Skip to main content

بحث في كيفية انتشار الإسلام

الصفحة 1 من 4

الفصل السابع

بحث في كيفية انتشار الإسلام

أولاً في بلاد العرب ثم في البلاد المجاورة


من ابن هشام وسير نبي العرب الأخرى نعلم أنه لما ادعى النبوة في مكة في الأربعين من عمره استعمل أولاً الوسائل الودية لانتشار دينه الذي دعاه دين إبراهيم وثبت تعاليمه بتعاليم زيد الحنيف واستعمل نفوذه الشخصي وشدد وحاج العرب ليرجعوا عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله تعالى. وكانت امرأته خديجة أول تابعة له ثم تبعها سبعة وهم عبده يزيد بن حارثة (ففك عبوديته) وأبو بكر وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة. ويذكر ابن هشام أسماء آخرين اعتنقوا الإسلام أولاً منهم الفتاة عائشة وهؤلاء اعتنقوا الإسلام سراً في السنوات الثلاث الأول لنبوة محمد ثم بدأ يذيع تعليمه جهراً تحت حماية عمه أبي طالب الذي لم يكن قد أسلم بعد. ولا نعلم إن كان قد اعتنق الإسلام بعد ذلك أم لا. وقد ذكر ابن هشام في الجزء الأول باب الهجرة الأولى إلى الحبشة أن ستة عشر مسلماً فقط هم الذين هاجروا في السنة الخامسة ولكن لحقهم من وقت لآخر آخرون إلى بلاد النجاشي حتى بلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلاً عدا بعض النساء والأولاد ولا دليل على قول بعضهم أن النجاشي أسلم إذ أن بلاد الحبشة لا تزال إلى اليوم تدين بالديانة المسيحية. وبعد ذلك بقليل أسلم قريب من أربعين من رجال ونساء بمكة ويقول أيضاً أن عشرين من نصارى نجران سمعوا القرآن وآمنوا. ولكن غالباً ليس بصحيح فإنه أولاً لا يمكن للمسيحيين أن يدخلوا مكة التي كانت وقتئذ ملأى بالأصنام وثانياً لأنهم بالطبع لم يجدوا في كتابهم عنه شيئاً كما قال ابن هشام وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.

وقد اجتمع أشراف قريش فأراد محمد ربحهم إلى جانبه بأن أكد لهم أنهم يملكون العرب وتدين لهم العجم لو عبدوا الله وتركوا عبادة الأصنام (ابن هشام).

وبعد هجرة كثيرين من أتباعه إلى الحبشة سعى نفس هذا المسعى لربح قريش بقوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها (راجع سورة الحج 22: 52) وتفسيرها فانتشرت الأخبار إلىالحبشة بأن أهل مكة قد أسملوا فرجع أكثرهم فوجدوا ما كانوا يخبرون به من إسلام أهل مكة باطلاً لأن محمداً غير الجزء الأخير من الآية حالاً كما تراها الآن في سورة النجم 53: 21-23).

وقد زار بعض رجال الأوس والخزرج الساكنين بيثرب أو المدينة مكة وهناك سمعوا محمداً فأسلم أحدهم ولكنه مات حالاً بعد وصوله لبيته وانتشر الإسلام رويداً ثم جاءه ستة نفر واعتنقوا الإسلام فلم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر رسول الله. وفي بيعة العقبة الأولى جاءه اثنا عشر رجلاً وأرادوا مساعدته قال ابن هشام فاشترط علينا أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا ولا أرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وفينا نلنا الجنة. وسميت هذه البيعة بيعة النساء لأنها لم يفترض عليهم فيها حرباً. وقد بعث النبي مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين.

ثم ربح آخرين منهم رئيسين قويين هما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وفي السنة التالية رجع مصعب إلى مكة مع ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من المدينة مسلمين. وفي بيعة العقبة الثانية أرادوا أن يساعدوه بسيوفهم كي ينصروا الإسلام على الشرك فقال لهم لم نؤمر بذلك ولكنه بعد مدة وجيزة صرح لهم أن الله أذن له بالحرب حتى يكون الدين كله لله. ووعد المؤمنين بالجنة. وبعد الهجرة ذهب كل مسلمي مكة تقريباً إلى المدينة وبقي في مكة محمد وأبو بكر وعلي مدة ثم هربوا من الخطر. ولا نعلم عدد المسلمين الذين تركوا وطنهم لأجل دينهم. وبعد سنة ونصف من الزمان خرج معه في غزوة بدر (الأولى) نحو ثلاثة وثمانين مهاجراً فنستنتج من هذا ان عدد الذين أسلموا في الثلاث عشرة سنة الأولى بواسطة تعليمه أكثر من المائة بقليل. ولنلاحظ أنه قد مات منهم نفر قليل. أما الذين اعتنقوا الإسلام في المدينة فكانوا يقلون عن مسلمي مكة بقليل وهؤلاء ربحهم بترغيبه لهم في الملذات الجسدية.

وقد ذكر أبو بكر في خطبته في جامع المدينة بعد موت محمد بقليل كيف أن مساعي محمد الودية لم تفلح في مكة فقال ما معناه مكث محمد أكثر من عشر سنوات بين قومه يدعوهم إلى الإسلام فلم يؤمن منهم إلا القليل وأخيراً بمشيئة الله تعالى بعث إليكم نور محياه واتخذ مدينتكم مأوى هجرته (عن روضة الصفا).

وقد مكث محمد ثلاث عشرة سنة يعمل بالوسائط الودية لنشر دينه وهذه هي الطريقة التي يجب على كل نبي حقيقي أن يتبعها ولكنه غالباً عرف كما صرح أبو بكر أن هذه المساعي لم تفلح إذ طرد من مكة مع أتباعه وسكنوا بين قبائل معادية لقريش. وقد أبقى في ديانته كثيراً من العوائد الوثنية كالطواف والحج واستلام الحجر الأسود فكان يستحيل عليه وعلى أتباعه أن يتمموا هذه الفرائض إلا إذا حاربوا أهل مكة (سورة الحج 22: 41 و42 وسورة البقرة 2: 216) ولم يرجع الأنصار عن رغبتهم في الحرب بل أخبرهم أن الله أمر بالجهاد لأجل الدين فصار نبي السيف وصار السيف حجة الإسلام الوحيدة من ذلك اليوم.

الجهاد في سبيل الله بالسيف
الصفحة
  • عدد الزيارات: 15996