Skip to main content

أبناء الله - إن تعليم الكتاب عن الحب والمحبة ليس سهلاً

الصفحة 3 من 3: إن تعليم الكتاب عن الحب والمحبة ليس سهلاً

إن تعليم الكتاب عن الحب والمحبة ليس سهلاً ولا قريب المنال لمن أراده، بل هو في جملته ثمرة جهدٍ وعرقٍ، ورياضةٌ روحية، تبدأ كما قلتُ بذرةً في جوف الأرض، ثم تنمو شيئاً فشيئاً حتى تظهر الثمرة الطيبة. وعندما طالعت الكتاب مؤمناً به، ثقُل عليَّ هذا التعليم السامق، وأحسست بثقله عندما أردت أن أواجه به الحياة، فكيف أحب من عاداني، وأصلّي من أجل الذي يبغضني، وأبذل صفحاً مسامحاً لمن يضطهدني؟ إنها آداب أكبر من طاقاتي ونفسي، وما رُبِّيتُ عليه. الحق أقول إني واجهت مأزقاً صعباً وعر الطريق.

وكانت مفارقة غريبة إذ أني - وبعد أن قبلت المسيح مخلِّصاً لحياتي - كنت أتحدث مع بعض الأساتذة الأفاضل الذين تولّوا تربيتي الدينية السابقة، وكنت أتحدَّث إليهم وأنا أُكِنّ لهم حقداً وكراهية لا حدَّ لهما، لأني كنت أحسُّ بداخلي أنهم هم المضلِّلون الذين كادوا يُلْقون بي في حلبة الجحيم ويحجبون عني نور السماء. حاولتُ أن أهدم قاعدتهم، وأحطم بنيانهم، وأدمّر أساساتهم، وأنا أوهم نفسي أني بذلك أُرشدهم إلى الحق الذي أُبلِغْتُه. لكني في واقع الأمر كنت أنتقم لنفسي وآخذ منهم قصاصي. وفي ليلةِ تحّوُلٍ روحيٍّ حقيقي في حياتي عُدت إلى منزلي بعد مناقشةٍ مع أحد أئمتي السابقين، طالت ساعات، أخذت الكتاب وبدأت أقرأ. وإذا بالرب يكلّمني على لسان بولس الرسول تارة، ويوحنا الحبيب تارةً أخرى، وأنا أقلّب صفحات الكتاب، فلا أجد سوى توجيه التوبيخ واللوم والإدانة لموقفي هذا. كانت كل كلمة من الكتاب تقول لي: لا! ليست هذه هي المسيحية. أنت مخطئ. أنت بحاجة إلى "السلوك في جِدَّة الحياة" (رومية 6: 4). وتعجبت! ألم أتجدَّد بعد؟ لقد آمنتُ بأُلوهيّة المسيح وبنوّته لله وصلبه وقيامته، كما أني أتوقّع بشوقٍ مجيئه ثانيةً. وأنا أمارس الفضائل المسيحية بقدر ما أعرف. وهل المسيحية أو غيرها إلا كذلك: إيمان وعمل؟ وهنا أجابني المسيح: نعم لقد تجددتَ يوم فتحتَ لي قلبك فصرتَ خليقةً جديدة. لكنك تحتاج أن تتجدّد كل يوم لتكون على صورة محبتي لك. وأنت تحتاج أن تعبِّر عن محبتي للجميع، كما أحبك أنا . ثم علَّمني مرة أخرى بلسان الرسول بولس في أصحاح المحبة: "وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الْإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئاً، وَإِنْأَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَا أَنْتَفِعُ شَيْئاً" (1كورنثوس 13: 2، 3).

وعندما انتهيت من القراءة أحسسْتُ بالحاجة إلى تلك الحياة التي رسمها سيدي في كتابه. لكني شعرتُ بالثّقل والبُعد. واتجهتُ إليه في صلاة. طلبت العون والغوث طلبت منه أن يعينني ويساعدني لأصل إلى حياة الكمال التي وصفها في كتابه. لقد سلَّمت لسيدي في تلك الليلة عرش حياتي يتصرف فيَّ كيف يشاء. أعطيته السلطان فإذ بي أجد أن الحياة المسيحية التي أراها مستحيلة صعبة لا يحياها إلا الآلهة، أو أبناء الآلهة، يحياها المسيح فيَّ ومِن خلالي. ومِن هنا علمتُ أن المسألة لا تتوقف على ما أفعله أنا، بل على ما يفعله سيدي، لأنه يعطي القوة، ونحن الآلات التي تنطلق فيها تلك القوة، وهنا تحقق معي اختبار الرسول بولس: مَعَ ا لْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لَا أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الْآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الْإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللّهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِي" (غلاطية 2: 20).

تعلمت أن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة أو النيَّات الحسنة وسط جملةٍ من العادات والأخلاق السيئة، فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلاً حميداً ولا مسلكاً مجيداً، ولا يدل على كمالٍ أو قبول، فإن القلوب المتحجِّرة قد تَرْشح بالخير، والأصابع البخيلة قد تتحرك بالعطاء ولا يُسمَّى ذلك اهتداءً. إنما الاهتداء هو حياةٌ تجدَّدت بعد بلى، ونقلةٌ حاسمة غيّرت معالم النفس كما تتغيَّر الأرض الموات المقفرة وقد هطلت عليها أمطارُ السماء.

الصفحة
  • أنشأ بتاريخ .
  • عدد الزيارات: 7511