين قال أنس في قصة أصحاب معونة الذين قُتلوا، نزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفع أن بلّغوا عنا قومنا إنّا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا .

(15) وفي المستدرك عن حذيفة قال: ما تقرأون ربع التوبة .

(16) قال الحسين بن النادي في كتابه الناسخ والمنسوخ: ومما رُفع رسمه من القرآن، ولم يرفع من القلوب حفظه سورتيّ القنوت في الوتر وتسمّى سورتي الخلع والحفد .

(17) قال أبو بكر الرازي: وإنما نسخ الرسم والتلاوة بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف، فيندرس على مدى الأيام . ثم توهّم أن ذلك يكون مثل نسخ كتب الله القديمة التي ذكرها في قوله: إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى (الأعلى 87: 18 ،19) ولا يعرف منها اليوم شيء. وهذا القياس فاسد، لأن كتب موسى موجودة.

(18) قال عمر: لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (يعني آية الرجم) (راجع الإتقان باب الناسخ والمنسوخ المصاحف للساجستاني باب اختلاف مصاحف الصحابة).

فليخبرونا هل كانت هذه السور والأقوال المحذوفة مكتوبة في اللوح المحفوظ؟ فلماذا حذفوها من القرآن؟ وإن كانت محذوفة من اللوح المحفوظ، فلماذا ذكروها في كتبهم وكانوا يتناقلونها؟


سور القرآن الناسخة والمنسوخة:
(1) السور التي دخلها المنسوخ ولم يدخلها ناسخ هي 40 سورة، أولها الأنعام ثم الأعراف. يونس. هود. الرعد. الحجر. النحل. الإسراء. الكهف. طه. المؤمنون. النمل. القصص. العنكبوت. الروم. لقمان. السجدة. فاطر. الصافات. ص. الزمر. الزخرف. الدخان. الجاثية. الأحقاف. محمد. ق. النجم. القمر. الممتحنة. القلم. المعارج. المدثر. القيامة. الإنسان. عبس. الطارق. الغاشية. التين. الكافرون.

(2) السور التي فيها ناسخ وليس فيها منسوخ وهي ست سور، الفتح والحشر، والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى.

(3) السور التي دخلها الناسخ والمنسوخ وهي 25 سورة، البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة وإبراهيم والكهف ومريم والأنبياء والحج والنور والفرقان والشعراء والأحزاب وسبأ وغافر والشورى والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والمزّمل والعصر والكوثر.

(4) السور التي لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ، وهي 43 سورة.

ومن غرائب النسخ أنهم جعلوا الناسخ قبل المنسوخ. قال ابن العربي: من عجيب المنسوخ قوله خذ العفو فإن أولها وآخرها وهو واعرض عن الجاهلين منسوخ، ووسطها محكم وهو وأْمُر بالعرف (الأعراف 7: 199). وقال ومن عجيبه أيضاًآيةأولهامنسوخ وآخرها ناسخ، وهي قوله: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (المائدة 5: 108). يعني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهذا ناسخ لقوله عليكم أنفسكم (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي باب الناسخ والمنسوخ).

  • عدد الزيارات: 20712