التعليم بإله واحد في ثلاثة أقانيم - عقيدة التثليث يمكن تلخيصها على هذا المنوال
وعقيدة التثليث يمكن تلخيصها على هذا المنوال :
(1) الآب والابن والروح القدس جوهر واحد وإله واحد فقط.
(2) كل من هؤلاء الأقانيم الثلاثة له خاصيّة لا يشترك فيها معه أقنوم آخر.
(3) إن انفصل أقنوم عن الأقنومين الآخرين -وذلك مستحيل- لا يمكن أن يكون هو الله.
(4) كل أقنوم متحد مع الأقنومين الآخَرين من الأزل، وهذه الوحدة غير القابلة للانفصال هو الله.
(5) كل أقنوم مساوٍ للأقنومين الآخرين في الذات والمجد،
(6) العمل الخلاصي لكل أقنوم وُصف أحسن وصف في الكتاب المقدس بهذه الألقاب : الأول الآب والخالق والثاني ابن الله والفادي والثالث المقدس والمعزي،
(7) كما أن الأقانيم المقدسة واحد في الذات هكذا هم واحد في المشيئة والقصد والسلطان والقِدم وسائر الصفات الإلهية.
أما قول المسيح "أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" في يو 14 :28 فهذا بالنسبة إلى ناسوته، لأنه يعبّر عن وحدته مع الآب في الذات بقوله "أَنَا وَالْآبُ وَاحِد"ٌ (يو 10 :30). وقد يعترض بعضهم بأن هذه العقيدة المسيحية متناقضة، وبما أن اعتراضهم خطأ ظاهر نجيب أن التثليث ليس خطأً بل هو سر عجيب، ويجب أن ننتظر أسراراً كثيرة في الكتب المقدسة وخصوصاً ما يتعلق بجوهر الله. إذ لو خلت حقيقة الله من الأسرار لأدركتها العقول البشرية كما تدرك سائر الأشياء المحدودة، وهذا محال، لأن السر هو أن لا تعرف كيف ينمو الزرع مع أنك تعرف أنه ينمو، والعالم مملوء بالأسرار، والإنسان سر في نفسه فإنه لا يقدر أن يعرف كيف تسكن روحه في جسده وكيف تدبّره فهل تؤخذ هذه البراهين على بطلان الحقائق؟ لو كان الأمر هكذا لكان كل شيء باطلاً. والكتاب المقدس أحق وأولى بأن يتضمن أسراراً غامضة تحار في معرفة كنهها فطاحل العلماء. فهل من الصواب والحكمة أن نرفض كتاب الله لاشتماله على مسائل تفوق عقولنا ونستبد بآرائنا الخصوصية؟ فاحكموا أنتم!
كل مطلع خبير بالكتاب المقدس يعلم أن عقيدة الثالوث مأخوذة منه بدلالة آيات كثيرة في غاية الصراحة، وهي التي منها صاغ المسيحيون نصَّها مع اختلاف قليل في اللفظ فقالوا - لا يوجد إلا إله واحد حي حقيقي أزلي، ليس له جسد، ولا يتألم، غير متناهٍ في القدرة والحكمة والصلاح، صانع وضابط كل الأشياء ما يُرى وما لا يُرى،
ولذاته القدوس ثلاثة أقانيم في جوهر واحد : الآب والابن والروح القدس.
وعدا موافقة هذه الصيغة للأسفار المقدسة فإنها موافقة لمؤلفات المسيحيين الأولين الذين بقيت كتاباتهم إلى عصرنا الحاضر مما يدل على أنهم فهموا الكتاب من جهة هذه الحيثية كما فهمناه.
ويعلّمنا العقل أن لا نتجاوز في البحث والاستقصاء ما أعلنه الله عن ذاته وقال الحكماء : البحث عن ذات الله كُفر.
يؤكد بعض إخواننا المسلمين أن التوحيد مخالف للتثليث، لكن الحقيقة هي حيث أن العقيدتين معلنتان في كلام الله، فلا يمكن أن يكون يبنهما تناقض لأن التوحيد لا ينفي كل نوع من أنواع التعدد. مثال ذلك من المعلوم أن الله متعدد الصفات، يقال رحيم حكيم قدير عادل الخ حتى وصفه علماء المسلمين بأنه مجمع الصفات الحسنة جامع صفات الكمال، لكن تعدد الصفات لا يبطل وحدة الذات. ومثل ذلك تعدد الأقانيم لا يبطل وحدة الجوهر الإلهي وعلى فرض أنه لا يوجد في الخليقة ما يصلح أن يؤخذ مثالاً موافقاً لشرح هذه الحقيقة إلا أنه يوجد بعض الأمثلة التقريبية - ورد في التوراة أن الله خلق الإنسان على صورته (تك 1 :26).
ويوافق ذلك ما قاله علي بن أبي طالب من عرف نفسه فقد عرف ربه. فلنتخذ هذا مثالاً تقريبياً لموضوعنا، فنقول إن كل رجل هو واحد غير أنه يصح أن يتكلم عن روحه ونفسه وجسده قائلاً عن كل منها -أنا- هنا ثلاثة أشياء يكاد يتميز أحدها عن الآخر، لأن الروح ليست النفس، ولا هذه ولا تلك هي الجسد. وعليه فليس من الخطأ أن ندعو كلاً من هذه الثلاثة رجلاً، إلا أنه لا يوجد في الثلاثة إلا رجل واحد. ومما لا شك فيه لا يكون أحد الثلاثة خلواً من الاثنين الآخَرين، كما لا يمكن التفريق بين الواحد والآخر على الأقل في هذه الحياة.
إن هذا سر من الأسرار الكثيرة المودعة في طبيعتنا ولسنا نفهمها، فإن كل امرئ على وجه الأرض يشعر بهذا التمييز في طبيعته بين روحه وعقله ونفسه، في حين أنه لا يرتاب في وحدة ذاته، على أننا لسنا نقيم هذا المثال ولا غيره دليلاً على صحة التثليث، بل الدليل على صحته كما قلنا مراراً الكتاب المقدس وكفى به دليلاً لأنه صادر من الله وهو يعرف نفسه أكثر مما نعرفه. وغاية ما نقصده من سرد الأمثلة أن ندفع الشبهات التي يعترض بها على هذا الموضوع ونبرهن أنها صادرة عن سوء فهم لإزالة ما عساه يكون عثرة أمام طالب الحقيقة المخلص.
- عدد الزيارات: 11387