اشتراك منظور بن غطفان العَبْسي - المسألة الأولى: الثالوث القدوس
ب - المسألة الأولى: الثالوث القدوس
1) التمهيد: مبادئ أساسية وتعريفات لاهوتية
قال الراهب: قبلناه من الحواريين.
قال المسلم: وماذا قال الحواريون؟.
قال الراهب: نحن معشر الشعوب والأمم، كنا نعبد الأصنام وغيرها، حتى أتانا يوحنا بن زكريا خاتم الأنبياء والحواريين، ودعا إلى معمودية باسم الآب والابن والروح القدس، إله واحد. ففزعنا من هذه الأسماء، فقالوا لنا: لا تفزعوا، فإنها أقانيم الله الواحد.
وليس الأمر كما تُفكرون. إنما نعرف الله بكلمته وروحه جوهراً واحداً وإلهاً واحداً. إذ نقول: ابن الله، فليس هو كمثل الابن من الأب والأم. لكنّ كلمة الله مولودة منه بلا انفصال. ولا هو أقدم من كلمته وروحه، ولا كلمته وروحه بأحدث منه.
ولكنّ الكلمة من الله لم تزل نوراً من نور، إلهاً حقاً من إله حق، من جوهر أبيه، ابن مولود من أب غير مولود، ابن وحيد من أب ليس له والد، كامل غير مُحْدَث، من كامل غير ناقص. إله طاهر من إله طاهر.
والروح البرقليط روح مرفرف متعطف. روح حليم من أب حليم، روح محمود من أب معبود.
فإذا قلنا الآب، فهو الله القوي القادر الذي ليس له ابتداء ولا انتهاء، ولا تغيُّر ولا فناء. وإذا قلنا الابن، فهو الله الكلمة الأزلية الذي لم يزل ولا يزول. وإن قلنا روح القدس، فهو الله الخالق الرحمان الرحيم.
2) إثبات الكتاب المقدس
قال الراهب: ولا تظنوا أن هذه الأسماء لم تظهر إلا على أيدينا، لكن أظهرها الله على يد الأنبياء من قبلنا: اسم الآب في موضع، واسم الابن في موضع، واسم روح القدس في موضع.
وهذا كتابنا قد جئناكم به، فاقبلوه. فإنّا أَرسلنا إلى الشعوب والأمم رحمة من الله إلى العالم. واجمعوا التوراة وكتب الأنبياء، فإن رأيتم تحقيق ما نقول لكم بشهادات من التوراة وكتب الأنبياء فاقبلوه، وإلا فلا تقبلوه.
وجئنا بالإنجيل، فإذا فيه مكتوب: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله.
وفتحنا التوراة، فإذا في أولها: وكان روح الله يرفّ على وجه المياه.
وفتحنا الزبور، فإذا فيه: بكلمة الله خُلقت السماوات وبروحه أحيا جميع الملائكة، وبقوة الله وعلم قدرته، وبكلمته وروحه اجتمعت مياه البحار، وجمدت الجبال والآكام، ويبست الأرض، وأطلقت الأشجار والأثمار، وانعقد ما في البحر، وكل طير، وانجلت الظلمة وظهر نور المصابيح. وقال داود النبي: لماذا ارتجَّت الأمم وتفكَّر الشعوب في الباطل؟ قامت ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه، قائلين: لنقطع قيودهما، ولنطرح عنّا ربطهما. الساكن في السماء يضحك، والرب يستهزئ بهم. إنما قصد، بهذه: الأقانيم الأزلية. وقال أيضاً: أرسل كلمته فشفاهم. وقال أيضاً: أسبح لكلمة الله. وقال أيضاً: إلى الأبد يا رب، كلمتك مثبتة في السماوات وقال أيضاً: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك
وقال الله لموسى: انطلق إلى فرعون وقل له: خلّ ابني بكري إسرائيل يعبدني في هذا الجبل. وقال موسى: يا رب، إن سألني فرعون: ما اسم إلهك؟ ماذا أقول له؟. فقال الله له: قل لفرعون: أَهْيَا أَشِرْ أَهْيَا أرسلني. أَهْيَا بعثني. وقال موسى أيضاً: ربنا وإلهنا إله واحد.
وقال داود: يباركنا الله وتخشاه كل أقاصي الأرض.
وقال الله: لنخلق الإنسان على صورتنا كشَبَهنا. وزرع الله في قلوب الملائكة أنه إله واحد. وقالت الملائكة: اليوم يرينا الله صورته ومثاله. افهم أيها السامع إلى قول الله، إذ يقول عن الثلاثة أقانيم إلهاً واحداً، إذ قال: نخلق إنساناً. وقالت الملائكة: اليوم يرينا الله صورته. فلما خلق الله آدم، أسكنه الجنة وقال: هوذا آدم قد صار مثل واحد منا. ليس أن آدم صار كذلك بذاته. لكن لسابق علم الله أنه شاء أن يكون من نسل آدمَ، آدمُ الثاني الذي هو أحد أقانيم الله الأزلي، ويطلع الى السماء ويجلس على الكرسي. من أجل هذا قال الله: هوذا قد صار آدم مثل واحد منا.
وقال الله: هلم ننزل ونبلبل لسانهم. افهم أيها السامع إلى قول الله: هلم ننزل، سبحانه وتعالى الذي لا يوصف لا بنزول ولا بصعود. ولكنه قال هذا ليعرف عباده أنه وكلمته وروحه جوهر واحد وإله واحد.
قال سليمان الحكيم: من صعد إلى السماوات ونزل؟ من جمع الريح في حفنتيه؟ من صرَّ المياه في ثوب؟ من ثبّت جميع أطراف الأرض؟ ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟.
قال أيوب الصدّيق: روح الله خلقني، وهو علَّمني الحكمة والفهم. وبحكمته ملك كل شيء، وبروحه يدين الخلائق.
وقال إرميا النبي: روح الله هو الناطق بلساني.
وقال إشعياء النبي: يبس العشب وذبل الزهر، أما كلمة الله فتثبت إلى الأبد.
وقال أيوب أيضاً: يمشي على أعالي البحر. فهل مشى على البحر إلا المسيح الذي تريد أنت أن تطفئ نوره، والله مُظْهره ومعظِّمه؟ له السبح والمجد إلى الأبد.
قال الأمير لمن حضر: أحقٌّ ما قال الراهب؟.
قالوا: نعم، أيها الأمير، وأكثر من هذا في الكتب.
قال الراهب لليهودي: ماذا تقول أنت حقاً؟ ماذا قال الله وما بلغت أنبياؤه ورسله؟.
أجاب اليهودي: لا يقاومك في أن الله وكلمته وروحه واحد، إلا من لا ينظر الكتب.
3) الإثباتات بالتشابيه
وسأل الراهب: ما تقول، أيها المسلم؟.
أجاب المسلم: آمنَا بالله ورسله. ولكننا نعلم أنه ليس والد إلا وهو أقدم من ولده.
قال له الراهب: صدقتَ أيها المسلم، كل والد أقدم من ولده، ما خلا الله وكلمته وروحه. الكلمة مولودة منه بلا حَدَث، ظاهرة منه بلا انفصال، إلا أننا نقول إن الله أب. فقد نعلم أن الشمس والقمر والنار مخلوقة، ونرى ضوء جميعها مولوداً منها بلا حَدَث. وحرارتها ظاهرة منها بلا انفصال. كذلك الله وروحه وكلمته بلا تفريق ولا انفصال. لا هم أقدم من كلمته وروحه، ولا كلمته وروحه بأحدث منه، ولا نعرف الله إلا بالكلمة والروح. ولو كان بين الله وبين كلمته وروحه انفصال، لكان له ابتداء وانتهاء.
قال الأمير: ويحك يا راهب! وما تُفرقون بين الله وبين كلمته وروحه؟.
قال الراهب: كما أنه لا يُفرَّق بين الضوء والحرارة وقرص الشمس، كذلك لا يُفرَّق بين الله وكلمته وروحه. لو عُزل عن قرص الشمس الضوءُ والحرارة لم تكن الشمس شمساً. كذلك لو فارق اللهَ كلمتُه وروحُه، لَعَدمَ ولم يكن إلهاً، وكان غير حي ولا ناطق. لأن داود يقول: سبحوا لكلمة الله. وقال: أرسل روحه فأحيا وجدَّد وجه الأرض. ولم يكن داود يسبح ولا يأمر بالتسبيح لمخلوق.
4) الموجز الختامي
وقال الراهب: إن كلمة الله عجيب، لأن الذي لا حدَّ له ولد الابنَ الذي لا ابتداء له، وأظهر الروح بلا انفصال ولا حد، أزلي من أزلي، خالق من غير مخلوق، متجسم من غير ذي جسم، إذ لا يفترق بعضهم من بعض، لأنها أقانيم غير محدودة ولا مدروكة ولا موصوفة.
- عدد الزيارات: 9432