Skip to main content

اشتراك الحاج البَصْري - هل المسيح عبد ونبي مثل باقي الأنبياء والرسل؟

الصفحة 5 من 5: هل المسيح عبد ونبي مثل باقي الأنبياء والرسل؟

5 - هل المسيح عبد ونبي مثل باقي الأنبياء والرسل؟

أ - المقارنة الموضوعية في منزلة كل منهم

قال البَصْري: كذبت. ما المسيح إلا عبد من عبيد الله ونبي من المرسلين. إن مثله عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب. ثم قال له: كن فيكون. أكرمه الله ورفعه إليه. وقد قال في القرآن: لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقرَّبون.

قال الراهب: إن من أكرمه الله وأنزله المنزلة التي لم يُنزلها سواه، ينبغي أن يُتّبع فوراً. ولكن، أين آدم وذريته؟ وأين نوح وقومه؟ واين إبراهيم وموسى والأنبياء والمرسَلون؟ وأين الشهداء والأخيار والأبرار؟.

قال البَصْري: هم على الأرض وتحت الثرى.

قال الراهب: وأين محمد وأمته التي تزعمون أن الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه منه، وأن محمداً أكرمُ على الله من المسيح ومن آدم؟.

قال البَصْري: هو كما قلت، لا محالة.

قال الراهب: فأين هم؟.

قال البَصْري: على الأرض وتحت الثرى.

قالا لراهب: وأين المسيح؟.

قال البَصْري: في السماء رفعه الله وأكرمه.

قال الراهب: إذاً لو كان مثل المسيح كمثل آدم لكان مع آدم وذريته، أو مثل نوح لكان مع نوح وقومه، أو مثل إبراهيم وموسى والأنبياء والمرسَلين لكان معهم. ولو كان مثل محمد لكان معه. ولو كان محمد أكرم على الله من المسيح، لكان محمد مكان المسيح وكان المسيح مكان محمد.

ب - الشهادات الكتابية حول ربوبية المسيح و رفعه

ثم قال الراهب: وكيف صار هذا الذي تشهد عليه بالعبودية، رفعه الله إليه بالفضل والكرامة، وأجلسه على كرسي العز وألبسه المجد، وحجبه بالنور، وألهم الملائكة والعباد معرفته والإقرار له بالربوبية واللاهوت، وتمم له جميع ما قيل فيه على ألسنة أنبيائه، إنه ملك الملوك وليس لملكه انقضاء؟.

وشهد له بذلك جبرائيل الملاك قبل أن يُحبل به، إذ قال لوالدته الطاهرة: إن الله مبشرك بكلمته. ولم يقل لها: إن معك عبداً من عبيد الله، بل روح الله معك، وقوة العلي تظللك، والقدوس المولود منك يُدعى ابن الله.

وبعد هذا، انطلقت مريم لزيارة أليصابات، أم يوحنا بن زكريا. فلما سمعت أم يوحنا كلام مريم، اضطرب يوحنا في بطنها وسجد. فقامت أمه تتنبأ بفرح عظيم وقالت: من أين لي هذا الشرف العظيم أن تأتي إليّ أم ربي؟ السلام لك، يا مباركة في النساء. منذ وقع كلامك في أذنيَّ، اضطرب الطفل في بطني وسجد. وهذا في كتابك، إذ يقول: وإذ قالت الملائكة لزكريا: إن الله يبشرك بيحيى مصدِّقاً بكلمة من الله نبياً من الصالحين (منذ كان في بطن أمه).

وفي يوم ولادة المسيح، نزلت الملائكة من السماء يُسبحون ويقولون: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. وبشر الملاك الرعاة وقال: هوذا أبشركم بفرح عظيم، يكون لكم ولجميع الأمم. قد وُلد مخلص هو المسيح الرب. وتحرك المجوس، وأهدوا إليه القرابين الزكية بالخضوع والسجود، وكوكب النور دليلهم. ويوم دخل المسيح إلى أورشليم، هلل الأطفال مع الكهول والشبان بالتسابيح لله ولابن داود.

والكتب كلها تشهد له مؤيِّدةً ما جاء في الإنجيل، ولكنكم لا تقبلون. فكيف يستقيم أن يُسمَّى المسيح إنساناً أو يُدعى عبداً؟

د - مناظرة حول الصليب

1) استغراب الأمير من عبادة خشبة لا تنفع ولا تضر

قال الأمير: دع عنك الآن هذا كله، وأخبرني: ما بالكم تعبدون الصليب وتؤمنون به، وهو خشبة لا تنفع ولا تضر؟.

قال الراهب: أيها الأمير، هل رأيك أنت وهؤلاء، مشترك فيما قلت إنا نعبد الصليب ونسجد له؟.

قال الأمير: نعم.

قال الراهب: يا سيدي هؤلاء لا يُلامون لأنهم يَدْعون إلى ما دُعُوا إليه، لا علم لهم إن أصابوا ولا إن أخطأوا. وأما أنت، فقد وهبك الله الحسب والنسب، والشرف والمُلْك، والسلطنة وحُسْن الأدب. وقد سبق فيك قول محمد، إذ قال: قدِّموا قريشاً ولا تتقدَّموها، وتعلَّموا من قريش ولا تُعلِّموها. فإن رأْيَ القريشي رأْيُ عشرة رجال. فمن كانت هذه حالته، فكيف يقبل أن يقول إن النصارى يعبدون الصليب؟

2) حب النصارى للصليب لما له من معنى وقدرة

ثم قال الراهب: لا، نعبده. ولو كنا نعبده ما كنا نفعل به ما نفعل من إظهاره على رأس كل جبل وفي كل مكان. لا ينبغي لأحد أن يلوم النصارى على حبهم للصليب، لأنه قد ظهر لهم منه أمور لا تعد ولا تحصى. وذلك أنه عَلَمُ الفداء، ورايةُ النصر والخلاص من الضلالة. وفي ذلك يقول رسول المسيحية بولس: حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي، وأنا للعالم.

ه - مناظرة ختامية حول القيامة والبعث

قال البصري: ويحك، يا راهب، ما أعظم كفرك! إنكم لا تؤمنون بالقيامة ولا البعث ؟

قال الراهب: نحن من أمر القيامة والبعث على الحق واليقين، لأننا قد رأينا القيامة والبعث عياناً. وأما أنتم واليهود، فمن القيامة والبعث على الرجاء.

قال البصري: وكيف ذلك؟.

قال الراهب: قال موسى لبني إسرائيل: إن القيامة ستقوم وإن الله سيبعث مَنْ في القبور. فمات موسى ولم يقم.

وجاءكم محمد وقال: يا معشر المسلمين، إن القيامة ستقوم وإن الله سيبعث مَن في القبور. فمات محمد ولم يقم.

وجاءنا المسيح وقال: يا معشر الناس، إن القيامة بي تقوم، وإن الله يبعث مَن في القبور. فمات وقُبر، وقام وانبعث حياً، وطلع إلى السماء ويأتي ثانية. فنحن من المسيح على التحقيق، وأنتم من صاحبكم على الرجاء.

و - حبس الراهب ثم إطلاق سبيله

فغضب الأمير وأمر بحبس الراهب. فقال الراهب للأمير: ما كان هذا الرجاء منك ولا العهد والميثاق.

فقال الأمير: ما عليك بأس! فمضوا به إلى الحبس.

فلما جُنَّ الليل، دعا الأمير الراهب وقال له: أتحب أن تسكن بلدنا فأُنعم عليك وأُقطِعك وأقوم بشأنك، أم تحب أن أخلي سبيلك؟.

أجاب الراهب: أطلق سبيلي.

فأجازه وأحسن إليه وصرفه بسلام.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10539